ما مستقبل الديمقراطية في مصر؟

د. شاكر النابلسي في الأربعاء ٢٠ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

-1-

من الواضح والمعروف الآن، أن تطبيق بعض آليات الديمقراطية، التي تغاضى عنها عهد مبارك طيلة ثلاثين سنة مضت، أصبحت الآن على رأس المطالب الشعبية المصرية. وهي مطالب ذات قيمة سياسية كبيرة ومهمة، ولكن تطبيق هذه الآليات لن يتم بين يوم وليلة. وليس لهذه التطبيقات (ريموت كنترول) بحيث تتم بين غمضة عين وانتباهتها. وإنما تحتاج هذه التطبيقات إلى تربية النشء تربية ديمقراطية، وإلى الارتفاع بمستوى المعيشة لسكان يتكاثرون باستمرار، وهمهم بالدرجة الأوللى زيادة عدد أفراد الأسرة، دون الارتقاء بمستوى المعيشة، وتنشئة أطفالهم في مستوى اجتماعي أفضل.

-2-

وعهد مبارك، لم يستطع أن ينتقل بسرعة تماثل سرعة هذا العصر وثورة الاتصالات والمعلومات فيه، من عهد "الدكتاتورية المطلقة" التي استمرت نحو ثلاثين سنة، والتي مارسها عبد الناصر (1952-1970)، ثم مارسها من بعده السادات (1970-1981) إلى عهد "الديمقراطية المطلقة"، كما تطالب ثورة 25 يناير الآن.

فقد ورِث عهد مبارك الدكتاتورية السياسية من عهدي عبد الناصر والسادات، كما هو معروف. كما ورِث الفساد المالي والإداري عن هذين العهدين كذلك. وهو الفساد المالي والسرقات التي تمّتَ خلال تطبيقات سياسة التأميم في عهد عبد الناصر، وما حاز عليه الضباط، الذين أشرفوا على تنفيذ سياسة التأميم، من مجوهرات، وأموال، وعقارات، وخلافه، نقرأ عنها بالتفصيل في كتاب المؤرخ المصري حسين مؤنس (باشوات وسوبر باشوات)، وكتاب الباحث المصري شفيق مقار (قَتلُ مصرَ : من عبد الناصر إلى السادات). أما عهد السادات (1970-1981) فيؤرِخ لفساد مالي وإداري وانطلاق الجماعات الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمون من قمقمها، حيث بدأ نشاطها السياسي من جديد بعد أن تم قمعها، وتعذيبها، في عهد عبد الناصر.

-3-

هل يُنتظر من مصر بعد 25 يناير مباشرة، أن تصبح دولة ديمقراطية لشعب يعي ويعرف، كيف يمكن أن يُطبَّق آليات هذه الديمقراطية.

وهل يمكن لثورة 25 يناير، أن يكون مصيرها كمصير الثورة الفرنسية، فيما لو استمرت عمليات الانتقام، من رموز عهد مبارك على النحو الذي يجري الآن؟

فهناك تماثل واضح بين ثورة 25 يناير، والثورة الفرنسية. وكأن التاريخ يعيد – فعلاً – نفسه وبشكل حرفي دقيق، في بعض الأحيان. وهذا ما نقرأه في رسالة جواهر لال نهرو التي بعث بها من سجنه إلى ابنته انديرا غاندي عام 1932 وهو يتحدث فيها عن سقوط الباستيل، فيقول: "اجتمعت الطبقة الوسطى في ملعب للتنس، وأقسمت ألا تغادر المكان إلا بعد وضع الدستور. ولما حاول الملك لويس إخراجهم من الملعب عام 1789 بالقوة، عصي الجنود أوامره. والأزمة عندما تصل إلى مرحلتها الحقيقية في الثورات، عندما يعصي الجيش الأوامر بإطلاق النار على الشعب.  وقام الشعب بعد ذلك باحتلال سجن الباستيل وإطلاق سراح المعتقلين."

ويُجزم نهرو، بأن ثورات الشعوب في التاريخ، لا يقوم بها غير الشباب، كما ثورة 25 يناير المصرية. ويكتب نهرو في عام 1932 رسالة لابنته انديرا، يقول فيها:

"الثورات لا يخوض غمارها عادة إلا الشباب. ومع أهمية هؤلاء الشباب، إلا أن واحداً منهم لم يطبعها بطابعه الخاص، لأنها انبثقت من الطبقات السفلى، ولم تكن واقعة تحت سيطرتهم. وكانت زلزلة بشرية من تلك الزلازل التي يتمخض عنها التاريخ، عندما تتفاعل العوامل الاجتماعية، والاقتصادية، والأحقاب الطويلة من الشقاء والطغيان معاً، على النار الهادئة، حتى تصل إلى درجة الغليان."

-4-

وهذا التماثل التاريخي بين ثورة 25 يناير المصرية والثورة الفرنسية، يُحتِّم على ثورة 25 يناير، أن تتجنب أخطاء الثورة الفرنسية، وأن لا تقع في الأخطاء القاتلة نفسها التي وقعت فيها الثورة الفرنسية 1789، والتي نقرأها في التاريخ.

يقول المؤرخ الألماني رونالد سترومرج في كتابه الموسوعي ("الفكر الأوروبي الحديث"، 1601-1977) عن الثورة الفرنسية: "جاءت تلك التيارات المتطرفة، فشوهت سمعة الثورة الفرنسية، وأضعفت الثقة بها. فهذه الثورة التي استقبلتها أوروبا بالبهجة والتهليل، سرعان ما جاءت التسعينات من القرن الثامن عشر، لتخيب الآمال المعقودة عليها، بسبب اندفاعها، ولا سيما نتيجة لما أشاعته من اضطهاد وإرهاب. فبادئ ذي بدء سحرت الثورة الفرنسية جميع المثقفين بتألقها وتوهج حماسها وطهرها، بمن في ذلك العشرات من رجال الفكر ومنهم إدموند بيرك، الذين أصبحوا فيما بعد من ألد أعدائها، وذلك حين بدأت الثورة تضل طريقها، وتنعطف نحو العنف، والسلب، والمظالم، وتنتهي بحكم الإرهاب والتهام أبنائها."

-5-

فأين الخلل؟

بالنسبة للثورة الفرنسية، كان الخلل يكمن – كما قال السياسي الايرلندي إدموند بيرك في كتابه "تأملات في الثورة الفرنسية" – في التنظير الفكري المجرد، وبالأحلام الثورية الوردية، أكثر من النظر إلى الواقع على الأرض، ومشكلاته العسيرة، وإلى محاولة قادة وعناصر الثورة إلى تدمير النظام السياسي بأكمله، وإحلال نظام جديد محله، بين عشية وضحاها.

وما نخشى منه على ثورة 25 يناير، هو هذا العطش الكبير لدماء رموز عهد مبارك، وهذا الظمأ الشديد لإرواء الغل من عهد مبارك، والحقد على رموزه وعناصره. وهذا ما لاحظه علي سعد الموسى في مقاله (مبارك والثورة: الحصول على محاكمة عادلة) في "الوطن" السعودية (27/4/2011) حيث قال ما يشعر به كثير من المراقبين والمحللين السياسيين، الذين يخشون من أن تقع ثورة 25 يناير، في أخطاء الثورة الفرنسية، والثورات الدموية الأخرى:

" لم أعثر على كاتب واحد تشجَّع، ليقول بكلمة اختلاف في حق مبارك الذي أصبح المادةالقضية. على العكس، هناك عشرات الكتَّاب الذين كانوا معه، بداية يناير 2011 ، ثمانقلبوا عليه في نهاية فبراير 2011. وهذا لا يفضح النفاق، فهم أبرياء من التهمة، بل يفضحأهم مبادئ الثورة: الحرية، التي تقول بها الثورة ألف ألف مرة. فمن هو الكاتب الحر الآن، الذييستطيع أن يقف أمام هذا الطوفان؟ وهنا أخطر أمراض الحرية في الثقافة العربية، حينتوغل في لجم كل من يختلف مع قياساتها، فلا يلد منها إلا كبت هذا الاختلاف."

وأضاف الموسى:

"تشدَّقَالبعثُ بمفردة الحرية. والحرية لديه هي فقط مفردات البعث. تشدَّقت الحركة الناصريةبالحرية. وإن لم تكن ناصرياً، فلا حرية لك أن تقول. قالت جُلَّ حركات ]الإسلام السياسي[أنالدين هو الحرية، ولكن بحسب نسختها من صورة الدين! وفي المؤشرات التي تقرأ أدبياتثورة 25 يناير، لا توجد مفردة شائعة بأكثر من مفردة " الحرية"، ولكنها الحرية التي تتطابق بالقياسات مع دفع المرحلة، التي تتهم علناً أي صوت مضاد بالعمالة، والخيانة،والانتساب للنظام البائد."
 

-5-

ما يجب أن نفهمه جيداً، قول إدموند بيرك في كتابه: "أن المجتمع  نتاج تاريخي مترامي الأطراف، وبالغ التعقيد. وأنه لا يجوز أبداً أن يتعامل الإنسان معه، تعامله مع الآلة. والتاريخ هو الذي يشكل الجماعة السياسية."

ومن المبكر جداً للتاريخ المصري الجديد، أن يُشكِّلَ الجماعة الديمقراطية السياسية الجديدة.

 

 

اجمالي القراءات 11443