مجلس الشعب كما أحلم به!

محمد عبد المجيد في الإثنين ٠٤ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

عندما يقضي الشعبُ علىَ الطاغية، يبحث الفسادُ عن طرقٍ غير مُلتوية ليعود إلىَ قواعدِه سالماً!

إذا لم تستطع أنْ تتغلب عليهم، انضم إليهم! هذا مثل أمريكي يمكن أنْ ينطبق على الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في مصر كثمرة لنجاح ثورة شباب يناير.

الديمقراطية الحقيقية هي تلك التي تقوم على أرض صُلبة من المعرفة، وتختفي من صناديق الاقتراع أصوات الأميين، وتنزوي الطائفية، ولا يزعم أحد ٌأن اللهَّ أمره باعطاء صوته لأحد المرشـَحين، أو أنه استلطف مرشـَحاً بعينه، لأنه رجل الخير الذي يمنح الفقراءَ أمواله ويظل طوال الليل مُتضوراً من الجوع!

أوهن ضلعٍ في جسد الديمقراطية هو نظام الدوائر الذي صنعه عبقري في الفساد، فجعله ثغرةً تكبر باختيار المواطنين، ثم تبتلعهم واحداً إثر الآخر.

يترشح عن الدائرة ثلاثةٌ أو أربعةٌ لا يصلح أيٌّ منهم لأنْ يكون نائبَ عُمدة في قرية متناهية الصِغـَر علىَ حافة تِرعة، ويضطر الناخبون لاعطاء أصواتِهم لواحدٍ من الخيارات المتاحة أمامهم حتى لو كان لا يعرف موقعَ القاهرة على الخريطة، ولم يركب القطار المجري من قبل!

تحت قُبة البرلمان تأتيه رموز الدولة، ويقرأ رئيس الوزراء بيانَ الحكومة، وتتم مناقشة سياسة التسلح والصلح مع الأعداء وترسيم الحدود وحرب المياه وأسعار الغاز وقوانين الضرائب وإنشاء جامعات جديدة والحفاظ على البيئة، وصاحبنا الذي يحمل الحصانة البرلمانية تبتعد شفتاه عن بعضِهما، ويحاول استيعاب ما يجري حوله فلا يجد غير أناس يلهثون خلفه، ويُقدمون له وعودا عسلية بعدما ينتهي من انهاء طلباتهم لدى المسؤولين.

إنه لم يَعُد ممثلا لدائرة أو قرية أو جماعة صغيرة من البشر، لكنه يمثل الأمة كلها، وصوتُه يضيف إلى القرارات المصيرية لمستقبل الوطن، وحجب صوته بتأثير الآخرين قد يُسقط حكومة، فكيف تسير عجلة الحياة إلى الأمام.

نظامُ الدوائر هو العدو الأول لثورة الشباب، وكل ما قام به أبطالنا الصغار سيتم قتله على مذبح هذا النظام الأحمق، وكل النجاحات ستصطدم في صناديق الاقتراع التي تلد جنينا مُشوَّها يظن أهله أنه مكتمل الصحة والعافية.

مصر لن تتقدم في ظل هذا النظام الانتخابي المتخلف ، فنحن في أمَسِّ الحاجة لأن نقفز قبل أن نلهث، ونجري قبل أن نمشي، ونطير قبل العَدِّ التنازلي لبدء سباق التقدم والتحضر نحو عالم الاكتفاء باعتبار أن عالم الرفاهية لم يزل بَعْد في أحضان أحلام اليقظة.

الحل ( الوحيد ) كما أراه ولا ألزم به أحدا هو تقديم كل مؤسسة ونقابة ومعهد بحث علمي وكلية جامعية واتحاد مهني أو شبابي واحدا أو اثنين من أهم الشخصيات العلمية والفكرية والثقافية والأدبية والتخصصية والإعلامية فيتكون لدينا عدة آلاف من أهم علماء وخبراء ومفكري ومثقفي الوطن.

لجنة محايدة تختار ألفين في تصفية أولية يَعِزّ على كل عضو فيها استبعاد عالِم أو عبقري أو باحث.

لجنة ثانية تختار ألفاً من الألفيّن تدمع عينا كل عضو فيها وهو يستبعد الألف الأخرى كأنه يقتطع من جسده.

لجنة ثالثة تقوم بتصفية نهائية، وتـُبقي علىَ عدد أعضاء مجلس الشعب الذي لو وقف أمامهم رئيس الوزراء يُلقي بيان الحكومة فسيسقط مغشيا عليه، ولن يستطيع تقديم رقمٍ أو كلمة أو احصاء أو معلومة غير صحيحة، لأنه أمام صفوة علماء وخبراء وأكاديميي ومتخصصي ومثقفي ومفكري الأمة.

هذا هو مجلس الشعب الذي أتخيله، وأحلم به، وأراه مَخْرجا وحيدا لتلحق مصر بركب العصر في تشريعات عادلة، وذكية، وترعى مصالح الشعب، وتسُدّ كل ثغرات الفساد.

ما عدا ذلك فلا أثق قيد شعرة في مهرجانات الاقتراع التي تشبه مولد السيد البدوي، ولا أثق في لافتة، ولا أُصَدّق وعود كل الذين يترشحون ولو أتوا بملء الأرض أدلة على صلاحهم وأهليّتهم و .. اخلاصهم.

في هذا المجلس لن تعرف الحزبيَّ من المستقلِ، ولا الوفديَّ من الناصري، ولا المسلمَ من القبطيِّ، ولا اليمينيَّ من اليساري.

في هذا المجلس يتوحد المصريون، وينصهر الوطن كله في الحرم الديمقراطي، ولن يزايد أحدٌّ علىَ أحدٍّ، ولن يجلس في مقعد محصن جاهلٌ بفضل أصوات قبيلته وعائلته ومعارفه و .. أمواله التي نثرها ذات اليمين وذات الشمال.

في هذا المجلس لن تسمع تصفيقاً، ولن يخاف عضوٌ من وزير أو مسؤول أو رئيس المجلس أو حتى رئيس الدولة لو وقف أمامهم، فسحبُ الثقة سيكون بضغط من الضمير اليقظ وليس بلعبة التحالفات الحزبية.

لو كان الأمر بيدي لناديت لجمعة مليونية في ميدان التحرير تطالب بالغاء نظام الانتخابات العقيم لمجلس الشعب، وينتهي إلى غير رجعة نظام الدوائر الأبله، وهنا .. هنا فقط نستطيع الاطمئنان على نجاح الثورة.

إن الثلاثين عاما المنصرمة جعلت الفساد ينخر في كل ركن، وصنعت منه سبعين صورة نائمة وعلى رأسها صناديق الانتخابات المزينة ديمقراطيا بفضل الميديا.

مجلس الشعب المولود من صناديق الاقتراع في نظام الدوائر يعني عودة الدكتور أحمد فتحي سرور في ثوب جديد يبدو للطيبين كأنه غير الذي عرفناه في العهد البائد، لكنه في الواقع حرباء تستطيع أن تظهر بكل ألوان الطيف في مراحل متعددة، وعهود متجددة لتحافظ على الفساد، وتقوم بحمايته، وتضفي عليه، زيّفاً، سِمة العصر.

مجلس الشعب الجديد ينبغي أن يكون أقل أعضائه عِلْما ومعرفة أستاذاً جامعيا، أو رئيسا لمعهد البحوث والدراسات التاريخية أو الجغرافية أو الترجمات أو ...

إذا اصطكت أسنانُ الوزراء، وتخلخلت رُكـَبُهم، وتلعثمت ألسنتهم قبيل الوقوف أمام أعضاء مجلس الشعب الجديد فإن مصر تكون قد خطت الخطوة الثانية في مستقبل مشرق بعد الخطوة الأولى .. ثورة 25 يناير العظيمة.

مقعد مجلس الشعب يجب أن يكون فيه الهيبة والعِلم والفكر والوطنية والشرف والنزاهة، فضلا عن تاريخ من الأمانة وعبقرية الادارة والشجاعة الأدبية، وهو يختلف عن مقعد العمدة، أو شيخ الخفر، أو المعلم في المقهى الشعبي.

مجلس الشعب الجديد يجب أن يكون كالمعبد احتراما وتوقيرا، وكمحراب العلم،والجلسة فيه كالصلاة تُطهر النفس من الآثام والموبقات، وترعى الله في مصالح الشعب وأمواله وخيراته.

التشريعات العادلة لا تختلف عن التقرب إلى الله، والبرلمان الذي يخيف القصر أفضل حماية للشعب من ضمير رئيس الدولة.

نحن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما مولد سيدنا عضو مجلس الشعب، وفيه هرج ومرج ولافتات مُلونة تغطي شرفات المنازل وتطالب الناخبين بأن يمنحوا أصواتهم للحاج فلان الفلاني ابن الدائرة الشهم والكريم، وفي هذه الحالة يكون مستقبل أبنائنا قد سقط كثمرة ناضجة في أيدي قوى الجهل ونصف الأمية، وتحلق روح الدكتور سرور فوق قبة البرلمان وهي تجلجل ضحكا على عباطتنا وهبالتنا وسذاجتنا وطيبتنا.

وإما أن نصنع بأنفسنا ممثلينا من صفوة النخبة، ومن موسوعات متحركة خرجت من مؤسسات البحث والفكر والأدب والتاريخ والعلوم والادارة والإعلام والاقتصاد وغيرها ، وهنا تجلس في بيتك، وتذهب لعملك، وتسافر وتعود وتمارس حياتك اليومية وأنت مطمئن أن ممثليك في الحرم الديمقراطي هم عينك الساهرة على مصلحتك، وهم لسانك الذي سيضع مطالبك قيد التشريع قبل أن تنبس ببنت شفة.

خياران لا أحسب أن عاقلا واحدا سيميل إلى الأول، وسيفضل مصفقين يمثلونه بدلا من حراس أمناء على أسرته وعائلته ودائرته ومدينته و.. بلده.

تلك هي خلاصة اهتمامي الذي شغلني كثيرا أضعها أمام من يهمه الأمر .. المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والدكتور عصام شرف رئيس الوزراء، وائتلاف شباب الثورة، وزملائي من الإعلاميين الخائفين على سرقة الثورة، فربما تخرج الفكرة للنور، ثم يتحمس لها البعض، فالكثيرون، ثم يظهر المدافعون عنها، ليصبحوا المعتصمين من أجلها!

أليس هذا التسلسل الطبيعي للأحلام من أجل تجديد شباب الثورة؟


محمد عبد المجيد

رئيس تحرير مجلة طائر الشمال

أوسلو في 4 ابريل 2011

Taeralshmal@gmail.com


 

اجمالي القراءات 10341