خدت بتارك يا بابا
الشعب المصري أستاذي

عمرو توفيق في السبت ٢٦ - فبراير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

أخدت بتارك يا بابا-1-
يبكي القلب فرحا وتكاد أن تستجيب العين عندما أوجز لكم قصة هذا الرجل الذي يأبى ذكر اسمه.
أخدنا بتارك يا بابا...قالها له ابنه الجميل عندما عاد الابن من معركة مع الشرطة أثناء قمعها لمظاهرات الثورة بعد أن أحرق مع زملائه مدرعة الشرطة التي كانت تحاول الفتك بهم.
الأب في الحقيقة كان قد نسي ثأره مع الشرطة لأنه تعلم أن يغفر عسى الله تعالى أن يغفر له.بل قد تعلم أن يصلي من أجل أعدائه ويبارك لاعنيه نتيجة اطلاعه على تعاليم السيد المسيح عليه السلام.ولم يفرح أيضا.. لأنه قد سيطر عليه شعور الشفقة على ابنه المحبب إلى قلبه(وهوخبير كمبيوتر والأول على دفعته ولم يعين معيدا ربما بسبب ملف أبيه ، وهو وزملاؤه ثروة لمصر) ولا يعلم ماذا سيحدث لهم.. فالثورة لم تكن قد انتهت بعد.وإن كان (الأب) قد قال لأمه عندما أصابها الهلع على ابنها:أنت تكرهين مبارك وتريدين الحرية إذن فادفعي الثمن وليكن حياة ابنك بل ليكن الثمن حياتنا جميعا.وتذكري الأم التي قالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم جميعا(أولادها)فنزلت الأم إلى المظاهرة مع بنتها الوحيدة التي حملت لافتة كتبت عليها:ارحل وخللي عندك كرامة..قبل ما تخلعك ماما، فضحك كثير من المتظاهرين وحيوها والتقطوا صورا لها.
أخذ الأب يفكر لماذا يريد الابن أن يأخذ بثأر أبيه؟
فدار شريط الذكريات وتذكر الأب أن ابنه- وهو طفل- شاهد رجال الأمن المركزي يقتحمون البيت مع ضباط أمن الدولة مدججين بالرشاشات ليأخذوا أباه من أحضانهم.
تهمة الأب أنه كان يسعى- مع مجموعة لا تتعدى 40 شخصا تقريبا- إلى إحداث ثورة إسلامية على غرار الثورة الإيرانية؟؟
رغم أن كل ما فعله هو أنه كان يحب الإمام الحسين ع  واستشهاديته وذهب إلى الهند لتلقي العلم على يد جماعة مستنيرة(غير خمينية) كانت تعنى بشؤون النهضة الإسلامية. ومكث هناك مدة قليلة تلقى خلالها محاضرات عن النهضة والحركات الإسلامية والفقه والتدبر في القرآن وتعاليم روحية جميلة وفن الخطابة وغيرها .
بعد أن وصل إلى لاظوغلي وضعوا كالعادة الغمامة على عينيه وكبلوا يديه من الخلف وأرغموه على الوقوف حتى خارت قواه ووقع مكفيا على وجهه  وأفاق باستدعائه للتحقيق:
-انت شيعي؟
-إذا كان حب الحسين تشيعا فالشعب المصري كله شيعي.يزوره في مولده مليون زائر يوميا بينما فيلم ناصر الذي كان الشعب يقدسه ورغم الدعاية الهائلة لم يشاهده في السينما غير مليون أو اثنين(حسبما قيل وقتها)
-درستم ايه في الهند؟
-التدبر في القرآن و.. و.. و- كان يعلم عدم جدوى الإنكار لاستشعاره من كلامهم أنه قد وشى أحدهم به.
-كنتم عايزين تعملوا ثورة؟
-نعم بس انتم أجهضتوها قبل أول خطوة.
يبدو أن الكلمة أشبعت غرورهم:
-طبعا احنا مصحصحين واحنا واحنا..وانتم وانتم..
-طبعا.
ونجى الرجل من تعذيبات التحقيق ولكن كان لا يسمح له بغلق الباب على نفسه أثناء قضاء حاجته تحت رقابة الصول الذي كان يفك الكلبش من يد واحدة فقط وضربه على ظهره بكلبش آخر قبل الدخول إلى المرحاض.
كان ينتظر جالسا على البلاط البارد خارج غرفة التحقيق وهو معصب العينين. كان ما يطمئنه أنه كان هناك من يأتي ويربت على ظهره أو يداعب أصابع قدمه(نعم إن منهم طيبين وقد يكونون معنا؟؟)
نُقل الأب إلى استقبال طره ومكث أياما في زنزانة انفرادية مظلمة نتنة الرائحة وتلذذ البعوض بدمه وهاجمه جيش الصراصير حتى اضطر أن يتغطى بالبطانية القذرة ليتصبب عرقا فيرجع مضطرا إلى البعوض والصراصير حتى يغلبه النوم.وفي الظهيرة يلقون له الطعام على الأرض فيأكله مضطرا فلم تكن هناك زيارات قبل العرض على النيابة.
عرض على النيابة فوجد رئيس النيابة الطيب الذي كان وكيلا للنيابة من قبل وحقق معه في قضية سابقة(بتهمة باطلة أيضا) فأخذه بالحضن ولاطفه رئيس النيابة ونصحه بألا يذكر شيئا عن إيران!!!
جاءه ابنه مع أمه في زيارة، فجلس الأب مع الأم على الأرض يتسامران بينما كان الابن يلهو بالجري دائرا حولهما وكأنه يطوف بالكعبة المشرفة.وسردت الأم للأب التنكر الذي قوبلت به بعد التشنيع الصحافي.. فصرخت في أولادها:أبوكم أشرف رجل في مصر وليس عميلا لإيران كما يقول لكم الناس.. وسبت هؤلاء الناس في وجوههم.وزاد عليها مرض السكر والضغط.. شفاها الله تعالى.
جاء التفتيش ليفتش الزنزانة ويزيل المحظورات التي لا يسمحون بها مثل الكبريت والحبال والمسامير وأسلاك الكهرباء لزوم تسخين الطعام والشراب، وبدءوا يفتشون المعتقلين فبدأ الصول بتفتيش الأب بطريقة غير لائقة فتحركت يده اعتراضا فنزلت عليها عصا جندي الأمن المركزي المكهربة وسبه الصول بأمه(لا داعي لذكر السبة القذرة مراعاة لشعور القراء) سب الأم الطاهرة القلب التي علمته وأفنت حياتها من أجله(مولودة في 25 يناير صدقا!!)

في نوبة تفتيش ثانية وقد كان الأب ضعف سمعه جدا(شفي بعد ذلك بفضل الله وبحمده) جاء ضابط الأمن المركزي يسأل المعتقلين واحدا واحدا :ايه أحلى حاجة في الدنيا ؟فيوشوش الصولات لللمعتقل بالإجابة(الفاحشة والمخدرات-بالعامية طبعا)

وجاء الدور على الأب فلم يسمع الكلمة فقال للضابط: انت.فلطمه الصولان في آن واحد.فسأله الضابط مرة أخرى فلم يتبن أيضا كلام الصول الذي يوشوش به له  فصمت متحيرا فتلقى اللطم مرة أخرى..  إلى أن تنبهوا إلى ضعف سمعه فصرخوا في أذنه:الفاحشة والمخدرات-قالوها بالبلدي؟؟

دخل الأب إلى الزنزانة وهويضحك وزملاؤه يستعجبون من ضحك هذا الذي أهين فلم يأبه وأخذ يرتب الزنزانة وينظفها من آثار التفتيش القذر.وجاء ضابط أمن الدولة ليسأل بلطف عن معتقد المعتقلين في الزنزانة فأجابوه بصراحة فكان ودودا معهم؟؟نعم إن منهم طيبين وقد يكونون معنا!!

جلس الأب يراجع ماحدث فدمعت عيناه وتوجه إلى الزهراء فاطمة ع  مناجيا روحها الطاهرة:يرضيكي يا زهراء يا أمي ماحدث لابنك؟ونام فرأى في المنام أن شخصا يضرب بالمطرقة على رأسي الصولين اللذين لطماه،

فاستيقظ من نومه مستبشرا.وجاءته أنباء بعد ذلك أن قطارا في الصعيد أوقفته  جماعة إسلامية وفتشوا عن هوية الراكبين وقتلوا كل من كان في بطاقته عمل بالشرطة؟؟فعلم أن الله منتقم جبار.واستراح صدره.

خرج الأب من المعتقل بعد أن فشلت القضية الملفقة وانطوى شبه يائس من تحريك جثة الشعب(الذي ثبت له بعد ذلك أن الشعب لم يكن خانعا بل صبورا وحكيما ينتظر اللحظة المناسبة والظرف الموائم)

وانكب على دراسة المزيد واطلع على كتابات الدكتور أحمد صبحي منصور وغيره من المستنيرين فاستفاد منهم كثيرا.بل استفاد من كل الطوائف والملل المصرية!!

ومن حين إلى آخر أخذ يكتب على الإنترنت أو في الصحف المعارضة بشيء من التحفظ.

وأصابه الاكتئاب وأخذ يعالج منه لمدة سنتين تقريبا وشفاه الله تعالى بأن دله على كثرة المناجاة وممارسة اليوجا واستغنى بحمد الله عن كل الأدوية.

........

وقبل 25 يناير لا حظ كتابات ابنه على الفيسبوك فوجد فيها تحرشا بنظام الحكم(أتاري الشباب كانوا بيطبخوها واحنا مش داريانين!!) فقال له:يا بني لا تتدخل في السياسة وركز على إنارة قلوب الناس..

ونزل الابن وزملاؤه الأطهار إلى ميدان التحرير في 25 يناير(عيد ميلاد جدته التي سبها الصول-هداه الله إن كان حيا وغفر له إن كان ميتا)

اتصل الأب بابنه:يا بني سلطان غشوم خير من فتنة تدوم(فقد كان يخشى أن تكون حركة  فوضوية  ويأخذوا ابنه ويتكرر التاريخ ولا يسأل فيه أحد ولا يتحرك الجسد الهامد) وبعد عناء رمى طوبته!!

ولكن الشعب أثبت عكس ما كان يظنه الأب ونزل إلى جانب الشباب في حركة لم يشهد التاريخ مثلها(ما شاء الله عليك يا شعب- بخروا الشعب!!)

أخيرا دب الأمل إلى الأب فلم يعد يخاطب ابنه إلا ببطل مصر. وكتب الأب بيانه الثوري الأول على الفيسبوك :

الشعب المصري أستاذي.شباب مصر نور عيني. نساء مصر تاج راسي.شيوخ مصر حكمائي.أم خالد سعيد أمي وأم المصريين.

.....

وتنحى مبارك فعانق الأب ابنته و سجدا  لله تعالى  شكرا ونزلا إلى الشارع يعانقان الناس. ركب الأب سيارة ابنته بجوارها وهو يبكي فرحا ويشير بالتحية العسكرية  لدوريات الجيش. ووصلت السيارة إلى قرب ميدان رمسيس فوجد رجلا فقيرا يمد إليه يده بتفاحة فهمّ ليأخذها فقال له الرجل: لأ.. خد قطمة دي تفاحة الحرية ..فأخذ قضمة وقبل يد الرجل.

 تقابل الأب مع ابنه البطل قبل نفق العباسية وترجلا  لشراء مشروبات وحلويات من كشك فأخذ صاحب الكشك يحاورهما فقدم الأب ابنه لصاحب الكشك قائلا :ابني أخد بتاري..وهويقول في سره:وأخذ الشعب بثأر أمي في عيد ميلادها  بفضل الله:

( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)

 قال ايه :كنتم عايزين تعملوا ثورة؟كنا عايزين والولاد عملوها:

They did it

وصدّق الله تعالى على كلام أمن الدولة!!!لكن ثورة ليست على غرار الثورة الإيرانية لأنها ثورة إسلامية مسيحية اشتراكية ديمقراطية في آن واحد!!

طبعا مكر الله لا كمكر البشر وليس انفعاليا.. بل هي سننه التي تمكر بالظالمين.والمكر بالظالمين عدل كما أن التكبر عليهم  تواضع لله.

يا سيدي يا خالد يا سعيد (ويا كل الشهداء والمصابين):تبكيكم عيني..كيف لا تبكيكم عين؟

اجمالي القراءات 10843