الثورة
هل يقرأ الحاكم العربي سورة (أفهم)

زهير قوطرش في الخميس ٢٧ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

بشكل فضولي ,تابعت ماحدث في مصر العزيزة قبل يوم الغضب من تحضيرات ,ويوم الغضب من مظاهرات احتجاجية طالبت بالتغير ,وما حدث بعد يوم الغضب .....وإلى يوم أخر من غضب ينهي نظام القهر والفقر قريباً إن شاء الله سنبقى في دائرة التحليل والاستنتاج ,نحن الشعوب والحكام العرب . وقد قرأت هذه المقالة للكاتب جواد البشيتي ,أقدمها لموقع أهل القرآن ,لأنها تعبر عن الحالة الراهنة ,وتعطي للجماهير أملاً إن أرادت التغير  من خلال دراسة عقلية للحاكم العربي.

 

المقالة:

 

 هل يقرأ الحاكم العربي سورة ( أفهم)

كلانا (أنظمة الحكم العربية والشعوب) يتوفر الآن على مراقبة وتتبع ما يحدث في تونس, وجمع المعلومات الدقيقة; وعلى دراسة وتحليل الحدث التونسي التاريخي بكل أبعاده, الظاهر منها والمستتر, توصلا أولا إلى فهم دقيق لما حدث ويحدث, وإلى, من ثم, استخلاص الدروس والعبر والاستنتاجات الضرورية (من أجل الفعل والعمل والتغيير).
وأعزو هذه الحالة الذهنية المشتركة بيننا وبينهم إلى ما اتسم به, ويتسم, الحدث التاريخي التونسي, من مباغتة, وتسارع في حركته, وضعف القدرة على التوقع; فإنَّ كل المعنيين به (لأسباب ودوافع مختلفة) يستبد بهم الآن شعور بالنقص المعرفي; وهذا ليس بالأمر المستغرب في زمن الثورات التاريخية التي تجعل حركة الواقع (الذي بدا من قبل ساكنا خالدا) تتسارع بما يُعْجِز الأذهان عن مواكبتها.
تلك هي الحالة الذهنية; أما الحالة السيكولوجية فأمرها مختلف تماما; ذلك لأن مشاعر الناس, ومواقفهم العاطفية, من حدث تاريخي, تظهر إلى السطح بسرعة أكبر; وإنني لأستطيع القول الآن إن كل من يقف بمشاعره وعواطفه مع "ثور ة الياسمين" لا يمكن إلا أن يكون (أو قابلا لأن يصبح) على خلق عظيم; وحده الساقط أخلاقيا هو الذي يمكن أن يناصبها العداء على مستوى الشعور والعاطفة.
كل حاكم عربي من جنس الدكتاتور الفار زين العابدين هو الآن, وإنْ تظاهر بخلاف ذلك, في حالة طوارئ فكرية, ينكب مع خيرة مستشاريه وخبرائه وأدمغته على الدراسة; لعله يوفق (بالتعاون مع أدمغته) في التوصل إلى إجابة ثلاثة أسئلة أولية: "ماذا حدث?", و"لماذا حدث هذا الذي حدث, وعلى هذا النحو?", و"كيف يمكن وقاية مجتمعه من عدوى ثورة الياسمين?".
وإلى أن تتضح الأمور في ذهنه ويصبح قادرا على التفكير السليم السوي (وهذا أمر يحتاج إلى بعض الوقت) يمكن أن يخرج عن المألوف في طريقة الحكم, ويتخذ من القرارات والتدابير والإجراءات ما يُظْهِره (على ما يَتوقَّع) لشعبه على أنه قابل للتغير, وللحكم بما يرضيه, ويلبي مطالبه (العقلانية, الواقعية, غير المتطرفة).
دعوه يفكر ويتفكر, يدرس ويحلل, يستجمع المعلومات من كل المصادر; لكن إياكم, ثم إياكم, أن تعللوا أنفسكم بوهم أن ما يتخذه الآن من قرارات وتدابير وإجراءات مختلفة (عن اضطرار وخوف وتخوف) يمكن أن تكون كمثل أول الغيث, قطرة ثم ينهمر.
وإياكم أيضا أن تنتظروا أو تتوقعوا أن يتمخض هذا الجهد الفكري لأنظمة الحكم العربية التوتاليتارية (الشمولية) عما يظهر ويؤكد أنهم استوعبوا دروس وعبر الثورة الديمقراطية التونسية بما يرضي شعوبهم, ويلبي مطالبها, والتي في مقدمها إنهاء ظاهرة اغتصاب السلطة إلى الأبد, وإعادة هذه السلطة المغتصبة إلى أيدي أصحابها الشرعيين (أي الذين يحق لهم امتلاكها وهم الشعب) من خلال مرحلة انتقال سياسي ديمقراطي تنتهي بانتخاب جمعية تأسيسية, بصفة كونها الطريق الوحيد إلى المجتمع الديمقراطي الحر.
لا تنتظروا طويلا, ولا تفْرطوا في التوقعات الإيجابية, ولا تعللوا أنفسكم بالأوهام التي أزهقتها الثورة التونسية; فإنني من الآن أستطيع أن أبسط لكم النتائج والاستنتاجات النهائية التي ستتمخض عن حالة العصف الذهني التي تعيشها أنظمة الحكم العربية التي في طريقها إلى أن تصبح كعصف مأكول.
الحاكم العربي لن يأخذ من الدروس والعبر والاستنتاجات الأساسية (على كثرتها) إلا ما تستنسبه وتأنس له مصلحته في البقاء, ولو كان بقاءً لا يبقي على شعبه ومجتمعه.
إنه لن يفهم ما حدث في تونس بما يحمله على الاستنتاج الآتي: إن زين العابدين ما كان له أن يحكم, وأن يستمر في الحكم, في الطريقة إياها (والتي هي المشترك الأول والأهم بينه وبين سائر زملائه العرب) من دون أن ينتج ويهيئ وينضج بنفسه, وفي الوقت نفسه, أسباب وعوامل وظروف وقوى سقوطه; فإذا كان زين العابدين ضحية, بمعنى ما, فإن الضحية نفسها هي من يتحمل المسؤولية الأولى والكبرى عن مأساتها.
الاستنتاج الذي سيتوصل إليه بمعونة مستشاريه وخبرائه, وبوحي من مصالحه التي لا تعلوها مصلحة, وبتشجيع من حاشيته وأهل حكمه, الذين هم كالرقبة لجهة صلتها برأس الحكم, تحركه كيفما تشاء, إنما هو الآتي: إن زين العابدين لم يسقط إلا لكونه لم يملك ما يكفي من المهارة في ممارسة الحكم الشمولي القمعي الدكتاتوري; وإن علينا, من ثم, سد هذا النقص!
لقد ألقي القبض على اللص, فقال أحدهم "يجب أن يعاقب على جريمته"; وقال آخر "كلا, يجب ألا يعاقب على جريمته; وإنما على قلة مهارته في ارتكابها"!
وإني لأسمع المخلصين الأوفياء من حاشيته وبطانته يحدِّثونه بما يغريه بوضع يديه وقدميه في مياه باردة, فإن عقولهم النيرة جعلتهم يقرأون ويفهمون الحدث التاريخي التونسي (الذي يحدِّثهم عن نفسه بلسان عربي مبين) بما يحملهم على السعي في إقناع الحاكم بأن هذا الحدث نفسه هو خير دليل على أن ما أصاب زين العابدين لن يصيبه أبدا, وعلى أن تونس, شعبا ومجتمعا ونظام حكم, بينها وبين شعبه ومجتمعه ونظام حكمه من أوجه الفرق والاختلاف والتباين ما يجعل المقارنة بينهما من الظلم والسخف بمكان!.
لقد أقنعوه فاقتنع; ومع ذلك سمعته يقول في قرارة نفسه "لكنها تدور!".

اجمالي القراءات 10202