الصينيون قادمون
الدرة البهية في المسألة الصينية :

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٦ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مقدمة :ـ

1 ـ هي ظاهرة تغزو العالم كله ؛البضائع الصينية التي تصل ليد المستهلك الأمريكي والأروبي والأفريقي وتتميز بشيئين : رخصها الشديد وتنوعها لتشمل كل شيئ من الكمبيوتر والأجهزة الاليكترونية إلى الملابس وأدوات الحلاقة والتجميل ..والمنشطات الجنسية.!

2 ـ وإذا كانت أبواب الغرب وأمريكا مغلقة أمام التوافد الصيني فلا زالت أبواب أفريقيا والدول العربية مفتوحة ، وهنا تبدو ظاهرة جديدة هي ان الصينيين لا يكتفون بانتاج السلعة ولكن يقومون هم بت&Otcirc;صديرها بأنفسهم ، وبل ويقومون بالتوزيع الداخلي بأنفسهم إذا سمحت لهم الظروف .فتجد الصينيين والصينيات يجوبون شوراع القاهرة وأحياءها الشعبية وبقية المدن ، بل وفي اعماق الريف المصري ، لا يوزعون السلعة فقط على المتاجر والدكاكين بل يطرقون الأبواب يبيعون بأنفسهم للناس مباشرة وبأرخص الأسعار ، بل ويبيعون خدماتهم بأرخص ألسعار من إصلاح الأجهزة الى الحلاقة . أى أضيفت سلع أخرى للمنتجات الصينية ، هم البشر الصينيون أنفسهم ـ ليس مجرد الخدمات ،بل الزواج ، فأصبح الزواج من الصينية ضمن العروض ، فالصينية زوجة مثالية مستعدة للزواج من العربي والأفريقي ، وهي أكثر طاعة للزوج وأكثر أستعداداً للعمل لتساعده وتساعد نفسها ـ وفيما وفوق هذا وذاك لتساعد بلدها الأصلي الصين .وبينما لا يتقبل العربى المسلم أن تتزوج اخته أو بنته من رجل صينى فهذا مقبول ومرغوب فى أفريقيا .

3 ـ وبينما توجد مشاكل وحساسيات في بعض البلاد العربية ، فإن بعض الدول الأفريقية فتحت أبوابها للصين لتنشئ مراكز ومصانع ومراكز تجميع ـ ولتعطي المساعدات التكنولوجية بالاضافة إلى ما يمكن تسميته بالمدن الصينية داخل أفريقيا ، وهي ما يشبه " تشينا تاون " او الأحياء الصينية التي تنتشر في أهم المدن الأمريكية ،حيث يتجمع الصينيون في احياء خاصة بهم تتميز بالأطعمة الصينية والمطاعم الصينية والمعمار الصيني  ويمارس الصينيون في شوارعها احتفالاتهم الأجتماعية والدينية واعلامهم وكتاباتهم والتنين الصيني المشهور يتصدرها .

4 ـ هذه الظاهرة الصينية الجديدة مع مطلع هذا القرن تحتاج إلى محاولات لأكتشافها لنرى تطورها خلال هذا القرن.

أولا : التصيين وخصوصية الحضارة الصينية ..

1 ـ ليست الحضارة الصينية أقدم الحضارات ولكن تتميزعن باقي الحضارات القديمة في الشرق الأوسط والهند وأيران بانها حضارة ممتدة ومستمرة،  فهناك انقطاع نوعي في حضارة مصر الفرعونية أستوجب اعادة اكتشافها ومعرفة لغتها وكشف طلاسمها ، وهذا الأنقطاع يوجد بصورة أو أخرى في حضارة الرافدين وايران والهند واليونان ، بينما ظلت الحضارة الصينية مستمرة محتفظة بملامحها الأصلية حتى الآن ، في السلوك الأجتناعي للصينيين ، وطرقهم في التداوي وثقافتهم في العمل والتعامل مع الغير والأعتزاز بالموروث الصيني ومعايشته .

ويرجع السبب للجغرافيا البشرية والطبيعية.

فالصين منعزلة أقصى الشرق وليست في منتصف العالم ، وفي الصين أكبر تجمع سكانى في العالم يمكن أن يكتفي بنفسه معتزلاً العالم كله متعاليا عليه، لذا كان الصينيون يعتبرون مملكتهم ( مملكة السماء ) تمييزا للصين عن بقية العالم. وبينما تعرضت حضارات الشرق الأوسط وأيران والهند واليونان للأحتلال والتغير الثقافي والدينى والأثني الجنسى فقد نجت الصين من هذه النوعية من الأحتلال. ، صحيح انها تعرضت لهجوم الرعاة من المغول والتتار وغيرهم حيث صحراء الأسبتس الأسيوية إلا أن الصين أقامت السور العظيم ليحميها ، وهو ليس مجرد سور مادي بل هو تعبير عن الحفاظ على المقومات الصينية بإقامة حاجز بينها وبين الرعاة والغزاة ،وهذ ما لم يتيسر لبقية الحضارات النهرية في الهند والرافدين والنيل .

2 ـ بدأت العولمة مبكراً في الغرب مع الأكتشافات الجغرافية للوصول إلى الهند بعيدا عن الطرق التي يسيطر عليها المسلمون في البحر الأحمر ـ وتمخضت عن اكتشاف العالم الجديد وأحتلاله والتوسع في الأستعمار الغربي ليشمل الهند وشرق وجنوب وشرق شرق آسيا بالإضافة إلى الشرق الأوسط وشمال افريقيا ، ووجدت الصين نفسها محاطة بعدو جديد لا ياتيها من صحراء الأسبتس ولكن من البحر. وودخلت الصين في محنة الوقوع في النفوذ الأوربي والذي قام بغزو الصين في حرب الأفيون 1888 ‘ إذ أرادت انجلترا أن تخضع العملاق الصيني إلى تنويم اجباري أو تخدير قهري بالأفيون ليتمكنوا من استغلاله وأجباره على نسيان موروثه الحضاري القديم .

3ـ كانت الرأسمالية الأوربية في أقصى درجات أستغلالها وبشاعتها ، حيث امتدت انيابها لتلتهم ليس فقط شعوب العالم القديم في آسيا وأفريقيا والسكان الأصليين في العالم الجديد ـ بل أيضاً لتمص دماء الطبقات العاملة في الغرب نفسه ، وهذا التطرف الرأسمالي أدى إلى تطرف نقيض أنبثق من داخل الثقافة الغربية نفسها ، وهو ظهور الشيوعية كمبادئ نظرية في المانيا وانجلترة ، ثم تم تطبيقها في مجتمعات زراعية أقل في درجة الحضارة من أوربا الغربية ونقصد بها روسيا . وتكون الأتحاد السوفيتي في روسيا وتوسع شرقا ليلامس الصين في وقت بلغ فيه الضعف الصيني مداه ، وعرفت فيه الصين التأثر بالأجنبى الوافد مع تفاقم التدخل الأجنبى الذى أثار القلاقل و الثورات والانتفاضات. وضمن هذا الهرج والمرج وصلت الشيوعية للصين ، وقامت ونجحت ثورة الصين الشيوعية بقيادة ماوتسي تونج، الذى أنتج شيوعية تحمل الموروث الصيني أو ما يعرف (بالماوية ) ، وكالعادة حافظت الصين على خصائص شيوعيتها فلم تسمح لنفسها ان تدور في تبعيتها للاتحاد السوفيتي . ولهذا لم تسقط الشيوعية الصينية مثلما سقط الأتحاد السوفيتي ..

انهار الأتحاد السوفيتي من الداخل لأن الشيوعية السوفيتية ذات جذور غربية ، فلما أصلحت الرأسمالية الغربية نفسها وقلصت أنيابها لم يعد هناك مبرر لوجودها فانهارت وانهار بها الأتحاد السوفيتي وتوابعه حلف وارسو وعادت اوربا إلى جذرها الأوربي، بينما نجت وصمدت الشيوعية الصينية لأنها عقدت صلحاً بينها وبين الموروث الصيني فأصبحت جزءاً من نسيجه ومرحلة من مراحل تطوره فى رحلة ممتدة تتجاوز عشرين قرنا من الزمان. نجت ونجحت واستمرت الشيوعية الصينية لأن الصين قامت بتصيين الشيوعية ، أي أصفاء الطابع الصيني عليها .

ثانيا : تحديات التصيين

على هامش هذا التصين واجهت الصين تحديات شتى .. نجحت في أحتوائها والقضاء عليها ..

1ـ نجحت الصين في التحديات الخارجية.احتفظت بشخصيتها المستقلة في التعامل مع الاتحاد السوفيتي ودخلت الأمم المتحدة برغم أنف امريكا ، واستعادت هونج كونج ، وقدمت نفسها زعيما لما كان يعرف بدول عدم الأنحياز والحياد الإيجابي وظلت بعده مثلا أعلى لدول  العالم الثالث لم تتغطرس على دول العالم الثالث بل رضت بالبقاء بينهم ضد الأستغلال الغربي ، تقدم لهم الخبرة والمساعدة والمساندة السياسية، أي واءمت الصين بين عزلتها وتفاعلها مع العالم مثلما واءمت بين التقاليد الصينية وبين الشيوعية ..

2ـ واجهت الصين تحديا آخر أقترن بالعولمة الثقافية وشيوع ثقافة حقوق الأنسان والدعوة للحرية الفردية والديمقراطية ، وهي التي أسهمت في سقوط الأتحاد السوفيتي . قلنا أن الأتحاد السوفيتي سقط لأن شيوعيته تتبع الثقافة الغربية ، فلما أصلحت الرأسمالية الغربية نفسها سقطت الشيوعية السوفيتية ، خصوصا وانها تعادي الحرية وحقوق الإنسان. وبسقوط المعسكر الشرقي وذوبانه في الغرب وحلف الناتو أصبحت الصين القوة الكبرى الوحيدة التي تواجه المعسكر الغربي الذي يستغل شعار حقوق الإنسان والحرية والأنفتاح الأقتصادي وحرية السوق ضد الشيوعية الصينية أملاً في أسقاط أكبر معقل للشيوعية .

المفهوم ان الأنفتاح الأقتصادي لا ينفصل  عن الحرية السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وتلك هي الوصفة الغربية التي لا تقبل النقاش، ولكنها في الصين تقبل النقاش وأكثر من النقاش في ضوء الثوابت الصينية والمصالح الصينية.

كان على الصين ان تختار ، وقد إختارت . رأت القيادة الصينية من منظور مسئوليتها عن ربع سكان العالم  ـ ضرورة الفصل بين الحرية الأقتصادية والأنفتاح الأقتصادي وبين الحرية الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالصين تحتاج للحرية الأقتصادية للنمو والتحديث والتطور خصوصا بعد استعادة ميناء هونج كونج وفي ظل علاقتها المتميزة مع العالم الثالث، ولكنها ترى بالقبول بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان خطراً يهدد الدولة الصينية قد ينذر بتفكيكها لتتكون منها دول (صغيرة) كل منها في حدود مئات الملايين من البشر(فقط ).!.

ويعزز ذلك أمران : أن تطبيق الديمقراطية يستلزم وعيا بالديمقراطية وتجذيراً للثقافة الديمقراطية في المجتمع وهذا يستلزم عقودا من الزمن يتم خلالها تعليم الناس ثقافة الديمقراطية  عبر المدارس والأعلام ، وبدون نشر هذه الثقافة الديمقراطية يكون فرض الديمقراطية من أعلى فرصة لأحلال الفوضى والحروب الأهلية والقلاقل السياسية وتقسيم الدولة .الأمر الثاني إن الثقافة الصينية بالذات  قد تجذرت فيها منذ اكثر من عشرين قرناً من الزمان عبادة الأمبراطور وتقديس الحاكم وذوبان الفرد الصيني فيه بأعتباره ممثلا للصين والوطن والشعب،أي ان الثوابت الصينية تقف الآن ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان في نفس الوقت الذي تتسامح فيه مع الأخذ بالحرية الأقتصادية وحرية السوق في ظل ( التصيين ) أو ضوابط صينية ، تجعله في مصلحة الصين وليس ثغرة لأيقاع الصين في الأستغلال الأجنبي كما كان يحدث من قبل . وهكذا أختارت القيادةالصينية من العولمة جانبها الأقتصادي في الأنفتاح الأقتصادي تاركة الخيار الديمقراطي للمستقبل . ومن هنا تم وأد الحركة الديمقراطية الطلابية وقمعها فى أكبر ميادين بكين ..

3 ـ التحدي الأكبر الذي يواجه الصين الآن هو الأنفجار السكاني .

فالشعب الصيني ـ مثل بقية شعوب العالم ـ يمر بدورات متلاحقة من التناقص السكاني ( زيادة عدد الوفيات عن عدد المواليد ) والتوازن السكاني ( تساوي معدلات الوفيات مع معدلات المواليد ) والتكاثف السكاني ( زيادة المواليد عن الوفيات ). وتعيش الصين الأن مرحلة الأنفجار السكاني . ويسهم في هذه المشكلة عاملان :الأول: أقتران الخصوبة العالية بدخول البشر في مرحلة التقدم العلمي والعناية الصحية والقضاء على الأوبئة، أي خصوبة عالية مع أدنى حد من الوفيات. الثانى : تركز الكثافة السكانية الصينية ( ربع سكان العالم ) في منطقة ليست هي الدولة الكبرى في العالم من حيث المساحة ، فهناك دول تزيد مساحتها عن الصين مثل كندا وهي لا تقارن سكانيا بالصين .

تعاملت الصين مع المشكلة بالأستثمار والأستقطاع؛أستثمار الكثافة السكانية في توفير عمالة رخيصة تنتج سلعا رخيصة تغزو بها العالم . والأستقطاع أي فرض تحديد النسل كسياسة حكومية صارمة. ولكن الأنفجار السكاني الصيني كان أقوى من العلاج بالأستثمار والأستقطاع. فلجأت الصين إلى الخيار الثالث وهو الأستعمار .. الأستعمار الصيني  .

ثالثا : الأستعمار الصيني : ـ

سيشهد هذا القرن الحادي والعشرون أفول الأستعمار البدائي وأحلال الأستعمار الصيني بدلا منه . نتعرف على ماهية الأستعمار البدائي لنعرف نقيضه وهو الإستعمار الصيني .

1 ـ الثروة هي المقصد الأساس للغزو والأحتلال والأستعمار، كما انها المقصد الأساس في اقامة وأستمرارية الديانات الأرضية وتعاونها مع الأستبداد والفساد ، وهى حلم الانسان الدائم وسبب شقائه أيضاً .

وبسبب الثروة تصاغ الشعارات الدينية والقومية والأقتصادية لخداع الشعوب والجانب المغلوب ليرضى بالاستغلال والأنخداع .

وبالشعارات تتحول جرائم السلب والنهب والقتل إلى جهاد في سبيل الله ( العرب المسلمون ) أو إلى استبسال في سبيل نشر الديمقراطية خارج الحدود (امريكا ).لا فارق هنا بين السلب والنهب في الجزيرة العربية قبل الإسلام، و استخدام العرب الإسلام في تطوير السلب والنهب إلى أحتلال الشعوب الأخرى.لا فارق هنا بين غارات الفايكنج من شعوب الشمال الأوربي والأستعمار الأوربي الذي كان يحمل الصليب ويزعم نشر المسيحية . لقد جاء الرجل الأبيض بسفينته الى افريقيا و العالم الجديد ، كان لا يملك سوى الصليب بينما كان أهل العالم الجديد يملكون الأرض ، ومالبث الرجل الأبيض أن أعطاهم الصليب وأخذ منهم الأرض.!..

كل هذا الأحتلال والأستعمار وتكوين الأمبراطوريات  يستهدف الثروة ومن أجلها يرفع شعارات الدين والقومية والوطنية واخيرا الديمقراطية .

وفي كل الأحوال فهذا الأستعمار او الأحتلال كان ولا يزال بدائيا لأنه يستعمل نفس الطريقة ، وهي القوة المسلحة وارسال الجنود المسلحين للغزو وقهر الشعوب وامريكا لا تزال تستخدم هذا النوع البدائي ..

2ـ أمريكا هي الآن القوى العظمى في العالم ،وهى الممثل الوحيد لذلك الأستعمار البدائي المعتمد على القوة وتتصرف بمنطق غرور القوة، دون أن تدرك المتغيرات الثقافية التى جاء بها عصر العولمة. الغريب أن أمريكا هى التى دخلت بالعالم عصر العولمة (المادية والاقتصادية ) ولكن حتى الان لم تدرك الجانب الثقافى الذى أنتجته العولمة المادية و الاقتصادية، لأنه لا يزال فى داخلها وفى القلب منها ذلك الكابوى الذى يطارد فريسته أو ضحيته بسلاحه . وحتى الآن لا تزال مصانع الأسلحة هى مصدر الالهام للسياسة الأمريكية الخارجية ، وبسبب هذا الالهام المدمّر تتجاهل السياسة الأمريكية القيم العليا التى يتمسك بها الشعب الأمريكى ، وتبدو صورة أمريكا فى العالم الخارجى كعملاق ضخم بدون عقل يوازي ضخامته المادية ، عملاق لم يتسع عقله الصغير لاستيعاب ثقافة العصر الحالى، وفى النهاية لا بد أن يهزمه العصر مهما بلغت قوته . هل تتذكرون الديناصور؟ لقد تسيد الكرة الأرضية في مرحلة كانت ملائمة له ، فلما جاء عصر الثدييات اصبح الديناصور يعيش خارج العصر، ولم يستوعب ثقافة العصر، فانقرض .

لم تتعظ أمريكا من تجربة سقوط الاتحاد السوفيتى ؛ غريمها السابق الراحل .

الاتحاد السوفيتي كان عملاقا ضخماً لم يستوعب ثقافة العصر فأختفى واندثر .. وأستمرت أمريكا بعده القوة العظمى الوحيدة لأنها تتمتع في داخلها بالحرية وحكم القانون وبعض العدل،ولكن لن تستمر امريكا زعيمة في العالم لأنها تتبع في سياستها الخارجية نهجاً مختلفاً،هو الأستعمار البدائي الباحث عن الثروة بقوة السلاح ، وبسببها تتشكل معالم سياستها الخارجية من التحالف مع اسرائيل ومع الديكتاتوريات العربية ضد الحرية والعدل وحقوق الإنسان .

بعد الحرب العالمية الثانية انهمكت امريكا في منافسة الشيوعية في السيطرة على دول العالم الثالث لتسيطر على ثرواته.تدخلت في كوريا التي تقع على اعتاب الصين  ، فواجهتها الصين بمليون جندي فاسرعت أمريكا بالانسحاب بعد خسارة عشرات الألوف من القتلى وخشية أن تواجه أو توقظ العملاق الصيني في مجاله الحيوي ، ولم تستوعب الدرس فدخلت في مغامرتها الفاشلة في فيتنام، ولم تتعلم أيضا الدرس فدخلت في مستنقع افغانستان لتواجه الاتحاد السوفيتى على عتبة بابه ، وتحالفت مع الوهابية السعودية ومنظماتها المسلحة ،واسفر الأمر عن الغرق فى مزيد من المستنقعات منها العراق ووتأسيس القاعدة وطالبان وتفجيرات 11 سبتمبر وما قبلها وما بعدها وتأسيس الفكر الوهابي المتطرف داخل المجتمع الأمريكي والأوربي في الداخل .

وحتى الآن لم تتعلم أمريكا الرسمية من الدرس ،فلا تزال تفكر في مواجهة مسلحة مع ايران . ولن تتعلم إلا بعد فوات الأوان ، حين يحل الأستعمار الصيني محل الأستعمار البدائي .

3 ـ الثروة هي مطمع الأستعمار البدائى و الصينى ، مع الأختلاف بينهما.

فبينما يرسل الأستعمارالأمريكي افراد مسلحين بالقنابل والرصاص الى العراق وفيتنام وافغانستان فإن الأستعمار الصيني يرسل أفراداً مدنيين مسلحين ببضائع صناعية رخيصة تنفع ـ ولا تقتل ـ الناس . وبينما يسلب الاستعمار البدائى ثروة الشعوب أو يأخذها بأبخس ثمن فإن الاستعمار الصينى يعطى سلعة رخيصة بهامش سعر معقول . وبينما يرسل الأستعمار البدائي جنودا غلاظ القلوب وقادة مستكبرين يحاربون أهل البلاد باعتبارهم (أعداءا )، فإن الأستعمار الصيني يرسل رجالاً ونساءاً مبتسمين ينحنون لأهل البلاد يعتبرونهم ( زبونا ) ، و ( الزبون دائما على حق )، وهم يطرقون باب بيته باحترام ، يعرضون ـ ولا يفرضون ـ عليه شراء سلعة رخيصة، أي ان الأستعمار البدائي يهجم على الآخر بسلاحه وينهب أمواله ، بينما يطرق الأستعمار الصيني بابه يرجوه بكل ادب التفضل بشراء السلعة ..

هذا وذاك يأخذ مال الآخر ، ولكن الآخر يكون مجرد زبون للأستعمار الصيني زبون بالاختيار ، وليس ضحية بالأكراه واستعمال السلاح. ثم أن المال المأخوذ من الزبون يتم انفاق بعضه داخل بلد الزبون ، اما في الأستعمار البدائي الأمريكي فهو استغلال لثروة الآخر ومساعدة في انهاكه بتأييد الديكتاتوريات وعصابات الفساد المحلية .

4ـ والأستعمار الصيني ـ في تصورنا ـ له مثل الأستعمار البدائي مرحلتان ، او وجهان ، الإحتلال والإستيطان ...

الأحتلال الصينى بإرسال جيوش من محترفي التصدير والتوزيع والبيع الى بلاد العالم الثالث ، يقومون بتوصيل المنتجات الصينية من المنبع إلى المشتري في بيته . ومن الطبيعي أن تكون لدى هذه الجيوش المدنية التجارية استقرار في تلك البلاد وأن تساعدها هناك مراكز ابحاث وتطوير ومشروعات استثمارية، مع تواصل مستمر ومستقر داخل تلك البلاد مع النخبة الحاكمة  وأفراد المجتمع .

بمرور الزمن يتحول الأحتلال الجزئي إلى استيطان يتم به شيئا فشيئا تهجير بضعة مئات من الملايين  من الزيادة السكانية الصينية إلى مناطق واسعة تعاني من تخلخل سكاني ولكن لا تعاني من قلة الموارد ، بل تحتاج إلى من يساعدها في استغلال تلك الموارد بصورة أمثل لفائدة الطرفين الصيني الوافد وصاحب البلد الأصلي .

ويتأكد هذا الأستعمار الأستيطاني بالتزاوج ، تتزوج المرأة الصينية والرجل الصيني من أفراد أهل البلد ، وبالزواج يحصل الصيني على جنسية البلد ويتكون جيل جديد يستقبل المزيد من الملايين الصينيين ..وكل ذلك بالرضا التام .. ودون عنف أو دماء لأن هناك عوامل تساعد في انجاح الأستعمار الصيني ..

رابعا : عوامل إنجاح الأستعمار الصيني .

1 ـ هذا استعمار سلمي متحضر يتفق مع الثقافة السائدة . من حرية السوق والمنافسة المفتوحة ومراعاة مصالح الطرف الآخر حرصاً على أستمرار تبادل المنفعة.

2ـ خلافا للمستعمر الغربي الأبيض تتمتع الصين بسمعة طيبة في العالم الثالث ، فلم تتورط  في الأستعمار البدائي ، او في مذابح للشعوب الأخرى ، ولم ترتكب جريمة الأسترقاق للأفارقة والأستعمار ولم تعرف في تاريخها مع الأخر سياسة التفرقة العنصرية واحتقار الملونيين ولم تورط العالم في حربين عالميتين بلغ ضحاياها عشرات الملايين ، ولم تقف مع اسرائيل في عدوانها وأحتلالها لأراضي الغير . بل كانت الصين في معظم تاريخها الحديث الطرف الضحية والمجني عليه مثل بقية شعوب العالم الثالث ، وأذن فهي الأقرب إلى فهم معاناته والأحرص على التعاون معه من أرضية الأحترام المتبادل ..

3 ـ  لذا فإن أفريقيا هي افضل قارة مرشحة للاستعمار الصيني . فهي الأقل سكاناً والأقل تطوراً في الحضارة ، والأكثر موارداً والأكثر معاناة من الأستعمار ومن ظلم الرجل الأبيض في الأحتلال والقهر والأحتكار والتفرقة العنصرية ..

والأفارقة هم الأكثر ميلا  للتزاوج من الصينيين  ذوي البشرة الفاتحة، وبذلك يمكن اندماج الطرف المحتل بالزبون في عقد زواج كاثوليكي مؤبد ، تدخل به الصين عصر قوتها وهيمنتها على العالم سلميا وحضارياً ...

خامسا : تحديات انجاح الأستعمار الصيني :ـ

تكمن هذه التحديات الخارجية في القوى الكبرى المنافسة للصين:

1ـ اليابان :ـ بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية أصبحت تابعاً لأمريكا ، وحصرت ثقافتها المتوارثة في مستوى الأسرة فقط .

وفي تبعيتها لأمريكا وفي رغبتها للتفوق واستعادة احترام الذات أصبحت اليابان عملاقاً اقتصادياً ، ولكنه عملاق من البلاستيك الصناعي ، حيث يعتمد على أمريكا في حمايته عسكرياً ، وبالتالي فتأثيره محدود في السياسة العالمية. وبهذا تخرج عن ساحة المنافسة الفردية مع الصين ..

2ـ الهند : كان من الممكن أن تكون منافساً صعباً للصين لولا جرثومة الوهابية .. فبسبب الوهابية انقسمت الهند الكبرى إلى باكستان والهند ، وبسبب الوهابية لا تزال الهند تعاني من وجود باكستان عدوا أكبر للهند ، وخصوصا مع التنازع حول كشمير. مع هذا يتبقى وقت من الفراغ للهند لتكون فيه منافسا متوسطاً للصين لا يشكل خطراً كبيراً عليها .

3 ـ روسيا : تعطي ظهرها للصين وتتوجه بحكم الثقافة والأنتماء إلى الغرب الأوربي والأمريكي .. وأذن فهي مثل اليابان تابعة ـ نوعا ما ـ لأمريكا القوة الكبرى في العالم الآن ، وليس في الغد القريب ..

4 ـ أوربا المتحدة :أصبحت ـ بعد أن تسيدت العالم قروناً ـ مثل دار المسنين؛ تمتلئ بالحكمة دون القدرة على تفعيلها، لها خبرة وتجارب ولكن بلا فائدة ، مثل المشط في يد الرجل العجوز،معه مشط ولكن لم يعد في رأسه شعر يستعمل فيه المشط . علاوة على انها مفزوعة بدخولها دورة التناقص السكاني وهجرة المسلمين اليها من بلاد تعانى الظلم والتكاثف السكاني ـ فهى هجرة معادية أقرب للغزو خصوصا وبعض هؤلاء المسلمين يحملون جرثومة الوهابية على أنها الاسلام..

5ـ وستبقى أمريكا قوة تتمتع بحيوية في داخلها ، ولكن سينتهي دورها في العالم الخارجي . وربما ستسعيد مبدأ مونرو بالأنعزال والأنكفاء على شئونها الداخلية ومجالها الحيوي في الأمريكتين  حيث ستواجه قوة واعدة صاعدة هي البرازيل . وفي كل هذا سينتهي الأستعمار البدائي ليحل محله الأحتلال الصيني ..

أخيراً: اللاعبون في زقاق التاريخ .

كنا في جولة مع القوى العالمية الحية المؤثرة . تبقى الأشارة إلى العرب القابعون  في زقاق التاريخ مبتعدين عن الشارع الرئيسي في العالم حيث تصنع الأحداث ويتم الاستعداد لكتابة تاريخ للمستقبل .

بعيدا عن ذلك الشارع الرئيس يتشاجر العرب المسلمون في احد الأزقة حول الحجاب والنقاب واللحية والجلباب ، والتطبيرويوم الغدير ورضاعة الكبير ، والتداوي بالحبة السوداء وبول الأبل والتبرك ببول النبي ، واحكام الأستنجاء والحيض والنفاس و.. تبرع يا أخى لبناء مسجد نفق شبرا ..وقد بنينا النفق وبنينا شبرا ولا زلنا نبني المسجد .. ومن بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له قصرا في .. شرم الشيخ ... والساحل الشمالى ... "

نتركهم في غيهم يعمهون ونذهب للشارع الرئيس ونهتف : افسحوا الطريق فالصينيون قادمون ....

اجمالي القراءات 14002