الكرامة الإنسانية
الكرامة الإنسانية في الدولة المدنية-2-

محمد عبدالرحمن محمد في السبت ٢٥ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

الكرامة الإنسانية في الدولة المدنية. في الجزء السابق تحدثنا عن الكرامة الإنسانية كما جاءت في القرآن الكريم وبينا مظاهرها وشروطها والآيات الكريمة التي تعرضت لها .

وفي هذا الجزء الثاني من مقال الكرامة الانسانية (الآدمية) بين القرآن الكريم والدولة المدنية نعرض للتوصيف العلمي لفلاسفة الغرب في العصر الحديث والمعاصر ، أمثال جون لوك وهوبز وبيكون والكسندر كوجيف &g;جيف وهيجيل الخ .. و غيرهم وخلاصة أرائهم أنهم عرفوا الدولة المدنية بأنها :

الدولة المدنية : هى ليست دولة بوليسية وليست دولة كهنوتية فلا يحكمها البوليس ولا الجيش ولا كهنوت الدين .. دولة يحكمها المجتمع المدني بمؤسساته

ويعيش فيها المجتمع الليبرالي في ظل الديمقراطية وهو ثمرة لـ (عقد اجتماعي) بين أفراد لهم حقوق طبيعية معينة .. أهمها الحق في الحياة والحفاظ على الذات أو حق السعي من أجل السعادة.

المجتمع الليبرالي :

هو ثمرة اتفاق بين المواطنين قائم على التبادل والمساواة ويقتضي اعتراف كل مواطن بالآخر.!

الليبرالية عند هوبز ولوك هى : انتهاج سيبل الصالح الشخصي الرشيد.

الليبرالية عند هيجيل هى : السعي وراء الاعتراف الرشيد أي الاعتراف على أساس عام.!

في الدولة المدنية العامة والدولة الليبرالية المتجانسة : يعترف الجميع بكرامة كل إمرئ باعتباره إنسانا حراً ومستقلاً ذاتياً !!

فالعيش في دولة ديمقراطية ليبرالية لا ينتج فقط حرية كسب المال وإشباع جوانب المتع في النفوس بل الأهم من ذلك ما تنتجه وتوفره الديمقراطية الحقيقة من الاعتراف بكرامتنا .. فالحياة في ظل الديمقراطية الليبرالية هى الطريق الى الوفرة الوفرة المادية الكبيرة ..! غير أنها تَهدينا أيضا الى السبيل المؤدية الى هدف غير مادي بالمرة .. وهو الاعتراف بحريتنا .!

الاعتراف العام :بين أفراد الدولة المدنية الليبرالية المتجانسة يعالج ذلك النقص الخطير في الاعتراف القائم في :مجتمعات الرق (الاستعباد) بأشكالها المختلفة

فالمَلَكِيّة أو الارستقراطية : لايعترف فيها الا بشخص واحد (الملك) أو (الديكتاتور) أوأشخاص قليلين ( الطبقة الحاكمة أو الصفوة) ...!

ولا يمكن أن يتفق الاعتراف والمنطق إلا إذا كان هذا الاعتراف قائما على أساس العموم والمساواة . وقد وفرت الدولة المدنية الليبرالية هذا ووفقَتْ بين أخلاقيات السيد وأخلاقيات العبد والحل الناجح للتناقض الداخلي في العلاقة بين السيد والعبد.

في الدولة الديمقراطية المتجانسة :أُلغيّ التمييز بين السادة والعبيد وأضحى عبيد الماضي هم سادة الحاضر الجدد ليسوا سادة لعبيد آخرين ! بل سادة أنفسهم!

 

الدولة الوطنية : هى الدولة التي تُقصر المواطنة فيها على أفراد جماعة وطنية أو عرقية أوجنسبة معينة.! فهى دولة توفر اعترافا لا عقلانياَ

الاعتراف العقلاني : الاعتراف العام بجميع أفراد المجتمع.

فالوطني مشغول بصفة أساسية لا بالكسب المادي وإنما بالاعتراف والكرامة . وتعتبر الوطنية الى حد ما تحوير (ميجالوثيميا) العصور السالفة الى صورة أكثر حداثة وديمقراطية..!

وبدلا من أفراد يسعون وراء المجد الشخصي لدينا أمم بأسْرهِا تطالب بالاعتراف بقوميتها!

الرغبة في الاعتراف على أساس من الوطنية أو العرق ليست رغبة عقلانية .. ويؤدي الصراع بين الجماعات القومية من أجل الاعتراف بالكرامة الوطنية على نطاق دولي الى نفس المأزق الذي يؤدي اليه المعركة من أجل المنزلة بين السادة والعبيد .. فتصبح أُمّة سيداَ وأُمة أخرى أودولة أخرى عبداً!!

 

أما الدولة الليبرالية : فدولة عقلانية لأنها تحقق مصالحة بين المطالبات المتنافسة بالاعتراف وذلك على الأساس الوحيد المقبول من الجميع وهو ( هوية الفرد باعتباره كائناَ بشرياَ ) ومن الواجب أن تكون الدولية الليبرالية المدنية عامة أي توفر الاعتراف لجميع المواطنين لأنهم بشر لا باعتبارهم أعضاء في جماعة وطنية أو عرقية أو جنسية معينة .. كما ينبغي أن تكون متجانسة فتخلق مجتمعا لاطبقات فيه يقوم على أساس إلغاء الفوارق بين السادة والعبيد .. ويزداد وضوح عقلانية الدولة المدنية العامة المتجانسة متى أدركنا انها تقوم على أساس من المبادئ الصريحة المعلنة (الشفافية).

 

كتلك التي تبَنّاها المؤتمر الدستوري الذي أدى الى قيام الجمهورية الأمريكية ، ذلك أن سلطة الدولة لا تنشأ عن تقاليد قديمة أو من أعماق العقيدة الدينية أو الكهنوتية ..

وإنما نتيجة مناقشة عامة يتفق مواطنو الدولة خلالها على الشروط الواضحة التي سيعيشون معا بمقتضاها.

هذه الدولة المدنية الليبرالية اذن تمثل صورة من الوعي العقلاني بالذات حيث أدرك بنو آدم ( الآدميون) في المجتمع لأول مرة طبيعتهم الحقة وهى كونهم مخلوقين مكرمين وكان بوسعهم تكييف الجماعة السياسية لتتفق مع هذه الطبيعة الخلْقية الالهية لهم.

وهذا يتفق تماما مع قوله تعالى (ولقد كرمنا بني أدم) وقوله تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) !!

فالتعارف : هو اعتراف عام وتام بالآخر وبحقوقه وبكيانه وبهويته الفردية الذاتية

والكرامة : بألفاظ القرآن الكريم هى التقوى تقوى الله بأن نعبده ولا نشرك به شيئا وبأن نسالم الآخر ونحفظ حياته وحقوقه ونتعاون على البر وإعمار الأرض مع جميع الآدميين. فمفردات الدولة المدنية الليبرالية وأسسها ذٌكرت بالقرآن منذ ألف وأربعمائة وخمسون عاما

ولا يصح أن نعلن بسوء فهم أو بسوء نية أن الدين الإسلامي ضد الدولة المدنية سواء كانت ليبرالية ديموقراطية متجانسة..

وهناك سؤال يطرح نفسه : كيف يمكننا القول بأن الديمقراطية الليبرالية الحديثة تعترف بكافة الآدميين بصفة عامة؟

الجواب : هى تعترف بكافة الآدميين بمنحهم حقوقهم وحمايتها فعلى سيبل المثال أي طفل يولد على أرض الولايات المتحدة أو فرنسا أو اي من الدول الليبرالية الأخرى يولد وله حقوق معينة في المواطنة .. وليس من حق أحد أن يلحق الأذى بحياة الطفل سواء كان غنيا أم فقيرا أسود أو ابيض . وإلا قدم للمحاكمة بنظام العدالة الجنائي ، وسيكون للطفل بمقتضى الوقت حق الملكية الذي تحترمه الدولة وسائر المواطنين وسيكون له حق الخيارات الثيموسية ( أي اعتناق الآراء الخاصة بالقيمة والقدْر ) بشأن أي موضوع يخطر في ذهنه، وحق نشر وبث هذه الآراء على أوسع نطاق ويمكن أن تتخذ هذه الآراء الثيموسية صورة المعتقد الديني الذي بوسعه أن يمارسه بحرية كاملة وهذا يتفق مع القرآن الكريم في قوله تعالى ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وقوله تعالى ( لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) .

وأخيرا فإن الطفل حين يبلغ سن الرشد سيكون من حقه المشاركة في نفس الحكومة التي أرست دعائم هذه الحقوق ، ويمكن أن تتخذ هذه المشاركة صورة التصويت في الانتخابات الدورية ( الشورى) أو الديموقراطية المباشرة ويفضل ذلك أو الديموقراطية النيابية ، أو صورة أكثر فعالية وهى المشاركة في العملية السياسية مباشرة كترشيح نفسه لمنصب معين أو الخدمة في بيروقراطية القطاع العام . فالحكم الذاتي الشعبي يلغي الفوارق بين الطبقات.!

ويعطي لكل فرد الحق في جانب على الأٌقل من دور السيد (الديكتاتور). أما السيادة فتأخذ الآن صورة إصدار القوانين على أساس ديموقراطي سليم .

ومع الأسف فنحن كدول مسلمة لم تعتنق الفكر القرآني وتعاليمه لإعلاء قيمة ومعنى الكرامة الآدمية بين شعوب هذه الدول ، وذلك بسبب تحالف السلاطين المستبدين مع رجال الدين ضد هذه الشعوب المقهورة ، ولم نعتنق الفكر الليبرالي الحر والسلوك الديمقراطي المتسق مع التعاليم القرآنية ، فلم نحظ بهذا ولا ذاك !!

فهل إلى خروج من  سبيل ؟ .

اجمالي القراءات 16793