الإخوان المسلمون والإخوان المسيحيون

حمدى البصير في الأحد ٢٨ - نوفمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

" الإخوان المسيحيون " و " الإخوان المسلمون "

 

حمدى البصير

 

بنهاية الجولة الأولى لإنتخابات مجلس الشعب مساء الأحد الماضى ، تنفس جهاز الشرطة الصعداء بعد معركة أمنية طويلة ، لم تكن لتأمين وتنظيم العملية الإنتخابية فقط ، بل كان طرفا فى مواجهة دامية مع  أقباط بمنطقة العمرانية فى الجيزة أسفرت عن جرح حوالى 48 ضابطا وجندى ، وفى المقابل قتل قبطيين وأصيب 61 ، وإعتقال 166 قبطيا شاركوا فى تلك الأحداث المؤسفة .

فقبل أيام قليلة منtilde;ن إجراء الإنتخابات التشريعية ، وفى وقت كان هناك الأستنفار الأمنى على أشده بسبب الإستعداد للإنتخابات ، إشتعلت الأحداث الدامية بين الأمن ومحتجين أقباط فى العمرانية  بسبب الخلاف على بناء مبنى خدمى تابع للكنيسة ، وقد أخذت تلك المواجهات بعدا سياسيا وليس طائفيا لأنها وقعت وقت إرتفاع سخونة الحملات الأنتخابية ،وحدوث مشاحنات وأعمال عنف بين المرشحين فى الدوائر المختلفة والتى عادة ما تبدأ بالتراشق بالالفاظ وتبادل الإتهامات ، وحتى إستعمال العنف ، والذى كان نتيجته مقتل ثلاثة أشخاص قبل بداية العملية الإنتخابية ، وايضا أسفرت أحداث العمرانية عن سقوط قتيلين وأصابة أكتر من واحد خمسين قبطيا على أيدى رجال الأمن ، والذين أصيب منهم إتنين من كبار الضباط وأكثر من 19 شرطيا ،وكان من بين المصابين إثنين من كبار رجال الشرطة فى المحافظة .

أى أن الأمن قبل الأنتخابات كان محور الاحداث سواء فى أحداث العمرانية ، أو فى التصدى للحملات الإنتخابية الدعائية للمرشحين من اعضاء جماعة الإخوان المسلمين ، بحجة أنها جماعة غير شرعية ولايحق لأفرادها الترشح فى الانتخابات البرلمانية ، بل إن المواجهات التى حدثت فى الإنتخابات التى إنتهت جولتها الأولى يوم الأحد  الماضى، وسقط فيها أربعة قتلى وعشرات المصابين ، كانت فى الدوائر التى يوجد بها مرشحون من الإخوان فقط أما باقى الدوائر التى بها مرشحون شبه معارضين من الأحزاب الورقية وغير الورقية وأنصاف المستقلين فقد تركهم الامن  للبلطجية .

أى أن الأمن تعامل بحزم وصل إلى حد القسوة والعنف أحيانا وخلال أسبوع واحد  ، مع كلا من" الإخوان المسيحيون " و " الإخوان المسلمون " على حد سواء بسبب الخروج على الشرعية ، وتحدى سلطة الدولة ،ومقاومة السلطات .

الأخوة المسيحيون فى العمرانية إستغلوا التركيز الأمنى المعتاد قبل المعركة الأنتخابية ، والتى شهدت دعاية مكثفة من كل المرشحين بسبب قصر المدة المقررة للدعاية ، وإنشغال الأمن بملاحقة مرشحي الإخوان ، والتضييق عليهم ، وقاموا بإستكمال المبنى المخصص للخدمات والمرخص له بذلك بجوار كنيسة العذراء بالعمرانية ، وتحويله إلى كنيسة جديدة بعد أن قاموا ببناء قباب أعلى المبنى بدون ترخيص وبالمخالفة للقانون ،وتحويل المبنى لكنيسة وفرض الأمر الواقع ، وعندما تدخل الأمن بناء على طلب من محافظ الجيزة لمنع البناء تنفيذا للقانون  ، تجمهر أقباط العمرانية والطالبية وجيرانهم القاطنون فى الجيزة وقاموا بقطع الطريق الدائرى المجاور للكنيسة وسمحوا فقط بمرور عربات الخرسانة الجاهزة ، من أجل إستكمال قباب المبنى ، وإشتبكوا مع رجال الأمن ، وقذفوهم بالحجارة ، ثم تطور الأمر بعد ذلك وتوجه بعض " الإخوان المسيحيون " إلى مبنى محافظة الجيزة وقذفوه بالحجارة وأتلفوا واجهة المبنى ، وقطعوا طريق شارع الهرم الحيوى .

وقد تدخل الأمن بشدة ، وبادل الأقباط قذف الحجارة ثم ألقت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع ، ثم تطور الأمر بعد ذلك بإطلاق الشرطة الرصاص لتفريق المتظاهرين ، وإحتواء الأحداث قبل أن تنطلق شرارة الفتنة ، مما أسفر عن إصابة عشرات الأقباط ، ووفاة  قبطيين فى المستشفى متأثرين بجراحهما ، وإلقاء القبض على 116 قبطيا شاركوا فى الأحداث وتحويلهم للنيابة والتى أمرت بحبسهما 15 يوما على ذمة التحقيق .

على جانب أخر قامت أجهزة الأمن بالتصدى لبعض اعضاء من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة والذين قاموا بترشيح أنفسهم فى الإنتخابات التشريعية كمستقلين ، وألقت القبض على بعض أنصار المرشحين الإخوان ، والذين رفعوا شعارات دينية أثناء الحملات الأنتخابية بالمخالفة للقانون ، بل تم تقديم بعض المقبوض عليهم إلى محاكمة سريعة فى الدخيلة بالأسكندرية ، وحكمت المحكمة بحبسهم عامين ، بعد أسرع محاكمة فى تاريخ مصر السياسى ، بل كثيرا ماقامت أجهزة الأمن بالتضييق على مرشحى الإخوان وانصارهم خاصة فى القرى ، ومحاصرة مقارهم الأنتخابية ، بل فى يوم الأنتخابات منعت بعض أنصار الأخوان من التوجه إلى بعض اللجان وتم طرد بعض مندوبيهم من اللجان رغم وجود توكيلات معهم .

أى إن الأمن تعامل مع الإخوان المسلمين والإخوة المسيحيين بنفس العصا ودون تفرقة ، وحجته فى ذلك تطبيق القانون ومنع التحايل عليه والحفاظ على هيبة الدولة .

ولأننى محايدا فى المقام الأول ولا أدافع عن رجال الأمن رغم إعترافى بدورهم الجبار فى حفظ الأمن وتوفير الأمان للمواطن ،كما أننى لست عضوا فى جماعة الإخوان المسلمين ، بل لى العديد من الأصدقاء الأقباط ، فإننى أرى إن الأمن تحرك لمواجهة أقباط العمرانية بدافع قانونى يخلو من الموائمة السياسية ، وواجه الأخوان بدافع سياسى له غطاء قانونى ، واصبح مكروها من الطرفين ، رغم زيارة المصالحة التى قام بها أسقف الجيزة وقيادات كنسية لمبنى محافظة الجيزة يوم السبت الماضى ولقاء المحافظ سيد عبد العزيز ومحاولة تلطيف الأجواء  .

واشهد إن الأمن تعامل مع إحتجاج أقباط العمرانية من منطلق وطنى ، ولم يفرق بين مسلم ومسيحى فى تلك الأحداث ، بل كان هناك جنود أقباط ضمن صفوف الشرطة أثناء المواجهات ، ولكن لم يكن الأمن محقا فى إستخدام الرصاص الحى فى مواجهة الأنفلات القبطى ، حتى ولو كان البعض من المتطرفين الأقباط ، أو "الإخوان المسيحيون " يحاولون إقتحام مبنى المحافظة والإعتصام به ، وكان يكفى القنابل المسيلة للدموع ، أو خراطيم المياه القوية ، دون إفراط فى القوة ، لإن العنف يولد عنفا . وكان يمكن للقيادات الأمنية تفويت الفرصة على الغاضبين بل والمتطرفين الأقباط ، ويلجأون إلى الحل السياسى ويعطون الفرصة للقيادات الدينية والشعبية للتدخل فى هذا الوقت الحساس ، ولاسيما أن وقت الأنتخابات كان مناسبا لتدخل المرشحون فى دائرة الهرم والجيزة لتهدئة الأجواء بل إن تلك الدائرة يمثلها فى مجلس الشورى نقيب المحامين حمدى خليفة ، ومن هنا كان الوقت مناسبا لإفساح المجال لحل المشكلة سلميا دون مواجهات ، ولم يكن التوقيت مناسبا لعمل مواجهة بين الامن والاقباط ولاسيما أن أنظار العالم كانت ومازالت متجهة إلى مصر لمراقبة العملية الإنتخابية ، كما إن تقرير الحريات الدينية الأمريكى الذى صدر فى نفس أسبوع الأحداث ، ألمح إلى وجود أضهاد فى مصر للبهائيين والقرأنيين والأقباط ، ومن هنا كان لابد من معالجة الأمر سياسيا وليس قانونيا ، مع الحفاظ على سلطة الدولة وهيبتها.

فقد ألمنى أتناء تغطية إحدى القنوات الفضائية لأحداث العمرانية أن يتهم رجل دين مسيحى قوات الأمن بأنها سرقت مقاعد الكنيسة و صندوق التبرعات بها ، رغم أن المبنى الخدمى لم يستكمل بنائه بعد ،ووصف تعامل رجال الأمن معه مثل ماتقوم به إسرائيل ضد حماس !

 أو أن تستغيث قبطية فى قناة فضائية أخرى وتقول " فين أمريكا ؟ وتضيف :"  لما بلدنا مش عارفه تحمينا .. فين أمريكا ؟ "

وبالطبع لم يتعامل الأمن وفى ذهنه أنه يجب التفرقة فى المواجهة بين مسلم ومسيحى لأنه يطبق القانون وتلك وظيفته الأساسية .

 بل أن الإخوان المسلمون قدموا أكثر من 249 بلاغا لجهات داخلية مختلفة تراقب الإنتخابات بعد أنتهاء الجولة الأولى مساء الأحد الماضى ضد رجال الأمن وبلطجية ، وقالوا أن الشرطة ضربت بعض أنصار مرشحى الجماعة ومنعت البعض الأخرمن دخول الجان والقت القبض على العديد من الناشطين الإخوان قبل وأثناء العملية الإنتخابية ، فى الوقت التى وفرت فيه الحماية الكاملة لمرشحى الحزب الوطنى .

المنطق الأمنى فى التعامل مع " الإخوان المسيحيون " هو تطبيق القانون ومنع بناء مبنى  مخالف وبدون ترخيص مسبق ، ومواجهة متظاهرون قطعوا طريق وقاومواالسلطات وأتلفوا مبانى حكومية وإعتدوا على أموال وممتلكات عامة ، سواء كان المبنى كنسية او جامع وسواء كان المحتجون والمعتدون أقباط أو مسلمون ، أى أن الأمن تعامل ضد خارجون عن القانون ، ومعتدون على سلطة الدولة وهيبتها .

والعقلية الأمنية التى تعاملت فى نفس الوقت مع " الأخوان المسلمون " ترى أنها تعاملت مع جماعة محظورة قانونا وغير شرعية ، وتحايل بعض أعضائها على القانون ورشحوا أنفسهم كمستقلين ، وأيضا هؤلاء هم المنافس شبه الوحيد لمرشحى الدولة من أعضاء الحزب الوطنى ، وكانت المواجهة الأمنية مع هؤلاء لاتخلو من البعد السياسى ، أى مواجهة أمنية أكثر منها سياسية، لأن القانون لا يفترض إنتماء معين للمستفل  الذى يترشح للأنتخابات أوكونه يحمل افكارا معينة مادام يحافظ على ثوابت الدولة ونظامها العام والأداب العامة ، وإن كان الأمن  يرى فى هؤلاء المستقلين ظاهريا والإخوان واقعيا وعقائديا خطرا محتملا وتهديدا لامن الدولة فى المستقبل .

وفى المجمل أثبتت أحداث العمرانية حياد رجال الأمن من جانب فى التعامل ضد من يخرق القانون لا فرق فى ذلك بين مواطن مصرى ومواطن مسلم  رغم الأفراط فى إستخدام القوة الذى فرضته الأحداث .

كما أتبتت تلك الأحداث متانة النسيج الأجتماعى المصرى من جانب أخر ، ولاسيما أن المسلمين من سكان العمرانية لم يبدوا أبدا أى إعتراض على تحويل  المبنى الخدمى إلى كنيسة ، ولم يشاركوا فى الأحداث ، ولم يصيدون فى الماء العكر، فلم تكن هناك فتنة طائفية مثلما كانت تصورها إسرائيل العدو الحقيقى لمسلمين والأقباط .

ولكن كان من الممكن أن ينتظر " الأخوان المسيحيون " صدور تصريح جديد بتحويل المبنى إلى كنيسة ، تجنبا لتلك المواجهات ، بدلا من الإنسياق وراء قلة  متطرفة ومحتقنة طائفيا ، وتريد فرض الأمر الواقع ، على حساب القانون والنظام وهيبة الدولة .

وكان من المفترض أن يقوم " الأخوان المسلمون " بتأسيس حزبا مدنيا مادام لهم الرغبة فى المشاركة السلمية فى العملية الديمقراطية ، بدلا من الألتفاف على القانون وترشيح أنفسهم كمستقلين وبنفس مبادئهم الدينية ، ويخالفون بالتالى القانون ويعرضون أنفسهم لبطش السلطة  ،لأنهم يتحدون الدولة وقوانينها .

وأيضا كان على رجال الأمن أن يعلموا أن الإخوة المسيحيين هم فى النهاية مصريين لهم حق المواطنة ،ولن يضير الدولة أو الأغلبية المسلمة بناء الأقباط لكنيسة كى يتعبدوا فيها ، كما يجب أن يعرف رجال الشرطة أن الأخوان المسلمين  - رغم إختلافى معهم – هم أيضا مصريون ولهم الحق فى ممارسة العمل السياسى والدعوى مادام بطريقة سلمية ، ولأننا جميعا أقباط ومسلمين و"سلطة " مصريين وننتمى إلى كيان رائع نعيش فيه ويعيش فينا هو مصر .

Elbasser2@yahoo.com

اجمالي القراءات 10582