الدعاء
فلسفة الدعاء

زهير قوطرش في الخميس ١٨ - نوفمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

 

 

فلسفة الدعاء

ما دعاني إلى كتابة هذه المقالة ,هو قراءتي لكتاب  الشيخ المتصوف عباس عبد النور من مواليد دمنهور لعام 1927.الدارس في الأزهر ,والواعظ سابقاً في مساجد دمنهور , قبل كتابة كتابه المعنون

                      "محنتي مع القرآن ومع الله في القرآن &amلقرآن "

 

كتابه هذا ,يحكي محنته مع الله ,والعياذ بالله . وقد قسم كتابه إلى فصول

مرحلة الإيمان...مرحلة الامتحان...مرحلة الأعصار ..مرحلة البحث ...مرحلة القطيعة(مع الله مع القرآن).

 

 والسبب في كتابته  هذا الكتاب  هو  مروره بمحنة وضائقة مادية ,فكان يدعو الله ليل نهار ,عله يستجيب له ( أراد أن يمتحن الله عز وجل وهذا لايجوز مع الله)!!!  ولكن  الله لعلمه وحكمته ,لم يستجيب له ... لهذا  ألف كتابه من ثلاثمائة وخمسين صفحة.

يقول في المقدمة:

"أني أشك في القرآن ,وفي إله القرآن ,وفي تعاليم القرآن ,وفي إعجاز القرآن وبلاغة القرآن"

 

الدعاء والاستجابة.

 

في الواقع ,هذه هي إشكالية الإنسان المخلوق القاصر والناقص  مع خالقه المطلق والكامل ...وخاصة إذا مر بتجارب شخصية أو ابتلاءات مؤلمة ,ثم استجار بالله ,ودعاه مخلصاً حسب تصوره وطريقته  ,ومع ذلك لم يستجيب له .فيدخل بعد ذلك في مرحلة البحث والشك ,كما هي الحال مع الشيخ عباس أو مع أكثر البشر.

هذه المقدمة ,كتبتها للدخول إلى فلسفة الدعاء ,كما جاءت في كتاب الله عز وجل.علي استطيع من خلال ثقافتي المحدودة ,واضطلاعي على كتابات من خاضوا في هذا الموضوع  الوصول إلى مقاربة قد تفيد القارئ إن شاء الله.

يقول الله تعالى :

"واذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"

 

هذه الآية  الكبيرة في معانيها ,أجابت على تساؤل الإنسان , أو بمعنى أدق ,عالجت إشكالية  وفلسفة الدعاء.

وكما تعودنا في قراءتنا وتدبرنا لكتاب الله عز وجل .بمنهجية تأويل القرآن بالقرآن .علينا إذن تفكيك وتركيب المعاني .

الآية تخاطب الرسول (ص) ,والرسول هو صلة الوصل بين الإنسان وخالقه من خلال الرسالة بمرجعيتها الوحيدة القرآن الكريم .والخطاب بعد الرسول موجه إلى عباد الله.ومن هم عباد الله ؟.

هم الذين وصفهم القرآن الكريم في الكثير من الآيات الموزعة على مساحة القرآن  ,وفي هذا المقام  لابد من التفريق بين كلمتي ,عباد الله ,وعبيد الله.

يقول عز من قائل:

"قل لعبادي الذين امنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل ان ياتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين "

"قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم"

"ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين"

 

 

نحن جميعاً عباد الله في الحياة الدنيا ,وعبيده في الحياة الأخرة . فعباد الله هم الذين يملكون حرية الخيار بين الكفر أو الشرك أو الإيمان .أما في الأخرة عندما تنتفي هذه الصفة صفة الحرية, ويكون الأمر فقط لله ,فنحن عندئذ عبيد الله .

الآية التي نحن بصددها تتحدث عن عباد الله بالعموم ,وقوله إذا سألك عبادي ,أي بغض النظر عن موقفهم من قضية الإيمان والكفر. يحق لكل إنسان أن يسال ,له الحرية المطلقة .وخاصة إذا تعلق السؤال عن الله عز وجل .وجاءت الإجابة فوراً ...أني قريب ...أجيب دعوة الداع..

 التعبير القرآني ,أني قريب ...على ماذا يدل ,هل يدل على قرب المسافة الزمنية والمكانية ...كما يعتقد البعض !!!!

برأي أن هذا التعبير الآلهي يدل على أن الله عز وجل يتعامل معنا من خلال الحقائق. أنه لا يحتاج إلى لغة ,اللغة هي للتواصل بيننا ,الله لغته كن فيكون ,وإجابته في لمح البصر..... قريب ..تعني أنه قبل أن ننطق بالدعاء ,يكون الدعاء في علمه.لأنه ينظر إلى القلوب ولا ينظر إلى الأقوال.

"أجيب دعوة الداع إذا دعانِ".....

هذا الجزء من الآية ,يمثل حالة عامة ...لكنها مشروطة  بقوله.

فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي.

إذن الاستجابة إلى الله ,تعني معرفة الله عز وجل ,لأنه لا يمكننا  أن نرجو الاستجابة من الخالق دون معرفته حق المعرفة, وإلا فأن عنونة الدعاء تكون إلى غير الله ,دعوة من ليس هو من الله بسبيل  .

وبعد معرفة الله عز وجل ومعرفة أسمائه (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) .ومعرفة الأسماء ,ليس كلام ميكانيكي نطلقه ليل نهار ...يا غفار ...يا قدير ...الخ  ,لابد أن نعرف من كتاب الله معاني هذه الأسماء الكبيرة ...ليأتي بعد ذلك الإيمان بالله ...الإيمان بالله بعد معرفة الله وإعطائه حق قدره . الإيمان به هو أيضاً  إيمان بملائكته ,إيمان بالغيب ,وبقدره ,إيمان بالحساب .ونتيجة هذا الإيمان هو إطاعة الله فيما أمر والابتعاد عما نهى .والعمل للأخرة ...أكثر من عملنا للدنيا .

 والتمسك بكتابه لأن كتابه هو كلام الله إلينا. عندها نكون من أولئك الذي يسمع الله دعائهم ويستجيب لهم.

من كل ما تقدم ,أستطيع أن أؤكد للشيخ عباس ,ولغيره من أمة الإسلام,ولأمة الإسلام التي لم يعد يسمع الله دعائها منذ ألف سنة حتى أصبحت من أحط الأمم .

 أن الله عز وجل يستجيب إلى دعاء من عرف الله, وأمن بالله قلباً وقولاً .

 

"وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"

وأرجو التركيز على كلمة (عبادتي)

اجمالي القراءات 21990