الخوارج

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١١ - أكتوبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

اولا :

*كان الخوارج قمة الإخلاص فيما يعتقدون أنه الحق ، وكانوا أيضاً قمة في الجرأة على سفك الدماء ، وفي تكفير غيرهم واستحلال دمائهم وذرياتهم . وبسبب ذلك امتاز تاريخهم العسكري بظاهرتين :الشجاعة المتفردة  وأن أكثر هجومهم كان على المسلمين فقط .

*قتل الخوارج الإمام علي بن أبي طالب،وأرهقواالدولة الأموية بثوراتهم المتعاقبة، ومنها ثورة مرداس بن أدية الذي اشتهر بين الخوارج بتفانيه في العبادة وشجاعته, وقد خرج فى العراق على الدولة الأموية في أte; أربعين رجلاً فقط في خلافة معاوية, فأرسل إليه الوالي ابن زياد حملة عسكرية تتكون من ألفي رجل يقودهم القائد أسلم بن زرعة، وتقابل الخوارج الأربعون مع الجيش الأموي عند بلدة" أسك" فانتصر الأربعون من الخوارج على الألفى رجل وهرب القائد الأموي يحمل خيبته، وكان الصبيان إذا رأوا ذلك القائد الأموي في الطريق صاحوا به: مرداس بن أدية خلفك !!

   وقال أحد الخوارج في هذه المعركة يتندر على الأمويين :

    أألفا مؤمن منكم زعمتم     ويقتلهم بأسك أربعونا

كذبتم ليس ذاك كما زعمتم    ولكن الخوارج يؤمنونا     

هم الفئة القليلة قد علمتم      على الفئة الغليلة ينصرونا

    واضطرت الدولة الأموية لإرسال جيش أخر يعيد هيبتها، ولم يجرؤ ذلك الجيش على مواجهة الأربعين خارجيا ، فانتظر الى وقت دخول وقت الصلاة ، وانتهز الجيش وجود الخوارج ركعاً سجداً في الصلاة فهجم عليهم، ولم يخرج الخوارج عن الصلاة واستمروا فيها والسيوف تتناولهم قتلا ، وكل واحد منهم يقول :" وعجلت إليك ربي لترضى"!!

* وذلك يعطينا مثلاً لما كان عليه الخوارج من إخلاص لعقيدتهم وشجاعتهم في المعارك، ولكن وجهوا تلك الشجاعة لقتال المسلمين وحدهم ، بل وكانوا يقتلون المسلمين قتلاً عشوائياً .

وقد بدأ ذلك في تاريخ مبكر في نشأة الخوارج، فالفرقة الأولى من الخوارج وهم " المحكمة الأولى" كانوا يخرجون بسيوفهم على الناس في الأسواق فجأة ينادون بشعارهم "لا حكم إلا لله"  ثم يقتلون من يجدونه أمامهم من أهل البلد، ولا يزالون يقتلون ما استطاعوا إلى أن يقتلهم الناس، وكان من طقوسهم الدينية أن أحدهم لا يخرج للتحكيم إلا على سبيل أن يقتل من المسلمين ما استطاع ويموت.. وكلما قتل رجلاً هتف: "لا حكم إلا لله".فهم أول من شرّع العمليات الانتحارية فى تاريخ المسلمين بالمناقضة لشرع الله سبحانه وتعالى . كما أنهم أول من قال بالحاكمية التى تعتبر الآن نظرية التيار السلفى فى الحكم السياسى .

 * وهكذا فهم الخوارج أن الإسلام مجرد شعار"الحاكمية لله" وحتى ذلك الشعار فهموه فهماً خاصاً،ومن خلال تلك النظرة المتعصبة والضيقة استباحوا دماء مخالفيهم من المسلمين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً..

   ثانيا :

  من التاريخ نتعلم أن تلك الحركات المتعصبة لا تنجح في إقامة دولة ولا تفلح في صيانة نفسها من الانشقاق والتصفيات الدموية فيما بين فصائلها.. كذلك كان مصير الخوارج وسيكون مصير كل من سار على طريقهم من أولئك الذين يقرءون في الإسلام حرفاً ولا يفهمون منه طرفاً .

     لقد كان الخوارج بدوا محدودي الوعي شديدي التدين، وكانوا مع الإمام(على) اشد أنصاره وأشدهم كراهية لمعاوية الذي كان ممثل" الانفتاح" على الدنيا، وانشق الخوارج عن(على) حين تفاوض مع "معاوية" الانفتاحي وحاربوا"على" وقتلوه، ثم حاربوا معاوية وخلفاءه.. ووهبوا حياتهم وشجاعتهم لسفك دماء المسلمين بدون تمييز، وكان ذلك دينهم الحقيقي .

    وصحيح أن الخوارج انتقلوا إلى متحف التاريخ، ولكن التجربة تتكرر الآن في حياتنا وشوارعنا..

وهناك أوجه تشابه عديدة بين نشأة الخوارج ونشأة الجماعات المتطرفة الدموية، فكلاهما أفرزته تجاوزات العصر وسيئاته، وكلاهما وجد العلاج النفسي في التمسك بما يفهمه من الدين،ووجد في الدين شرنقة يحمي بها نفسه أمام متغيرات لا يجيد التعامل معها ، وكلاهما قام بتحويل نفسه إلى قنبلة انتحارية يهدم بها نفسه والمجتمع.. والخوارج أسهموا في تدمير الدولة الأموية ولم تقم لهم قائمة بعدها

     ولكي تنجو الدولة المصرية من مصير الدولة الأموية عليها أن تحارب الفساد وأن تؤمن بأن الديمقراطية تعني أساساً تداول السلطة وليس مجرد حرية النباح في الصحف الحزبية..

وأعتقد أن حاضر مصر ومستقبلها أهم كثيراً من بعض الأحزاب.. وبعض الأشخاص..!!

أخيرا

ظهر هذا المقال فى جريدة الأحرار بتاريخ 19 /7 /1993

ونعيد نشره هنا بعد 17 عاما للتأكيد بأننا مثل الذى ( يؤذن فى مالطة ) على رأى المثل المصرى ..

اجمالي القراءات 16031