المقاومة و الإرهاب .. والفدائي والإرهابي ..

عمرو اسماعيل في الخميس ٢١ - ديسمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

تتعالي الأصوات الناعقة في محاولة تبرير الإرهاب الذي يرتع في العالم كله قاتلا ومروعا الآلاف من الأبرياء الذين ليس لهم ناقة أو جمل بالقضايا التي يبرر بها الإرهابيون أعمالهم الخسيسة.. أن الموجة الإرهابية التي يشهدها العالم الآن هي رد فعل علي الهجمة الأمريكية علي الشرق الأوسط.. رغم أننا تعرضنا سابقا لاحتلال وقاومناه حتى أجبرناه علي الرحيل دون قتل المدنيين ومن غير السيارات المفخخة ولا العمليات الانتحارية التي لا تفرق بين مدني وعسكري.. طفل أو امرأة.. بريء أو مذنب
والجميع يعرف أن من البديهيات أن مقاومة الاحتلال..هو واجب وطني و حق مشروع تكفله كل الشرائع السماوية والمواثيق الدولية.. هو واجب وحق وطني.. واجب علي كل مواطن يحمل جنسية أي بلد محتل بصرف النظر عن دياناته.. هو واجب علي الفلسطينيين مسلميهم ومسيحييهم وعلي العراقيين سنة كانوا أو شيعة.. آشوريين و كلدانيين.. مسيحيين أو مسلمين.. أو حتى يهود.. وهو حق مكفول لكل شعب يرزح تحت نير الاحتلال..
ولكن كيف تكون المقاومة ولمن توجه..
أولا المقاومة في الأساس هي عمل سياسي.. لها هدف واضح وهو الحصول علي الاستقلال و الحرية وحق تقرير المصير.. وتستخدم وسائل متعددة للوصول إلي هذا الهدف .. وسائل سياسية وإعلامية وعسكرية..
والعمل العسكري وإن كان ضروريا أحيانا إلا أنه يظل الخيار الأخير لأي شعب للوصول إلي الهدف المرجو..
لأن الحياة البشرية التي وهبنا الله إياها ليست شيئا هينا نضحي بها دون هدف واضح وخطة واضحة.. مقاومة المحتل عسكريا هو عمل شجاع يقوم به فدائي نحترمه ونرفعه إلي مصاف الأبطال.. ولكنه ليس عمل غير مسئول وعشوائي.. العمل العسكري الفدائي لمقاومة المحتل هو عمل المقصود به إجهاد الآلة العسكرية للمحتل وتكبيده الخسائر في جنوده ومعداته ليعرف أن تكلفة الاحتلال غالية و الهدف أن تفشل مخططاته السياسية والاقتصادية والتي من أجلها تقوم أي دولة ما باحتلال دولة أخرى سواء حدث هذا في الماضي أو في الحاضر..
والفدائي عندما يخطط للقيام بعمل عسكري ضد قوات المحتل ورغم شجاعته واستعداده للتضحية بحياته فهو يخطط في نفس الوقت للحفاظ علي حياته إن أمكن وحياة زملائه من الفدائيين وحياة الأبرياء من المدنيين الذين قد يتواجدون في المكان..
هكذا قاوم المصريون قوات الاحتلال الانجليزي في القناة.. وهكذا كانت العمليات الفدائية في سيناء أثناء حرب الاستنزاف وبعدها... وهكذا قاوم الفرنسيون قوات الاحتلال النازي أثناء الحرب العالمية الثانية،، وهكذا قاوم الفيتناميون قوات الاحتلال الأمريكية...
العمل الفدائي هو عمل شجاع وليس عشوائي.. هو عمل مدروس ومخطط وله أهداف سياسية ومن أهم أهدافه محاولة الحفاظ علي حياة المجموعة الفدائية وعدم توريط المدنيين والتركيز علي الآلة العسكرية للمحتل من جنود ومعدات..
أما من يفجر نفسه بدون هدف واضح ويصيب من المدنيين و أهل البلد أكثر مما يصيب من قوات الاحتلال.. ومن يستهين بالحياة البشرية سواء حياة من يقوم بالعملية نفسها وحياة من يتواجدون في المكان من أبرياء.. فهو إرهابي حتى لو كان هدفه نبيلا.. ومن يفجر الكنائس والمساجد الشيعية ويقتل للإختلاف في المذهب أو لفرض أجندة سياسية ليست لها علاقة بالاحتلال.. هو إرهابي... من يقتل لفرض أجندته السياسية.. هو إرهابي.. كل ما يقوم به تنظيم القاعدة سواء التنظيم الأصلي بزعامة بن لادن والظواهري أو الفروع الأكثر شرا له في العراق و السعودية والكويت.. بقيادة بطل النحر والذبح الزرقأوي و من خلفه بعد خلاصنا منه.. هي أعمال إرهابية مهما حاولت أن ترفع راية الإسلام..
لقد قاوم الشعب الفيتنامي أمريكا ولكنه لم يفجر الأبراج في أي مدينة أمريكية ولم يقتل مدنيين أمريكيين ولم يفجر القطارات علي رؤوس ركابها..
وقاوم الشعب المصري الإنجليز في قناة السويس عبر كتائب الفدائيين إسلامية ويسارية ووفدية.. ولكنهم لم يقتلوا مدنيا بريطانيا رغم أن شوارع القاهرة كانت تعج بهم ولم يخطفوا صحفيا ولم يحاولوا تفجير محطات القطارات في لندن.. بل وقاوم الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي لسيناء بأعمال فدائية وليست إرهابية في الفترة بين 67 و 73.. أعمال كانت تستهدف الآلة العسكرية للمحتل و لا تورط المدنيين من الجانبين.. ولم نهاجم السفارات ولم نفخخ القطارات..
أن أي مقاوم يستهدف الآلة العسكرية للمحتل وجنوده في العراق أو فلسطين أو أي مكان في العالم فيه احتلال هو فدائي له كل احترام ليس فقط بين أبناء وطنه ولكن حتى في نفوس قوات الاحتلال نفسها.. أما من يفجر السيارات المفخخة في الشوارع والأسواق دون أي أعتبار لأرواح الأبرياء من المدنيين و أهل البلد.. ومن يفجر الكنائس والمساجد والحوزات ويقتل كل من يختلف معه سياسيا بحجة أنه متعاون مع الاحتلال دون دليل سوي الاختلاف في المذهب أو الدين أو التوجه السياسي فهو إرهابي.. مهما رفع راية المقاومة والدين..
وأهم أنواع المقاومة هو العمل السياسي المدروس جيدا والذي يستخدم آليات المجتمع الدولي للوصول إلي نفس الهدف العسكري دون التضحية بالأرواح.. ولعل أهم مثال علي ذلك هو استرجاع طابا من خلال التحكيم الدولي و العمل القانوني العظيم الذي قام به جهابذة مصريين في القانون..
وعندما تساعد مصر الفلسطينيين للحصول علي حقوقهم بطريقة سلمية واضعة نفسها تحت سهام الهجوم والاتهامات الظالمة فهو عمل سياسي عظيم أن أتي بنتيجة وأن لم يأتي فالمقاومة المسلحة دائما مستعدة لرفع السلاح ودائما الشعب المصري مستعد لمساعدتها.. عندما توافق حماس والجهاد علي وقف العمل المسلح لإعطاء محمود عباس الفرصة للعمل السلمي للحصول علي نفس الحقوق.. فأنها تمارس أعظم أنواع المقاومة.. المقاومة السياسية والتي تحتفظ بالسلاح لإشهاره.. أن لم ينفع التفاوض..
هذا هو الفدائي.. أما الإرهابي فهو من يقتل بدون هدف واضح غير عابئ لا بروح جنوده ولا أرواح الأبرياء من المدنيين.. خاصة إن كانت أهدافه سياسية الهدف منها الوصول إلي الحكم.. كما حدث من عمليات قتل للعراقيين الذين يمارسون حقهم الطبيعي في الانتخاب .
أما أسوأ أنواع الإرهاب و أحقر أنواعه فهو العنف الذي يمارس بغرض التغيير السياسي لحاكم أو نظام حكم.. العمل السياسي هو عمل سلمي في الأساس.. عبر آليات المجتمع المدني.. وعبر التظاهر ووسائل الأعلام وحتى العصيان المدني.. ولكن ليس عبر العنف والسيارات المفخخة والاغتيالات.. قد نختلف مع اي نظام حكم.. ولكننا ندعو ونحاول تغييره سلميا.. وليس بالقتل والتفجير.. قتل السادات هو إرهاب.. واغتيال باقر الحكيم في العراق إرهاب.. وتفجير السيارات في الرياض وجده وغيرها إرهاب.. وقتل السياح في الأقصر إرهاب.. وتفجير قطارات مدريد إرهاب.. وتفجير السفارات إرهاب.. وتفجيرات طابا إرهاب.. واغتيال رفيق الحريري ومعه قتل و إصابة العشرات في عملية انتحارية هو إرهاب ومن قام بها سيصلي نار جهنم بأذن الله.. ومن خطط لها ومولها هو مجرم بكل ما تحمل الكلمة من معني ويجب أن يحاسب ويحاكم علي جريمته الشنعاء..وما حدث في شرم الشيخ وطابا وذهب أو في لندن ونيويورك ومدريد هو إرهاب ولا يمكن وصفه إلا بهذه الصفة.. ومن يحاول أن يبرره بأي حجة كانت هو مشارك فيه ومشجع له حتى لو كان ذلك بحسن نية ويجب أن يعيد حساباته ويرجع إلي الحق.. يرجع إلي الله والإسلام الحق.. الذي لم يكن أبدا دين ترويع الآمنين ...
هذا هو الفرق يا سادة بين الفدائي و الإرهابي.. الأول يستحق الاحترام ويجب اعتباره شهيدا إن مات وهو يقاوم والثاني يجب أن يدان ويقبض عليه ويحاكم ويعاقب مهما حاول أن يخدعنا بشعارات الجهاد والدين..
لهذا يعتبر الكثيرون في العالم جيفارا بطلا حتى في أمريكا نفسها.. ويعتبر العالم بن لادن والزرقأوي إرهابيان.. فهل نفهم ونعي الفرق بينهما..
لنا الله وأعاننا علي من يقتل أبنائنا باسم الدين وهو منه براء..

اجمالي القراءات 13093