الدين المغشوش

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٧ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

                                            

الدين المغشوش

1 ـ كان مريضا يا ئسا من الشفاء ، رأى فى المنام هاتفا يصف له الدواء ، صحا من نومه وهو يحتضن زجاجة الدواء ، رشف منها رشفة فأصبح صحيحا معافى ، واشتهر أمر الدواء العجيب ، وشاعت شهرته المباركة فى الشفاء واستفاد به الناس ، وبمرورالزمن  لم تسلم زجاجة الدواء من العبث ، اضافوا لمحتوياتها ، ثم  أفرغوها فى براميل من الماء والسوائل ، وتحول الدواء الأصلى النقى الى ادوية كثيرة مغشو&Oaelig;شة ، وضاع أثر الدواء السحرى فى الشفاء ، وعاد المرض يسيطر كما كان ..

 

2 ـ تلك قصة رمزية بالطبع ، ولكنها تصف بالدقة ماحدث للإسلام والمسلمين . نزل الإسلام قرآنا نقيا فيه الهدى والشفاء ، وكان العرب أمة مريضة بكل ماتبتلى به الامم من أمراض  وتم شفاؤها بالقرآن ، وتغيرت حالها ، ثم عاد اليها المرض القديم بعد أن أضافت للقرآن الشروح  والاحاديث المفتراة ، وبعد أن كان الدواء كتابا واحدا أضيفت له أسفار مقدسة انتزعت منه ماينبغى له من التقديس والاجلال ، فهو الجدير وحده  بالتقديس والاجلال  فى قلب كل مسلم ، وبذلك عادت للعرب جاهليتهم الأولى بل وجاهلية الأمم البائدة ، ويكفى أن كل نقيصة حكاها القرآن عن الأمم السابقة وقع فيها المسلمون بعد القرآن ، من الشرك الى اللواط والفواحش وكل أنواع الفساد والموبقات ..

 

3 ـ قبل القرآن كان العرب قبائل متفرقة متنازعة وتتقاتل عشرات السنين لأى سبب أوبدون سبب ، كانوا فى زقاق التاريخ ، يعيشون منسيين لا يأبه بهم أحد وسط حضارات المصريين والروم والفرس . بالاسلام أقاموا فى عهد خاتم المرسلين أول وآخر دولة اسلامية علمانية حقوقية ديمقراطية تكفل الحرية الدينية وتطبق الديمقراطية المباشرة وترعى العدل وتقيم الاحسان والتكافل الاجتماعى .

وبالاسلام ارتقت واشتهرت اللغة العربية وأصبحت ـ ولا تزال لغة عالمية ، أنهت سيطرة لغات أخرى ، وتكلم بها أبناء الحضارات القديمة ، وبها أصبح صعاليك العرب فى الجاهلية مشهورين مخلدين ، مع أنهم مجرد صعاليك ـ سواء كانوا أمراء كامرىء القيس والمهلهل بن ربيعة أو كانوا من عوام الناس مثل تأبط شرا ، والحطيئة،اشتهروا جميعا خلال حضارة أسهم الاسلام فى إقامتها للعرب .

4 ـ على أن جاهلية العرب ما لبث أن عادت تتخفى تحمل شعار الاسلام نفسه ، وتقضى عليه من الداخل. عادت الجاهلية وثوابت العرب القديمة تنسب نفسها ظلما وزورا للنبى محمد عليه السلام ولرب العزة جل وعلا فيما يعرف بالأحاديث النبوية و القدسية .

فى عهد خاتم النبيين وفى حياته حاولت تلك الجاهلية مواجهة القرآن الكريم بنصوص وقصص دينية مضادة ، أطلق عليها رب العزة اسم ( لهو الحديث ) : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( لقمان 6 : 7  ) . وتعلمت الجاهلية الدرس فعادت وسيطرت ونجحت بوسائل عدة :

5 ـ أهمها أنها اخترعت لها إسنادا ونسبة لله تعالى ورسوله تحت زعم انه ( قال رسول الله ) فيما يسمى بالحديث النبوى ،و( قال الله ) فى الحديث القدسى ،أى أصبح تلك الأكاذيب المفتراة وحيا الاهيا وجزءا من الاسلام ، ومن أجلها تناسى المسلمون ،أو كذبوا بقوله جل وعلا (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) ( المائدة 3 ) ، اى إكتمل الاسلام دينا باكتمال القرآن نزولا ، وما بعده لا دخل له بالاسلام ، هو كلام للمسلمين يعبر عنهم ولا يعبر عن دين الله جل وعلا .

وبذلك قامت أديان أرضية للمسلمين كالسنة و التشيع و التصوف ، أضحت أساطيرها ولهو أحاديثها دينا مقدسا لدى أتباعها الذين يحملون اسم الاسلام ، وهم أبعد ما يكون عن عقائده وشريعته وأخلاقياته.

6 ـ ساعد أيضا على نجاح الجاهلية فى عودتها حب الصحابة ـ أو معظمهم ـ  للدنيا ، وإيثارهم إياها على الآخرة . وتلك بلوى عامة للبشر جميعا ، ولكن هذه البلوى لدى أولئك الصحابة تحولت الى كارثة وردة حقيقية عن الاسلام ، لأنهم استخدموا اسم الاسلام فى تحقيق أطماعهم الدنيوية فيما يعرف بالفتوحات ( الاسلامية ) والتى بها خالفوا شريعة الله جل وعلا فى القتال فاعتدوا على من لم يعتد عليهم والله جل وعلا لا يحب المعتدين .

تحت اسم الجهاد حشدوا الأعراب وأوهموهم بأن اعتداءهم على الأمم التى لم تعتد عليهم هو جهاد اسلامى يستوجب الجنة عند الموت والنصر ، وكان الأعراب فى شوق للعودة لما اعتادوه فى الجاهلية من غارات وسلب ونهب وسبى وقطع للطريق ، فاتاح لهم كبار الصحابة أن يمارسوا تلك الثقافة الجاهلية على مستوى عالمى ، وبتسويغ دينى يجعل الاعتداء والسرقة والسلب والنهب والسبى والاسترقاق فريضة اسلامية.

7 ـ نجحت الفتوحات العربية الجاهلية ( وليس الاسلامية ) فى إقامة امبراطورية عربية وصل امتدادها فيما بين الصين الى جنوب فرنسا .ولكن نجاحها الأكبر والأفظع هو وضع العرب فى إختيار صعب ، فالقرآن والاسلام وشريعة الرحمن فى تناقض مع ما ارتكبوه باسم الاسلام وشريعته ، ولا يمكن لهم التنازل عما حققوه من مكاسب والرجوع الى جزيرتهم العربية تاركين الكنوز التى سلبوها والعروش التى حطموها والشعوب التى استرقوها كى يتوبوا ويرجعوا الى الاسلام .

كما لا يمكن لهم تزوير وتحريف القرآن الكريم وحذف أياته التى تقف شاهدا على عدائهم لرب العزة مثل قوله جل وعلا (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) ( البقرة 190  ).

 لذا كان الحل هو تصنيع دين أو أديان مغشوشة ، تتعامل ـ مثلا ـ مع الآية الكريمة السابقة بالقول بأنها ( منسوخة ) أى حكمها باطل او ملغى ، ثم لتاكيد ذلك يتم تصنيع أحاديث تسوغ العدوان وتناقض القرآن مثل ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ..)، وفى سبيل هذا الحديث مثلا تم إلغاء أكثر من ألف آية قرآنية تؤكد على أنه لا إكراه فى الدين ، وتؤكد على الحرية المطلقة فى العقائد والايمان والكفر ومسئولية كل انسان امام الله جل وعلا يوم الدين عمنا اختاره لنفسه من عقائد وتشريعات.

بتلك الطرق وغيرها تم انتاج أديان مغشوشة نجحت فى تغريب وتهميش الاسلام الحقيقى داخل النصّ القرآنى المحفوظ من لدن الله جل وعلا ليكون حجة على الناس يوم القيامة . وبهذا عادت الجاهلية العربية فى ثوب ( اسلامى ) تقدم به نفسها للعالم على أنها الاسلام .

8 ـ وصدّق العالم هذه الاكذوبة بعد أن صدّقت بها أجيال المسلمين اللاحقة من القرن الأول الهجرى وحتى الآن . فأصبح الاسلام متهما بكل ما يرتكبه المسلمون .

فى الندوات التى احضرها فى واشنطن يتحدثون عن أخطاء وجرائم العرب والمسلمين فيقولون (الاسلام ).وأمس بالتحديد ( سبتمبر 16 ـ 2010 ) وفى ندوة فى مركز وودرو ويلسون  ـ الذى بدأت اعمل فيه استاذا زائرا ـ كانت هناك مؤلفة أمريكية تقدم كتابها الذى يتحدث عن رحلاتها فى نيجيريا و السودان و اندونيسيا ، وتحت اسم الاسلام تصف ما  يحدث هناك، وقلت لها انك تتحدين عن بشر وليس عن دين ، وتكلمت عن الاسلام والتناقض بينه وبين المسلمين بما يدمّر كتابها ، فانزعجت وتدخلت لتقطع استرسالى فى الحديث بعد أن اكتشفت انها لا تعلم شيئا عن حقيقة الاسلام الذى جعلته عنوانا لكتابها.

9 ـ وتساءلت ولا زلت أتساءل : لماذا عندما يتحدثون عن أوربا واستعمارها وابادتها شعوبا وأمما تحت راية الصليب وأمريكا وفيتنامها وعراقها وأفغانستانها لا يقولون المسيحية ، بل يذكرون البشر بينما يصممون على الصاق ما يفعله ابناء لادن بالاسلام مع أن ضحايا الارهاب السنى و الشيعى من المسلمين هو الأوفر عددا .؟

10 ـ لا سبيل للوم الغرب لأننا الذين نصف الارهابيين بالاسلاميين ، ولأننا لا نزال نفخر بالردة الكبرى التى وقع فيها الصحابة حين قاموا بالفتوحات الاسلامية ، ولا زلنا ننكر الاستعمار الاوربى و الحملات الصليبية و الصهوينية و نتغزل ونمجّد الغزوات والفتوحات العربية ونجعلها جهادا اسلاميا ، ومما يقوم به الوهابيون هو تكرار مشين وخائب لتلك الفتوحات ، ولأننا لا زلنا أسرى لتلك الأديان الجاهلية من سنة وتشيع وتصوف ، ولا زلنا لا نفهم القرآن إلا من خلال النظّارة التراثية من تفسير وحديث وفقه وتأويل وأسباب نزول و ( علوم القرآن )..

أى فى النهاية لأننا نحمل شهادة عار هى أننا اتخذنا القرآن مهجورا . وسنأتى يوم القيامة أمام الله جل وعلا نحملها ، وعندها سيحل علينا وصف رب العزة بأننا أعداء الأنبياء وفى مقدمتهم خاتم النبيين عليه وعليهم السلام ، يقول جل وعلا (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) (  الفرقان  30 : 31)

11 ـ فى حياته عليه السلام كان الإسلام حقيقيا فى النفوس ، كان قرآنا ليس الى جانبه الا التطبيق العملى للنبى عليه السلام ، وتلك هى السنة الحقيقية للنبى فى تطبيق  القرآن بالقول والفعل إذ كان خلقه ومنهجه وشريعته القرآن عليه السلام .. وتوالت الايام واصبح القرآن مهجورا واختطفت منه الاضواء اسفار كتبها البشر ، لم يكن للرسول وعهده علم بها وقد نهى كتابة شىء بجانب القرآن الكريم .  وبذلك تحول العرب والمسلمون الى قبائل متحاربة  كما كانوا من قبل ولايزالون..

12 ـ ويتحدثون عن الصحوة الدينية ويريدون  بها العودة الى سيطرة الاسفار والكتب المقدسة التى كتبوها فى عصور الفساد والاستبداد..لماذا لانرجع بالصحوة الى عصر المعجزة القرآنية ؟ 

آخر السطر :

أعطوا القرآن فرصة .....

اجمالي القراءات 17192