الحملات الصوفية الشعرانية

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٤ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

1 ـ   في الريف والأحياء الشعبية تتحدث النسوة عن الشيخ الذي يحمل حملة فلان ، وفلان هذا يكون مريضا أو في أزمة شديدة وبدلا من أن يذهب للطبيب المختص أو يتخذ الأسباب الكفيلة بخروجه من أزمته فإنه يستغيث بالأولياء والأضرحة والمشايخ والنصابين وأصحاب الأعمال السحرية . والقانون اليوم يطارد أولئك النصابين والدجالين ولكنهم لا يزالون يحظون بالاحترام والتقديس في الأحياء الشعبية ولدي المصابين بالتخلف الديني والحضاري حتي في الأحياء الراقية ، وزبائنهم í يطلقون علي ذلك الدجال لقب " الشيخ" لأنه كان في عصور التخلف يحظى بالمشيخة والتقديس وينهال علي يديه الكريمتين المريدون تقبيلا وتبركا ، ويعتقدون أنه الذي يحمل عنهم الكوارث أو " الحملات " وكانوا يهتفون " يا شيخ فلان شيل عنه حملته ".!!

ما رأيكم في أن نتعرف علي أحد الأولياء المشهورين في العصر العثماني بأنه يحمل الحملات ونري ما كتبه بنفسه في ذلك الدجل؟.

 

2 ـ    " الشيخ عبد الوهاب الشعراني (ت 972هـ) أشهر الأولياء الصوفية وأكثرهم تأثيرا وتقديسا في العصر العثماني ، ولا يزال يحظى بالتقديس بين الصوفية حتي الآن ، ومعظم مؤلفاته منشورة ومشهورة ، ومنها كتابه " لطائف المنن" أو " المنن الكبير" الذي كتب ناشره علي غلافه الخارجي ( لطائف المنن والأخلاق ) (تأليف العارف بالله سيدي عبد الوهاب الشعراني) .

 

 3 ـ   والشعراني في هذا الكتاب يفتخر بما أعطاه الله تعالي من منن وعطايا ، ومنها أنه "يحمل الحملات عن المرضي والمصابين ".

 وننقل عنه هذا النص ثم نعلق عليه .

يقول :

( وما منّ الله تبارك وتعالي به عليّ : مشاركتي لكل ما بلغني أنه في ضيق في جميع ما يصيبه وينزل عليه من البلاء والمحن . لا سيما السلطان الأعظم ، فأني مرضت لمرضه مرات عديدة ، وجاءني وشكر من فضلي ، واطلع علي ذلك أهل الكشف ، وصاروا يتحدثون فيما بينهم أنني لولا حملت عن السلطان وجع رجله لما سافر لقتال الروافض ماكان حصل له خير، وذلك من علامة صحة ارتباطي مع إمامي .)

التعليق :

طبقا لعنوان الكتاب ( لطائف المنن ) كان الشعرانى يكرر فى كل فصل أنه مما منّ الله تعالى عليه به أن كذا  ، ويفخر ويكذب ما شاء ، وكان يحظى بالتصديق فى كل ما يزعم لاعتقاد العصر فى ولايته وكراماته ومعجزاته وعلمه الغيب .

وهنا يتحدث ـ كاذبا ـ عن قيامه بمهمة ( الحملات )، أى تحمله عن المصابين بلاءهم ومعاناتهم ، وهى فرية اخترعها الصوفية ليبرروا أكلهم أموال الناس بالباطل من خلال النذور والقرابين التى يقدمها الناس طلبا للمدد والعون من الولى المقبور أو الحىّ ، ولأن الذى يقدم النذور ينتظر الفرج و المدد والعون من الشيخ ، ولأن المصائب و المظالم كانت طابع العصر بسبب الاستبداد والفساد فإن لجوء الناس للعون من أولياء التصوف كان سبيلهم الوحيد ، معتقدين أنهم الواسطة التى تقربهم لله ـ جل وعلا ـ زلفى . واستجاب الصوفية لآمال وآلام المعتقدين فيهم باختراع اسطورة الحملات ، وهى أن الولى يحمل آلام المعذبين تعاطفا معهم . ويستخدم الشعرانى موهبته فى الكذب ليبالغ فى مزاعمه أملا  فى أن يزيد عدد المعتقدين فى ولايته وكراماته ، وحقق ذلك فعلا ، فكان ولا يزال أكبر أولياء التصوف فى القرن العاشر الهجرى بل فى العصر العثمانى كله .

وفى خضم مزاعمه وأكاذيبه عمّن تحمل العذاب والمعاناة عنهم لم يأت بدليل واحد يبرهن مزاعمه .

وفى النصّ السابق يفترى أنه إعتاد أن يتحمل عن السلطان العثمانى امراضه ،ولولا ذلك لما سافر السلطان لحرب الشيعة الروافض ، يقصد حرب السلطان العثمانى مع اسماعيل الصفوى الشيعى ،ويفترى أن السلطان العثمانى زاره وشكره ، ولم يحدث فى التاريخ أن قام سلطان عثمانى بزيارة مصر فى القرن العاشر الهجرى بعد فتحها عام 1715 ميلادية 922 هجرية . ويكتفى الشعرانى بالقول بأن أهل الكشف ( اى عالمو الغيب من الصوفية ) علموا بما فعله الشعرانى للسلطان ( الأعظم ) وتحدثوا فى هذا قائلين لولا أن الشعراى تحمل عن السلطان وجع رجله لما نهض السلطان لقتال الشيعة الروافض الايرانيين وما كان حصل له خير. ولم يقل لنا من هم اولئك الأولياء ( المكشوف عنهم الحجاب ).

وفى خاتمة الفقرة يجعل الشعرانى من هذا دليلا على ولائه للسلطان العثمانى ويصفه بأنه الامام .

ويقول :

  ( ومما يقع في أنه إذا كان عندنا امرأة في المخاض أحس بأني أطلق مثلها إذا بلغني ماهي فيه من الوجع.  وكذلك إذا بلغني أن أحدا يعاقب في بيت الوالي أحس بالمقارع والكسارات وعصر الرأس ووضع الخوذة المحماة بالنار علي رأسي حتي أني أحس بسيلان دهن رأسي وهو نازل ناحية أذني ، فأضع يدي أمسحه ، لاعتقادي أنه سال وخرج إلي ظاهرها !! وهذا أمر عزيز وقوعه في الفقراء .. ولا يعرف هذا الحال إلا من ذاقه ، وكان ذلك من وظيفة سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله  تعالي عنه، وسيدي علي الخواص رضي الله تعالي عنه، وورثت ذلك من سيدي علي الخواص رضي الله تبارك وتعالي عنه، وسبق سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله تبارك وتعالي عنه إلي مثل ذلك سفيان الثوري رضي الله تبارك وتعالي عنه، وميمون بن مهران رضي الله تبارك وتعالي عنه ، والفضيل بن عياض رضي الله تبارك وتعالي عنه ، واضرابهم رضي الله تبارك وتعالي عنهم أجمعين ، فلا تطلع الشمس ولا تغرب علي صاحب هذا المقام إلا وبدنه ذائب كأنه شرب رطلا من السم . والله إني لأحس في بعض الأوقات أن جسمي كله من فرقي إلي قدمي كالدمل الذي قرب انفجاره!!)

التعليق

وبعد أن افترى انه يتحمل آلام السلطان التفت الشعرانى لعوام الناس ، يأتى ـ وبكل مهارة ـ بمثلين ، الأول آلام طبيعية ، آلام المخاض والولادة ، فإذا كانت امراة ـ عنده ـ فى المخاض تصرخ فإنه يتحمل عنها ألمها ، والثانى تحمله آلام المعذبين فى السجون إذا وصلته أخبارهم . أى إنه تواضع فلم يزعم أنه يتحمل آلام كل من يأتيها المخاض وآلام كل من يقع فريسة التعذيب . وفى مقابل التواضع لم يخبرنا هل زال الألم عن من كانت تلد وعن من كان تحت نير التعذيب ، وهل سكتوا عن الصراخ وأخذوا فى القهقهة والضحك ؟ وماذا كان موقف من حولهم من هذا التحول من الصراخ الى الابتسام والضحك ؟ أسئلة مشروعة لم يجب عنها الشعرانى لأنه إنشغل بما هو أهم ، وهو ذاته ، فيصف آلامه التى تحملها عن المعذبين ويعطينا ـ دون قصد ـ معلومات  عن أدوات وطرق التعذيب ، يقول (.  وكذلك إذا بلغني أن أحدا يعاقب في بيت الوالي أحس بالمقارع والكسارات وعصر الرأس ووضع الخوذة المحماة بالنار علي رأسي حتي أني أحس بسيلان دهن رأسي وهو نازل ناحية أذني ، فأضع يدي أمسحه ، لاعتقادي أنه سال وخرج إلي ظاهرها).

وينتهزها فرصة للفخر والاستعلاء و التميز على باقى الأولياء الصوفية ، أو كما كان يطلق عليهم : ( الفقراء) فيجعل نفسه متفردا بالحملات (!! وهذا أمر عزيز وقوعه في الفقراء .. ولا يعرف هذا الحال إلا من ذاقه). ثم يسند ـ كذبا ـ تلك المزية لشيوخه الصوفية فى العصر المملوكى ، ثم لأوائل الصوفية والزهّاد فى العصر العباسى ، مع أن مصطلح ( الحملات ) فى التصوف لم تكن معروفة فى العصر العباسى . ثم يعود يتحدث عن معاناته من تحمل الألم عن الآخرين : (، فلا تطلع الشمس ولا تغرب علي صاحب هذا المقام إلا وبدنه ذائب كأنه شرب رطلا من السم . والله إني لأحس في بعض الأوقات أن جسمي كله من فرقي إلي قدمي كالدمل الذي قرب انفجاره!!   ).

ويقول :

( وقد حكيت ذلك مرة لأخي الشيخ أفضل الدين رحمه الله تعالي فقال لي : والله إن لي عشر سنين وأنا أحس بأن جسمي في طبق من نحاس علي نار من غير ماء ولحمي ودهني يطشطش

علي النار وأنا صابر. فقلت له : مم ذلك ؟ فقال : من كثرة توجه الناس إلي في شدائدهم!!)

حكى الشعراى إفتراءاته تلك يفاخر بها أخاه الأكبر أفضل الدين الشعراى ، فما كان من الأخ الأكبر إلا أن زايد عليه فى الأكاذيب ، يعنى :( إنها حقا عائلة محترمة ) .

ويقول :.

  ( فعلم أن أهل هذا المقام لم يزل أحدهم مريضا ، لتواصل وجود البلاء في الوجود علي اختلاف طبقاته ، فلا يستريح إلا في وقت لم يتوجه إليه مكروب ولم يبلغه أن أحدا في بلاء ولا عقوبة يتعين عليه مساعدته فيها . هذا هو حظه من الراحة في الدنيا.)

التعليق

وهنا ينعى الشعرانى حظه فى هذه الدنيا ،لأنه بسبب كثرة البلاءات وكثرة توجه الناس اليه فى الحملات فهو يعانى من المرض والألم معظم الوقت . ولم يخبرنا كيف استطاع مع كل هذا الألم كل هذا الوقت أن يتفرغ للتأليف والموالد والرحلات والجلسات التى حفلت بأخبارها كتبه ومؤلفاته ، وهى بالعشرات ؟

ويقول :

( ومن أعظم علامة علي صاحب هذا المقام وجود الصداع والضارب الشديد في رأسه حتي يحس بأن شخصا ذا قوة شديدة يضرب رأسه بطبر أو دقماق ليلا ونهارا ، أو أن رأسه مرضوض بين حجري معصرة فيتمني الموت فلا يجاب .. ويقع لي بحمد الله تبارك وتعالي مثل ذلك كثيرا فربما آتوني بالطبيب فيصف لي دواءا ، فيطول جلوسه عندي ساعة ، فأشفي من المرض كأني لم أكن مريضا ، فيتعجب الطبيب من ذلك .)

التعليق

يعود للحديث عن معاناته وآلامه بسب تحمل الحملات ، ثم يلتفت ليؤنب الآخرين الذين لا يتعاطفون مع المرضى و المأزومين:

فيقول :

(وكان سيدي علي الخواص رضي الله تعالي عنه إذا نزل بأحد بلاء يقول له أكثر من الاستغفار ليلا  ونهارا . وسمعته رضي الله تبارك وتعالي عنه مرات يقول : من ضحك أو جامع زوجته أو لبس ثوبا مبخرا أو ذهب إلي مواضع التنزهات أيام نزول البلاء علي المسلمين فهو والبهائم سواء . ومثل حال أهل هذا الزمان ماحكي أن شخصا مر علي شخص خرج صرمه وهو مدلي من دبره فقال له : " أعطني هذه القطعة النازلة منك أطعمها لقطي فإنه جوعان " . ولعمري ليس عند مثل هذا من تحمل هم أخيه ذرة واحدة ).1هـ ( لطائف المنن 172ـ 173)

واخيرا :

1 ـ نعتذر عن نشرنا لفقرته الأخيرة ، التى تعبر عن مستواه الأخلاقى فى فحش القول ، وهى ظاهرة واضحة فى كتاباته .

2 ـ وقد يضحك القارىء ويتعجب لأنه يقرأ بعقله ، ولكن العصر العثمانى شهد تسيد الدين الصوفى الأرضى الى درجة غاب فيها العقل لترتع محله الخرافة .

3 ـ فى الوقت الذى نام فيه المسلمون بالتصوف فى غيبوبة الخرافات و(الحملات الوهمية) كانت أوربا ترسل ( الحملات  الكشفية و العسكرية) تكتشف العالم الجديد ، وتؤسس ممالك لها فى الامريكيتين واستراليا ، وتستعمر الفلبين وتكتشف سواحل افريقيا الجنوبية وجنوب آسيا .

4 ـ والغريب أن هناك من لا يزال يؤمن بالشعرانى وغير الشعرانى ، ويجعلهم وسيلة تقربهم الى الله جل وعلا زلفى ..

5 ـ اين اولئك من القرآن وعقلانية الاسلام ؟

اجمالي القراءات 12544