مأســـــاة وطــــــن!

وداد وطني في الأربعاء ٠١ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 10

مأســـــاة وطــــــن

في بلدنا الكريم. . 

بين شواطئه الدافئة وصحاريه الشاسعة وجباله المغروسة في كبد السماء، تجدك بين مجتمعات وثقافات عدة ومذاهب وطوائف مختلفة..

القاسم المشترك بينهم جميعا ذلك المكان الذي يتقاسمون العيش فيه والمسمى اصطلاحا "بالوطن".

ولكن من الأسى أن تجد غالبية هذا المجتمع بألوان طيفه المختلفة وتعدده الثقافي والمذهبي على نسق فكري واحد!! وذا ترنيمة وديباجة واحدة يرددها السواد الأعظم ممن تجده أمامك..

إن ما نعاني منه حقاً في مجتمعنا السعودي* هو عدم إقرارنا بالتعددية الفكرية في مجتمع ذو أصول ومذاهب متعددة..

مع أن التنوع الفكري بين المجتمعات قانون إلهي عبر عنه الخطاب القرآني بقانون التدافع فلولا دفع الله الناس "بعضهم ببعض" وليس "بعضهم على بعض" بحرية رأيهم وفكرهم وتوجهاتهم لفسدت الأرض!!

حيث يقول الله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين) وقوله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا).

ولكن في حين يجبر الناس على اعتناق مذهب ما والايمان به قصرا وإقصاء أي فكرة أخرى وبالتالي رفض الحوار مع الآخر تتولد لدينا مشكلة بل كارثة للعقل الانساني وهي فقدانه الإتصال بالعقول البشرية من حوله، وأول ما يكون ذلك في إقفال السمع إما طواعيةً أو كرهاً، ويعلم  الجميع أن السمع الذي هو المصدر الأساسي للمعلومات الوارده للدماغ بدليل تقديمها على الجوارح الأخرى في الخطاب القرآني كقوله تعالى:

"هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة".

"ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا"

"وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير"

فبدء بالسمع أولا ثم البصر والأفئدة !! أضف الى ذلك أن علماء الأجنة الآن يؤكدون على أن أول ما يتكون في الجنين جهاز السمع حيث يبدأ فى الظهور آخر الأسبوع الثالث من عمر الجنين ومنها تتطور الأذن الداخلية للجنين بعد ذلك، أما نظيرتها البصرية فتظهر فى أول الأسبوع الرابع من حياة الجنين ومنها أيضا تتكون العين بعد ذلك وصدق القائل عز وجل (ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون).

ولنا أن نتيقن من أن تقديم الله للسمع عن البصر في الايات الكريمة ليس عبثا عندما نقارن شخصان إحداهما فاقد لسمعه والآخر فاقد لبصره ونرى الفارق الكبير في التحصيل العلمي بينهما.

لذا.. فأن إقفال السمع "وفقدان الحوار مع الآخر" كمصدر من مصادر التعلم بداعي الإستئثار بالحقيقة هي من الجرائم التي يجنيها الإنسان فيها على عقله.. وإلا لماذا أثنى المولى عز وجل على الذين يستمعون القول في آية التعريف بأولي الألباب في قوله تعالى (... فبشر عبادِ * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) ــ سبحان الله ــ هل مجرد الإستماع للقول مهم لهذه الدرجة التي أثنى المولى عز وجل فيها عليهم!!

ومن هذا المنطلق أتسائل: مَن ذا الذي وكـّـل نفسه "نقيباً" علينا حتى يرشدنا عن ما نسمعه وما لا نسمعه؟؟

فربنا الخالق وهب لنا السمع لنسمع ما نشاء وليس لأحد الصلاحية أن ينصب نفسه وكيلاً لله ويمنعنا أو يحدد لنا ما نسمعه بآذاننا وما يجب أن نراه بأعيننا..

فالله وحده هو الهادي "أولئك الذين هداهم الله"..

وحتى رسول الله محمد لا يستطيع أن يهدي من يشاء "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين"...

ولم يكن بالأصل مطلوبا منه عليه الصلاة والسلام هدايتهم "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء"...

إنما هو رسول مبلغ رسالة ربه لعباده "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وإن  أعرضوا؟ "فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا ان عليك إلا البلاغ" لماذا؟  "فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر"

لذا فإن الحرية الفكرية وتنوعها في بلدنا مطلب أساسي لنهضتها وليس لأحد سيطرة على ذلك لا رجال دين ولا غيرهم.. وسيلد تلقائيا من رحم هذا التنوع الفكري "الحوار" كنتيجة طبيعية.. وستغير نظرتنا للنقد كأساس بناء وتصحيح..

حينها سنعلم ما الفرق بين النقد الموضوعي والنقد الشخصي..

ولنا في كتاب الله منهاجاً...

فلم يخاطب المولى عز وجل عينا بذاته انما نلاحظ الخطاب للصفات كــالمنافقين والمؤمنين والكافرين...الخ، كما نلاحظ ذلك جلياً في النقد بالسرد القصصي من كتاب الله تعالى..

إذاً... أليس هذا هو النقد الموضوعي؟

كذلك لنا في رسول الله أسوة حسنة...

فهو القائل على منبره بعد حادثة الإفك العظيمة** والتجني على عرضه الشريف (ما بال أقوام...) وكان بإستطاعته أن يذكرهم فردا فردا ويقول (ما بال فلان وفلان.. قالوا كذا وكذا) ولكن ليعلمنا أدب الحوار..

لذلك ليس المهم من كتب هذا وذاك إنما المهم ماذا كتب لنا هذا وذاك..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* يبدو انّ الكاتب، سعودي الجنسية والموطن.. يسكن في هذا البلد الأمين الذي استولت عليه زمرة آل سعود منذ عقود. هذا سبب وسرّ كتم ايمان ثلة من الأقلام ثمة!

** إسمه حديث الافك ــ أي الافتراء ــ وليس (حادثة الافك؟!) لان ليس هناك حادثة من أصله ولكن (حديث إفك) أي افتراء تزعمه زمرة من المنافقين في المدينة وأشاعوا هذه الافتراءات التي ثبتت إفكاً و زورا عن طريق الروايات غير العلمية وألصقوها بالقرءان الكريم زوراً وبهتانا متجنياً بها على آيات بيّنات من الذكر الحكيم في سورة النور (حديث الإفك المفبرك ضد عائشة أمّ المؤمنين). هذه الكذبة العظيمة التي حبك خيوطها من له حنكة في ساحة الفبركة! ومن له مهارة في ميدان صنع الروايات وافتراء الأحاديث والاكاذيب بل وتفنن في ترويجها بشطارة! لكنها ترمي بشررٍ، وترمي لبث الفتنة وتفريق الكلمة والعنصرية لمن كان له لبّ ناجع أو أدنى مسكة عقل. ولا عذر البتة لهؤلاء مادام كتاب الله تعالى بيننا حكَماً وعدلا.. اذاً فكلمة الحادثة تطلق على حدث واقع ــ يعني شيء واقع ــ لأنّ اللفظ ليس بحادثة وليس الموضوع فيه حادثة.. فانتبه الى ذلك! ــ وداد وطني ــ

اجمالي القراءات 11090