الإنفاق - البخل
اضاءات قرآنية 4.... الإنفاق والبخل.

زهير قوطرش في السبت ٠٧ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

اضاءات قرآنية 4....  الإنفاق والبخل.

 

 

القرآن الكريم نبع من الكنوز اللغوية لا ينضب.كل كلمة في القرآن الكريم لها  معانيها ودلالاتها على أرض الواقع .

 

في هذه المقالة ,سوف أعالج  مفهوم –الإنفاق- كما جاء في كتاب الله ,وبالمقابل موضوع –البخل- كما جاء أيضاً في القرآن الكريم.

 

يقول الله تعالى في كتابه الكريم.

 

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ  وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ -البقرة-3

 

قبل الدخول في تدبر الآية,سنستعرض تأويل السلف جزاهم الله خيرا.

 

ابن كثير

 

وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " قَالَ زَكَاة أَمْوَالهمْ وَقَالَ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَنْ مُرَّة عَنْ اِبْن مَسْعُود وَعَنْ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " قَالَ نَفَقَة الرَّجُل عَلَى أَهْله وَهَذَا قَبْل أَنْ تَنْزِل الزَّكَاة وَقَالَ جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك

 

الطبري

 

{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } هِيَ نَفَقَة الرَّجُل عَلَى أَهْله , وَهَذَا قَبْل أَنْ تَنْزِل الزَّكَاة . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ وَأَحَقّهَا بِصِفَةِ الْقَوْم أَنْ يَكُونُوا كَانُوا لِجَمِيعِ اللَّازِم لَهُمْ فِي أَمْوَالهمْ , مُؤَدِّينَ زَكَاة كَانَ ذَلِكَ أَوْ نَفَقَة مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَته مِنْ أَهْل وَعِيَال وَغَيْرهمْ , مِمَّنْ تَجِب عَلَيْهِمْ نَفَقَته بِالْقَرَابَةِ وَالْمِلْك وَغَيْر ذَلِكَ .

 

انتهى الاقتباس

 

كما نلاحظ أن السلف حصروا الإنفاق ,في الأنفاق على الأهل ومن ثم حصروا مفهوم الإنفاق بعد ذلك  على الزكاة والصدقات..

 

ملاحظة:

عند حصول الأزمة الاقتصادية في العالم,كنت أتابع باستمرار طرق الحل لهذه الأزمة ,يومها وفي بدايتها ,لاحظت أن الناس بشكل عام ,وخوفاً من  أن تطولهم الأزمة الاقتصادية ,سحبوا أموالهم من البنوك ,واحتفظوا بها في بيوتهم  ,حتى تُفرج الأمور.بينما كانت الحكومات وأصحاب القرار ,وخبراء الاقتصاد , يطالبون  الناس ,أن يزيدوا من معدلات إنفاقهم ,وخاصة في شراء السيارات وغيرها من المواد الاستهلاكية واعتبروا أن زيادة الأنفاق يساهم في تنشيط الاقتصاد ويخفف من طول وحدة الأزمة الاقتصادية التي ستطول حياة حتى الإنسان العادي..

 

نعود إلى الآية الكريمة .ولنحلل معنى (ومما رزقناهم ينفقون). الإنفاق هنا عام ,رغم أن تحديده جاء في آيات أخرى . ولو استخدمنا  علم المجموعات  لتبين لنا :

 

أن المجموعة الأساسية ,تشكل مجموعة الإنفاق بشكل عام مما رزق الله البشر . هذه المجموعة الأساسية تحوي على مجموعات صغيرة ,وهي مخارج الأنفاق ,مثل مجموعة الصدقات ,مجموعة الزكاة ,مجموعة التبرعات للإعمال الخيرية .... وعند البعض يضاف إليها مجموعات الصرف الحرام ....ومن ثم مجموعة الصرف الخاص للشخص لتأمين حياته وحياة أسرته. مجموع هذه المجموعات يشكل مجموعة الإنفاق بالكامل . ومجموعة الإنفاق تتحدد قيمتها المادية ,بمقدار الرزق الذي قدره رب العالمين لكل شخص.

والسؤال ...هل طلب الله عز وجل أن ننفق كل المال الذي هو ضمن  مجموعة  الإنفاق  من خلال  مجموعات الصدقات ,والزكاة ....الخ ,لو طلب ذلك لكان من الصعب على الإنسان بتركيبته المادية أن يتخلى عن ماله كله ,وكون الخالق يعلم من خلق ,ويعلم صفات من خلق ,لهذا

 يقول عز وجل

"وأنفقوا من ما رزقناكم "

وهنا الإنفاق  المقصود به الإنفاق ضمن مجال  المجموعات الصغيرة. حيث جاءت (من) الدالة على التبعيض, ولم يقل (أنفقوا ما رزقناكم) ....لو جاءت الآية على هذا الشكل لكان المعنى أن الأنفاق يشمل المال كله , (من- ما) أي أن الانفاق يكون في قسم من المال. فتستسهل النفوس في التخلي عن جزء من المال .وهذه من طبيعة أغلب البشر

وقوله (من –ما- رزقناكم) هو تأكيد على أن المال لله ,وهو الذي رزقنا ,وهو القادر على منع هذا الرزق .فلا منَّة  إذن بعد الإنفاق .لأن المال هو ماله عز وجل.

 

والإنفاق ,بشكل عام هو العامل الاقتصادي الذي ينشط  حركة الحياة.لهذا جاءت الآية الأساس في هذه المقالة ,تحث على الإنفاق العام. لأن الإنسان الذي لا ينفق من ماله في الصدقات والزكاة ,لابد  له أن ينفقها على نفسه وأهله ,فيشتري السيارة الجميلة ,والبيت الواسع الجميل ,والثياب غالية الثمن,يأكل في أغلى المطاعم ,ويقضي إجازته في أجمل الأماكن  ...وهكذا ...وهذا الإنفاق طالما لا يذهب في الحرام فهو إنفاق  مهم  وحلال أيضاً,لأن المنفق وبدون أن يدري ,بحركة ماله هذه ,يؤمن فرص عمل للكثير من العاملين ,في البناء وفي صناعة السيارات وفي مصانع الملابس ...وهكذا.

لهذا نهى الله عز وجل عن البخل .والبخيل عكس المنفق , البخيل هو الذي يجمد المال ,وبالتالي يجمد حركة الحياة .

البخيل وصفه القرآن الكريم بالكافر. يقول الله عز وجل

 

"الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا"

 

وكما هو واضح من سياق الآية ,الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ...ويكتمون ما آتاهم الله.....هي صفات البخيل ...المادية والاجتماعية .

ولم تأتِ نهاية الآية عبثاً معاذ الله ....فقد وصفهم الله (أي البخلاء) بالكافرين الذي أعد لهم العذاب المهين.

 

ملاحظة .

في الآية الكريمة,"وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت"

نلاحظ وكما جاء في تأويل هذه الآية من قبل بعض المهتمين,وجود (من) إشارة إلى قرب الموت من الإنسان وتفيد ابتداء الغاية الزمانية ,أي على الإنسان أن يسابق الموت ويبادر بالإنفاق. ولو قال الله عز وجل "قبل أن يأتي أحدكم الموت" في هذا السياق تدل الآية على الوقت قبل الموت سواء كان قريباً أم بعيداً.لكن وجود –من- أفادت  طلب التعجيل بالتوبة والإنفاق.

ملاحظة أخرى.

 (من قبل أن يأتي أحدَكم الموتُ)

هنا تم تقديم المفعول على الفاعل. ذلك لأن المفعول به هو المهم ,وهو المعني بالصلاح والتوبة والإنفاق.وهو  المتحسر النادم إذا عاجله الموت.

اجمالي القراءات 34406