جاهلية عبادة القبور

رضا عبد الرحمن على في الجمعة ٣٠ - يوليو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

جاهلية عبادة القبور

 

موقف الإسلام من تقديس الأولياء وعبادة الأنصاب ( الأضرحة )

 

جاءت رسالة الإسلام لتخليص الجزيرة العربية من الأصنام وعبادة الأوثان واجتناب اتخاذ الأولياء والشركاء مع الله ، واتخاذ موقف واضح وصريح من هذا الشرك وإعلان مخالفته لدين الله ، ودعوة الناس لعبادة الله بلا شريك ، وهنا نجد أن إرسال خاتم النبيين ورسالته تماما مثل إرسال أبونا إبراهيم هيم ورسالته مع فارق وحيد هو أن إبراهيم عليه السلام كسر الأصنام ، أما خاتم الأنبياء والمرسلين أخذ موقفا واضحا يبين مخالفة هذا لدين الله دون التدمير أو الاعتداء عليها وهذا كله بأمر و وحى من الله جل وعلا ، ووجه الشبه هنا من حيث البداية  أن جاء إبراهيم عليه السلام يحارب عبادة الأصنام وينشر التوحيد وعبادة الله بلا شريك ، وكذلك كانت البداية مع خاتم النبيين عليهم جميعا السلام ، وهنا يمكن أن نربط بين هذا وبين قول الله تعالى (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍمُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَمِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ)الأنعام:161، فالنبي عليه السلام صاحب الرسالة الخاتمة ، متبع لملة إبراهيم حنيفا وكلاهما جاء لنشر التوحيد بــ (لا إله إلا الله) كسائر الرسالات السماوية واجتناب الشرك وعبادة الأصنام ، والدعوة لعبادة  لله وحده وإخلاص الدين لله .

أولا: وصف عبادة الجاهليين للأولياء الموتى والأحياء

معظم المسلمين يقرأون القرآن الكريم ويقرأون فيه أن الله جل وعلا لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء  وإن الشرك لظلم عظيم ، وأن الله عز وجل ينهى عن اتخاذ أولياء من دونه جل وعلا ، ورغم هذا نجد معظم المسلمين يقدسون الأولياء من البشر ، ويظنون أنهم ينفعون أو يضرون ، ليس هذا فحسب ، ولكن يتمادى معظم المسلمين في تقديس هؤلاء الأولياء حتى بعد موتهم ، ويشدون الرحال إلى أضرحتهم التي دفنوا فيها  احتفالا بهم يطلبون منهم العون والمساعدة والرزق والصحة والعافية والنجاح والفلاح والصلاح ، وكل هذا التقديس ظنا منهم أنهم يسمعون أو ينفعون  أو يشفعون ، لكن هؤلاء مثل الأصنام لن يسمعوا ولن يعقلوا ولن يردوا .

اتخاذ من فى الأنصاب (الأضرحة) أولياء مقدسين من دون الله

وتصوير التوافد إلى الأضرحة

ويصور ربنا جل وعلا الناس الذين يقدسون تلك الأضرحة ويتخذون من دون الله أولياء أنهم يلعبون ويخوضون يقول تعالى (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ)الزخرف:83، ويشبه ربنا جل وعلا توافد الناس وتزاحمهم على الأضرحة  مثل خروجهم من القبور يوم البعث يقول تعالى(يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ)المعارج:43، وهذه الآية الكريمة يمكن أن نضرب أمثلة عديدة عليها من الواقع الذي نشاهده عند الأضرحة فى أيام الموالد والأعياد ، وما يحدث فيها من تزاحم وتسارع وصراع لمحاولة الاقتراب من الضريح ولمسه للتبرك به وهذا يحدث فى جميع موالد الصوفية فى  مصر من أسوان إلى الإسكندرية.

تحريم الأكل مما يقدم عند الأضرحة ( تحريم دون فرض عقوبة دنيوية )

ويصاحب هذه الموالد وهذه التجمعات وهذا التزاحم الشديد موائد الطعام والذبائح وما لذ وطاب من الأكل والشراب ، وكل هذا تحت رعاية ووصاية وحماية مشايخ الطرق الصوفية ، كل حسب طريقته ، حيث يقيم كل (شيخ طريقة) خيمة كبرى ويذبح فيها ليأكل منها مورديه ومحبيه ومقدسيه ، ولكن للقرآن الكريم موقف مخالف تماما لهذا حيث حرم ربنا جل وعلا الأكل من أى طعام يقدم عند هذه الأضرحة ، لأن هذا الطعام يقدم بأسلوب مغلف بالشرك ومعصية الله جل وعلا واتخاذ أولياء من دون الله ، ولا يقدم لوجه الله تعالى ، وفى نفس الوقت هو تحريم دون فرض أى عقوبة دنيوية على من يأكل منه ، وهنا يتضح الفارق بين رسالتي خليل الله إبراهيم عليه السلام وبين الرسالة الخاتمة حيث قام إبراهيم عليه السلام بالهجوم على الأصنام وتكسيرها ، لكن خاتم النبيين لم يـطلب منه ربنا جل وعلا هذا ، وكذلك لم يطلب منه معاقبة من يعبد الأصنام أو الأضرحة في الدنيا يقول تعالى(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)المائدة:3

 

ثانيا: الرد الاسلامى عليهم

ـ ومن عظمة الإسلام في تقرير حرية كل فرد فى اعتناق ما يشاء هو توضيح مخالفة هذا لصحيح الدين كما نزل القرآن الكريم ، وعدم إلزامهم بترك عبادتهم للأولياء أو مقاومتهم يقول تعالى لخاتم النبيين (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ)الشورى:6، ولكن أمرنا ربنا جل وعلا باجتناب الأضرحة والموالد المقامة عندها ( أمر بالاجتناب دون التدمير ) أى تظل موجودة ولكن اجتنبوها يقول تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)المائدة :90، ويقول تعالى (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)الحج:30، وهذه الآية تعطينا تشبيها قرآنيا رائعا للإنسان المشرك بالله وكأنه سقط من السماء فتخطفه الطير أو تدفعه شدة الريح للسقوط فى مكان عميق جدا ، وهو دليل على عدم الاتزان والخلل الذي يصيب الإنسان إذا وقع فى الشرك بالله يقول تعالى(حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)الحج:31

 

ومن أوليات التوعية بالحقائق الدينية

توضيح حقيقة هامة من خلال آيات القرآن الكريم ألا وهى (أن الله وحده هو الولي) (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)الشورى:9،على كل إنسان إخلاص الولاية لله جل وعلا يقول تعالى على لسان خاتم النبيين (قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ)الأنعام:14، (إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)الأعراف:196.

ومن أقوال يوسف عليه السلام في القرآن واعترافه أن الله هو وليه فى الدنيا والأخرة (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)يوسف:101

الله وحده هو الولى وهو وحده الشفيع

وكما أن الولاية لله وحده فكذلك الله وحده هو الشفيع ، لأن الله جل وعلا لا يشرك في حكمه أحدا  يقول تعالى (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)الكهف:26، الله خالق كل شيء وليس للإنسان ولى من دون الله ولا شفيع ويجب أن يؤمن كل إنسان بهذا يقول تعالى(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ)السجدة:4

وهنا دعوة لخاتم النبيين أن ينذر بالقرآن كل إنسان يخاف أن يحشر أمام الله بلا ولى ولا شفيع إلا الله (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)الأنعام:51

(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ)الأنعام:70

 

تقسيم أهل النار يوم القيامة

الآيات في سورة الشعراء من الآية 69: 91 تبين وتوضح قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه ودعوته لهم بترك عبادة الأصنام من دون الله ، وتبين أن الناس يوم القيام على قسمين فقط فريق في الجنة وفريق في السعير

، وهذه الآيات من سورة الشعراء توضح أيضا أن قوم إبراهيم بعد أن دعاهم لعبادة الله بلا شريك ، فأبوا أن يتركوا ما وجدوا عليهم آبائهم ، وظلوا على شركهم وكفرهم بالله فجاءت الآيات تبين وتوضح موقف هؤلاء يوم القيام و أن هؤلاء سيكونون جنبا إلى جنب مع الغاوون الذين خدعوهم وضحكوا عليهم ، وكذلك سيكونون فى معية مع جنود إبليس ، وسيدور حوار بينهم وهم في النار بعد أن تخاصموا ، وقد كانوا فى الدنيا أحبة يجتمعون أمام الأصنام كما يجتمع الناس اليوم أمام الأضرحة وفى الموالد يقبلون الأيادي ويقبلون الحجر ويقدسون الموتى و يقدمون القرابين ، ثم يعترفون على أنفسهم يوم القيامة بدون أى ضغط من أحد أنهم كانوا على ضلالة لأنهم جعلوا من الأصنام آلهة مقدسة وأولياء مع الله ويعترفون أيضا على المجرمين الذين كانوا سببا في ضلالهم ، ويقرون ضمنيا بانتهاء الصداقات والعلاقات والواسطة والمحسوبية  وصار الفراق والتخاصم فيما بينهم أمر واقع ، وكل ما يتمنوه فى هذا الموقف ليس الشفاعة ، وإنما هي أمنية واحدة يتمناها كل كافر يوم القيامة  العودة للحياة  الدنيا مرة أخرى لكى يكونوا من المؤمنين ، يقول تعالى (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَـ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَـ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَـ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍـ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَـ  وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَـ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَـ  وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍـ  فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ) الشعراء: 94:102

 

ولأن هؤلاء الناس ما قدروا الله حق قدره فوقعوا في الشرك وعبدوا معه شركاء بجهلهم  (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)الزمر :34

ويحذر ربنا جل وعلا خاتم الأنبياء والمرسلين من الوقوع فى الشرك (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)الزمر:65، فإذا كان هذا التحذير موجه لخاتم النبيين معلمنا وقدوتنا جميعا فهل يجوز أن نقدس أحدا مع الله جل وعلا حتى لو كان خاتم النبيين نفسه الذي أمره ربه جل وعلا أن يعبد الله (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ)الزمر:66

يجب علينا نحن المسلمون أن نقدر الله حق قدره بألاّ نشرك به شيئا وألاّ نقدس معه بشر أو حجر  أو ضريح (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)

 

وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ

ويجب على الإنسان ألا يعبد من دون الله مالم ينزل به سلطانا ولو فعل ذلك فليس له نصير يوم القيامة (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍـ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)الحج:72:71 .

ويضرب الله مثلا للمشركين الذين أدمنوا الشرك بالله أن آلهتهم لو اجتمعوا لن يستطيعوا أن يخلقوا ذبابة وهى أقذر الكائنات الحية على الأرض ، وأن آلهتكم من ضعفهم لن يستطيعوا مقاومة هذه الحشرة الضعيفة مثلهم ، وفى المقابل إن الله جل وعلا هو القوى وهو على كل شيء قدير(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ـ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ

)الحج 74:73.

 

التوعية بالحقائق العقلية:

ويعتقد معظم المشركين أن عبادتهم للأصنام أو اتخاذهم الأولياء سيقربهم من الله جل وعلا الذي لا يحتاج لواسطة فهو قريب من عباده جميعا إذ دعوه وطلبوا منه بإخلاص وخشوع (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) الزمر:3، لو أراد الله ان يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء، سبحانه هو الله الواحد القهار لكن ربنا جل وعلا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا (لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ)الزمر:4

كيف يتخذ الإنسان مخلوق مثله وعبد مثله وليا من دون الله ويريد النجاة فى الأخرة (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا)الكهف:102، فمن يتخذ وليا مع الله ويشرك بالله ويكذب بآيات الله ويتخذ عباد الله أولياء من دون الله  فقد فشل ورسب فى اختبار الدنيا ، حتى لو كان يظن أنه على الحق(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًاـ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)الكهف 104:103، وآيات سورة الكهف من الآية 99 إلى الآية 106 توضح هذا بالتفصيل.

 

ومن الحقائق العقلية أن خاتم الأنبياء والمرسلين أقر أن وليّهُ هو الله وأن النصر لن يأت من ولى غير الله وهذا ما يؤمن به ويدعو إليه الأنبياء والصالحون (إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَـ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ)الأعراف:196:197، ومن الحقائق الغائبة أن جميع الموتى من البشر بما فيهم الأنبياء والأولياء الموتى  أصبحوا مجرد تراب وانقطعت علاقتهم بالدنيا فلا يمشون ولا يسمعون ولا يبصرون (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ)الأعراف:195

ومن العجب أن يشرك الإنسان بالله جل وعلا آلهة أخرى لا تنفع ولا تضر ، ويريد أن يفرض على رب العالمين أن هؤلاء هم شفعاءه عند الله يوم الحساب (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)يونس:18.

 

عادة ما يعترف المشرك بقدرة الله جل وعلا فى خلق كل شيء ، ولكن يقع فى الشرك باتخاذ أولياء مع الله لا يستطيعون نفعا لأنفسهم ولا ضرا ، ولا يستطيعون خلق شيء ، والله جل وعلا خالق كل شيء (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)الرعد:16، ولا يمكن تشبيه الله خالق كل شيء بمن لا يستطيع خلق حتى ذبابة ، ويجب أن يحدث الإنسان بنعم الله عليه  التى لا يستطيع أن يحصيها بعقله المحدود (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ـ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )النحل:18:17

إن الله جل وعلا يعلم سرنا وجهرنا وما نخفى وما نعلن ، وهؤلاء الشركاء مخلوقات ولا يستطيعون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، فهم أموات ولا يشعرون متى وأين يبعثون (وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَـ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَـ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النحل 21:19

من من هؤلاء يستطيع تنظيم الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر وكل هذا بأجل محدد ومعروف له سبحانه وتعالى الذي له الملك  وهؤلاء الأولياء لن يسمعوا دعاء من يطلب منهم العون والمساعدة ، وحتى على فرض لو سمعوا لن يستجيبوا وهذا ما أكده ربنا جل وعلا لأن من يجيب الدعوات هو الله (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍـ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)فاطر 14:13

ورغم هذا الشرك إلا أن هؤلاء المشركون يعترفون بقدرة الله جل وعلا فى خلق السموات والأرض عندما سألهم خاتم الأنبياء والمرسلين  ، وهذه حقيقة قرآنية عظيمة وباقية ، لأن كل من يعبد الأضرحة يؤمن أن الله خالق كل شيء ، ولكنهم أدمنوا الشرك بالله (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)الزمر:38

وأخيرا يبين ربنا جل وعلا أن هؤلاء الشركاء لم يخلقوا شيئا ، وليس لهم  جزء من ملك السماوات والأرض ، ومن يجادل فى هذا فليأت بالدليل (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ، ويشير ربنا جل وعلا فى نفس السياق أن أضل الناس هم من يدعون من دون الله من لا يستجيب لهم كالأصنام أو الأضرحة أو الأولياء الموتى أو الأحياء  لأن هؤلاء جميعا لن يستجيبوا من يدعوهم من دون الله إلى يوم القيمة ، ليس هذا فحسب وإنما هم فى غفلة  عن هؤلاء المشركون ولا يشعرون بهم ـ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَـ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) الأحقاف 6:4

 

اجمالي القراءات 16645