من تراث مركز ابن خلدون
البحث العلمي في مصر وتخطى الفجوة التكنولوجية

رضا عبد الرحمن على في الجمعة ٢٣ - يوليو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

من تراث مركز ابن خلدون

 

البحث العلمي في مصر وتخطى الفجوة التكنولوجية

 

عثرت على هذا التقرير منشورا فى إحدى نشرات مركز ابن خلدون فأحببت أن أنشره ليستفيد به من يهمه الأمر

          

وتأكيدا على أن هناك شخصيات تهتم بمصر الوطن مصر الأم وتعيش وتعانى  دوما حالة من الانشغال التام بهموم الوطن وقضاياه الملحة قديما وحديثا ، سواء كانوا داخل مصر أو خارجها فكل ما يشغل بالهم ويقض مضاجعهم هو التفكير فى مصر و في مستقبلها  ومستقبل شعبها ، ومن خلال هذا النضال الفكرى السلمى الذي يصب فى مصلحة مصر دولة وشعبا كان يدور هذا الحوار برعاية الدكتور أحمد صبحي منصور ومعه مجموعة من المهمومين بمشاكل مصر  فى إحدى ندوات رواق مركز ابن خلدون يوم 13/ 10/ 1998  مع ضيف عزيز هو ــ   د / حسين  قاسم عاشور ــ ضمن أعمال رواق ابن خلدون فى سلسلة لقاءات بعنوان (ندوات المشروع الحضاري لمصر) ، وكتب الدكتور أحمد صبحى منصور هذا المقال تعقيبا على إحدى هذه الندوات .

 

إليكم المقال ::

البحث العلمي في مصر وتخطى الفجوة التكنولوجية  ــ  الجزء الأول

 

 

ان الحديث عن البحث العلمي في مصر لتحديد دوره ووظيفته في التنمية  التكنولوجية للحاق بدول الموجه الأولى التي سبقتنا يحتاج إلى دراسة لتحديد واقع المجتمع العلمي في مصر لمعرفة مستوى إدارة الوحدات البحثية والعلمية ومقارنتها بمستوى الأداء العالمي .

وهذه الدراسة تحتاج إلى مؤسسة بحثية متخصصة وهي أيضا تحتاج إلى تمويل مادى لإجراء دراسة مستفيضة بمعايير قياسية دولية ـ ولما كان ذلك متعذرا حاليا فقد استعنت بالدراسات الدولية المهتمة بتقييم الأداء البحثى والعلمى على الدول المختلفة ومن بينها مصر ـ ولقد طبقت نتائج هذه الدراسات على العناصر المكونة للبحث العلمى فى مصر وقارنتها بمثيلتها فى كل من دول الهند واسرائيل .

اهم هذه الدراسات هى ما قامت به هيئة اليونسكو تحت عنوان دراسة دولية مقارنة على آداء وتنظيم الوحدات البحثية.

وتهدف هذه الدراسة وضع تعاريف محددة للوحدة البحثية وكذلك وضع مقاييس ومعايير لآداء هذه الوحدات. ومثل مصر فى هذه الدراسة أكاديمية البحث العلمى ومركز الدراسات والبحوث الجنائية ـ واعتمدت الدراسة على المسح الميدانى من خلال استطلاع الرأى بوضع أسئلة فنية محددة وتم الاستجواب على مستويين ـ الأول رؤساء الوحدات والثانى الأعضاء العاملين ـ وتم تحليل الإجابة بالطرق الإحصائية المتقدمة مستخدمين تحليل التباين ومقياس التشتت حول المتوسطات وأخذت عينة من 299 وحدة تمثل المجتمع العلمى فى مصر فى قطاعات الزراعة والهندسة وعلوم البترول والطاقة.

أما الدراسة الثانية فقام بها معهد فلاديفيا بالولايات المتحدة الأمريكية وتعتمد على قاعدة البيانات الخاصة بالاستشهاد العلمى للبحوث وحددت الدراسة 12 مؤشرا يستدل بها على قيمة البحوث المنشورة فى المجالات التى حددتها الدراسة وهى الطب العلاجي ـ والطب الحيوي ـ البيولوجى ـ الكيمياء ـ الطبيعة ـ الأرض ـ الفضاء ـ الهندسة ـ علم النفس ـ الرياضة ـ ومجالات أخرى غير محددة.

وأهم مؤشر فى هذه الدراسة هو عدد مرات الاستشهاد بالبحث المنشور خلال فترة زمنية محددة (سنتين بعد النشر) فإذا استشهد بهذا البحث من الآخرين أكثر من 10 مرات كان هذا البحث عال الاستشهاد وإذا كان أقل من ذلك يدخل فى إطار البحوث المستشهد بها أما إذا مر خمس سنوات على البحث ولم يستشهد به احد ـ اعتبر البحث غير ذات قيمة وتضمنت المؤشرات الأخرى فى الدراسة عدد البحوث الغير مستشهد بها ـ ومعدلات الاستشهاد وعدد البحوث المستشهد بها ـ والمؤلف الأول للبحث وجنسيته ـ وقد اخذت أربع مؤشرات وجدت انها اهم هذه المؤشرات فى المقارنة رصد عدد البحوث الكلية ـ عدد البحوث الغير مستشهد بها ـ عدد البحوث عالية الاستشهاد ـ معدل الاستشهاد ـ وقد أخذت دولة الهند لتشابه ظروفها الاجتماعية والاقتصادية به ـ اما اسرائيل أختيرت على أساس المنافس التقليدي لنا فى الشرق الأوسط.

وكان الهدف من هذه الدراسة هو للإجابة على سؤالين

السؤال الأول :هل يستطيع البحث العلمى فى مصر بكل معطياته الحالية أن يقود حركة التنمية التكنولوجية للدخول فى القرن الواحد والعشرين

السؤال الثانى:كيف نبني استراتيجية قومية لسد الفجوة العلمية والتكنولوجية الراهنة تحت الظروف الدولية من عولمة واتفاقيات الجات ـ والتكتلات الاقتصادية الدولية.

 

ونبدأ بمعرفة موقع البحث العلمى فى مصر بين دول العالم .

من حيث النمط العلمي والتكنولوجي . فهناك ثلاث أنماط سائدة:

 

1ـ مجموعة دول الموجه الأولى:

فى التطور العلمي والتكنولوجي ، وهي تملك من البنية الأساسية وآليات التطوير والموروث العلمي والثقافي بما لها من سبق عبر التاريخ بدءا من دراسة مرحلة التنوير التى أفرزت الثورة الصناعية والتي بدورها أوجدت آليات الديمقراطية وما لازمها من تطور ثقافي وعلمي أدى إلى امتلاك زمام المبادرة فى الاختراعات العلمية والتكنولوجية والتي من أهم نتائجها دخول عصر المعلومات والفضاء والاتصالات في حقبه زمنيه وجيزة .

 

2 ـ مجموعة دول الموجه الثانية:

وهي الدول التي تخطت الفجوة التكنلوجية وإلى حد ما الفجوة العلمية ولحقت بمجموعة الموجه الأولى دون أن تسير على نفس خطواتها ـ ونستطيع القول أنهم بدؤا من حيث انتهى الأخرون ـ فقد خططت هذه الدول لنقل التكنولوجيا الغربية سواء بالشراء أو بطرق أخرى ـ واستعدت لذلك بإعداد الكوادر الفنية لاستيعاب هذه التكنولوجيا الجديد . ولعبت الدول دوراً أساسياً فى التركيز على المدخرات ـ واستغلال العمالة وكفلت الحماية التكنولوجية الناشئة ، وشجعت الكيانات الاقتصادية الكبيرة ـ حتى تتمكن من المنافسة العالمية ، وتمثل هذه الدول اليابان التي بدأت من أوائل هذا القرن ثم تلتها كوريا فى منتصف هذا القرن وتبعتها دول شرق آسيا.

 

3 ـ مجموعة دول النمط الثالث:

وهى التى تعتمد على استيراد التكنولوجيا المغلفة من الخارج دون محاولة محاكاتها أو تطويرها وتمثلها مجموعة دول العالم الثالث ومنها مصر.

 

 

نتائج الدارسة على واقع البحث العلمى فى مصر

 

بتطبيق نتائج الدراسات الدولية العلمية والبحثية ـ التجهيزات العلمية والمعملية ـ إدارة المراكز البحثية والهيكل البنائي والوظيفي لها.

البحوث العلمية والمناهج البحثية المتبعة ـ الدوريات العلمية والنشر قاعدة المعلومات : أوضحت النتائج أن قاعدة المعلومات والبيانات فى مصر تحتاج إلى إعادة نظر شاملة فى تنظيم المكتبات العلمية ـ والدوريات العلمية التى تصدر ـ وخدمات الشبكات الـغربية والعالمية  للمعلومات فهي بعيدة المستوى على أن تسير حركة البحث العلمى فى طريقها الصحيح حيث تدل النتائج على أن 39% من الوحدات تحت الدارسة متاح بها خدمة المكتبة ، 61% لا يوجد بها هذه الخدمة ، ولو قارن ذلك بدولتى الهند واسرائيل ـ فان كل الوحدات البحثية فى اسرائيل متاح بها خدمة المكتبة ـ اما فى الهند فأكثر من 70% منها بها خدمة المكتبة .

 

الكوادر العلمية والبحثية:

تشير إحصائية الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن عدد الحاصلين على الدكتوراه والماجستير والدبلومات كالآتى : ـ 9215 دكتوراه ، 16445 ماجستير ، 16213 دبلومات . وتتفق هذه الإحصائية مع ما جاء فى تقرير دراسة اليونسكو بأن الوحدات البحثية فى مصر بها أعداد تفوق عن ضعف عدد الموجود فى مثيلتها فى دول المقارنة وحتى عن الدول المتقدمة وتعلق على هذه الظاهرة بأنه قد يعنى ذلك تعدد الاتجاهات  العلمية فى مصر فى نطاق أنشطة وحدات البحوث التى ينتمون إليها إلا أن هذه التعددية قد أفقدت المؤسسة العلمية فى مصر اتجاهها النظري المتميز ـ أو يصعب القول أن هناك مدرسة نظرية أو فكرية فى مصر فى الكيمياء أو الفيزياء أو العلوم التكنولوجية.

ولا تختلف بقية العناصر فى البعد عن مستوى الآداء العالمى كثيرا عن ما جاء فى العنصرين السابقين ، ولكن يهمنا هنا عنصر البحوث الجارية فى مصر . فقد أسفرت تلك الدارسات وخصوصا مقياس spectrometric indicator  عن بعد مستوى الأداء عن المستوى العالمي وأيضا عن دول المقارنة اذ يكفى أن نقول عدد البحوث عالية الاستشهاد فى اسرائيل 154 بحثا خلال سنتى الدراسة ومقابل بحث واحد مقابل 18 بحثا فى الهند ومن حيث عدد البحوث المنشورة نجد فى اسرائيل 7700 بحثا مقابل 1882 فى مصر مقابل 22152فى الهند .

ويتضح من ذلك أنه لا يمكن للمؤسسة العلمية والبحثية فى مصر بوضعها الحالى إلى تقود حركة التنمية التكنولوجية إلى تخطى الفجوة الموجودة بيننا وبين دول الموجه الأولى ولا حتى الثانية ـ ويجب أن نننبه إلى أن ابقاء الحال على ما هو عليه سيؤدي إلى كارثة قومية ـ سنجنى عواقبها فيما بعد وأذكر هنا كلمة وزير البحث العلمى والتكنولوجيا البرازيلى أمام اللجنة الاستشارية للأمم المتحدة للعلم والتكنولوجيا . قال ان الدول النامية التى ستفشل فى الاستقرار والالتزام باستراتيجية وطنية للتنمية العلمية والتكنولوجية قبل نهاية هذا القرن عليها أن تسلم بأنها خرجت من السياق على مدى المستقبل وقبل أن نبدأ فى تحديد الهدف وايجاد الحلول لتخطى الفجوة العلمية والتكنولوجية هناك نقطة جوهرية يجب بحثها قبل أى نقاش.

وهى الرؤية السياسية لصانعى القرار فى مصر .

وهذا ما نلتقى به معا فى الجزء الثانى من المقال.

اجمالي القراءات 14681