الاستعداد للقاء الله جل وعلا .

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٨ - يوليو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

1 ـ كثير من المثقفين العرب والأجانب إذا وصل إلى نهاية العمر أصابه إحباط، إذ تحول المستقبل لديه إلى ماضي وبدأت شمس حياته في الغروب ، استهلك حياته في كدح ونضال وقاربت حياته على الانتهاء، وهو بين حالتين، إما أن يكون قد حقق ما يريد ولكن لم يبق لديه من العمر كي يحتفل بنجاحه ، وأما أن يكون قد أخفق وضاعت حياته في الفشل، وفي كل الأحوال فإن نهاية العمر تحمل إليه كلمة النهاية، وأن عليه أن يستعد لاستقبال الموت، حيث يترك خلفه كل ما اجتهد من اجله وحيث يتعين عليه أن يفكر فيما بعد الموت، هل هناك حياة أم لا.. وتلك هي القضية التي تجاهلوها من قبل ، ولكن أصح عليهم أن يواجهوها قبيل الموت..
2 ـ وأولئك المثقفون الأجانب الذين لا تحتل الآخرة جانباً هاماً من تفكيرهم يكون إحباطهم شديداً وهم في أرذل العمر، انتهى منهم كل شيء إلى لاشيء، ولم تعد الخمر ولا المخدرات تسعفهم في النسيان.
أما الأغلب في المثقفين المسلمين أن يعود بعضهم إلى التدين السائد ، وأغلبه فاسد، فيلقى بإحباطه لدى ضريح مقدس أو شيخ دجال يحسب بذلك أنه يحسن صنعاً . وقد يمنعه عقله من الوقوع في هذه الخرافات الدينية ولكن لا يجد بديلاً إلا الحيرة. وبعضهم يقف سجل أعماله السابق حائلاً بينه وبين الهداية إذ يحاول تطويع عودته للدين لأفكاره السابقة. فينكر حقائق الإسلام التى تخالف ما تعود عليه من ثوابت فكرية انطبعت في عقليته، وتراه يقرأ القرآن فيستكثر ما فيه من حديث عن النار وعذاب الجحيم.
وبدلاً من أن تدفعه تلك الآيات إلى تطبيع علاقاته بالإسلام وان يبدأ طريق الهداية، وهي متاحة له فيما تبقى له من عمر ـ بدلاً من ذلك يستفظع العذاب، ولا يقوم بنقد ذاتي لما سلف من سيئاته وافتراءاته ، فالتوبة الحقيقية تستلزم الإقرار بالذنب في إخلاص أمام الله تعالى وتبديل العمل السيئ إلى عمل صالح، وإصلاح العقيدة. ولكن صاحبنا ليس على استعداد لذلك كله، لهذا يكتفي بالاحتجاج على العذاب في النار مستكثراً أن يناله العذاب، ولسان حاله ينطق عليه قوله تعالى "( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ) ( الحجرات 17 )، فصاحبنا يتصور أنه ما دام قد اعترف بالإسلام بعد تاريخ من الإلحاد فهذا يكفي . ولا يظن أن أمامه لإصلاح نفسه وإنقاذها جهداً يتم به قبوله عند الله. وأساس هذا الجهد هو التوبة المخلصة وتصحيح الإيمان وتصحيح العمل فيما تبقى له من عمر قبل أن يأتي الاحتضار.
3ـ وحقيقة الأمر أن صاحبنا مرهون بعمله السابق وتاريخه السابق، وكل ما في الأمر أن اقترابه من الموت جعله يستيقظ على حقيقة مروعه، وهي أن الدنيا زائلة فانية ويتعين عليه الاستعداد لما بعدها، إلا أنه لم يستعد تمسكا منه بتاريخه السابق في العداء مع الله، وذلك التاريخ السابق يقف حائلا بينه وبين الهداية. فإذا قرأ القرآن ووجد فيه النبرة العالية في الوعيد وعذاب النار استنكر ذلك، وتمنى ألا يحدث ذلك.. لأنه باختصار لم يستعد ليوم الحساب، وقد كان ينكره أصلاً عندما كان متفاعلاً بشبابه وحيويته في خضم الحياة الدنيا، ثم اضطر للاعتراف بهذا اليوم حين بدأت شمس حياته في الغروب، إلا أنه مجرد اعتراف دون نية حقيقية في التغيير للأفضل والاستعداد الإيجابي لهذا اليوم... ومن هنا فإنه لا يرجو لقاء الله. يقول تعالى "( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .(العنكبوت 23 )،ـ ويقول تعالى" إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( يونس 7 ، 8 ) .
4 ـ عزيزي القارئ : هل ترجو لقاء الله ؟ أم لا ترجوه ؟ . وهل تعمل من أجل ذلك اللقاء. ؟ . تذكر أنك لن تستطيع الفرار من الله جل وعلا. تذكر أن قطار الزمن يجرى بك رغما عنك دون توقف يحملك نحو لحظة الموت المقررة لك سلفا ، ولن تستطيع القفز من القطار قبل الموعد ، ولن تستطيع إيقاف القطار أو تهدئة سرعته ( 60 دقيقة فى الساعة ).
إنظر الى ما فات من عمرك ، وتخيل ما بقى من عمرك ، وتدبر قوله جل وعلا : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ؟ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) ( المؤمنون 115 ).
ودائما .. صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 22594