بين ( إبراهيم ) و( إسرائيل ) و( وزردشت) -1-

عثمان محمد علي في الثلاثاء ١٣ - يوليو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

من مؤلفات د. محمد علاء الدين منصور- يرحمه الله

             كلية الآداب – جامعة القاهرة

                     ديسمبر 1993

 1-  بين ( إبراهيم ) و( إسرائيل ) و( وزردشت)

 

البحث في الأعلام الدينية قبل الإسلام وما يتصل بهم مسألة عسيرة ومرجع ذلك العسر ندرة الدراسات لبعد العهد وتقادم الزمان &i;زمان ، وركون من كتب فيهم على مزاعم التوراة المنحولة على موسى رسول الله واعتماد المسلمين من المفسرين والمحدثين في ( أستقاء ) معارفهم عن الأنبياء قبل الإسلام و( أستقصاء ) هذه المعارف على الإسرائيليات والروايات اليهودية رغم إيمانهم ببعدها عن الحق .

لذا فقد أنتهجنا منهجا يقوم على الاعتماد على أوثق المصادر الدينية في تاريخ ( إبراهيم ) و ( إسرائيل ) وهو القرآن الكريم وذلك بتدبر آياته والربط بينها واستخلاص النتيجة ومقارنتها بما ورد بالتوراة أستنادا إلى الحق وأجتنابا للبس وتحريا للحقيقة . أما ما يخص ( زردشت ) فقد قامت دراستنا له على العلاقة اللغوية والمناسبات التاريخية والدينية العامة منبهين إلى محاذير الاعتماد التام على المصادر الزردشتية .

أولاً : بين ( إبراهيم ) و( إسرائيل) :

لإبراهيم عليه السلام مكانة دينية جليلة في القرآن الكريم مجلاها أنه مختار من قبل الله تعالى ( إماما ) للناس جميعاً ، وأوحى إلى كافة الأنبياء بعده بأتباع ( ملته) والاهتداء بهدية . أستحق هذه الإمامة العامة بعد أن أبتلاه الله بكلمات فأتمهن ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )[1]وإبراهيم لم يرج الإمامة الإسلامية لنفسه وحسب وإنما رجاها لبنيه ومن بعده لذلك . 

أوصاهم بإتباع الإسلام والموت عليه : ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) [2]إبراهيم ( إمام ) للمؤمنين جميعا وقدوة لكافة الأنبياء والمؤمنين بعده أو هو بالتعبير القرأنى الأخر ( أمة)  أي ( إمام ) و( مأموم ) له الناس من الأنبياء والمؤمنين ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن أتبع ملة إبراهيم حنيفا وماكان من المشركين ) [3]إبراهيم إذن ( إمام ) أو ( أمة ) للناس أو بتعبير قرآني ثالث ( أب ) لهم ، ( أبو ) كل من أسلم وجه لله – كما فعل – وأتخذ ملته ملة له : ( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين ومن حرج ملة أبيكم إبراهيم ) [4]هذه الأبوة والإمامة لإبراهيم من حيث أن الشرائع التي تلت شريعته لم تزد عليها بل صدقتها ، وكانت كلمة الله معه هي نفس كلماته المنزلة مع خلفه من الأنبياء خاصة أكبرهم أشياعا وهم موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام .

ولذلك فأتباع الناس لهؤلاء الأنبياء إتباع إبراهيم وملته واجتناب ملته يعنى اجتناب كافة الرسل من بعده : ( قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا) [5]( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا وأتخذ الله إبراهيم خليلا)[6]( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) [7]ولأن محمداً عليه السلام هو أخر الأنبياء ورسالته تختم ما سبقها فهو ومن معه مأمور بإتباع ملة إبراهيم وهى الإسلام المنزل في صحف

إبراهيم وموسى والإنجيل الصحيح والقرآن الكريم : ( وتلك حجتنا آتينا إبراهيم على قومه .. ووهبنا له إسحاق ويعقوب ...ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى  وهرون وكذلك نجزى المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى واليا كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا ... ذلك هدى الله يهدى من يشاء ...أولئك الذي هدى الله فبهداهم اقتده ) [8].

وكان تطبيق إبراهيم لكلمات الله تاما وافيا : ( ..فأتمهن) ، ( وإبراهيم الذي وفى ) [9]لهذه أمر الله تعالى رسوله الخاتم والمؤمنين معه بأتباع نفس التطبيق والتأسي بإبراهيم والذين أمنوا معه فهم الأسوة الحسنة : ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ ..لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بصير قد كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ...{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } [10]

 

ويرتبط بمفهوم ( إمامة إبراهيم ) مفهوم ( عهد ) الله له . و( ( عهد ) الله إبراهيم ولكافة الرسل يعنى وحية ورسالته والكلمة المنزلة لكل منهم وتعليم المؤمنين وتبيين الدين لهم كما فى قوله تعالى مشيرا إلى وحيه وإرشاده لبنى آدم على ألسنة رسله وبناء عن كتبه إليهم : ( أم أعهد إليكم يا بنى آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) [11]

وعهد الله إلى إبراهيم وموسى وعيسى هو وعده ووحيه وتعاليمه في كتبه 

 

 

المنزلة ، ومن أهل الكتاب من أوفى بعهد الله واتقاه وعمل بالوحي ومنهم من أشترى به وبدينه وكتب الله ثمنا قليلا : ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولهم عذاب أليم وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله وقولون على الله الكذب وهم يعلمون وما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لى من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) [12].

أما إبراهيم عند واضعي التوراة فشخصية مختلفة تماما ك إمامته وأبوته لا تعنى الوحي المنزل إليه والتزامه به والدعوة إلى المؤمنين بالتقيد به ، وعهد الله إليه لا يعنى رسالته والمسؤولية الناجمة عنها ، إنما إمامة وعهد يقضيان بالاستيلاء على أملاك عباد الله وسفك دمائهم وانتهاك حرماتهم وإحتلال بلادهم وعلوهم في الأرض ناهيك عن الأفتراء على الله وتجسيدة وكفى بهذا إثما مبينا ، جعلوا أنفسهم بدون التزام بالوحي بل بتحريفه وفق أهوائهم ( أئمة ) للناس لأن إبراهيم الإمام ( أبوهم ) وحدهم ، والناس من دونهم (أميون) أو مأمومون تابعون عليهم الطاعة والانقياد لهم وتسليم أموالهم وحرماتهم دون إباء لأن الله اختارهم وفضلهم وأذل الناس إليهم . والعهد عندهم هو عهد من الله لهم بتمليك البلاد والعباد لهم هم وذرايهم وأن يكون إلههم وحدهم ولا يعبده سواهم . اقرأ ما قالوه في إبراهيم وما كسوه به من تعد وما وصفوها به الله تعالى عما يقولون علوا كبيرا من ظلم وقوة : ( أناالرب الذى أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لتراثها .. لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات ) [13]( وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالك عهدا أبديا لأكون إلها لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكا أبديا وأكون إلههم ، وقال الله إبراهيم وأما أنت فتحفظ عهدي . أنت ونسلك من بعدك في أجيالك . هذا هو عهدي الذى تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك ، يختن منكم كل ذكر . فتختنون في لحم غرلتكم فيكون علامة عهد بيني وبينكم .. وأما الذكر الأغلف الذى لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها . إنه قد نكث عهدي )[14]

 ولم يكن التمييز والعنصرية بين بنى إبراهيم وغيرهم من الشعوب الأخرى ، بل في بيت إبراهيم نفسه ، فهناك فرق بين سارة زوجه وبنت أبيه وهاجر الجارية المصرية المغلوبة على أمرها ، وفرق بين ولد تلك وولد هذه وعلى إبراهيم أن يحكم الأولى على الأخرى ويسمع لها لأن الله يسمع لها وينصرها عليها ظالمة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا :

( فأخذت ساراى امرأة إبرام هاجر المصرية جاريتها ..فدخل على هاجر فحبلت . ولما رأت أنها حبلت صغرت مولاتها في عينيها .. فقال إبرام لساراى هوذا جاريتك في يدك افعلي بها ما يحسن في عينيك فأذلتها ساراى فهربت من وجهها فوجدها ملاك الرب .. فقالت أنا هاربة من وجه مولاتى ساراى فقال لها ملاك الرب ارجعي إلى مولاتك وأخضعي تحت يديها ) [15]

( وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره ..ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق الذى تلده لك سارة )[16].( ورأت سارة ابن هاجر المصرية الذى

 

ولدته إبراهيم يمزح فقالت لإبراهيم أطرد هذه الجارية وابنها لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق فقبح الكلام جدا في عيني إبراهيم بسبب ابنه ، فقال الله لإبراهيم لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك ، في كل ما تقول لك سارة لقولها لأنه بإسحاق يدعى لك نسل ، وابن الجارية أيضاً أمة لأنه نسلك )[17].

 

وإذا كان إبراهيم قد فارق قومه وترأ منهم ومما يعبدون من دون الله وكفر بهم لأنهم لم يعبدوا الله وأشركوا به في منطق القرآن وقطع رحمه وأباه وهجرهم وترك موطنه بغير رجعة ، إلا أنه في هذه التوراة تغرب عنهم لكي يستولى على أرض غربته وحسب ، لكنه يحبهم ويؤثرهم على غيرهم من الأمم ويتحرى أن يزوج ابنه من بيت أبيه وعشيرته لا يعنيه كفرهم أو شركهم : ( وقال إبراهيم لعبده كبير بيته المستولى على كل ما كان له ضع يدك تحت فخذي فأستحلفك بالرب إله الأرض أن لا تأخذ زوجة لأبنى من بنات الكنعانيين الذين أنا ساكن بينهم بل إلى أرضى وعشيرتي تذهب وتأخذ زوجة لأبنى إسحاق )[18].

 

أما ( إسرائيل) فقد كان زور هذه التوراة عليه عظيما ، فإسرائيل فيها هو يعقوب ( يعقوب ) ولد ( إسحاق ) ولد إبراهيم ووارث عهد الله مع إبراهيم وإسحاق والقاضي بتملك أرضى بنى كنعان وما بين نهرى النيل والفرات ومن غليهما . وكما غيرت التوراة اسم ( سارة ) من ( ساراى ) وإبرام إلى ( إبراهيم ) ليصبح معناه (  أبو جمهور من الأمم ) [19]فقد غيرت اسم ( يعقوب ) إلى ( إسرائيل ) ليغدو معناه ( من يجاهد الله ويصارعه ) وأكدت معه العهد بالعنصرية والنهب : ( فدعا إسحاق يعقوب وباركه وأوصاه وقال له لا تأخذ زوجة من بنات كنعان ....والله القدير يباركك ويجعلك مثمرا ويكثرك فتكون

 

جمهورا من الشعوب ويعطيك بركة إبراهيم لك ولنسلك معك لترث أرض غربتك التي أعطاها الله لإبراهيم .. فخرج يعقوب ..ورأى ..حلما .. فقال أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق .. الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك ..) [20].

وتمضى التوراة بهذا الشكل مؤكدة العهد مع يعقوب إلى أن تدعى قائلة : ( فبقى يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر . ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه ، وقال أطلقني لأنه قد طلع الفجر . فقال لا أطلقك إن لم تباركني . فقال له ما أسمك ؟ فقال يعقوب . فقال لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل .لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت . وسأل يعقوب وقال أخبرني باسمك فقال لماذا تسأل عن أسمى ؟ وباركه هناك . فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل قائلا لأني نظرت الله وجها لوجه ونجيت نفسي . وأشرقت له الشمس إذا عبر فنوئيل وهو يخمع على فخذه . لذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق النسا الذى على حق الفخذ إلى هذا اليوم . لأنه ضرب فخذ يعقوب على عرق النسا )[21].

ومع أن علماء تاريخ الأديان لفت انتباههم هذه الأسطورة وعدوها ضرباً من الوهم وأطلقوا عليها أسطورة الأصل myth of origin أو الأسطورة التعليلية أو التبريرية a etiological myth  وهدف مثل هذه الأسطورة إعطاء تفسير تصوري لأصل عادة أو تقليد أو اسم شيء أو محاولة لتعليل التسمية الجديدة ( إسرائيل ) أو شرح عادة إسرائيلية قديمة تخص تحريم أحد الأطعمة [22]، إلا أنهم لم يغفلوا عن مرامها الحقيقي وهو الفصل بين نسل إسحاق وإسماعيل المشتركتين فى أبوة إبراهيم جد يعقوب  لكي تجعل الإمامة والنبوة والوحي محصورا في نسل إسحاق وحدهم وأن البركة التي أثبتتها التوراة قبل لإسماعيل تعنى الملك دون النبوة حتى تحرمه وتحرم نسله ومنهم خاتم الأنبياء الوحي والإمامة ، خاصة وإذا أخذنا فى الحسبان أن النص الرسمي للتوراة العبرية لم ينته إلى شكله المعروف اليوم إلا فى أواخر القرن الثامن الميلادي أي بعد بعثة محمد الرسول الخاتم بنحو قرنين [23].

 

بيد أن جانبا هاما من القضية لم يفطن إليه علماء الأديان كما أن المفسرين المسلمين تابعوا التوراة فيه ولم يكلفوا أنفسهم مشقة البحث ، هذا الجانب الذى يحاول هذا البحث المتواضع دراسته محتكما إلى القرآن الكريم وهو إجابة هذا السؤال : ( من هو إسرائيل فى الحقيقة هل هو يعقوب كما زعمت التوراة أم أنه واحد غيره ؟ وهل يعقوب هو فعلا ابن إسحاق كما أدعت أم غير ذلك ؟ ) .

 

ذكر القرآن الكريم لفظي ( إسحاق ) و( يعقوب ) مترادفين فى معرض وهبهما أو التبشير يهما لإبراهيم وزوجه خمس مرات لم يقل في إحداهما إن يعقوب هو ولد لإسحاق بل إن الاثنين وهبهما الله إبراهيم ولزوجه العقيم في شيخوخته ولا يمكن أن يكون معنى ( الوهب ) فى حق إسحاق ( رزق ) إبراهيم به ومعناه فى حق يعقوب ابنه إسحاق به ، بل إن وهبهما والتبشير بهما لإبراهيم يعنى أنه رزق بهما ولدين له . وهاكم الأيات :

  • ({وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [24]
  • ({وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ{قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ } [25]
  • ({فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نبيا ووهبنا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [26]
  • ({وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ } [27]
  • ({وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ} [28]

لكن القرآن لم يذكر ( يعقوب ) مترادفا مع ( إسماعيل ) و( إسحاق ) لنفهم أن الولدين لوالد واحد ووالدتين مختلفتين ، فإسماعيل من أم وإسحاق من أم أخرى ولدته وثنت بيعقوب . كما وضحت هذه الإشارة فى قول يوسف ولد يعقوب لأهل مصر وقول يعقوب الأب ليوسف ابنه يبشره بوراثته النبوة من هذا الفرع الممتد إلى إبراهيم الأصل من بعده دون أخوته ، يقول تعالى فى ذلك ({الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء}[29]( {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [30]

({وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [31]

 

ورغم وضوح هذه النسبة إلا أن المفسرين تابعوا قول التوراة لأنهم فهموا أن معنى ( الأب ) فى القرآن الكريم لا ينصرف إلا معنى ( الوالد ) وحسب كما فى قوله تعالى على لسان بنى يعقوب يخاطبونه : ({أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [32]

.فالمراد من قولهم ( آبائك ) ليس ( والديك ) – وهو أخ إسماعيل وإسحاق – وإنما ( الآباء ) هنا – كما تقدم المعنى – هم ( الأئمة) أو ( الأمات جمع أمة ) أو من ( يؤوب ) إليهم يعقوب أي يأتم بهم ويأخذ الوحي عنهم ويرث ، فهم ( المؤوب ) إليهم كما هم ( الأئمة ) و( الأمات ) له ولأبنائه ومنهم يوسف بالطبع .

 

والسؤال الآن : لماذا انحدرت التوراة الموضوعية بيعقوب فجعلته ابنا لإسحاق وهو أخوه الشقيق وأخو إسماعيل لأبيه ؟ الإجابة بسيطة وهى أنها كانت تنتوى حصر إمامة غير الابن البكر الأكبر دون أخوته لا يشركه فيها أحد منهم ولو جلعنا سفر التكوين الإصحاح السابع والعشرين لوجدنا أن التوراة جعلت ( يعقوب ) يخدع ( إسحاق ) ليسرق الإمامة من أخيه الأكبر الأحق بها (عيسو ) ، ولم يكن لدى إسحاق غير بركة واحدة ذهب بها يعقوب كما تذكر بمكر ، فإن أبقيت التوراة بهذا المنطق ( يعقوب ) أخا ( لإسحاق ) وهو بكر إبراهيم من زوجته الثانية ، فإن الإمامة لابد أن تكون من حق إسحاق وحده فيحرم منها يعقوب وبنوه وأحفادة ، وهى التي حرمت إسماعيل أكبر أبناء إبراهيم من قبل منها حتى تبقيها لإسحاق ، إذن فكيف تصنع ؟ لابد أولا إسماعيل أكبر أخوته من الإمامة بزعم أنه ابن جارية ، لكي تبقيها لإسحاق الأصغر منه ، ثم تجعل يعقوب ولدا لإسحاق – لا أخا يحرَم الإمامة – حتى يرث عنه إمامة إبراهيم ثم يورثها يوسف حتى تصل موسى .

زيفت التوراة بهذا على إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، فجعلت يعقوب ولدا لإسحاق وهو أخوه وابن إبراهيم على الحقيقة واتهمت يعقوب بسرقة البركة الوحيدة من أخيه ( عيسو ) بزعمها – وعيسو هو ابن أخيه إذا كان له وجود – متابعة زيفها الأكبر على إبراهيم الإمام الأول حين ادعت أنه ليس ( إسرائيل ) وإنما ابنه يعقوب . والحق غير ما زعمت ، فهذه التسمية ( إسرائيل ) هي الاسم الثاني لإبراهيم إذا تدبرنا قليلا آيات القرآن الكريم . فقد ذكر الله تعالى لفظ ( إسرائيل ) فى موضعين اثنين لو تأملنا الآيات قبله وبعده لظهر لنا يقينا أنه ينصرف لإبراهيم لا ليعقوب أو غيره : يقول تعالى فى الموضع الأول ( كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون . قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) [33]. فى حديث مفصل عن دعوة الله تعالى أهل الكتاب بإتباع القرآن ومحمد أشار إلى كذبهم على إبراهيم الذى سبق موسى والتوراة بأنه حرم فى كتابهم التوراة : ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) [34]. ( وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون ....قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهدوا معهم ) [35]

ولذلك دعاهم القرآن لأتباع القرآن لأنه ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) [36]. فلما افتروا على ( إسرائيل ) بأنه حرم على نفسه مطاعم لم ترد بالوحي المنزل عليه ، وليس عرق النسا كما ادعت التوراة المنحولة ، رد الله عليهم فى القرآن بأن يأتوا بالتوراة الصحيحة ويتلوها ليتبين لهم صدق الله فى تحليل هذه المطاعم وليس تحريمها – على لسان إبراهيم أو إسرائيل فى صحفه قبل التوراة وعلى لسان موسى والتوراة وأن حكم الله فى هذه المسألة لم يتغير فى الكتابين . فإذا تحروا الإيمان ومسألة التحليل والتحريم فى أمر اللحوم عليهم إتباع ملة إبراهيم أو إسرائيل بعدم نسبة الكذب إليه ليبرروا عدم تناول هذه اللحوم ظلما ثم إتباع شرع الله المنزل بالتوراة إليهم وليس بين أحكام الله فى كتبه إلى إبراهيم وموسى وكذلك عيسى ومحمد اختلاف .

 

ثم يقول تعالى فى الموضع الثانى بعد أن مهد بذكره إحسانه لأنبيائه بهدايتهم وتوريث أولادهم من بعدهم الوحي ولذلك من على غير الصالح للإنجاب منهم بالذرية الصالحة لوراثة الكتاب وبدأ ( بزكريا ) ومنه ( بيحى ) عليه ثم ( مريم ) ومنه ( بعيسى ) عليهما بدون زوج ، ثم ( إبراهيم ) ومنه بإسحاق ويعقوب وهو شيخ وزوجه عاقر ، ثم ( موسى ) ومنه عليه بأخيه هرون ( ووهبنا له من رحمتنا هرون نبيا ) ثم ( إسماعيل ) ولد إبراهيم من زوجته الأولى ثم ( إدريس ) ، ليقول فى آية تجمع هؤلاء الأنبياء المذكورين فى صدر سورة مريم : ( أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين  من ذرية آدم ( أي إدريس ) وممن حملنا مع نوح ( أي إبراهيم ) ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل ( أي إسماعيل ويعقوب الأخوة ثم زكريا الذى دعا الله أن يهبه يحيى ليرثه ويرث آل يعقوب فى أوائل السورة ، ثم موسى وهرون من ذرية إبراهيم أيضا ويمكن أن يفهم أن وجود إسماعيل ينفى أن يكون إسرائيل هو يعقوب لأن إسماعيل ليس من ذرية يعقوب ) وممن هدينا واجتبينا " [37].( أي مريم وابنها وكانت ابنة عمران وهو من غير ولد إبراهيم لقوله تعالى : ({إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[38]. وقد فصل الله تعالى هنا بين ( آل إبراهيم ) ( وآل عمران ) فلابد أن يكون آل عمران من ذرية نوح التي ورثت مع ذرية إبراهيم النبوة كما يقول تعالى : ({وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [39]وقد بشر الله تعالى نوحا بآل عمران واصطفائهم وأن النبوة باقية فى عقبه من غير ابنه الغريق برسالة عيسى ( قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح قيل يا نوح ....أهبط بسلام منا وبركات عليك ) ثم بشر بنبوة آل إبراهيم بعد ( وعلى أمم ممن معك ) وأخبر عمن سوف يخالف هؤلاء وأولئك ({قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [40]وقد بقيت بآل عمران ذرية نوح ({وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ} [41]والملاحظ أيضا أن القرآن لم يقل ( ومن ذرية إبراهيم ومن إسرائيل ) أو ( ومن ذرية إسرائيل ) لنعلم أنهما رجل واحد .

( إبراهيم ) و ( إسرائيل ) إذن أسمان لنبي واحد وواو العطف بينهما تفيد البيان لا المغايرة بواو عطف البيان شائع فى اللفظ القرآني منه مثلا ({مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [42]فالكتاب يعنى الحكم أو الحكمة وهما النبوة .

وأخيرا فإن ما يؤكد أن الخطاب ( يا بنى إسرائيل ) الذى تكرر فى القرآن يعنى بهم ( بنى إبراهيم ) و(آل إبراهيم ) وهم من ( أوتوا الكتاب ) أو ( أهل الكتاب ) قبل القرآن ما يؤكده دعوة الله لهم بالإيمان بالقرآن المصدق لما معهم ونبذ كفرهم به لا لسبب إلا لأن محمداً ليس منهم وكونه من ذرية إسماعيل ، وأن الأولى لهم أن يكونوا أول من يؤمن بهذا الرسول الخاتم لأنه يعود فى النهاية إلى إبراهيم . لكنهم كيف يتخلون عن حسدهم ما آتى محمدا من فضله وقد كفر كثير منهم برسلهم وكتبهم المنزلة إليهم من التوراة والإنجيل وإذا كان سبب كفرهم بالقرآن أنه لم ينزل فيهم وحسب فإن الله أتاهم الكتاب والحكمة والملك العظيم فلم يؤمن منهم به غير قليل ({أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نصيرا أم لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًاأَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عظيما فمنهم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا } [43].

 

إذن ( إسرائيل ) هو ( إبراهيم ) وليس ( يعقوب ) كما ادعن التوراة ، وما دفعها إلى هذا الأدعاء إلا أنها توهمت بهذا أن تمحو الإمامة عن إسماعيل لكي تزيلها بالنتيجة عن ذريته أو عن محمد وتحصر النبوة فى أسحاق وحده ولكي تبرر كفرها بالرسول الخاتم . وليت هذا الحسد جر إلى هذا الأدعاء وحده بل تقاضاهم إلى أن يحرفوا مانزل عليهم من وحى لأنه بشر بالرسول الخاتم من ولد إسماعيل ، ولما جاءهم ما عرفوا من القرآن زادوا تحريفا للتوراة حتى صارت إلى نحوها ما صارت إليه اليوم ، كما هو بين من قوله تعالى : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا بما أنزل الله ( أى التوراة ) بغيا ( حسدا ) أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عبادة ( أى محمد ) فباءوا بغضب على غضب ( لتحريفهم التوراة ولكفرهم بالقرآن ) وللكافرين عذاب مهين ) [44]ويوضح القرآن أيضا أن زيادة تحريف التوراة بدأ بعد نزول القرآن الكريم ( وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ) [45]

بيد أن الأثرة والأنانية التي أخذت بألباب واضعي التوراة أو محرفي التوراة الصحيحة جمحت بهم إلى أبعد من محو إمامة إسماعيل ومحمد ، فطعنوا ( عالمية ) دعوة إبراهيم أبى الأنبياء وإمامته لسائر البشرية بأن قصروا دعوته على أنفسهم ليؤكدوا النزعة العنصرية التي أفرزت عددا من المفاهيم الدينية العنصرية كمفهوم الاختيار الإلهي لبنى إسرائيل دون العالمين وتميزهم بأنهم شعب الله المختار وقصر الوعود والمواثيق الإلهية عليهم والتي توجب عندهم احتلال أراضى الناس واتبعاهم وحصر الخلاص الإلهي فيهم ، وأفضى بهم هذا المنزع إلى جعل الإله الواحد إلها للإسرائيليين وحدهم لقبوه ( بإله إسرائيل ) . وحين تابع دارسو التاريخ الديني مزاعم التوراة غاب عنهم فرضية أن يكون ( إبراهيم ) أبو الأنبياء نشر دينه فى بلاد من الشرق الأدنى القديم أبعد من كنعان ومصر أو أن ربما كان غير اسم أو أنه رسول لأكثر من دعوة . ولكي تتضح هذه الفرضية ندرس وجوه المشابهة بين ( إبراهيم ) و ( زُرَدُشت) أشهر رسول إيراني فى تاريخ إيران القديم وأول  من دعا إلى عبادة الخالق الوحيد للعالم الإله المعنوي غير المادي والذي ترك الأثر البالغ فى أديان العالم الأخرى [46].



*[1]ألقى هذا البحث فى ندوة ( الدراسات الشرقية فى خمسين عاماً . جيل الرواد ) المنعقدة فى جامعة القاهرة من سنة 26 إلى 28 أكتوبر 1993

(1) سورة البقرة الآية 124.

[2]البقرة / 132

[3]النحل / 120-123

[4]الأنعام / 161

[5]الحج / 78

[6]آل عمران 95

[7]الناء 125

البقرة / 30

[8]الأنعام / 83-90

[9]النجم / 37

[10]الممتحنة / 1-6

[11]يس/ 60/61

[12]آل عمران 75-79

[13]سفر التكوين / 15، 16

[14]التكوين /17

[15]التكوين /16

[16]التكوين 17

[17]التكوين / 21

[18]التكوين /24

[19]التكوين 17

[20]التكوين / 18

[21]التكوين /32.

[22]دراسات فى تاريخ وحضارة الشعوب السامية القديمة محمد خليفة حسن ( القاهرة 1985) ص 15 .

[23]دراسات فى تاريخ وحضارة الشعوب السامية ص 16 وانظر كذلك مقدمة د. أحمد السقا على كتاب رحمت الله الهندى ( إظهار الحق 1/ 3-12 ( دار التراث العربى ) فضلا عن كتاب سهيل ديب ( التوراة بين الوثنية والتوحيد .لبنان 1981) ص 9

[24]الأنعام 83-84

[25]هود / 71-73

[26]مريم 49-50

[27]العنكبوت / 27

[28]الأنبياء /27

[29]إبراهيم 39

[30]يوسف 6

[31]يوسف

[32]البقرة / 133

[33]آل عمران / 93-95.

[34]النساء /160

[35]الأنعام 146-150

[36]الأعراف /157

[37]انظر سورة مريم من بدايتها حتى الأيه (58)

[38]آل عمران /33

[39]الحديد 26

[40]هود / 46-48

[41]الصافات 77

[42]آل عمران 79

[43]النساء 51-55

[44]البقرة 89-90

[45]المائدة 64-68

[46]سركذ شت دينهاى بزركك .جوزف كير ترجمة ايرج يزشك نيا ( إيران 1340ه ش ) 157-158 .

اجمالي القراءات 17310