وعظ السلاطين (19 ) :( المستبد يصنع شعبه )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٨ - يونيو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا ـ ( المستبد يصنع شعبه ):

1 ـ هذا التعبير صاغه الكاتب المصرى المبدع الثائر ( محمد عبد المجيد : طائر الشمال )، هو تعبير يتفوق على تعبيرات تراثية تقاربه فى المعنى ، مثل ( الناس على دين ملوكهم ) ( كما تكونون يولى عليكم ).

2ـ ( المستبد يصنع شعبه ) تعبير نافذ ناقد ثاقب موجز بليغ ومؤلم وبديع . يحسّ به ويتألم منه من نجا من ثقافة العبيد وثقافة الاستعباد التى يخنق المستبد بها شعبه ، والتى يصنع المستبد بها شعبه . فليس كل الشعب يقع فى ثقافة العبيد والاستعباcedil;د ، وليس كل الشعب صناعة للمستبد ، هناك من يتمرد عليها فيعانى طالما بقى داخل سجن المستبد الأكبر المسمى بالوطن ، فإذا أتيحت له فرصة الهرب وأصبح حرا كتب وأبدع وحلّق كيف يشاء ، يحمل وطنه بين جوانحه كما يفعل طائر الشمال الاستاذ الكاتب الوطنى المصرى محمد عبد المجيد فى مقالاته الحارقة الملتهبة حبا وحزنا على مصر.

3 ـ ( المستبد يصنع شعبه ) فعلا عبر سيطرته على الاعلام و التعليم والحياة الدينية وحجب المعلومات و اضطهاد المفكرين الأحرار ومطاردة المبدعين ووضع المتاريس فى شارع الفكر . وهو خصم عنيد لكل ما لا يعرفه وما لا يفهمه . ولأن المستبد جاهل فى الأصل فهو حاقد على كل عالم وكل مفكر وكل مبدع . لأن لديهم احتراما للذات بسبب تفوقهم وتميزهم ، ولا وقت لديهم للتزلف للسلطان أو الهتاف له أو حتى تحيته بالتى هى أحسن أو التى هى أسفل . ومن هنا يستريح السلطان لأهل الثقة من الفاشلين فى ميدان العلم والخبرة ، ومن المفسدين الذين حصلوا بالتزوير و الغش على شهادات دكتوراة لا يعرفون عن موضوعها شيئا.

5 ـ ( المستبد يصنع شعبه ) بنشر التعصب و الانقسام بين فئات الشعب ، عرقيا ودينيا ومذهبيا حتى ينشغلوا بالصراع فيما بينهم عن الاتحاد ضده ، وحتى يستعين كل منهم على الآخر به ، فلا بد من إثارة التعصب بين المسلمين و النصارى كما فى مصر ، أو بين السنة و الشيعة كما فى العراق .

ولا بد من إشاعة ثقافة أن الغرب يتآمر علينا ، و من خلال هذه الثقافة يتم تأجيل الاصلاح وإشاعة اليأس من الاصلاح لأن العيب ليس من المستبد ونظام حكمه ولكن من الخارج المتآمر ، وطالما أن هذا الخارج هو الأقوى فليس هناك مجال لأى نجاح أو أى اصلاح .

وهكذا بسياسة التفرقة بين طوائف الشعب الواحد (فرّق تسدّ ) وبتوجيه شحنة الغضب والاحباط نحو الغرب وأمريكا واسرائيل ينشغل الشعب عن مقاومة المستبد .

وبالتالى ينسى الشعب أن العدو الحقيقى للشعب هو المستبد ، لأنه هو الذى يقهر الشعب ويعذب الشعب ويسرق الشعب و يذل الشعب ، وهو الذى يستخدم جيش الشعب فى قهر الشعب ويستخدم بوليس الشعب ليس فى حماية الشعب ولكن فى تعذيب الشعب .

وفى الوقت الذى يستأسد فيه على الشعب تراه الخادم المطيع لأمريكا واسرائيل والغرب ، ينشد حمايته لديهم ، وحتى لو مرض فلا يأمن غيرهم على صحته ، وعلى أمواله التى يسرقها من شعبه فيستودعها لديهم . أى يتخذ من شعبه عدوا لا يثق فيه ، ولا يثق إلا في الغرب وأمريكا واسرائيل .

ولأنه احتكر الوطن لنفسه ، ولأنه تملك الشعب فقد أصبح هو الوطن ، وهو الشعب وهو القومية. فمن يختلف معه يكون خائنا للوطن ، ومن يخرج عليه يكون خارجا على (القومية ) أ(و القوم أو( الأمة ).

ولأنه يملك الوطن وما عليه ومن عليه ويتحكم فى عقول أبنائه فمن السهل عليه أن يقوم بتشويه خصومه المصلحين وملاحقتهم باتهامات الخيانة والعمالة للخارج وبالتبعية للغرب وبالاستقواء بالخارج .

ثانيا : عندما يصنع المستبد شعبه ، فمتى يثور عليه شعبه :

1 ـ اكتب هذا المقال ردا على الصديق الاستاذ محمد الحداد الذى تفضل بالتعقيب على مقالى السابق ( وعظ المعارضة المصرية الراهنة : لا بد من الاستقواء بالخارج ) والذى اوضحت فيه ضرورة الاستعانة بالخارج من الناحية الشرعية و السياسية ولمصلحة مصر وحتى لمصلحة مبارك نفسه واسرته . لأن الاستعانة هنا تعنى توسط امريكا فى توفير خروج آمن لمبارك يضمن تداولا سلميا للسلطة مع اصلاح يقى مصر من الوقوع فى حرب اهلية .

إقترح الاستاذ محمد الحداد اللجوء للسلاح فقال : ( هل جربت المعارضة المصرية حمل السلاح بوجه السلطة ؟ هل جربت عمليات الإغتيال السياسي لرجالات السلطة ؟ هل هناك محاولات لإغتيال الرئيس ؟ هل هناك عصيان مدني واسع ؟ هل هناك خروج على سلطة الدولة الديكتاتورية ؟ كأن تخرج محافظات بكاملها عن السيطرة ، في الصعيد المصري مثلا ؟ قبل وبعد إجابتكم على أسئلتي أقول رأي شخصي وهو : في حالة إصابة شخص ما بمرض ، وعند استعمال علاج ليس بالفعال جدا لقطع دابر المرض وموت مسبباته ، كأن تكون بكتيريا مثلا ، فأن هذه البكتريا تصنع مضادات للدواء ، أو أنها تتكيف مع الدواء ، وبالنتيجة لا ينفع معها الدواء ، بل وربما لا ينفع ما هو أشد منه ، سوى البتر ، وإسألوا أهل الطب حول ذلك . وفي حالة حسني فأنه كهذه البكتريا أصبحت لديه مناعة ذاتية هو ونظامه ضد كم الخطابات هذه . فلديه من العجلة الإعلامية وإمكانيات الدولة ما يفوق كل ما لدى المعارضة بمراحل ، لذا وجب على المعارضة تغيير إسلوب العمل ، وأن تتجه نحو العمل المسلح . قد لا ترضون بهذا الحل ، ولكنه آخر العلاج الكي . وإذا بقيتم تطلبون فقط التغيير بالكلام ، فيمكن حجز الموقع من الظهور داخل البلد ، وهذا سهل جدا على إمكانيات الدول ، كما يمكن إيجاد كم هائل من كتاب السلطة الذين يستطيعون تلفيق كل التهم الممكنة بحقكم وحق كل من يكتب ضد السلطة . وطبعا سذاجة الشعب تصدق كل ما يقال لها ، خصوصا لو جاء عن طريق دعاة المنابر . هذا حل من حلول كثيرة ممكن أن تقوم بها المعارضة المصرية ، ولكني أجدها متشرذمة ومتقطعة الأوصال ، وكل فريق داخل المعارضة يطعن بالفرق الأخرى . فمثلا لم لا يتم تنظيم مؤتمر عام كبير للمعارضة بكل طوائفها ، تضع خلافاتها على جنب ، وتعمل مع بعض من أجل إسقاط هذا الحكم ).

كلام الاستاذ محمد الحداد منطقى ، ومن هذا المنطق السديد ينبع الخوف الشديد من حرب اهلية قد لا تبقى ولا تذر ، وأكثر الضحايا فيها هم من الفقراء والمستضعفين فى الأرض بينما سيجد المترفون الظالمون بأموالهم ونفوذهم وعلاقاتهم مأوى ومثوى فى الخارج وأمنا ، بل ربما يستمر بعضهم فى ثنايا الحكم القادم وعلى هوامشه .

الحرب مشكلة ، ويباح اللجوء اليها عند الضرورة القصوى كآخر حلّ لأزمة أكبر .

ولكننا هنا لا نتحدث عن حرب بين جيشين بل عن حرب أهلية يبدأ فيها جيش الشعب بحرب الشعب ثم ينقسم الجيش على نفسه وتنتقل انواع السلاح من مخازن الجيش ومن الخارج الى طوائف من الشعب تتحول الى ميليشيات ، لا تلبث ان تكون لها ولاءات خارجية تقتل من أجلها أبناء الوطن الواحد ، وتدور حرب الشوارع ، و يتأسس اقتصاد للحرب ويظهر مستفيدون من هذه الحرب يبيعون السلاح و الذخيرة و المؤن والحماية ، لفرقاء المتصارعين ، ويعمل المستفيدون بالحرب بكل جهدهم على استمرار تلك الحروب لتصبح وليمة دائمة ، وتتداعى الى تلك الوليمة شركات وشخصيات من الخارج ومن الداخل ، واللحم المأكول فى الوليمة هم بنو قومى اهل مصر البسطاء الغلابة ..

المفجع هنا أن هذه هى النتيجة المنطقية التى يدفع نظام مبارك مصر اليها . فآخر ما قام به مبارك هو ذلك التزوير الفج فى انتخابات مجلس الشورى ، وما صاحبها من استعمال فظ للقوة مع الناخبين والمرشحين من المعارضة ،أى هى نفس الرسالة التى يكررها مبارك منذ الثمانينيات من القرن السابق ، وهى استحالة التغيير السلمى سياسيا عن طريق الانتخابات الشرعية ، أى لا طريق للاصلاح و التغيير إلا باستعمال القوة المسلحة . وهنا يأتى الرد المنطقى للاستاذ محمد الحداد وهو حتمية اللجوء للسلاح إذ لا يفلّ الحديد إلاّ الحديد . ولكن كما قلت هو حلّ باهظ التكاليف لا أحتمله ولا أتمناه لأبناء وطنى ، ولذلك أتمسك بالاستقواء بالخارج و توسط امريكا و المجتمع الدولى للخروج من هذا المأزق بأقل قدر ممكن من الخسائر و التضحيات ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصر ، أو مما تبقى من مصر.!

2 ـ إن الأزمة أعمق وأفظع مما تتخيله المعارضة المصرية فى الداخل ،والتى تتراقص فوق برميل بارود ملتهب لو انفجر فلن يبقى ولا يذر .عمق الأزمة وفظاعتها يتجلى فى طبيعة الحكم العسكرى عموما ، وفى طبيعة نظام مبارك على وجه الخصوص .

وظيفة الجيش فى النظام الديمقراطى أن يحمل السلاح ويوجهه لأعداء الشعب فى الخارج فقط.

أى يقف على الحدود شاهرا سلاحه ضد عدو الشعب معطيا ظهره للشعب . والقادة العسكريون للجيش هم محترفو حرب لا عمل آخر لهم ، لا مجال لهم فى البزينيس ولا فى السياسة فذلك من المحرمات . ولأنهم المخولون بحمل واستعمال السلاح الأشد فتكا وتدميرا فهم تحت السيطرة المباشرة من الشعب ، وهم يتلقون الأمر بالحرب من الشعب ممثلا فى هيئاته المدنية السياسية ؛ التشريعية والتنفيذية المنتخبة . وتأتى الأوامر محددة واضحة عليهم تنفيذها ، فلو أهملوا أو أخطأوا فالعقاب لهم بالمرصاد وفقا للقوانين العسكرية. ويتجلى شرفهم العسكرى والوطنى فى حماية المدنيين أى الشعب الذى يسهرون على حمايته .

على العكس من ذلك تكون وظيفة الجيش فى الحكم العسكرى المستبد .

القيادة العسكرية للجيش هى التى تحكم الشعب ، وهى التى تحكم الشعب بذلك الجيش الذى تسيطر عليه ، وبالتالى فان (العدو ) الذى يوجّه الجيش له السلاح هو ( الشعب ) المنزوع السلاح ، وبالتالى أيضا يكون ميدان المعركة ليس مع عدو خارجى بل عدو داخلى هم المدنيون الغلابة من أبناء الشعب ، أى يصبح الوطن بشوارعه ومدنه وقراه وبيوته أهدافا عسكرية معادية ، حالية أو محتملة ، أو ( جبهة داخلية ).

ولأن المستبد العسكري قد اتخذ من شعبه عدوا فتراه يقوم بتطبيع العلاقات مع أعداء الوطن التقليديين فى الخارج ليتفرغ للعدو المصرى فى الداخل ، يسنّ ضده قانون الطوارىء ، ويستورد من أجله أحدث أدوات التعذيب ، وبينما يسود السلام والوئام ما كان يعرف سابقا بالجبهة الخارجية التى تتحول الى حفلات استقبال ومؤتمرات ودية وتناول الأنخاب وتبادل القبلات والأحضان فى شرم الشيخ ، تبقى الجبهة الداخلية مشتعلة بالمعارك .

هذا هو التوصيف المؤلم لنظام مبارك العسكرى ، وفيه لا يتورع القائد العام للجيش المشير طنطاوى عن تكرار تأييد الجيش والقوات المسلحة للرئيس مبارك القائد الأعلى للقوات المسلحة . فإذا كان مبارك فى حالة حرب معلنة مع الشعب المصرى فإن المشير يؤيد بجيشه رئيسه مبارك فى هذه الحرب ضد الشعب المصرى ، وهو يسهم فيها بحوالى 700 ألف جندى مجند من القوات المسلحة بعتادهم تحت مصطلح الأمن المركزى ، وأولئك هم المقدمة العسكرية التى تنوب عن بقية أفرع القوات المسلحة فى حربها للشعب المصرى ، وهى تعمل تحت قيادة أمن الدولة لتساعد مئات الألوف من قوات الشرطة فى تأديب و قهر وتعذيب الشعب المصرى .

وطالما هى تحرز الانتصارات المتوالية على الشعب الأعزل المسكين فإن الجيش يكتفى بالمراقبة وعدم التدخل . هو يتدخل فقط لو أبدى بضع مئات من الشعب تذمرا أفضى الى استعمال بعض القوة ، ولو عن طريق القاء بعض القنابل أو اطلاق الرصاص ، عندها يتدخل الجيش الشهم الشجاع بكل عتاده وطائراته وصواريخه ودباباته لتأديب المتمردين .

هذه هى وظيفة الجيش فى الحكم العسكرى فى مصر ؛ لا يدافع عن الشعب بل يحارب الشعب ، لا يخدم الشعب بل يقهر الشعب ، لا يعمل أجيرا للشعب ولكن يستعبد الشعب .

هذا الجيش هو خائن حقير للشعب الذى أنجبه والذى ينفق عليه . ولا توجد فى قواميس اللغة توصيفا أحطّ يوصف به هذا الجيش . هذا التوصيف بالخيانة العظمى او الخيانة السفلى تنال كل عامل فى ذلك الجيش بدءا من جندى الأمن المركزى الى القائد العام للقوات المسلحة والقائد الأعلى للقوات المسلحة ـ كل على حسب رتبته ، كلما علت رتبته تضخمت خيانته وحقارته وظلمه ودناءته وجبنه ونذالته .

ينطبق هذا الحكم والوصف على كل من ارتدى الزى العسكرى فى مصر من قيام حركة الجيش فى يولية 1952 وحتى الآن . لا استثناء ولا مداهنة ، فحق مصر وحق الشعب المصرى المهان المظلوم المقهور هو الأولى بالاعلان والأحق بالتوضيح والبيان . وهذا التوضيح فى تعيين وتحديد العدو الحقيقى لمصر هو أقصر طريق للاصلاح . إذ بعدها حين يأتى وقت الاصلاح لا بد من تحديد دور الجيش والشرطة بكل دقة وحسم وفقا للسائد فى الدول الديمقراطية الغربية حتى لا تتكرر مأساتنا مع عسكر 52 .

ولذلك يتحسب الخونة من هذه النقطة و لا يريدون ان يمتد النقاش الى مسئولية الجيش فيجعلونه خطا أحمر أن تناقش دور الجيش او التعرض له بأى شكل من الأشكال فى الجدال السياسى .

2 ـ فى ظل استبداد العسكر تم ( تصنيع ) المصريين من عام 52 وحتى الآن . أى أن معظم الشعب المصرى من سن السبعين فأقل فتح عينيه وتفتحت مسام عقله على استبداد العسكر ، وعلى ملء السجن ( الحربى ) فى عهد عبد الناصر بمئات الألوف من المدنيين ، وعلى إحالة الملايين من المصريين الى المحاكم العسكرية و الاستثنائية وقانون الطوارىء . لم نر عهدا من الحرية ولو يوما واحدا . وجيلى الذى تخطى الستين عاما فتح عينيه على الثورة وعبد الناصر فرضع الخوف من العسكر وعاش عليه ، وأنجب شبابا تربى فى نفس الجب ، فماذا تنتظر منه وقد أدى به القهر فى ستة عقود الى أن يتواضع سقف احلامه الى مجرد أن يظل حيا .

ويلاحظ فى تظاهرات العمال واعتصاماتهم فى المحلة الكبرى وغيرها وأمام مجلس الشعب أنها فى الأغلب تخلو من الشعارات السياسية ، هى فقط تتسول الحقوق الضائعة و تستدر عطف النظام العسكرى الغاشم وتستجديه ، وفى النهاية يضيق بها فينهال عليها الجيش (الأمن المركزى ) ضربا .

3 ـ يدخل بنا هذا الى الناحية الأخرى و الخاصة بشخصية مبارك المتطرفة .

مبارك يتطرف فى استعمال القوة مع الشعب المصرى المسالم المقهور المنزوع السلاح . فى القبض على كاتب مسالم مثلى لا يملك سوى القلم يرسل مبارك جيشا صغيرا مدججا بالسلاح يحاصر حيّا بأكمله . فى مواجهة مظاهرة من الشباب الوديع الذى يحمل الزهور ويرفع لافتات الاحتجاج مطالبا بحقوقه المشروعة يرسل مبارك بجيش يفوق عددهم عشرات المرات ، فلو كان المتظاهرون خمسين فردا بعث لهم بجيش لا يقل عن خمسة آلاف بالمؤن والعتاد وعشرات الضباط من كبار الرتب . هذا عدا جيوش اخرى تأتى لمساكن أولئك الأفراد تعتقلهم فجرا .

تطرف مبارك فى استعمال قواته المسلحة ضد أفراد الشعب المصرى لا يدانيه سوى تطرفه فى الفساد والسرقات .

فى ظل حكم العسكر سيطرت الحكومة على كل شىء،وأصبح (أمين المخازن ) مثلا مسئولا عن (عهدة ) تقدر بالملايين ، بينما مرتبه لا يتعدى كذا فى الشهر ، أى أن الحكومة تقول له ضمنيا ( إسرق كما تشاء) ، ولكى يسرق ( كما يشاء ) فلا بد له من حيلة تنجيه من السجن ، لذا عرفت مصر بعد حكم العسكر ما يعرف بموسم الجرد أو موسم الحرائق ، فعندما يأتى وقت ( جرد ) أى وقت التفتيش على المخازن المسروقة يشب فيها حريق ويقال ان سببه ماس كهربائى . ومع كثرة التندر فى الصحف على هذا ومع العلم بأنها حرائق متعمدة للتغطية على سرقات حقيقية إلا أن ثقافة التدمير للتغطية على السرقة تطورت و تنوعت فأصبحت فى الخصخصة تعنى مثلا تخسير الشركة الحكومية الناجحة أو تدمير جزئى للمصنع المنتج ليتأهل للبيع بأبخس الأثمان ، ويستفيد المفسدون من بيعه بعمولات تفوق ثمنه . هنا تتحول السرقة العادية الى سرقة سامة دنيئة ، لأنك لم تسرق فقط بل حرقت و دمرت اصولا يملكها المجتمع وتعيش عليها عشرات العائلات .

هذا هو التطور الأكبر الذى جاء به مبارك فى تحويل السرقات الى فساد مكتمل الأركان مستخدما سلطته المطلقة وقانون الطوارىء ليتمكن من السلب و النهب و التهريب والعمولات عبر وسطائه ووزرائه دون ان ينتقده أحد ، فهو والجيش خط أحمر .ولأن له يدين فقط فقد استخدم واحدة ( عسكرية ) يضرب بها المصريين بأقسى ما يستطيع ن بينما ينهب مصر باليد الأخرى وبكل ما يستطيع .

4 ـ وخلال حوالى 60 عاما تعود المصريون على تحمل القهر ، نصفها كان هينا ( قبل مبارك ) ونصفها تحت حكم مبارك المتطرف فى قسوته والمتطرف فى فساده .

ولأن المستبد يصنع شعبه فان هذا الشعب المسكين أدمن التعود على القهر طالما بقى المستبد واقفا على قدميه ممسكا بكل السلطات ، فإذا حدث ثقب أو شرخ فى حصن الاستبداد وأتيح لهذا الشعب ان يتنفس من خلال هذا الشرخ او ذلك الثقب فان تنفس الشعب المقهور سيكون انفجارا هائلا يساوى كل ما عاناه من قهر وذل وحرمان واستعباد . وسيكون إنفجارا عامّا وعشوائيا ومستمرا ومعدوم العقل والضمير ، فلن تستطيع ان تفرق فيه بين القاتل والقتيل لأن قاتل اليوم سيكون قتيل الغد ، وستتعود الشوارع المصرية والقرى المصرية والحقول المصرية و الترع المصرية والطرق المصرية على رؤية الجثث الملقاة وعلى اكتشاف القبور الجماعية بنفس تعودها على تدمير البيوت و قطع الطريق و نهب المتاجر والمحلات وتبوير المحاصيل و .. المذابح الجماعية .

تلك وصفة لبرميل البارود السّاخن الذى تتراقص فوقه المعارضة المصرية وهى لا تزال تصرخ بشعارات الستينيات تقول : لا لأمريكا .. و لا للتدخل الأجنبى أو التوسط الأجنبى . لا تملك حلاّ سوى الرقص بالشعارات .هذه المعارضة هى من علامات المرض فى مصر . هى أسوأ ما صنعه المستبد العسكرى فى مصر. وستكون أول ضحايا الانفجار القادم .

وخوفا عليهم وخوفا على مصر نرجو توسط المجتمع الدولى لاخراج مصر من تلك الأزمة.

أخيرا :

نقولها مرة ثانية :هل عندكم حل سلمى آخر ؟

اجمالي القراءات 12670