لو كنت كمال مبارك 2\2

كمال غبريال في السبت ١٠ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

كنت في الجزء الأول تحت ذات العنوان، قد سمحت لنفسي بتخيل أنني الوريث المنتظر لعرش مصر، وأن ميراثي ووراثتي له تعترضها عقبات خطيرة، هي باختصار: سوء الحالة الاقتصادية والثقافية للشعب المصري، وانسياقه وراء الدجالين والمشعوذين والنصابين، والأخطر انسياقه للمدعين التحدث باسم الإله- الحزب الحاكم الذي يساندني هو خليط عجيب من الشرفاء والفاسدين، العلماء والنصابين وتجار المخدرات والمرتزقة، وبالتالي فهو عاجز عن التقدم بالبلاد، بالسرعة والك&iacutيفية الكفيلة بإخراجها من ورطتها، إلى عالم الحداثة والتطور- الخطر الذي تشكله جماعة الإخوان المسلمين على الوطن وعلى وراثتي لعرشه- مشكلة ظهور د. البرادعي بشقيها: تهديد توريثي، وتهديد مستقبل الوطن بالتفاف حرافيش المعارضة حول الرجل، بما قد يؤدي إلى فوضى، تتيح قفز الأصولية العروبية أو الدينية على كرسي الحكم.. تساءلت في نهاية المقال الماضي:
الآن كوريث ماذا علي أن أفعل لتأمين تسلمي لميراثي؟
وماذا علي كمصري أن أفعل حماية لبلادي من خطر الفوضى، أو الوقوع في براثن فاشية عروبية أو دينية؟
يتضح أمامي الآن طريقان رئيسيان، بالإضافة إلى عشرات من الطرق الفرعية والملتوية، التي ظلت مفضلة لدينا خلال العقود الثلاثة الماضية، لأنها تؤمن لنا تحقيق هدفنا الأساسي وهو البقاء على كرسي السلطة، وتقينا في نفس الوقت شر وجع الدماغ، والدخول في مصادمات مع جماعات محظورة وغير محظورة.. تلك الطرق التي نُبقي فيها جميع الكرات معلقة في الهواء، نلتقط منها ما نشاء وقتما نشاء، ونتحدث عن اتجاه ونحن نسعى في المعاكس له، تحايلاً على السير بشعبنا في طريق السلامة، دون أن نكبده ونكبد أنفسنا مشاق خوض صراعات لا أحد في القاعدة أو القمة مستعد لدفع تكاليفها.. نسعى لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت عيوننا على نظم مجاورة قامت على شعارات العداء الأبدي أو صراع الوجود، تلهي بها جماهيرها عن واقعها البائس، نتحسب منها أو نزايد عليها، وتركنا وسائل إعلامنا في أياد مثقفين أو متثاقفين، كل بضاعتهم مفاهيم وشعارات تجاوزها الزمن بعقود.. نتحرك نحو دولة المواطنة والمساواة، وسط تحريضات عنصرية رائجة ضد المرأة والأقباط، من جماعات وتنظيمات تخفي الخناجر والمتفجرات تحت سراويلها القصيرة، فيما تسللت عناصرها إلى كافة مؤسسات الدولة، بما فيها التربوية والإعلامية والسيادية.. نتجه للتوافق مع النظام الاقتصادي الدولي الحر والمفتوح، في ظل نحيب وولولة فلول الاشتراكية المنقرضة التي شبعت فشلاً، وتخلى عنها أصحابها، لتصور للناس إصلاح الاقتصاد وتحريره، على أنه خيانة وبيع للبلاد والعباد.. ليكون الوضوح والخطوط المستقيمة، آخر ما يمكن أن يصلح في تلك الأحوال.. لكنني أستشعر أن الزمن قد تغير بعض الشيء، إن لم يكن قد تغير كثيراً، ولم يعد التسلل عبر الطرق الفرعية والملتوية سهلاً أو آمناً، في ظل حالة الافتضاح أو الشفافية، المفروضة على العالم الآن عبر الفضائيات والإنترنت، كما أستشعر أن "هوجة البرادعي" هذه ليست مثل سابقتها "هوجة كفاية" وما شابه، بحيث يفيد معها التطنيش و"عمل ودن من طين وودن من عجين"، فالأمر يبدو أخطر من أن يقابل بمثل هذه الخفة والاستهانة.. أيضاً ربما كان البرادعي لاستقامته وشهرته العالمية، لا تفيد معه طرق مثل تلك التي اتبعت مع حزب الغد ورئيسه، الذي كان صيداً سهلاً، بل وساهم هو ذاته بتصرفاته في حرق نفسه بنفسه، بأكثر مما ساهم رجالنا من جهد لتفجير حزبه من الداخل!!
لهذا يبدو لي أنه من الأنجع أن أبدأ بدراسة الطريقين الرئيسيين المفتوحين أمامي، وأن أؤجل النظر في الطرق الفرعية مؤقتاً:
 الطريق الأول يبدو الأسهل من حيث تنفيذه، وعلاوة على توافر مقوماته وأدواته لدي، فإن نتائجه سريعة وحاسمة، لكن يعيبه أنه من تراث عصر مضى، ومن الصعب الآن على العالم تقبله، مع غض النظر عن رد فعل الشعب المصري على مثل هذا الحل، فشعبنا شعب طيب، ويؤمن بالمثل القائل: "إللي يتجوز أمي أقوله يا عمي"، و"اليد إللي ماتقدرش تعضها بوسها".. الحل هو السيطرة الأمنية على البلاد، وربما لا نحتاج في هذا المجال لأكثر من "إظهار العين الحمرا"، ونرسل القلة إلى المعتقلات، وقلة أخرى لوظائف حقيقية أو شرفية في الدولة، يتلقون بموجبها رواتب مجزية، والبقية سيتبددون من تلقاء أنفسهم، ويذهب كل واحد إلى حال سبيله.. وسيلجأ شباب الفيسبوك الذي استدعى البرادعي، إلى مخدر تبادل فيديوهات المطربات الكاسيات العاريات، والاستغراق في أمور الروشنة والمزز والذي منه!!
يحبذ هذا الطريق للتخلص من الأزمة، أنه من الواقعي عدم التخوف أكثر مما ينبغي من ردود الفعل العالمية، ورغم أن هذا الأسلوب في التعامل مع الشعوب مضاد لروح العصر، إلا أنه مازال موجوداً هنا وهناك، بداية من كوريا الشمالية حتى كوبا، وما بينهما في إيران سوريا واليمن وخلافه، ولا يكاد العالم الحر يستطيع شيئاً إزاء هؤلاء.
يعيب هذا الطريق أنه قد يحل مشكلة حصولي على ميراثي على المدى القصير، لكنه يبقيني مهدداً في أي وقت بانقلاب عسكري أو شعبي يطيح بي، كما أن هذا الأسلوب لن يحل مشكلة بلادي وتعثرها في مسيرة التحديث والتحضر، مادمت سأظل مستنداً في حكمي إلى ذات المجموعات التي تسيطر على السلطة والثروة الآن.
 الطريق الثاني هو الأصعب والأطول، والأقل ضماناً لتحقيق نتائج حاسمة، لكنني لا أكتمكم أنه ظل طوال الأعوام الماضية كحلم يرواد خيالي، رغم أن إمكانيات تنفيذه تكاد تكون منعدمة، لكنه يبدو الآن من أكثر من وجه، الطريق الأكثر منطقية، كما هو بلاشك الأكثر استقامة وإخلاصاً لهذا الوطن.
على المستوى النظري، وعلى قدر ما تم الاتفاق حوله في مؤتمرات الحزب، وعلى ضوء أوراق السياسات التي تم طرحها، وقمنا باستعراضها في مؤتمر الحزب السنوي الخامس في نوفمبر 2008، فإنه لاخلاف حول رؤية مستقبل مصر الديموقراطي والحداثي المنفتح على العالم، والمتجه للتوافق معه، لتحقيق تنمية شاملة مصحوبة بتغييرات جذرية في كافة مجالات الحياة المصرية، منها أن تكون سياسات مصر الخارجية دولية كانت أو إقليمية، في خدمة تنمية الداخل المصري، وتسعى لإقرار السلام في  المنطقة، لإزالة أي معوقات في طريق هدف التنمية المصرية الشاملة.. كل هذا كان جميلاً ومازال.
لكن ما كان واضحاً ومنذ البداية أن القليلين في دوائر السلطة، هم من اشتركوا مع من وضعوا خطوط وأفكار تلك الأوراق، في أخذ ما بها مأخذ الجد، فالأغلبية قد تعاملوا معها ككلام جميل يطلق في الساحة المصرية، كنوع من الضباب، تختفي خلفه جيوش جرارة من الفاسدين المفسدين، الذي لا قِبَل للسطلة بالتخلي عنهم، خاصاً وأن قطاعاً كبيراً منهم قد أتت به الانتخابات التشريعية الديموقراطية.. أغلب هؤلاء لم يرشحهم الحزب باسمه من الأساس، بل استطاعوا التفوق على مرشحي الحزب، لنضطر في النهاية إلى ضمهم، لنجد أغلبية نستمر عن طريقها في الحكم، ونواجه بها نواب الجماعة المحظورة، المنشغلين دوماً بتكفين النساء وغلق الأنوار، ومطاردة الفنانين والمفكرين، علاوة بالطبع على شراكتهم العضوية مع منظمات إرهابية تدق أبواب الحدود المصرية!!
هكذا لم نسر في خطتنا للتقدم بالبلاد بالسرعة والحسم اللازمين لتحقيق إنجازات جديرة.. نعم حققنا إنجازات عديدة وجوهرية، لا ينكرها إلا جاهل أو مغرض، لكن ما لم نحققه كان أكثر وأخطر، علاوة بالطبع على عجزنا عن مواجهة كثير مما كان يتحتم علينا مواجهته بكل قوة، مثل الاحتقان الطائفي، وتعويق مسيرة الخصخصة وتحول الاقتصاد المصري إلى الاقتصاد الحر، بالإضافة إلى العجز عن المواجهة الحاسمة مع التنظيمات الإرهابية في الجوار، والتي تهدد الأمن القومي المصري، علاوة على تهديدها لأمن المنطقة والعالم.. واضطرارنا لمجاراة التيارات الدينية، في ترويج الخطاب الديني، مما قلص بصورة خطيرة قدرتنا على استقطاب الجماهير والتواجد الحقيقي والفعال بينها، لتصبح هي ظهيرنا الحقيقي، وليس فقط الإمساك بمفاتيح القوة العسكرية، ومشاركة فلول الفاسدين من كل لون.
الوضع الآن أصبح مختلفاً، فالتهديد الذي يمثله البرادعي لجميع المشاركين في الحكم، يعطي مبرراً قوياً لمراجعة الذات وبقوة.. فباستطاعتنا تطهير صفوف الحزب من الفاسدين ومن المنتمين فكرياً لمدرسة الإخوان المسلمين، ليستقيم طريقنا في تنفيذ ما جاء بورقة السياسات، التي أنتجها الحزب ذاته، وليست مفروضة عليه من أي طرف خارجي.. بعدها ننتقل لتطهير كافة مؤسسات الدولة من هذه النوعيات، وبالتأكيد تعرفهم بالاسم أجهزتنا الرقابية، وملفاتهم جاهزة لديها تنتظر لحظة توظيفها.
تحرك حاسم وجريء مثل هذا، لابد أن يلفت أنظار الجماهير وقطاعات كبيرة من النخبة المتحضرة المستنيرة، وهؤلاء يمكن أن يكونوا المساند الحقيقي لمسيرة التطهير، فربما يكتشفون أنها أجدى من التجمع على الأرصفة وسلالم نقابة الصحفيين، لرفع مطالب وشعارات عشوائية، أو للتنديد بالإمبريالية والصهيونية!!.. سوف نضع أهدافنا المدرجة في أوراق السياسات أمام الشعب، ونسلط عليها الأضواء في كافة وسائل الإعلام، بحيث تقترن الأفعال بالأقوال، فلا غنى لأحدهما عن الآخر.  سيكون خيارنا هو الطريق المستقيم نحو تأسيس دولة مدنية حديثة ومنفتحة على العالم، دون تلاعب وتلون، والإقلاع عن لعبة الكرات المعلقة ومسك  العصي من المنتصف.
هكذا نسبق أحلام البرادعي، الذي لم يتوصل للآن لأكثر من الحديث عن تغييرات دستورية تتيح تداول السلطة، وكأن هذه هي مشكلة بلادنا وشعبنا الوحيدة، وليس التعثر في مسيرة حضارة، يسعى كل من حولنا للحاق بموكبها.. عندما نبدأ في تجسيد التغيير الحقيقي أمام الشعب المصري، ويبدأ ظهور تباشيرها على الأرض، لابد أنه سيصرف النظر تماماً عن هؤلاء الذين أدمنوا الصراخ وتجارة الشعارات، والذين من حسن حظنا قد تقدموا هم ليحرقوا ورقة البرادعي مبكراً بالتفافهم حولهم، ومعهم تراثهم العريق في منطق الطبلة والربابة، وفي العنتريات التي ما قتلت ذبابة!!
هل لهذا المشروع من أمل في النجاح؟
هل بالشعب المصري بقية من حياة وحيوية، تجعله يهم بمساندتنا، لننقله من عصوره الوسطى إلى العصر الحديث؟
أم أن هذا الشعب ذاته هو الذي سيجبرنا على السير في طريق الهيمنة والقهر، أو على الاستمرار في طرقنا الفرعية الملتوية كدروب الثعابين؟

 

اجمالي القراءات 8983