دولة المواطنين.. ودولة المؤمنين

نبيل شرف الدين في الإثنين ١٥ - فبراير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

نبدأ بسؤال قد يبدو صادماً، لكن «السؤال محرمش» كما يقول المثل الشعبى، والسؤال عما إذا كان من مهام الدولة المدنية الحديثة أن تأخذ على عاتقها مسؤولية إدخال مواطنيها «الجنة»، أم المدارس والمستشفيات وسوق العمل؟

الجواب قد يبدو محسوماً لكن ما يحدث مؤخراً من عمليات «تديين« شاملة لجميع أنشطة حياتنا يوحى بأن الدولة المصرية تتجه لترسيخ مفهوم «دولة المؤمنين»، بينما تنحصر مهام الدول المتحضرة فى &Ecirgrave; تأسيس «دولة مواطنين» قوامها القانون لا العقيدة، فلا تمييز بين أبنائها بسبب الدين أو العرق أو الجنس وخلافه.

ومن نكد الدنيا على المرء أن يجد نفسه مضطراً لإعادة اختراع العجلة وتأكيد البديهيات، فمثل هذه القضايا حسمت منذ زمن، لكننا مازلنا نلوك أطنان الكلمات وننزلق لمناقشات بيزنطية، بينما تتجه الأوضاع للأسوأ، فنرى النخب السياسية والاجتماعية فى بلادنا تتورط فى «تديين» جميع أنشطة الحياة، ولكن حين يصل الأمر لقلعة القضاء الحصينة ينبغى التوقف بجدية، لأن مؤسسة القضاء هى «رمانة الميزان» فى دولة القانون، وبالتالى ما يمكن قبوله أو تمريره للهيئات الأخرى، لا يقبل أن يصدر من قبل أرفع منصب قضائى.

وفى ظل حالة التفاعل بين الكاتب والقارئ التى رسختها الإنترنت لا يمكن تجاهل رسائل بعينها، لأنها أحياناً تكون أبلغ مما يكتبه المعلقون والمحللون السياسيون المحترفون، وعلى سبيل المثال تلك الرسالة التى تلقيتها عبر بريدى الإليكترونى من القارئ «محمد خلف»، والتى تطرق فيها لملحوظات مهمة ورغم حساسيتها لكنها تستحق المناقشة، دون توجس من الانزلاق لدائرة التعرض لقضائنا الشامخ، لأن دوافعنا هنا هى الإصلاح، لا التشهير أو المساس بمكانة القضاء لا سمح الله.

وفى رسالته أيضاً تحدث الأخ خلف عما اعتبره «مخالفات دستورية» من جانب المستشار عادل عبدالحميد رئيس محكمة النقض، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، خلال كلمته أمام كبار رجال الدولة ومئات القضاة أثناء زيارة الرئيس مبارك، إذ استهل كلمته بتلاوة آيات من القرآن الكريم، وهو ما رآه القارئ مخالفة للمادة الأولى من الدستور التى تنص على المواطنة، والمادة الأربعين التى تؤكد المساواة،

كما اعتبره تجاوزاً لصفته كرئيس لمجلس القضاء الذى يضم فى صفوفه قضاة مسيحيين، فضلاً عن أن الاحتفال بيوبيله الفضى ليس مناسبة دينية، وهنا يتساءل القارئ محقاً عما سيكون عليه رد الفعل لو كان رئيس المجلس مسيحيا واستهل خطابة بتلاوة آيات من الكتاب المقدس،وهل كان الأمر سيمر ببساطة؟

ومادمنا دخلنا «عش الدبابير» دعونا نرصد مشهداً آخر يستحق المراجعة، ففى حوار الزميل محمود مسلم مع المستشار عبدالحميد فى برنامجه «منتهى السياسة» اعترف بأن مجلس القضاء يمنح أولوية لأبناء المستشارين فى الاختيار، مجاهرا بذلك بمخالفة الدستور الذى لا يفرق بين ابن المستشار وابن الجناينى.

وحين سئل المستشار عبدالحميد عما إذا كان يؤيد حظر النشر حول وقائع فساد أو خروج عن القانون ربما يتورط فيها بعض القضاة، رد بالإيجاب، متعللاً بالحفاظ على سمعة القضاء، لكنه أيضاً بهذا يخالف المادة ٤٧ من الدستور التى تؤكد حرية التعبير، كما ينسف آلية النقد الذاتى كضمان لسلامة أداء المؤسسات الوطنية، ويخالف المواثيق والاتفاقات الدولية التى وقعت عليها مصر، وفى صدارتها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، الذى يؤكد حرية الرأى والتعبير وحق المعرفة.

لا تنتهى التساؤلات المشروعة، ولا نتوقع أن نتلقى إجابات صريحة مباشرة، بل ربما انفعل أحدهم معتبراً أن مجرد طرح تساؤلات من هذا النوع، يشكل مساساً بالقضاء، ويأمر باستدعائنا للتحقيق، ربنا يستر.

اجمالي القراءات 10043