دروس من حملة أوباما: فرصة الخلاص من الاستبداد والفساد

سعد الدين ابراهيم في السبت ٠٢ - يناير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

من عشرات القرّاء الذين علّقوا على مقالنا الأخير (٢٦/١٢/٢٠٠٩)، كان هناك من أرادوا التخفيف علىّ من زحف خريف العُمر، ومنهم القارئة الإسكندرانية أمل علوى، التى أصرّت على أن الشباب هو شباب القلب... مع رجاء الاستمرار فى التطلع المتفائل للمستقبل، رغم ما يمر بالإنسان من أهوال وأحزان... وشاركها فى هذه المشاعر الإيجابية مُعظم من تفضلوا بالتعليق، فلها ولهم الشكر الجزيل.

وكان هناك آخرون توجّ&Oacutّسوا من أن يضيق صدرى بما يكتبه بعض القرّاء... ورجاءاتهم الرقيقة أن أتحمل، وأن أكون أكثر صبراً. ولهؤلاء، أطمئنهم بأن حبال صبرى طويلة، وحين يدخل إنسان السجن، فإنه لا بد أن يتعلم الصبر... حيث يكف تدريجياً عن النظر فى ساعة يده، ثم فى مُفكرته على فرض سماح إدارة السجن له بالاحتفاظ بساعته ومُفكرته.. ويتوقف الزمن بالنسبة للسجين، حيث الرتابة والمَلَل فى البداية، ثم تفقد هاتان الكلمتان معناهما تماماً بعد حين!

وهناك من اعتقد من القرّاء أننى كنت أسخر من «الإسلاميين» أو «القوميين»، باستخدام كلمتى «إسلامجى» و«قومجى»... ولم يكن ذلك قصدى على الإطلاق... وإنما استخدمت الكلمتين للدلالة فقط على من يُزايدون على غيرهم باسم «الإسلام»، «فيُكفّرون» أو «يُخوّنون» من يختلف معهم، لا فقط فى «الأصول»، ولكن حتى فى «الفروع»، وفى «الشعاب». وبالمناسبة، فقد مرّ معظم أبناء جيلى بمراحل غلوّ مُماثلة للإسلامجية والقومجية... ولا يعنى النضج السياسى تنكراً للدين أو القومية أو الوطنية. ولكنه يعنى فقط تجاوز درجات الغلوّ أو التطرف المُصاحب لمرحلة المُراهقة الفكرية فى غالب الأحوال، لذلك لزم التنويه.

أما ما أريد التركيز عليه هذا الأسبوع فهو دعوة لكل من كتبوا إلىّ خلال الشهر الأخير، مؤيدين ترشيح د.محمد البرادعى لمنصب الرئاسة فى مصر، أن يبدأوا فى تنظيم أنفسهم، لكى يكونوا جزءاً، لا فقط من «حملة انتخابية» بالمعنى الفنى الضيق للكلمة، ولكن من «حركة اجتماعية أكبر»، لتغيير مصر إلى «مجتمع ديمقراطى»، وليكن لهم فى تجربة باراك أوباما الأمريكية، أسوة حسنة.

فما أهم معالم وخصائص تجربة أوباما؟ وهل هناك أوجه شبه تُذكر بين تجربة فى مجتمع متقدم مثل أمريكا، وآخر مُتعثر مثل مصر؟

وبداية، فإن أهم وجه شبه، هو أن أوباما والبرادعى يأتيان من «خارج الصندوق» المُعتاد لتخريج الرؤساء، ففى حالة أوباما، كان هو أول زنجى (أسود) يجرؤ على التطلع لمنصب الرئاسة الأمريكية، ثم إنه ذو أصول مسلمة، وهو أيضاً أمر غير مسبوق فى الولايات المتحدة، وبهذا المعنى نستخدم تعبير من خارج الصندوق (out of the Box). والصندوق المصرى منذ يوليو ١٩٥٢، هو صندوق «عسكرى»، ومنذ ١٩٧٧ (تاريخ عودة التعددية الحزبية) هو صندوق «الحزب الوطنى». ومحمد البرادعى ليس من هذا، ولا من ذاك، ومن ثم ليس له نفس الميزات التى تتوفر «لأصحاب الصندوق». ولكن يعوض ذلك أنه أيضاً لم يتلوث بكل تراكمات نصف قرن من الآفات والجراثيم التى تعفّنت فى ذلك الصندوق، لذلك كان من أهم ما قيل عن باراك أوباما فى الشهور الأولى للحديث عن ترشيحه، هو أنه «وجه جديد طازج» (anew fresh face) وهو ما ينطبق على محمد البرادعى أيضاً.

وكانت هذه الطزاجة، فى حالة أوباما، هى ما جذب إلى حملته ملايين الشباب الأمريكى، مُبكراً، وقبل بداية موسم الترشيحات بعام كامل.

وحينما فاز أوباما فى أول سباق تمهيدى ضد هيلارى كلينتون وغيرها من الوجوه المعروفة، قال الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون فى تفسير خسارة زوجته، «إنها لم تكن فى سباق عادى ضد مُرشح آخر، ولكنها كانت فى سباق ضد حركة اجتماعية»!

وحينما تأكد ذلك له ولزوجته بعد ثانى خسارة، انسحبت هيلارى تماماً من السباق، ورمت بثقلها خلف باراك أوباما، فى بقية الحملة الانتخابية، حيث فاز بكرسى الرئاسة، واختارها أوباما وزيرة للخارجية، وهو ثالث أهم منصب سياسى فى النظام الأمريكى.

إن الشباب الأمريكى استخدموا طاقاتهم ومهاراتهم الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية، والفيس بوك، فى حركة اجتماعية، غير مسبوقة منذ ستينيات القرن العشرين، وأطلقوا عليها «امضِ إلى الأمام» (move on)، لا فقط تأييداً لأوباما، ولكن أيضاً «لتغيير واشنطن»، وجعلها أكثر استجابة لحاجات المحرومين داخل أمريكا، وأكثر حماية للبيئة الكونية، ولم تنفضّ تلك الحركة الاجتماعية بانتخاب باراك أوباما، بل استمرت لمراقبته ومُحاسبته معنوياً... وفى يدها بالطبع سلاح الانتخابات التالية، وهكذا، إلى جانب مجلسى الشيوخ والنواب والمحكمة العُليا، التى لا بد لأى رئيس أمريكى أن يعمل لها حسابات، وهناك تلك الحركة الشبابية (امضِ إلى الأمام) التى لا بد لأوباما أن يحتفظ بثقتها وتأييدها، إذا ما كان يأمل الفوز بولاية ثانية.

إن أقرب مثل لحركة «امضِ إلى الأمام» الأمريكية فى السياق المصرى هو حركة «كفاية»، التى سبقت امضِ إلى الأمام بأربع سنوات.

ولا أدرى (وأنا خارج مصر) ما إذا كانت حركة «كفاية» قد أعلنت تأييدها لترشيح د. البرادعى من عدمه، إلى تاريخ كتابة هذا المقال (٢٨/١٢/٢٠٠٩). فإذا لم تكن قد فعلت، فأرجو أن تفعل، أو أن تبدأ غيرها حركة جماهيرية مُشابهة، لا فقط من أجل البرادعى، ولكن من أجل تغيير مصر، إلى مجتمع ديمقراطى مدنى مفتوح. فهذه هى الفرصة التاريخية السانحة لذلك. وما البرادعى إلا عنوان لها.

إن مٌطالبتى بتعديل الدستور وبانتخابات رئاسية تنافسية وسجنى (٢٠٠٠-٢٠٠٤) وتعديل الدستور فعلاً (٢٠٠٥)، وظهور حركة كفاية، وترشيح أيمن نور، وسجنه (٢٠٠٥-٢٠٠٨) هى كلها معالم على طريق الخلاص لمصر المحروسة، ويجىء احتمال ترشيح محمد البرادعى علامة فارقة على نفس هذا الطريق، فعلى شباب مصر، سواء من خلال حركة كفاية، أو من خارجها وبدونها، أن يهبوا لتغيير مصر:

أولاً، جمع توقيعات، وتنظيم مسيرات سلمية لمجلس الشعب، لطرح المواد ٧٦ و٧٧ و٨٨ للتعديل، بحيث يحق لكل مصرى له حق التصويت أن يكون له حق الترشيح للمجالس المُنتخبة ولرئاسة الجمهورية أيضاً، فهذا الأخير ليس بالضرورة أهم أو أفضل ممن يُسنّون القوانين لعموم الناس.

ثانياً، أن يتم تعديل تلك المواد، أو صياغة دستور عصرى جديد، وعلى الحركة الاجتماعية المرجوة، أن تجمع من التوقيعات، أو مُطالبة الأحزاب ذات الحق فى الترشيح، بأن تدفع باسم د. محمد البرادعى، كمرُشح عن واحد أو أكثر منها، حتى لو أصرّ هو على الاحتفاظ بصفته المُستقلة.

ثالثاً، أن تستمر هذه الحملة «الحركة» فى دعم المُرشح البديل لآل مُبارك سواء كان حسنى مُبارك نفسه، أو أحد نجليه، أو عُمر سليمان، أو من شابههم. فالمهم أن تكون هناك مُنافسة حقيقية. وهذا هو المعنى الذى تطرقنا إليه فى مقالين سابقين حول «عودة السياسة إلى الحياة المصرية المُعاصرة». وعلى القارئ العادى لهذا المقال، خاصة من هواة كُرة القدم، أن يتصور الدورى المصرى، بدون أحد النوادى الكبيرة، مثل الأهلى، أو الزمالك، أو الإسماعيلى، مثلاً، إنه سيكون فى تلك الحالة، «دورى» مُملاً، لا طعم له، ولا إثارة فيه، وسينصرف عنه مُعظم الناس، وهذا بالمُناسبة هو سبب انصراف مُعظم الناخبين عن المُشاركة فى الانتخابات، التى وصلت إلى أدنى مُستوياتها عام ٢٠٠٥، حيث لم تتجاوز النسبة ٢٣%، بينما ظل ثلاثة أرباع الناخبين فى حالة مُقاطعة لما يعتبرونه مهزلة عبثية سياسية!

رابعاً، إن ما ندعو إليه أعلاه، ليس بدعة لا فى حياة المجتمعات الحية، ولا فى مجتمعنا المصرى نفسه. فهكذا بدأت ثورة ١٩١٩، بحملة توقيعات وتوكيلات مليونية لسعد زغلول ورفاقه، للحديث باسم الشعب المصرى، والمُطالبة باستقلال مصر، فى مؤتمر فرساى، الذى انعقد صبيحة الحرب العالمية الأولى (١٩١٩). وليس الجيل المصرى المُعاصر بأقل من أسلافه قبل ثمانين عاماً، بل لديه من التعليم والوسائل الاتصالية، ما لم يتوفر لجيل أجداده، الذين استخدموا القطارات وظهور الخيل والبغال والجمال والحمير، للتجوال فى كل أرجاء مصر لجمع تلك التوقيعات التوكيلات.

فهبوا، وانهضوا، وتحركوا، يا أبناء مصر، قبل أن تضيع هذه الفرصة السانحة.

اللهم قد بلغت اللهم فاشهد

اجمالي القراءات 9736