حقوق الإنسان فى العالم العربى

مجدي خليل في الإثنين ٢٨ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

صدر منذ أيام التقرير الثانى عن حقوق الإنسان فى العالم العربى عن عام 2009 الذى يصدره مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بعنوان "واحة الإفلات من المحاسبة والعقاب"، وحسنا إنه تم إهداء التقرير إلى روح الدكتور محمد السيد سعيد أحد رواد الدفاع عن حقوق الإنسان فى المنطقة. وقد تصدر التقرير اقتباسا معبرا عن حالة الإنسان العربى من رواية " ذاكرة الجسد" للأديبة الجزائرية أحلام مستغانمى يقول " يقضى الإنسان سنوات عمره فى تعلم النطق، وتقضى الأنظمة العربية &Ege; بقية عمره فى تعليمه الصمت".
يقدم التقرير صورة بانورامية محزنة ومتشائمة عن حالة حقوق الإنسان فى المنطقة، ورغم قتامة الصورة فأنها أقل بكثير من الواقع المعاش.
وكما جاء فى التقرير يمثل النظام السوداني أكثر النماذج فجاجة في الاستخفاف باستحقاقات العدالة وتكريس الإفلات من العقاب عن جرائم الحرب في دارفور. ليس فقط برفضه المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، بل أيضا بإقدامه على معاقبة الرافضين لنهج الإفلات من العقاب، بالسجن والتعذيب وإغلاق المنظمات الحقوقية، علاوة على مواصلته لأعمال العقاب الجماعي بحق سكان دارفور.وبالفعل يحتاج السودان إلى معجزة أخرى للإفلات من حرب اهلية دموية جديدة بين شماله وجنوبه بعد أصرار نظام البشير على التلاعب بالتزاماته الدولية وفقا لاتفاق "نيفاشا" كان أخرها القانون الصادر يوم 22 ديسمبر 2009 والذى يقوض إجراء استفتاء حقيقى فى الجنوب عام 2011 ويفتح الباب واسعا لتزوير هذا الاستفتاء من قبل نظام البشير بعد أن حسمت التوقعات رغبة الجنوبيين الأكيدة فى الأنفصال عن الشمال، خاصة بعد التصريحات المتوالية للعديد من القادة الجنوبيين بأن قبولهم بالأوضاع الحالية معناه قبولهم بوضع دائم كمواطنيين من الدرجة الثانية، وربما تعود الحماية التى تصبغها الدول العربية والإسلامية لمجرم كالبشير هى من قبل الأحتفاظ به ليقود حربا إجرامية أخرى ضد الجنوب لمنع تحقيق رغبة سكانه بالإنفصال.
تمثل اليمن حالة أخرى شديدة البؤس فى المنطقة العربية حيث الفساد المستشرى والترتيبات لتوريث الحكم فى الوقت الذى كادت اليمن أن تتحول إلى مقر رئيسى لتنظيم القاعدة، مع حروب وتمرادات أهلية فى صعدة وفى الجنوب مما ينقل اليمن من خانة الدول الفاشلة إلى الدول الفاشلة الخطرة، وربما تتفتت إلى عدة دول فى المستقبل القريب.
في السعودية، لاحظ التقرير أن الخطابات الملكية الداعية للتسامح الديني والحوار بين الأديان في الخارج، لم تنعكس داخل البلاد، حيث يواصل جهاز الشرطة الدينية ممارساته في تقييد الحريات الشخصية، وتتواصل الضغوط على الحريات الدينية، وحيث يستمر التمييز المنهجي على أسس مذهبية ضد الشيعة. كما ظلت سياسات مكافحة الإرهاب تكرس الاعتقال التعسفي طويل الأمد، والتعذيب حتى بحق نشطاء سياسيين يطالبون بتبني بعض الإصلاحات.
على أن سوريا كما جاء فى التقرير، والتي دخلت فيها حالة الطوارئ عامها السابع والأربعين، ظلت تتمتع بمكانتها المتميزة في الإجهاز على جميع صور المعارضة والحراك السياسي، والمظاهر المحدودة للتعبير المستقل، وفي قمع حراك الأقلية الكردية في مواجهة سياسات التمييز المنهجي ضدها، وتوجيه ضربات متلاحقة لمدافعي حقوق الإنسان. وقد وجدت أبرز تجلياتها في اعتقال ومحاكمة مهند الحسني رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان، وإحالة محاميه هيثم المالح –الرئيس السابق "للجمعية السورية لحقوق الإنسان"- لمحاكمة عسكرية، وإغلاق مقر "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير"، والاحتفاظ داخل السجون بالعشرات من سجناء الرأي والمطالبين بالديمقراطية.
في البحرين يرصد التقرير اقتران التمييز المنهجي المتواصل ضد الأغلبية الشيعية بتوترات متزايدة داخل المملكة، ومزيد من الممارسات القمعية لحرية التعبير والتجمع السلمي، وبات المدافعون عن حقوق الإنسان أهدافا متزايدة للاعتقال والمحاكمات وحملات التشهير الإعلامي. وامتد الأمر إلى حد السعي لملاحقتهم وترهيب بعضهم داخل بعض البلدان الأوروبية.
يظل لبنان دائما من الدول المرشحة للفوضى، فعلى الرغم من تباعد شبح الحرب الأهلية التي كانت وشيكة في العام الماضي، إلا أنه ظل يعاني من حالة ازدواج السلطة في ظل القدرات العسكرية التي يتمتع بها تحالف المعارضة بقيادة "حزب الله"، وهو ما أفضى إلى حالة من الشلل للمؤسسات الدستورية، استمرت لأشهر طويلة، عجزت خلالها الأغلبية الفائزة في الانتخابات النيابية عن تشكيل الحكومة. وحتى بعد تشكيلها، فإن توازنات القوى "العسكرية" بين الحكومة والمعارضة، لن تسمح باتخاذ إجراءات جادة تضمن خضوع جميع الأطراف للقانون، وتؤمن كشف الحقيقة والمساءلة عن سلسلة من الجرائم والانتهاكات التي عايشها اللبنانيين عبر سنوات غير قليلة.

أما مصر فقد نجح التقرير فى اختزال ما يجرى بها فى عنوانه عن حالة مصر " مؤشرات الزواج بين الدولة البوليسية والدينية"، فنحن بالفعل أمام حالة زواج نفعي بين الدول البوليسية المتوحشة والدولة الدينية المتخلفة، ومظاهر هذا الزواج واضحة للعيان فى كافة مناحى الحياة المصرية ولعل أبرز ملامح هذا الزواج بادية الوضوح فى الملف القبطى، فكما يقول التقرير "صار من مهام وزارة الداخلية مطاردة الأقباط الذين يصلون فى منازلهم نظرا لعدم السماح لهم باقامة كنائس للتعبد فيها...بل وتجاوبت أجهزة الأمن مع هذه الأعتداءات بدلا من توقيف مرتكبيها"،أى أننا امام حالة مزرية من نتائج هذا الزواج بين الدولة البوليسية والدينية، فالأمن بنفسه يهاجم الأقباط بدلا من تأمين اماكن عبادتهم وفى نفس الوقت يحرض ويشجع الغوغاء على مهاجمتهم بدلا من القبض على هؤلاء وتقديمهم للمحاكمة. وكان من نتيجة ذلك امتداد العنف ضد الأقباط إلى عشر محافظات خلال عام 2009 وهى:القاهرة والجيزة وبنى سويف والمنيا وقنا والقليوبية والشرقية والغربية والدقهلية والاسكندرية،ومما يزيد الطين بلة أن الأمن يقوم بإعتقال إدارى للأقباط لإجبارهم على التنازل عن حقوقهم والقبول بالصلح.
من ملامح الدولة البوليسية فى مصر وجود 13 وفاة ي رجح وقوعها نتيجة للتعذيب بمراكز الأحتجاز المختلفة أو نتيجة لإستخدام الأعيرة النارية فى تعقب مطلوبين فى جرائم، وخلال نفس الفترة قام حرس الحدود بقتل 26 مهاجر غير شرعى كانوا فى طريقهم إلى إسرائيل. تتبدى ملامح الدولة البوليسية الدينية على وجه الخصوص في استخدام قانون الطوارئ على نطاق واسع في قمع حرية التعبير، وعلى الأخص في اعتقال واختطاف المدونين. كما أن اكتساء الدولة البوليسية بشكل متزايد بسمات دينية، قد فاقم من الضغوط على الحريات الدينية، وأدى لاستشراء العنف الطائفي، كماً ونوعاً، بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث.
 وللعام الثانى على التوالى يرصد التقرير محاولات الدول العربية والإسلامية لتقويض النظام الدولى لحقوق الإنسان الذى ترعاه هيئات الأمم المتحدة المعنية بالعمل على تخريب نظام المحاسبة والمساءلة الدولية وكما يقول التقرير "بالتوازي مع الانتهاكات الجسيمة، وتسييد نهج الإفلات من المساءلة والعقاب داخل البلدان العربية، لا يبدو غريبا ما يرصده التقرير داخل هيئات الأمم المتحدة من تنسيق وعمل متناغم بين مختلف الحكومات العربية، وبالتعاون مع الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي، من أجل تقويض النظام الدولي لحماية حقوق الإنسان، وإفراغه من أي مضامين تسمح بمساءلة الحكومات، أو تضمن مراقبة وتقييم أدائها بصورة جادة في مضمار حقوق الإنسان، وهو ما وجد تعبيره على وجه الخصوص في الهجوم واسع النطاق على نظام المقررين الخواص، والمنظمات غير الحكومية، ومحاولات محمومة لتقنين تقييد حرية التعبير بمزاعم منع ازدراء الأديان".
رغم وجود بعض اوجه القصور فى التقرير ابرزها اعتماده على الكتابات المنشورة فى الصحف ومن مراكز حقوقية أخرى بديلا عن الرصد الميدانى وتلقى الشكاوى مباشرة، إلا أنه يغطى نقصا حادا فى وجود تقارير موثقة عن حالة حقوق الإنسان فى المنطقة العربية، ونأمل فى التقارير القادمة أن يتلافى وجوه القصور هذه ويتوسع فى رصد الانتهاكات حتى يصبح مرآة تعكس حالة حقوق الإنسان فى المنطقة العربية.

 

اجمالي القراءات 12185