مؤتمر القمة العربي للتوريث!

محمد عبد المجيد في الأربعاء ٢٨ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

لم يمر يومان حتى تلقى زعيمٌ عربي موافقة زملائِه القادة العرب على عقد جلسة استثنائية وعاجلة لبحث تثبيت وراثة العرش.
جلس الرئيس بشارُ الأسد مبتسماً ومتفاخراً، ونظر إلى زملائه قائلا: المفترض أنْ أكون أنا رئيسَ الجلسة فقد ضرب مجلسُ الشعبِ في دمشق المثلَ في كيفية استغفال شعبنا العظيم، وقام بتغيير الدستور في أربع عشرة دقيقة، وأصبحتُ بعدها الأسدَ الابنَ وريثَ الأسدِ الأب!
ثم نظر إلى يساره حيث يجلس الرئيسُ المصري وقال متهكماً: مصرُ ليست سوريا، سيدي الرئيس، كما قلتَ أنت من قبل، ولكنني واثق بأنَّ استحمارَ المصريين في توريث ابنك جمال سيكون أكثرَ فضيحة من استجحاش السوريين في وراثتي عرين الأسد!
كان الرئيس مبارك مشغولا في تهدئة نظيره اليمني الذي كان يبكي من شدة قلقه أن يرث أحمد علي عبد الله صالح نصف اليمن الموحد إذا تمكن العدنيون من الانفصال بجنوبهم عن سطوة موحد اليمنين.
انتفض الرئيس قائلا: لقد قضيت ثمانية وعشرين عاماً حكمت خلالها جمهورية سبأ بالقات وبالسجون، وعلى مرأى من العالم كله أقسمت أنني لن أجدد لولاية جديدة، ثم فجأة، وبعدما ظن الساذجون بي خيراً، تملكتني شهوة السلطة فملكت عليَّ كياني كله، وطردت من ذهني كابوساً أفزعني وهو أن يحكم اليمنَ رجلٌ لم يكن من صُلبي قبل أن يكون نطفة فعلقة فمضغة حتى لو أبلغ هدهدٌ كل منظمات حقوق الإنسان بأنه وجد من دونهم رجلاً يعبدونه من دون الله وهم يُخزّنون السمومَ الخضراء!
ضج المكانُ بضحكة مجلجلة أطلقها قائد ثورة الفاتح من سبتمبر، ثم نظر إلى سقف القاعة، فابتسم الحاضرون، وتوقع الجميع أن ينسحب العقيد احتجاجاً على منافسته في سلخ ظهور شعبه، ثم قال: أما أنا فحالة فريدة من استغباء شعبي، ولو قمت ببيع الليبيين إلى أثرياء مالطا، ثم ألقيت بالباقي في خليج سرت فإن من يبقون أحياءً من أحفاد عمر المختار سيخرجون إلى الشوارع مهللين بالقرار التاريخي.
عندما طلبت من القيادات الشعبية أن تقوم بتعيين ابني سيف الإسلام في منصبٍ لا يخضع للمساءلة، ولا يتقيد بسنوات محددة، لم تمر أيامٌ حتى قرر الليبيون وضعَ رؤوسهم تحت حذائه، واصبح المنسقَ العامَ، ورسميا وجماهيرياً أصبح القائدَ الشابَّ، فأولادنا سيمنعون أي محاكمات شعبية لجرائمنا حتى تختفي صورتنا الدراكيولية خلف ذاكرة شعبية أوهن من خيوط العنكبوت.
قاطعه الرئيس مبارك قائلا: من غير العدل مقارنة أحدكم بحالتي، فأنا أحكم أمَّ الدنيا ومنبع الحضارات وثمانين مليوناً يحرسهم النهر الخالد.
إنني مريض، واستجمع أفكاري بصعوبة بالغة، وقضيت على كل محاولة لأي شخصية مصرية ترفع رأسها، فمقعدي في القصر الجمهوري محجوز منذ أكثر من ربع قرن لابني جمال، وسيركب فوق ظهر المصريين وهم يتضاحكون، ويلقون النكات، ويحصون مرضاهم في عهدي الذي لم يترك جسدا مصرياً إلا عاث فيه فساداً، وعلى الرغم من أن جمال هو الحاكم الفعلي لمصر منذ أكثر من ثلاث سنوات، ويترأس مجلس الوزراء، ويقرر سياسة الدولة والاعلام والاقتصاد والحزب الحاكم إلا أن أحفاد الفراعنة لو اضطروا للاختيار بين هزيمتهم أمام الفريق الجزائري وبين حريق جديد للقاهرة يشعله الرئيس الشاب فإنهم لن يترددوا في اختيار الأخير، فكرامة المصري ليست مهانة إن قام ضابط شرطة بتعليقه من قدميه في سقف مكتبه، لكنها ثأر قومي يجمع الفراعنة إن تمكن جزائري من ادخال كرة بين خشبتين أمام جماهير تنفجر أجهزتها العصبية، وتتكسر حبالها الصوتية في الملاعب الخضراء!
إنهم يطرحون أحمق سؤال لو سمعه نزلاء مصحة نفسية لظنوا بصاحبه خبلا وهلوسات: هل سيرث جمالُ عرشَ أبيه، رغم أنه سيّدُ القصر الجديد أمام أعينهم؟
بلكنة بريطانية مُعَرّبة، وبلسان عربي أوكسفوردي قال عبد الله الثاني: لقد تم اقناع والدي، رحمه الله، في الوقت الضائع بين الحياة والموت أن يقوم بتعييني ولياً للعهد بعدما ظن عمي الحسن بن طلال أنه وريث عرش الهاشميين، وعاد الحسين وهو يتوكأ على عصاه وبصحبته عزرائيل بعدما منحني بركاته، ثم قفل عائدا إلى المستشفى الأمريكي.
ولم أغير شيئا واحداً فسجون الراحل الكبير ومعتقلاته وأجهزة استخباراته في يدٍ أمينة، ويمكن للاسرائيليين أن يضعوا بطيخة صيفي في بطونهم، فنصف سكان بلدي فلسطينيون تعلموا من آبائهم أن سبتمبر الأسود لم ينته بعد، وأن تلامذة جلوب باشا لا يمزحون، ولو تهدد أمننا أو أمن إسرائيل فالقبضة الهاشمية يمكن أن تجعل من المملكة كلها امتداداً لمعتقل الجفرة، فتصبح اسوارُه حدودَنا مع أبناء العم.
لن تكون هناك مشاكل في التوريث ويمكن أن أختار ولياً جديدا للعرش قبل صعود روحي بربع ساعة، وهذا يتوقف على رغبة الجنس الناعم .. أعني سيدة القصر!
اعتدل الملك محمد السادس في جلسته فظهرت بدلته الأنيقة كأن مُصَمّمها وضع عليها اللمسات الأخيرة قبيل بدء الجلسة!
قال بصوت خفيض: أما أنا فقد ورثت عرش الأشراف! صحيح أنني تسلمت الحُكمَ من واحد من أكبر طغاة العصر إلا أنني لم أرث سيئاته وقسوته وغلظته واحتقارَه لشعبه.
إنني واحد من أكثر الحكام العرب قرباً لشعبه، وقد تحسن الوضع في عهدي، وتنفس الشعب بعدما داس والدي على صدورهم لأربعين عاماً.
ثم أكمل محمد السادس قائلا: لو خرجنا جميعاً، الزعماء العرب ووزراء الدفاع والداخلية، ثم حاولنا العودة إلى بلادنا مرة أخرى فأقسم لكم بأن شعوبنا لن تقبل منا أكثر من أربعة زعماء ، وأنا منهم، وسيبقى الآخرون في المنافي ما بقي لهم من أعمار!
بدا جلال الطالباني مستاءً من هذا الحديث، ورفع يده طالبا الحديث، ثم أخذ نفساً عميقا ليخفي صحته المعتلة، وحملق في وجوه زملائه الزعماء العرب محاولا إحصاء عدد المرضى منهم، ثم اتسعت ابتسامته فقد وجد منهم تسعة يقف خلف كل واحد ملك الموت في وضع الاستعداد لقبض روحه!
قال الرئيس العراقي: أما نحن فلا نكترث للوراثة لأن سيدنا الأسمر في البيت الأبيض لديه صندوق يحتوي على حيوانات منوية تم تجهيزها في المنطقة الخضراء لاختيار وارثي عرش الرافدين، وسيتم تحديد مذهبه الطائفي لاحقاً، فقد انتهى زمن تقاسَم فيه عُديّ وقصيّ حُلمَ وراثة العراق ، وأصبح الزعماء إما متعاونين سابقين مع السي آي إيه، أو لصوص بنوك أردنية، أو لورانسيين عرباً صنعهم الحلمُ الأمريكي.
نظر الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الناحية الأخرى خشية أن تلتقي عيناه بعيني ملك ملوك أفريقيا وإمام المسلمين ورسول الصحراء ثم قال: أما نحن فليست لدينا أي مشكلة، وهناك عشرة آلاف أمير من بينهم أقل من خمسين ينتظرون دورهم في مملكة المؤسس الأكبر، ويحلم كل منهم بلقب خادم الحرمين الشريفين!
صحيح أن ولي العهد يقيم في المنطقة الفاصلة بين البرزخ ومشفاه في مملكة الأشراف، وأن ابنه الأمير بندر كان الأقرب لأن يصبح الملك قبل أن يشي به آخرون، فالوشاة في عالمنا العربي أكثر عددا من المستشارين وصفوفهم تمتد من القصر إلى صاحبة الجلالة السلطة الرابعة، والجيل الشاب لا يصدق أن حقوقه في العرش تعَجّل في الحصول عليها اعتلالُ صحة أي مَلك أو اقترابه من العقد التاسع من عمره، لكن الأيام القادمة حُبلىَ بالمفاجآت، والكلمة الأخيرة للمؤسسة الدينية.
إن ستة من كبار أبناء عبد العزيز يقفون في وضع الاستنفار للحصول على لقب خادم الحرمين الشريفين أو ولي العهد الأمين أو النائب الثاني.
لم ينتبه الكثيرون لضحكة قادمة من أقصى القاعة وكانت للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتوجهت أنظار الزعماء العرب إليه فقال وهو يضغط على مخارج الحروف خشية أن يظن به زملاؤه صعوبة فرنسية في لسانه العربي رغم أنه تلميذ هواري بومدين: لقد أخترت أنْ لا يكون وريثي من صُلبي، ولا أدري حتى الآن عدد مرات تجديد ولايتي فقد استجبت لنصيحة أخي الرئيس مبارك عكس ما فعله الرئيس بوتين الذي انحاز للديمقراطية رغم أنه حفيد البلاشفة.
إنني أفكر جدياً في أن يرثني أخي الأصغر سعيد بوتفليقة على طريقة فيديل وراؤول كاسترو، ولن يغضب الجزائريون فغضب أبناء شعب المليون ونصف الميلون شهيد محجوز لمباريات كرة القدم.
ظهرت علىَ محيّا الرئيس اللبناني ابتسامة هادئة تنم عن فخر ببلده الصغير وقال: الحمد لله أن هذه آخر اهتماماتي فكل لبناني هو زعيم حتى لو قضى رئيس الوزراء المكلف أربعة أشهر في البحث عن لبنانيين يبحثون عن أدوار أكبر منهم.
الوراثة لدينا ليست في قصر بعبدا لكنها في الجبل وفي الحزب وفي الطائفة وفي المسجد وفي الكنيسة وفي الفن وحتى الشحرورة زعيمة، وكل لبناني يغني بحبك يا لبنان ولو كان متهماً بقتل رئيس الوزراء.
وراثة الزعامة في لبنان تحددها أجهزة الاستخبارات العربية والغربية والايرانية والأمريكية، والعالم كله يتحارب على أرض هذا البلد الصغير.
رفع الرئيس التونسي يده اليسرى طالبا بأدب جَمٍّ الحديث، فاشار إليه رئيس الجلسة بالموافقة.
قال زين العابدين بن علي: ولاية خامسة قررت أن أحدد نتائجها مسبقا بنسبة تسعين بالمئة لأترك فسحة من المناورة ليؤكد المتزلفون لي أن ديمقراطيتنا غربية الهوى ولو قامت في بلد أبي القاسم الشابي، وتعرفون أنني قمت بتغيير الدستور عام 2002 حتى أحصل على 12 عاماً إضافية ليتحدد المشهد التوريثي بوضوح، وحتى هذه اللحظة فإنني اخترت صخر الماطري زوج ابنتي ليكون وريثي، فالمهم أن عائلتي تظل فوق رؤوس هؤلاء العبيد الذين أتحكم في رقابهم، لكن المشهد الخفي هو أن حرمي المصون  السيدة ليلى هي الحاكم الفعلي للبلاد، وكبار رجال الدولة يصغرون أمامها فلا تراهم العين المجردة من قوة سطوتها وخنوعهم.
ورفع زعماء آخرون أيديهم طالبين الحديث عن التوريث للاشتراك لاحقا في تحويل الوطن العربي الكبير إلى عزبة، وتحريم وصول أي شخص لا ينتمي للأشراف والسادة إلى سدة الحكم، وسيصدر قرار ملزم لاحقاً يطالب رجال الدين الاسلامي والمسيحي والمثقفين والاعلاميين والحزبيين وأعضاء مجالس التصفيق الشعبية بأن يعثروا في الكتب المقدسة والدساتير والضمائر الميتة عن صيغة مناسبة لتأصيل العبودية وتقديس الاذلال والتأكيد على أن الله تعالى ربٌ للزعماء وأبنائهم فقط، أما الشعوب العربية فعليها التوجه في صلاتها لسيد القصر!
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو   في 28أكتوبر 2009
 
 
 
 
 
اجمالي القراءات 10513