أوباما ونوبل بين إسرائيل وإيران وفلسطين

سعد الدين ابراهيم في السبت ١٧ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

فوجئ العالم، وفى مقدمته الأمريكيون، بمنح باراك أوباما جائزة نوبل للسلام للعام ٢٠٠٩. وكما قال هو نفسه خلال الساعة الأولى من إعلامه بالخبر، من أنه يشعر بالتواضع، وأن يكون فى صحبة أولئك العمالقة الذين فازوا بها من قبل لإنجازاتهم التى حولت عوالمهم، بينما هو لم يفعل بعد ما يستحق عليه هذا التكريم...»

والرئيس أوباما مُحق تماماً. فهو فعلاً مازال فى «سنة أولى رئاسة»، ولم يُنجز بعد ما يستحق عليه هذه الجائزة الأكثر شُهرة &aeli واحتراماً فى العالم، منذ استحدثها مُخترع «الديناميت» النرويجى نوبل، فى أوائل القرن الماضى. واتفق مُعظم المُعلقين الأمريكيين مع رئيسهم فى تقييمه هو لذاته ولقرار الجائزة ـ أى أنه سابق لأوانه! - بل إن بعض هؤلاء المُعلقين اقترحوا على أوباما أن يشكر لجنة الجائزة، ثم يعتذر عن عدم قبولها فى الوقت الحالي!.

ولكن الذى لا يعرفه الكثيرون، هو أن الجائزة تُمنح أحياناً، لا لإنجازات تمت بالفعل، ولكن لوعود مُنتظرة. وهذا تحديداً ما جاء تلميحاً فى حيثيات لجنة الاختيار. فقد جاء فى هذه الحيثيات أن أوباما أعاد الاعتبار «للدبلوماسية الدولية»، والتى تُعلى من شأن «المفاوضات» على «المواجهات»، فى التعامل مع المشكلات والصراعات العالمية. هذا فضلاً عن أنه، كما قال بعض المُعلقين الأمريكيين، حصل على الجائزة لمُجرد أنه ليس جورج بوش، الذى كان ممجوجاً فى كثير من أنحاء العالم. بما فى ذلك أوروبا عموماً، والبُلدان الإسكندنافية (ومنها النرويج والسويد، بلدا الجائزة) خصوصاً.

وقد كنت حريصاً على معرفة ردود الفعل الإسرائيلية واليهودية، لخبر حصول أوباما على الجائزة. وقد لخصت صحيفة «جويش تربيون JTA» ردود الفعل هذه فى تحليل إخبارى، كتبته ليزلى صوصر (Leslie Susser) من القدس بتاريخ ١٢/١٠/٢٠٠٩. ومُجمل ردود الفعل الإسرائيلية هى عدم الارتياح، فى بعضها، والانزعاج الشديد فى بعضها الآخر، لما يمكن أن يترتب على «إلباس عمامة السلام» للرئيس الأمريكى باراك حسين أوباما.

وأشارت صوصر إلى أن الملفين الإيرانى والفلسطينى تحديداً، يكمنان وراء تلك المخاوف الإسرائيلية. فمن الخطورة على إسرائيل أن يتصرف أوباما فعلاً كرجل سلام يُعطى للمفاوضات أولوية قصوى مع الأطراف المُتصارعة. فإذا فعل ذلك مع إيران، فقد يستغرق الأمر سنوات، بكل ما عُرف عن الإيرانيين من فنون المُراوغة، والكر والفر.

أليسوا هم من اخترعوا لعبة الشطرنج؟ فالإيرانيون، طبقاً لهذا السيناريو، سيقومون بتنازلات شكلية دعائية، تُغرى الدول الغربية بإمكانية الوصول إلى تفاهمات، لا حول المُفاعلات النووية نفسها، والتى تكاثر عددها فى غفلة من الرقابة الدولية، إلى خمسة، مُعظمها تحت الأرض، ولكن فقط إلى الوقود النووى، وما إذا كان مُخصباً من عدمه.

ثم إبداء الاستعداد لإرسال هذه المواد للفحص فى الخارج، على دفعات، مع كل ما يستلزمه ذلك من إجراءات وضمانات السلامة والأمان النوويين... وهو ما يستلزم شهوراً، مع إرسال وعودة كل دفعة... وكل ما تحتاجه إيران، طبقاً للمصادر الإسرائيلية، هو سنتان لإنتاج سلاح نووى، وصواريخ طويلة المدى، لحمل هذا السلاح.

ما يرتبط بهذا الخوف الإسرائيلى هو ما يُعرف فى لعبة الشطرنج بحركة «كِش ملك». ففى نهاية المطاف يُمكن لإيران أن تعرض التنازل عن برنامجها النووى، جملة وتفصيلاً، إذا ما فعلت إسرائيل الشىء نفسه. أى أن إيران ستطلب من أوباما أن تكف بلاده عن «ازدواجية المعايير»، وأن يفى هو نفسه بما كان قد وعد به فى خطابه أمام البرلمان التركى، بالعمل على تأمين منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووى، ونزعه حيثما وُجد.

بل يمكن أن تعرض إيران وضع يدها فى يد الولايات المتحدة والدول الكُبرى الأخرى من أجل هذه «الغاية النبيلة». فإذا تم ذلك فإن شعبية إيران فى العالمين العربى والإسلامى ستتضاعف عدة مرات. وإذا لم تقبل إسرائيل وأمريكا، فإن إيران ستكون فى حِل من الإذعان للضغوط الغربية، وتمضى قدماً فى برنامجها النووى.

إن هذا السيناريو الإيرانى الشديد المُراوغة، والذى ينتهى بـ «كِش ملك»، هو كابوس بالنسبة لإسرائيل. ولا يُخفف من وطأة هذا الكابوس، قيام الولايات المتحدة بمُناورات عسكرية مُشتركة فى صحراء النقب، خلال شهر أكتوبر، وهى الخامسة من نوعها وتسمى «بالحيّة الرقطاء»...

ويتم فيها هذا العام اختبار كفاءة الدروع الصاروخية ضد أى صواريخ هجومية قادمة من قواعد أرضية، أو محمولة جواً أو بحراً، حتى لو كان ما تحمله من مواد نووية لا يزيد حجمه على حجم كُرة القدم، وعلى بُعد ٣.٠٠٠ ميل (٥.٠٠٠ كيلو متر). وسيكون هدف المُناورات هو تأكيد قدرة إسرائيل على إسقاط الصاروخ الإيرانى «شهاب»، فور انطلاقه، وهو لا يزال فى المجال الجوى الإيرانى.

وطبقاً للمصادر الإسرائيلية نفسها، فإن هذه المُناورات هى الأكبر منذ بدأت عام ٢٠٠١، ويُشارك فيها ألف جُندى أمريكى وخمس عشرة باخرة أمريكية فى البحرين الأبيض والأحمر. كما أن عناصر هذه الدروع الصاروخية هى تلك التى كانت مُخصصة لبُلدان شرق أوروبا، قبل أن يُقرر أوباما التخلى عن وضعها هناك، استجابة لاحتجاجات قوية من موسكو، والتى يسعى هو لكسب ودّها وتعاونها تجاه الملف الإيرانى. وقد وعدت الولايات المتحدة إسرائيل أن تترك لها مُعظم هذه المُعدات. وهى بذلك تبعث برسالة مزدوجة رادعة لإيران من ناحية، ومُطمئنة لإسرائيل من ناحية ثانية.

ولكن ذلك كله لا يُرضى إسرائيل بما فيه الكفاية. فهى تريد من أوباما أيضاً أن يكف عن مُعارضته للاستيطان فى الأراضى المُحتلة، وعدم الحديث عن نزع السلاح النووى من المنطقة عموماً بلا استثناء. بتعبير آخر، تريد إسرائيل أن تُحرم إيران وغيرها من امتلاك أى قدرات نووية، لكى تظل هى المُحتكر الوحيد لهذه القدرات. وفى نفس الوقت تريد إسرائيل الاستمرار فى قضم القلة الباقية من الأراضى الفلسطينية، بتوسيع مستوطناتها، بدعوى استيعاب النمو السكانى الطبيعى لسكان تلك المستوطنات.

طبعاً، فى هذه التعبيرات الإسرائيلية عن مخاوفها المُتجددة، بمناسبة حصول أوباما على جائزة نوبل، لا يُعير مسؤولوها أدنى اهتمام لمخاوف أو مطالب الآخرين، فكأن الفلسطينيين، والعرب، والإيرانيين، والمسلمين غير موجودين، وكأنهم بلا مطالب وبلا مخاوف. إن كل ما فعله أوباما إلى الآن هو مُجرد التعبير عن استعداده «للاستماع» لهؤلاء الفلسطينيين والعرب والإيرانيين والمسلمين... مجرد الاستماع، دون وعود قاطعة أو حلول مُلزمة. هو يُريد من الجميع أن يتحاوروا مع الجميع، بدلاً من صراع الجميع مع الجميع.

ولا بأس فى هذا التوجه الأمريكى الأوبامى. فمثله حدث فى عهد الرئيس جيمى كارتر، وأنتج أول وأطول مُعاهدة سلام عربية إسرائيلية (١٩٧٩)، والتى مضى عليها هذا العام ثلاثون سنة، هى نصف أجل الصراع، الذى بدأ دولياً مع الحرب العربية ـ الإسرائيلية الأولى (١٩٤٨-١٩٤٩).

وأوباما يُدرك تماماً أنه ما لم يحدث تقدم فى تسوية الصراع العربى ـ الإسرائيلى، فلن تستطيع بلاده التعامل الفعال مع الملف النووى الإيرانى، أو الملف الأفغانى، أو الملف العراقى. وعنوان التقدم فى الملف الأول والمركزى، هو وقف الاستيطان وتأسيس الدولة الفلسطينية، التى تعترف بإسرائيل وتعترف بها إٍسرائيل، وهى الصيغة المقبولة دولياً (الأمم المتحدة) وعربياً (قمة بيروت ٢٠٠٤). ولكن عقبتى تنفيذها هى المُماطلة الإسرائيلية من ناحية، والتشدد الحمساوى من ناحية أخرى.

ولن يستطيع أوباما، مع كل نواياه الطيبة ورصيده المعنوى الكبير، التغلب على هاتين العقبتين فى الأجل المنظور إلا بالتوجه مُباشرة ومُخاطبة الرأى العام الإسرائيلى والفلسطينى لقبول هذه الحزمة (دولتان متعايشتان مستقلتان، واعتراف جماعى عربى بالدولتين معاً)، ثم الطلب من الاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة والجامعة العربية، الإشراف المُشترك على استفتاء الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى، على هذه المقايضة التاريخية.

ونحن على يقين أن الأغلبية العُظمى من مواطنى الطرفين سيقبلونها. وهو الأمر الذى لا يترك فرصة التلاعب أو المُناورة أو المُزايدة أمام المُتاجرين بالقضية إسرائيلياً وفلسطينياً وعربياً وإسلامياً.

والله أعلم

اجمالي القراءات 9764