من رئيس مصر القادم وما هي آلية إنتقال السلطة ؟

شادي طلعت في الجمعة ١٦ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

زاد الحديث في الفترة الأخيرة عن طبيعة و شكل و هوية الرئيس القادم لمصر فتارة جمال مبارك و تارة عمر سليمان و إبتعدت التوقعات عن أي شخصية من المعارضون ، فأين تكمن الحقيقة التي لا يعلمها إلا الله أما نحن فلا نملك إلا التوقعات و حتى نتوقع يجب علينا أن يكون القياس مبني على أسباب علمية و تاريخية و منطقية و أيضآ يجب الإبتعاد عن أي مجاملات أو رغبات شخصية .

لذلك دعونا نلقي نظرة أولآ على  النظريات المطروحة :

النظرية الأولى / المؤسسة العسكرية و تحديدآ الجيش لن يسمح بأن تذهب السلطة إلى أي شخص لا ينتمي إإليها و بالتالي فهي ستعمل على أن يكون الرئيس عسكريآ !

النظرية الثانية / أن جمال مبارك سيحسم أمر إنتخابات الرئاسة في حياة والده و في الإنتخابات القادمة سيرشحه الحزب الوطني و سيفوز بالرئاسة نظرآ لأنه سيكون الوحيد المقبول شعبيآ ، في ظل غياب معارضين يمنعهم القانون و الدستور من حق الترشيح ، و في ظل مرشحين لا يعرفهم الشعب و لا يختلفون عن المرشحين في انتخابات الرئاسة الماضية .

 النظرية الثالثة / وجود مرحلة إنتقالية ينتقل الحكم فيها إلى أحد السياسين القدامى ثم تجرى بعد ذلك إنتخابات رئاسة الجمهورية و التي قد يرشح الحزب الوطني فيها جمال مبارك .

 

هذه هي النظريات الثلاثة المنطقية في حال إستقرار البلاد في تلك المرحلة الإنتقالية الهامة و الخطيرة و لنحاول رصد كل مرحلة و دراستها دراسة منطقية ، و على أساس ذلك يمكن أن نتوقع كيف ستسير الأمور فيما بعد و لنبدأ بالنظرية الأولى و هي إستيلاء الجيش على الحكم و أقول الجيش و ليس المؤسسة العسكرية حيث أن هناك فارق بين الجيش و الذي يعني الضباط و الجنود اللذين لا زالوا في الخدمة العسكرية ، و بين المؤسسة العسكرية و التي تعني كل من خرج من الجيش و إنتقل إلى أي عمل مدني آخر سواء وزير أو مجلس محلي أو محافظ أو .... إلخ

النظرية الأولى :

بالنسبة إلى إستيلاء الجيش على السلطة الآن أو فيما بعد أرى أنه أمر صعب بل أمر مستحيل ، و أرى أن من يقارن مصر بأي دولة تحدث فيها إنقلابات عسكرية مخطئ جدآ و أراه مخطئ أكثر إذا ما قارن بين فترة يوليو 52 و الفترة الحالية ! فالأمر مختلف تمامآ ، فالجيش المصري وقت جمال عبد الناصر كان محدودآ جدآ و ما تعدى المنطقة المركزية لا يمثل قوة بالنسبة إلى الجيش ! و من أجل ذلك إستطاع شباب الضباط الأحرار السيطرة على الجيش ببضع ضباط تجاوزا 100 ضابط فقط و هو أمر مضحك ! أما الآن نجد أن الجيش يعيش عصرآ ديمقراطيآ حقيقيآ و الديمقراطية تعني عدم بروز أسماء أفراد و إنما تعني العمل المؤسسي من أجل المصلحة العامة ، و حتى أقرب هذا المعنى سأوضح أكثر .. الجيش المصري متفرع تفريعات كثيرة منها الجيش الثاني و الجيش الثالث و المنطقة الشمالية و المنطقة الجنوبية و المنطقة المركزية .. إلخ ، ليس هذا فحسب فهناك قادة الأسلحة و التي منها " المدفعية – الدفاع الجوي – المدرعات – الأسلحة و الذخيرة – القوات الجوية ........ إلخ "

و المفاجأة التي يتناساها البعض هي أن كافة الأسلحة و تقسيمات الجيش تعمل بشكل مترابط ، و لا تستطيع الجزم بأن قائد السلاح أقوى من قائد الجيش ! و العكس صحيح أيضآ و جميعهم بحاجة إلى التعاون مع بعضهم البعض و إلا إختلت الموازين كما أنهم يتبادلون المواقع أيضآ ! من هنا يصبح كافة القادة في نفس القدر المعنوي الذي تكنه لهم القيادات العليا و بالتالي تتحقق الديمقراطية التي ترفع شعار العمل المؤسسي و لا ترفع أي شعارات لأي أفراد ، و لكن ديمقراطية الجيش منقوصة في أمر لا مجال للنقاش فيه فالجيش محظور عليه التحدث أو الإقتراب من السياسة .

و بالتالي من هذا العرض القصير أكاد أجزم أن هذه النظرية بعيدة كل البعد عن المنطق ، و أكاد أجزم بضرورة إستبعادها من إحتمالات المستقبل القريب أو البعيد خاصة بعد سيطرة المدنيين على أمور السياسة .

 

النظرية الثانية :

تذهب النظرية الثانية إلى أن الحزب الوطني الحاكم سيقوم في المستقبل بترشيح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية في الإنتخابات المقبلة عام 2011 و قد بنيت هذه النظرية على أسباب منطقية من وجهة نظر من روجوا لها مثل :

-         أن جمال مبارك إذا لم يتمكن من الترشيح لإنتخابات رئاسة الجمهورية في 2011 فإنه لن يتمكن منها إلى الأبد !

-         وجود الرئيس أفضل من عدم وجوده لإنتقال السلطة إلى جمال مبارك .

-         هناك إحتمالات من إنقلابات داخل الحزب الوطني على جمال مبارك في حال عدم وجود الرئيس .

و لكن مؤيدوا تلك النظرية تغاضوا عن بعض الأمور الهامه مثل : هل ينوي جمال مبارك فعلآ الترشيح لإنتخابات رئاسة الجمهورية ، و هنا يثور سؤال آخر إذا ما كان الرئيس لديه هذه النية فعلآ فلماذا جمال مبارك و يستبعد علاء مبارك ؟ و السؤال الثاني .. لماذا يخفي جمال مبارك هذه النية و التي لا زال يؤكد أنه لم و لن يقدم عليها !؟ أمر آخر هام يعلمه كل المثقفون و السياسيون في مصر و هو ألخلافات الحاده داخل الحزب الحاكم نفسه و إنقسامه بين حرس قديم و حرس جديد ، ثم خلافات أخرى بين أعضاء الحرس الجديد و كلها نزاعات للحصول على إمتيازات تضخيم الثروات ! و الأمر الأهم الذي يعلمه الساسة المصريون هو وجود خلافات حاده سواء من الحرس القديم أو الحرس الجديد مع شخص جمال مبارك نفسه .

و لكن يرد البعض بأن وجود الرئيس يشفع عند الجميع و يجعلهم يقولون سمعآ و طاعة ، و لكن كل المقربين من السلطة يبحثون عن إمتيازات و إذا ما تم تجاهلهم فإنهم يستقيلون من الحزب الوطني و ينضمون إلى صفوف المعارضة و قد يتحولون إلى أبطال في هذا المكان المغاير و قد يحصلون على إمتيازات من الجانب الآخر ! و هنا نجد أن السلطة تكون في حيرة نظرآ لأنها من البداية قد فتحت الباب للطماعين اللذين لا يشبعون و لا تدري من ترضيه و من تغضبه !؟ و أصبح على كاهل السلطة الحفاظ على بعض رجالها المؤثرين و الإستغناء عن الأغلبية الغير مؤثرة .

من هنا فإنني أرى لو صحت هذه النظرية فإنها ستحارب من القاصي و الداني و أول المحاربين سيكون الحزب الوطني نفسه و المقربين منه و سيرفع الجميع شعار "تدفعوا كام و أسكت أو تدفعوا كام و أشتغل معاكوا" و من لا يأخذ سيناطح و يحارب مثل هذا الأمر ، و أنا أرى أن جمال مبارك لن يقوم بتنفيذ هذه النظرية .

 

النظرية الثالثة :

يرى مؤيدوا هذه النظرية أنها الأقرب إلى التوقعات و قد يكونوا قد بنوا تبريراتهم على الأسباب التي تحدثت عنها في النظريتين السابقتين أو لأسباب أخرى من الممكن أن تكون غائبة عني ! و لكن ما يهمنا أساس تلك النظرية فأصحابها يرونها الأقرب إلى القبول من الجميع سواء مؤيدون للحكم الحالي أو معارضون له ، فالإنتقال من نظام إلى آخر لدولة هو أمر يحدث إنقلابات في كل شئ إقتصادي و سياسي ، و من هنا تعد المرحلة الإنتقالية هي الأنسب حيث أن من سيتولى مقاليد الحكم فيها أيآ كان شخصه فهو مؤقت لفترة معينة و لن تزيد بناء على شروط إتفاق تلك المرحلة .

و هذه هي المرحلة التي يستطيع مرشحوا الرئاسة الترويج جيدآ لأنفسهم فيها و يعلنون من خلالها برامجهم الإنتخابية ، و تعد هي الأنسب أن تقدم فيها جمال مبارك للترشيح إن كان سيغير من نهجه و يعدل عن نيته !

و الواقع أنني أرى هذه النظرية هي الأقرب إلى إحتمالات المستقبل فسوف تكون الأنسب في كل شئ خاصة و أن خطوات الديمقراطية التي خطتها البلاد تدفع البلاد إلى التفكير في هذه المرحلة الإنتقالية فالرجوع في خطوات الديمقراطية أمر مستحيل ، و لن يسمح أحد به فالناس تطالب بالمزيد من الديمقراطية ، كما أن هذه المرحلة تهدئ من الأوضاع الداخلية و تحافظ على الإستقرار الأمني في البلاد .

و أتوقع أيضآ أن من سيتولى هذه المرحلة الإنتقالية رجل فوق السبعين من عمره ، فالشباب دائمآ يكون مليئآ بالنشاط و الحيوية و هو أمر غير مطلوب في تلك المرحلة التي لا يبغى منها إلا تحقيق الإستقرار في البلاد .

 

قد يكون رأي خطأ و لكنه يحتمل الصواب و في النهاية أستغفر الله لي و لكم .

 

و على الله قصد السبيل

 

اجمالي القراءات 13727