ماء الحياة
ماء الحياة

زهير قوطرش في الثلاثاء ١٥ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 
 
ماء الحياة.
 
 كان يا ما كان في غابر الأزمان .حيث عاش أحد الملوك ,وكان حكيماً في حكم رعيته. حاشيته وشعبه كانوا يعيشون حياة الكفاية والسعادة  ويتمتعون بالقسط والعدل والأمن. ذلك لأنه أي الملك   وفر لهم أسباب السعادة والرخاء مما جعل الابتسامة والهدوء والرضا لا تفارق محياهم.. علاقته بجيرانه كانت علاقة التفاهم والاحترام المتبادل,لهذا عاش شعبه ولم يعرف معنى الحرب te;حرب والتدمير لمدنهم وقراهم ,بل كانوا يعيشون في حالة من الحب والسلام مع الجميع .
 الحاشية والشعب وجيرانه من دول الجوار ,كانوا يعيشون في حالة من القلق سببه خوفهم من فقدان هذا الملك الحكيم برحيله الى العالم الأخر.
في إحدى الأيام وصل الى المملكة رجلُ أدَّعى أنه يبيع ماء الحياة,من يشرب منها يكتب له الخلود. المشكلة أن بائع ماء الخلود ,كان لا يملك سوى بضع زجاجات صغيرة تكفي لعدد من الأشخاص فقط.
بعد سماع الحاشية و ممثلي الشعب أمر هذا الماء وفعاليته,أصروا على الملك أن يشتري  زجاجة ويشرب ما فيها من ماء الحياة حتى يكتب له الخلود ويضمنوا استمرار الوضع على ما هو عليه.
الملك الحكيم وكعادته في حكم شعبه ,لم يتسرع يوماً في اتخاذ قراراته ,لهذا فكر ملِّياً ,واستدعى حاشيته وممثلي شعبه لاستشارتهم و بعد المشاورات لم يجد أحداً منهم من يعارض رأي الإجماع  بدعوته آنذاك لشرب ماء الحياة , أخافه هذا الموقف الجمعي ,واعتبره حالة غير صحيِّة في مملكته . قال في نفسه صحيح أني أحب حاشيتي وممثلي شعبي,لكني لا ارتاح الى أن الكل يتبنى  موقفاً واحداً  ,وأخشى أكثر ما أخشاه النفاق الجمعي .
طلب  الملك  من الحضور فض الاجتماع ,وخرج الى حديقة القصر حزينا محتاراً لا يدري ماذا يفعل ,سأل الطيور عن رأيهم ,وسأل حيوانات القصر .واعتقد جازماً أنها تشارك حاشية وممثلي شعبه الرأي.
بعد تفكير طويل ,أعلن الملك أنه على استعداد لسماع أراء عامة الشعب
 وخاصة إذا تبنى أحدهم موقفاً مغايراً أو تقدم إليه بنصيحة بناءة  تخالف رأي الحاشية وممثلي الشعب .  
انتظر الملك طويلاً ,ولم يتقدم أيُّ مواطن برأيه الى ديوان الملك .حزن الملك ,لكن حزنه لم يطل ,وإذ بأحد النساك الذين يعيشون حياة الزهد والتقشف , من الذين لا تعنيهم الدنيا ومباهجها بشيء .سأل الدخول على الملك. نظر إليه الملك ,واستقبله باحترام  بالغ,وأجلسه الى مجلسه ,وكان فضولياً لسماع رأي هذا الناسك.وقال في نفسه لعلي أسمع رأيا يخالف ما أجمع عليه المقربون.
لم ينتظر الناسك دعوته للكلام ,لكنه بادر الملك بسؤاله .
هل هذا الماء يستطيع أن يشرب منه أفراد عائلتك وحاشيتك وشعبك أيها الملك أم أنك الوحيد الذي يستطيع شربه؟ ثم تابع ولم ينتظر الجواب.
إذا كان هذا الماء فقط لتشربه وحدك دون أهلك ومقربيك و رعيتك , فلا تشربi أيها الملك.
هل لك أن تتصور أيها الملك أن زوجتك وأولادك أحفادك وعائلتك وحاشيتك وهذا الشعب الذي أحبك ,سيموت ويذهب بلا رجعة .وأنت تطلب من بعدهم الخلود !!!!!
أي حياة وسعادة هذه ستعيشها بعد موتهم؟
هذه ليست حياة جديرة بأن تعاش أيها الملك وخاصة بعد فقدان الأحباب حتى ولو كانت حياة الخلود هي الثمن....
أيها الملك ,عش حياتك السعيدة مع من أحبك وتحبهم ,وارحل معهم الى حيث يرحلون في نهاية العمر حيث سيرحل معكم هذا الحب المتبادل. الحياة بدونهم  لا تستقيم أيها الملك.
السعادة  الحقيقية  أيها  الملك  تكون حيث يوجد الحب.
صمت الملك ....ونظر الى الناسك قائلاً ...صدقت وما قلته هو عين الصواب .ورفض شرب ماء الحياة.
سؤالي هل يمكن للحكام العرب رفض شرب ماء الحياة وحياة الخلود  لو عرضت عليهم , وهل سينتظرون رأي شعوبهم  التي أكرهوها على حبهم.أم أنهم على استعداد للتضحية بحياة شعوبهم من أجل خلودهم.ومع ذلك فحكامنا هم خالدون الى الأبد حتى و إن لم  يشربوا ماء الحياة.
 
اجمالي القراءات 49071