تنويعات على زيارة أوباما لمصر فى 4 يونية 2009
أوباما : أصله ما عدّاش على مصر ..!!

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٩ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا : حول خطاب أوباما فى مصر

1 ـ قد يقال أن معظم ما جاء فى خطاب أوباما ليس جديدا ، الاشادة بالاسلام وانه دين السلام قالها الرئيس السابق بوش ، وكذا الدعوة الى الديمقراطية وحقوق الانسان ، ومواجهة القاعدة و التطرف وايران ومشروعها النووى ، حتى قيام دولة فلسطينية مسالمة ووقف الاستيطان قاله من قبل جورج بوش .
وقد يقال إن الجديد الذى اضافه أوباما هو النيو لوك الذى ظهر به الرئيس الأمريكى الجديد ؛ شابا من أصول أفريقية مسلمة ، من والد مهاجر، مع لمحاته الشخصية الذكية ومقدرته فى الخطابة وفن مواجهة الجمهور ..يتناقض هذا مع القدرة الهائلة التى كان يتمتع بها جورج بوش الابن فى تنفير الناس منه حتى اكثرهم صبرا وتحملا.
2 ـ ولكن علاوة على تأكيد الانسحاب من العراق واغلاق معسكر جوانتيمالو والاعتراف بجرائم التعذيب والاقرار بخطء ذلك كله ففى ثنايا خطاب أوباما إشارات خطيرة فى دعوته لحقوق الانسان والديمقراطية و الشفافية والوقوف ضد نهب المستبد لمقدرات شعبه ، وكل مستبد كان يتحسس البطحة على راسه ، ويرى نفسه مقصودا بما قاله أوباما .
ثم الأهم من ذلك كله هذا الربط فى الخطاب بين الاسلام والديمقراطية وحقوق الانسان ، هذا الربط لو تم تدعيمه فى السياسة الأمريكية وخطابها السياسى للعرب والمسلمين سيكون أكبر عامل فى الاصلاح السلمى من الداخل ، وسيكون محرجا ومفحما للمستبد العربى الذى يخفى استبداده وظلمه تحت رداء الاسلام .
وبعد التأكيد على أنه لا يمكن فرض الديمقراطية من الخارج فلن يبقى سوى إصلاح داخلى سلمى ثقافى يقيم حقوق الانسان والدولة العلمانية الديمقراطية المدنية .
وهذا ما ندعو اليه منذ ثلاثين عاما.
3 ـ يبقى امام أوباما السؤال الأكبر : هل يستطيع تنفيذ تصريحاته ؟ ليس فقط فيما يخص العرب و المسلمين ، ولكن فيما يخص وعوده للشعب الأمريكى ؟ .. هذا هو التحدى الأكبر أمامه .. ونرجو له التوفيق .
ثانيا : المعجزات المصرية التى شهدها أوباما فى مصر :

قضى أوباما فى مصر حوالى (اربع ساعات ) ، منها حوالى ( أربع ساعات) فى مشاهدة ودخول الهرم الأكبر فى الجيزة جنوب القاهرة وفى مشاهدة ودخول جامع السلطان حسن فى شرق القاهرة وفى مشاهدة ودخول جامعة القاهرة و القاء خطابه بها . وبعض دقائق لقى فيها الرئيس مبارك .
فى هذه الساعات الأربع شهد أوباما معجزات مصرية.
(ا ) ـ رأى جامع السلطان حسن :
1 ـ الذى لا يعادله بناء آخر في الشرق بأجمعه ، إذ تجمعت شتى الفنون فيه .
وقد أمر بتشييده السلطان الملك الناصر حسن في عام 757 هـ ( 1356 م ) وقتل في عام 762 هـ قبل أن يكمل زخارفه الرخامية والحجرية ، وأولاه كل رعاية وعناية طول حياته منفقا عليه بسخاء وبذخ حتى أنه قال " لولا أن يقال إن ملك مصر عجز عن إتمام بناء بناه لتركت بناء هذا الجامع من كثرة ما صرف عليه " .

وتبلغ مساحة هذا الجامع المدرسة 7906 مترا مربعا مقسمة بين الجامع والمدرسة وبعض ملحقاتها كالميضأة ومنازل الطلاب . ويتوسط البناء صحن مكشوف تحيط به أربعة ايونات أكبرها إيوان القبلة الذي وصف الرحالة عقده الكبير بأنه أعظم من طاق كسرى . ويضم هذا الإيوان قطعان من الفن الجميل ، فجدرانه من أشرطة رخامية ملونة بارتفاع متر ونصف المتر ، وقد حلي أعلى الجدران بأشرطة حوت آيات من القرآن الكريم مسجلة بخط كوفي مزهر على أرضية من زخارف نباتية وهي منفذة في الجص ، وبهذا الإيوان دكة مبلغ من الرخام ومحراب رخامي نادر المثال بثراء زخارفه الرخامية المتعددة الألوان ، وإلى جواره منبر من الخشب المزخرف بالاويما والمطعم بالعاج والصدف .
وخلف إيوان القبلة نجد قبة هائلة كان مقدارا لها أن تحوى جثمان مؤسس المدرسة غير أنه لم يعثر له على جثة بعد مقتله على أيدي أمراء المماليك .

أما الصحن المفروش بالرخام فتتوسطه فوارة تغطيها قبلة خشبية وتحدق به أربعة أبواب يؤدي كل منها إلى المدارس التي خصصت لتدريس الفقه على المذاهب السنية الأربعة ( المدارس المالكية والشافعية والحنفية والحنابلة ) .

وتمتاز مدرسة السلطان حسن بزخارف الرخام الملون التي حال موت السلطان دون إتمامها ، وبمدخلها المهيب ( ارتفاعه 38 مترا ) وبمئذنتيها الرشيقتين ( أكثر من 81 مترا ارتفاعا ) . وقد بلغ متانة بنيانها أن المماليك كانوا يتحصنون بها ويقصفون القلعة بالمدافع من أعلى مآذنها ، وكثيرا ما كتب للمتحصنين بها النصر على القلعة ، وكان بالمدرسة عدد كبير من الأبواب المصفحة بالنحاس المكفت بالذهب والفضة ، نقل أكبرها إلى مسجد المؤيد شيخ ، وبيع البعض الأخر في أسواق العاديات حتى وصل أحداها ليكون الباب الرئيسي للسفارة الفرنسية بالجيزة .

وقد رتب السلطان حسن الأوقاف لينفق من ريعها على عمليات التدريس ، ومن هذا الريع كانت تدفع رواتب للمدرسين والطلاب على حد سواء ، إضافة إلى كسائهم وطعامهم ، وتخصيص أطباء ( باطنه وجراحة وعيون ) لمداواة المقيمين بالمدرسة والطارئين عليها .

ويكفي أن نورد هنا ما سجله الورثيلاني الرحالة المغربي عنها في القرن الثاني عشر الهجري ( 18 م ) " أنه مسجد لا ثاني له في مصر ولا في غيرها من البلاد ، في فخامة البناء وثباته وارتفاعه وإحكامه واتساع حناياه وسعة أبوابه ، كأنه جبال منحوتة ، تصفق الرياح في أيام الشتاء بأبوابه كما تفعل في شواهق الجبال " .

( 2 ) المغزى الذى ربما لم يخطر على بال أوباما هو أن هذا البناء الضخم بناه سلطان مجهول ، كان ممن توارث الحكم من أبناء واحفاد السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، والسلطان الناصر محمد بن قلاوون نفسه أشهر وريث للحكم فى الدولة المملوكية تلاعب به الأمراء المماليك العسكريين ، عزلوه أكثر من مرة ، وعاد للحكم أكثر من مرة بسبب ظروف خاصة لم تكن لورثته التعساء الذين تحكم فيهم العسكر المملوكى ، وكانوا يعزلونهم ويقتلونهم ، وكان من الضحايا ذلك السلطان حسن الذى قتلوه شابا ، ولولا ذلك المسجد الفخم الذى بناه ما كان تذكره ، أحد ، حتى أنه لم يدفن فيه بعد قتله .
رأى اوباما مسجد السلطان حسن ، ولكن لم ير قصة صاحبه السلطان حسن ، ولم ير الشبه الحالى بين الماضى والحاضر المصرى حيث أزمة التوريث فى حكم عسكرى راهن لا يختلف عن الحكم العسكرى المملوكى الغابر.
أزمة التوريث هى الأزمة الكبرى التى تواجه مصر حاليا وفى مستقبلها القريب ، حيث تمر مصر ـ وخلفها العرب ـ فى منعطف تاريخى يتواجه فيه تراث الاستبداد مع حاضر الديمقراطية وحقوق الانسان ، وحيث تقف مصر بالذات على ارهاصات النهاية لحكم عسكرى مستبد مطلوب إزالته ـ سلميا ـ لقيام حكم دولة مدنية علمانية تحكم بالمواثيق الدولية لحقوق الانسان ، وبهذا الاصلاح تختفى أشباح القاعدة و أساطير وخرافات الدولة الدينية .
هذه الإزالة السلمية تستلزم اصلاحا دينيا وثقافيا و تعليميا وتشريعيا حتى تنتقل مصر بالتدريج وبسلام من ثقافة العبيد وثقافة الاستعباد الى ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان واحترام الفرد .
رأى اوباما مسجد السلطان حسن ، ولكن لم ير الأزمة المصرية فى قصة صاحبه السلطان حسن.
أوباما .( أصله ما عدّاش على مصر..!!)

(ب ) ـ رأى أوباما الأهرامات ورأى جامعة القاهرة:

1 ـ رأى اوباما المعجزة المصرية الانسانية الكبرى (أهرام الجيزة ) والتى بناها المصريون بعد عشرات القرون من تأسيس مصر كأقدم دولة فى العالم . ورأى أوباما جامعة القاهرة أهم وأعرق جامعة عربية مدنية ، وخطب فى قاعتها الكبرى التى رات من قبل أهم العقول المصرية من أحمد أمين وطه حسين وأحمد لطفى السيد وأمين الخولى .وقبلها زار أوباما السعودية ، ومن قبل ذلك زار اسرائيل قبل انتخابه رئيسا .
2 ـ لكن أوباما لم ير المغزى الذى يجمع بين البلاد الثلاثة التى زارها .
مصر بأهرامها هى أقدم دولة فى العالم ، ومصر فى عصورها الوسطى ـ حيث الدولة المملوكية وعمائرها ومنها مسجد السلطان حسن ـ كانت قائدة العالم الاسلامى . ومصر ظلت رائدة لهذا العالم الاسلامى و العربى حتى تولى حسنى مبارك .
آخر معالم التفوق المصرى فى الريادة هى جامعة القاهرة التى تم إنشاؤها عام 1908 ، أى قبل اعلان قيام الدولة السعودية الراهنة ب 24 عاما ، وقبل اعلان دولة اسرائيل بأربعين عاما . ولكن مصر تحت قيادة حسنى مبارك أصبحت فى سياستها تتأثر بأحدث دولتين تم إنشاؤهما فى المنطقة .
جريدة الأهرام القاهرية الحالية انشئت عام 1875 ، بينما أقيمت المملكة العربية السعودية عام 1932 ، وأقيمت اسرائيل عام 1848 ، أى ظلت جريدة الأهرام تصدر سبعة وخمسن عاما يخلو فيها العالم من وجود المملكة السعودية ، وربما ستواصل جريدة الأهرام صدورها بعد اختفاء الدولة السعودية .
المغزى الحزين هنا أن مصر أقدم دولة وأقدم حضارة فى العالم ، والقائدة للعرب والمسلمين أتى عليها حين من الدهر أصبحت فيه تابعة سياسيا لأصغر دولتين فى المنطقة .
والمعجزات على نوعين ، نوع ايجابى فيه الخير والنفع ، ويظل ينفع الأبناء والأحفاد ، مثل الأهرامات التى تجلب البلايين لمصر من خلال السياحة ، مثل مسجد السلطان حسن أعظم مبنى معمارى اسلامى كما يقال عنه ، مثل جامعة القاهرة التى ( كانت ) رائدة التنوير .
وهناك معجزات سامة شريرة ، كأن ينجح شخص ما فى الهبوط بأقدم دولة فى العالم وأقدم حضارة فى العالم ، والدولة الرائدة فى العالم الاسلامى و العربى الى قاع التبعية لاسرائيل و السعودية . هذه المعجزة حققها بكل نجاح رئيس طاعن فى السّن اسمه حسنى مبارك .

3 ـ اوباما رأى الأهرامات ورأى مسجد السلطان حسن ، ورأى جامعة القاهرة ، ورأى من قبل السعودية واسرائيل ، ولكن لم ير المغزى من المقارنة بين هذا وذاك .
أوباما.. (أصله ما عداش على مصر..!! )

(ج ) ـ رأى اوباما حسنى مبارك ..
من المعجزات المصرية الخالدة فن التحنيط للجثث ، وحتى الان فالموميات تشهد للمصريين القدماء بالريادة و التقدم فى فن التحنيط .
ولكن الحزب الوطنى (المصرى ) حقق معجزة لم تخطر على بال ابليس نفسه ، وهى فن تحنيط الانسان الحى . يكون عمر جسده الافتراضى قد ولّى وانتهى من زمن فيأتى التحنيط الحى يجعله جثة تتحرك ،بل وأحيانا تتكلم ، بل وقد تبتسم بحيث يخيل اليك ـ من سحرهم ـ أنها جثة حية تسعى . ليس هذا بالشىء الهين ، ولا يمكن تحقيق أى معجزة بشرية بسهوله . الجثة المتحركة يجعلها التحنيط المصرى تتحرك بحقنة فى العضل ، ويجعلها تتكلم بحقنة فى الوريد ، ويجعلها تبتسم بحقنة فى الشرج .!! كل شىء ممكن فى فن التحنيط المصرى .
وأوباما رأى الرئيس مبارك وتكلم معه ، بل وابتسم له الرئيس مبارك .
ولكن أوباما لم ير فن التحنيط المصرى.
أوباما ..(أصله ما عداش على مصر. !!)

ثالثا : المعجزات المصرية التى لم يشهدها أوباما فى مصر :

1 ـ فى قاعة جامعة القاهرة رأى اوباما سلالة منتقاة من المصريين ، ولكنه لم ير المصريين الحقيقيين . رأى وجوها تبتسم فى سعادة ، وترفل فى ملابس السهرة وقت الظهيرة ، ويبدو عليها النعيم والتغذية الجيدة . لم يسبق لأحدهم أن عانى من الأوبئة التى تجتاح المصريين الحقيقيين ، من الفشل الكلوى و الفشل الكروى ، ومن التهاب الكبد الوبائى ، وجنون البقر وجنون البشر ، ومن انفلونزا الطيور الى انفلونزا الخنازير ثم انفلونزا الحمير .
لم ير المصريين الحقيقيين لأن نظام مبارك قرر حظر التجول واعتقال المصريين القاهريين خلف نوافذ بيوتهم المغلقة لتأمين اوباما ـ وهذا هو الهدف المعلن ـ ولمنع اوباما من أن يرى المصريين الحقيقيين ، وهذا هو الهدف الحقيقى.
تم اعتقال المصريين القاهريين فى بيوتهم أربعة ايام قبل زيارة أوباما التى استغرقت أربع ساعات .. فحمد المصريون ربهم جل وعلا لأن اوباما مكث أربع ساعات فقط .

2 ـ تخيل لو كان لاوباما الفرصة لرؤية المصريين الحقيقيين أثناء إلقائه خطبته .
* عندها سيكون هناك وفد من النساء و البنات والزوجات و الأمهات والأخوات ، ممن فقدن الزوج والأب و الأخ والابن والعائل ، كل منهم راح ضحية التعذيب أو الاختفاء القسرى أو السجن أو الحبس الاحتياطى أوالانتحار بسبب اليأس من توفير لقمة العيش أو الحصول على وظيفة.
* سيكون هناك وفد من الفقراء الجوعى الذين يرغمهم الجوع على بيع أعضائهم للغير ، والذين يبيعون بناتهم بثمن بخس للزواج المظهرى من عجائز وشيوخ من الخليج ، والذين يعملون 18 ساعة يوميا دون راحة للوفاء بمتطلبات الأسرة ، ومن المدرسين والموظفين الشرفاء الذين لا يكفيهم المرتب الشهرى للافطارعدة أيام فيعملون بعد انتهاء موعد العمل الرسمى عمالا فى الأفران والقهاوى وبيع أنابيب البوتاجاز وفى المعمار ..الخ ...
* وسيكون هناك وفد رجالى من الشباب العاطل عن العمل العاجز عن الزواج وعن التجمل بأمل فى المستقبل ، والحائر بين التطرف والادمان .
* وفى المقابل سيكون هناك وفد من الفتيات العوانس يصاحبهن وفد آخر من الفتيات اللاتى وقعن ضحية للزواج العرفى ..
* ثم وفد لا يستهان به يتكون من أطفال الشوارع ، والأطفال الذين يباعون فى سوق الرقيق ، أو يعملون فى وقت الطفولة الغضة فى الورش وجمع الزبالة حتى لا يفترسهم وحش الجوع.
* ثم وفد ممن الأقلية الباقية من الفلاحين المصريين بعد هجرة أغلب الفلاحين المصريين للخارج. هم لم يعرفوا ترك الزراعة والهجرة الى الخارج إلا فى عهد مبارك بعد ان ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، فقاموا بأكبر هجرة جماعية من مصر .
التصق الفلاح المصرى و المواطن المصرى بتراب بلده فلم يهاجر منها طيلة سبعين قرنا من الزمان ، الى أن ألجأه حسنى مبارك الى الهجرة .
مصر التى كانت مقصدا لمختلف الهجرات قبل أن يحكمها العسكر منذ 1952 . مصر التى كان اليها يهاجر اليونانيون والايطاليون وأهل البلقان بالاضافة الى الأرمن والأكراد والترك و الشيشان و الشوام والعرب ، نجح حسنى مبارك فى تهجير المصريين من فلاحين وغيرهم الى شتى بقالع الأرض ، من الاردن الى الصين ، ومن ليبيا الى الارجنتين .
* مفروض ايضا أن يوجد وفد يمثل المصريين المهاجرين فى حضور خطبة أوباما .
ولكن لم ير اوباما وفدا من المصريين الحقيقيين .
أوباما .(أصله ما عداش على مصر .)
أخيرا :
متى يرى اوباما مصر على حقيقتها ؟
أوباما .. (إمتى يعدى على مصر ؟ )

اجمالي القراءات 16060