ووجدك ضالا فهدى (نظرة أخرى)

شريف هادي في السبت ٣٠ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ، والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين ،،، وبعد
لا أحد يستطيع أن يذكر على سبيل اليقين الأحداث التاريخية في حياة المولود محمد بن عبد الله وتتابعها صبيا ثم فتى يافع فشاب فرجل إلي أن بلغه الوحي الإلاهي ، لأن كل ما ذكر في كتب السيرة عنها هو من قبيل الأخبار التي تحتمل الصدق والكذب فنظن بصدقها كما يظن غيرنا بكذبها ، والظن لا يغني عن الحق شيئا ، كما أن القرآن الكريم أغفل هذه الفت&Nt;رة في حياة النبي الرسول محمدا بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.
والسؤال الذي يجب الإجابة عنه مقدما قبل الدخول في هذا البحث ، لماذا لم يذكر الله لنا حياة الرسول قبل البعث؟ كما ذكر لنا حياة الأنبياء السابقين ، والإجابة في غاية البساطة أن القرآن نزل على الرسول نفسه ، وقد عاش فترة طفولته وشبابه ويعلمها جيدا فلا يحتاج لتكرارها ، أما الأنبياء السابقين فحياتهم غيبا بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام ، لذلك حكى الله لنا قصصهم عبرة قبل وبعد البعث ، خاصة وأن قصة من حكى الله لنا حياتهم قبل البعث فيها عبرة وعظة ، فهذا إبراهيم عليه السلام ومناجاته ربه بحثا عن الهدى ، وهذا موسى عليه السلام ألقته أمه في اليم بعد أن قذفته في التابوت ، وتربى في بيت فرعون بعد أن رده رب العزة لأمه لكي تقر عينها ، وهذا المسيح عليه السلام وولادته المعجزة وتبرأته لأمه فالعبرة قائمة في قصصهم ، ولو كان في حياة الرسول قبل البعثة عبرة لحكاها لنا الله وأي عبرة أكثر من أن يكون قد عبد الأصنام ثم هداه الله بالرسالة ، فلو كان ذلك كذلك ما أغفلها القرآن وصرح بها دون مواربة
والسؤال الثاني: لماذا عندما يحكي رب العزة سبحانه وتعالى عن الأنبياء والرسل السابقين ، تكون الكلمات في غاية الرقة ، وعندما يتحدث مع النبي الرسول محمد عليه الصلاة والسلام يكون في بعض الأحيان حدة وتوبيغ وتحذير؟ والإجابة أيضا بسيطة أن الله سبحانه وتعالى عندما يتكلم عن الانبياء السابقين بعد موتهم وقد وفوا ما عليهم وأدوا الأمانة كاملة غير منقوصة فيظهر سبحانه رضاه عنهم ومغفرته لهم وقد إنقطعت أعمالهم ، فتجد الرواية في غاية الرقة والرحمة ، أما مع الرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام ، فمازال التنزيل يأتي ومازالت البعثة لم تكتمل ، والرسول البشر قائم يبلغ ويؤدي ولم ينتهي عمله بعد ، ويحتاج لتوجيهات رب العزة سبحانه وتعالى لكي يحسن التصرف في الأحوال والاختيار في الأشخاص ، فكان لزاما أن يكون الخطاب القرآني معه متفقا مع ذلك.
ونقول انه رغم عدم معرفتنا بدقائق الأحداث التاريخية في حياة النبي قبل البعث ، إلا أننا نستطيع التأكيد على أنه لم يسجد لصنم ولم يعبد آلهة قريش قبل البعثة للأسباب الأتية:
أولا: يقول تعالى "واذا جاءتهم اية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله الله اعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين اجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون" الأنعام 124 ، والشاهد قوله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) ، والمعروف أن الصابئة والحنفية أتباع إبراهيم واليهود والنصارى ، كانت تعج بهم مكة والجزيرة العربية ، وكان منهم موحدون مخلصون الدين لله ، ولكن كان هناك تعايش بينهم وبين كفار مكة ومشريكيها لأن أي منهم لم يكن يدعوا لدين جديد ، وهؤلاء قطعا لم يسجدوا لأصنام ، فلماذا أختار الله لرسالته نبي سجد للأصنام وكان على عبادتها قائما إلي أن جاءه الوحي؟ مجرد سؤال.
أما القول أن الله جعل رسالته في رجل إعتاد السجود للأصنام وعبادتها قبل أن يهديه الله للرسالة فيه بالغ إساءة أدب مع الله
ثانيا:لم يحكي لنا القرآن عن نبي أو رسول عبد الأصنام قبل بعثته بين كل الأنبياء والرسل الذين حكى الله لنا قصصهم في القرآن ، وحتى موسى الذي تربى في بيت فرعون لم يكن على دين فرعون قبل بعثته ، وقد أختاره نبي من أنبياء الله ليصاهرة ويزوجه إحدى ابنتيه ، فهل أنفرد رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام بذلك؟ ، وهو من قال عنه رب العزة سبحانه وتعالى "واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ااقررتم واخذتم على ذلكم اصري قالوا اقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين" آل عمران 81 ، فيكون الله قد أخذ منهم جميعا الميثاق لصالحه ، وهو الوحيد بينهم الذي عبد الأصنام فهل هذا معقول؟
ثالثا: قوله سبحانه وتعالى "وانك لعلى خلق عظيم" القلم 4 ، ونحن نتفق مع من قال أن الخلق هاهنا هو القرآن الكريم ، يؤكد ذلك قوله سبحانه وتعالى في الآية رقم 2 من نفس السورة (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) ، ونعمة الله هنا عليه هو القرآن الكريم ، فيكون سياق الآيات يتكلم عن القرآن ، ولكن لا يمنع هذا أن يكون الرسول قد تحلى بمكارم الأخلاق ، فمع تسليمنا بأن القرآن هو الخلق العظيم ، فالقرآن هو الذي علم الرسول عليه الصلاة والسلام فقال (خذ العفو وأمربالعرف وأعرض عن الجاهلين) الأعراف199 فهل بعد ذلك مكارم أخلاق ، وهل يوجد خلق أعظم من هذا ، ثم عندما يأتي النص العام فلا يخصصه إلا مخصص نصا ، ومعنى هذا أن الرسول كان على مكارم الأخلاق قبل وبعد البعثه ، فلم يسجد لصنم.
رابعا: قول الحق سبحانه وتعالى "ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا" ال عمران 193 ، تفيد هذه الآية أن منادي الإيمان هو رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا يستقيم أن يكون منادي الإيمان ممن إعتادوا على ممارسة الكفر قبل الرسالة.
خامسا: قال الحق سبحانه وتعالى"الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ (3) [سورة لقان] ، والواضح ن آيات الله أن الله جعل القرآن الكري هدى ورحة ووعظة للتقين كا كان كتاب وسى هدى لبني إسرائيل ، وكا كان الأنجيل هدى ، والسؤال لو أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ضالا بمعنى أنه كان يعبد الأصنام مع أهل مكة ، وقد هداه الله بالقرآن فبأي جزء من القرآن كانت هدايته؟ بأول آية نزولا؟ أو بآخر آية نزولا؟ ، فلو كان بأول آية هل يستقيم هذا مع رجل ظل يعبد أصناما أربعين سنة ، وتكفيه آية وأحدة لكي يهتدي؟ ولو قلنا بآخر آية فهل كان يدعوا للهدى وهو على ضلال – حاشا لله – بل هو على الهدى من أول يوم ولم يكن يسجد لصنم قبل البعثة
سادسا: من المتفق عليه عند المسلمين أن المسلمين ورسولهم هم أقرب الناس لإبراهيم وأولاهم به ، لقوله تعالى "ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين امنوا والله ولي المؤمنين" آل عمران 68 ، وقوله تعالى "وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فاقيموا الصلاة واتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير" الحج 78 ، فماذا عن إبراهيم عليه السلام ، لقد ولد في بيئة مشركة ونشأ وترعرع في بيت يصنع الأصنام ويبيعها ويتكسب منها ولكنه منذ نعومة أظافره رفض هذه الأصنام ولم يرضى أن يعبدها ، ولكن لم يكن رفضه لها مبررا لكي يحاربوه أو يقتلوه ، لأن مجرد رفض عبادتها لا يؤثر في القوم الذين عبدوها أو أتخذوها صناعة وتجارة ، وكذلك كان رفض محمد عليه السلام لعبادتها ، وهذا الرفض لوحده ليس مبررا لحربه أو إخراجه أو قتاله ، ولكن لما هدى الله إبراهيم عليه السلام وقرر أن يكيد لأصنامهم ويظهر دعوته بإحتقارها للعلن ، هنا قامت قائمتهم ولم يهدأوا حتى ألقوه في النار التي جعلها الله بردا وسلاما عليه ، وكذلك رسول الله محمد لم ينتبه له قومه لمجرد رفضه عبادة الأصنام وكانت أطياف في مكة لا تعبد الأصنام من أتباع الأديان القديمة ، ولكن عندما جهر بدعوته وهدم أصنامهم معنويا بأن حقرها وردها لأصلها حجارة لا تضر ولا تنفع ، وقفوا في وجهه وأخرجوه من داره وحاربوه وتأمروا على قتله
ولنتدبر قوله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) [سورة الأنعام]
وكذلك لنتدبر قوله سبحانه وتعالى لنبيه محمد عليه السلام " وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم" الشورى 52 ، وأمره له " قل انني هداني ربي الى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين" الأنعام 161.
وموقف الكفار منه " ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (7) أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ (10) جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الأَحْزَابِ (11) [سورة ص]
فأنظر إلي قول الكفار وتعجبهم أن جعل الآلهة إله واحد ، ولو كان قد عبدهم من قبل ما توانى الكفار أن يذكروا ذلك في معرض الرد على الرسول ، ليذكروه بما كان منه من عبادتهم ولكنهم قالوا (امشوا واصبروا على آلهتكم) ، ولتطابق حالتي ابراهيم ومحمد عليهما السلام كان محمد أولى الناس بإبراهيم وأمته لأنها أخذت التسمية والشعائر من إبراهيم عليه السلام.
وإبراهيم عليه السلام عندما كان في ضلال الغفلة طلب الهداية وقال (لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) ، ولكن لم يمنحها له الله سريعا بل تركه يتدبر أكثر حتى إذا جاءته الهداية تمسك بها ، والشاهد أنه بعد دعاءه بطلب الهداية والبعد عن الضلال ، رأى الشمس بازعة فظن أنها الأولى بالعبادة ولما أفلت جائته هداية رب العالمين وقال (يا قوم إني بريء مما تشركون ، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) ، أما محمد عليه السلام فقد هداه الله من ضلال الغفلة حتى من قبل أن يطلب الهداية لأنه منذ اليوم الأول ترفع عن عبادة الأصنام أو حتى عبادة غير الله ، ولم يتخذ الكوكب والقمر والشمس أربابا من قبل الهداية كإبراهيم عليه السلام ، والتطابق في الحالتين أن إبراهيم ومحمد عليهما السلام لم يسجدا أو يعبدا غير الله ، والشاهد في حالة إبراهيم عليه السلام قوله تعالى (هذا ربي) في حق الخليل عليه السلام ولم يقل (هذا إلاهي) لأن العبادة في توحيد الألوهية وليس الربوبية ، لذلك جاء النص القرآني دقيقا ، والشاهد في حالة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام قوله تعالى (وأما السائل فلا تنهر) ، وهذا أكبر دليل على أن نوع الضلال الذي كان عليه الرسول قبل هدايته (ضلال غفلة) فإذا جاءه سائل يريد أن يخرج من غفلته كما أخرجه ربه من غفلته فلا يجب عليه أن ينهره بل يجب عليه أن يجيبه ويهديه ولذلك لامه ربه عندما جاءه الأعمى وقال (عبس وتولى أن جاءه الأعمى ، وما يدريك لعله يزكى ، أو يذكر فتنفعه الذكرى) وعندما جاءه الأعمى كان يقوم بواجبات الرسالة مع غيره وكان يظن ببشريته أنهم أقرب للهدى لذلك عبس وتولى والشاهد قوله تعالى (أما من إستغنى ، فأنت له تصدى).
ونأتي هنا لشرح قوله تعالى (ووجدك ضالا فهدى)
وقبل أن نتعرض بالشرح للآية الكريمة ، نتوقف عند معنى الضلال ، وهو عكس الهدي والعلم معا ، ويختلف مدلول الضلال بإختلاف السياق في القرآن الكريم ، وقد فرق الله سبحانه وتعالى بين أنواع ثلاثة من الضلال وهم (الضلال المبين ، والضلال البعيد ، وضلال الغفلة)
أولا: الضلال المبين
ولنتدبر الآيات التالية حتى نتبين معنى الضلال المبين
1- على نحو قوله تعالى" لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين"آل عمران 164 ، وهو الجهل المرتبط بعبادة غير الله سبحانه وتعالى ، وقد كان المؤمنون من قبل يعبدون الأصنام فهداهم الله بأن بعث فيهم رسولا من أنفسهم.
2- قوله تعالى " واذ قال ابراهيم لابيه ازر اتتخذ اصناما الهة اني اراك وقومك في ضلال مبين" الأنعام 74
3- قوله تعالى" اسمع بهم وابصر يوم ياتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين" مريم 38
4- وقوله تعالى" قال لقد كنتم انتم واباؤكم في ضلال مبين" الأنبياء45
5- وقوله تعالى " ان الذي فرض عليك القران لرادك الى معاد قل ربي اعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين" القصص 85
6- وقوله تعالى" هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين" لقمان 11
7- وقوله تعالى: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (21) وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (24) إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) [سورة يس]
8- وقوله تعالى" قل هو الرحمن امنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين" الملك 29
9- وقوله تعالى: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) [سورة الشعراء]
وواضح هنا معنى الضلال المبين أن يجعلوا آلهتهم مساووين لرب العالمين ، وهذا النوع من الضلال والذي يقترن فيه الجهل برب العالمين مع عبادة غيره من أصنام أو أولياء نبرأ منه الأنبياء والرسل لاسيما محمد عليه السلام وهو خاتمهم.
ثانيا: الضلال البعيد
ولنتدبر الآيات التالية حتى نتبين معنى الضلال البعيد
1- قوله تعالى " الم تر الى الذين يزعمون انهم امنوا بما انزل اليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا" النساء60
2- وقوله تعالى " ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا" النساء 116
3- وقوله تعالى " يا ايها الذين امنوا امنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي انزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فقد ضل ضلالا بعيدا" النساء 136
4- وقوله تعالى " ان الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا"النساء 167
5- وقوله تعالى " الذين يستحبون الحياة الدنيا على الاخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا اولئك في ضلال بعيد" إبراهيم 3
6- وقوله تعالى" مثل الذين كفروا بربهم اعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد"إبراهيم 18
7- وقوله تعالى " يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد" الحج 12
ومن الواضح ان الضلال البعيد أشد ضلالا من الضلال المبين ، لأن الأول إقترن فيه الجهل بعمل الخطأ ، أما الضلال البعيد فقد إقترن فيه العلم بعمل الخطأ ورفض الحق والشاهد قوله (يزعمون أنهم آمنوا) وقوله (صدوا عن سبيل الله) وقوله (ومن يشرك بالله) وقوله (كفروا بربهم) إذا هم عرفوا الله ولكنهم يزعمون أنهم مؤمنين أو يصدون عن سبيل الله أو أشركوا بالله أو كفروا به ، وهذا النوع أيضا من الضلال لا يمكن تصوره في حق الأنبياء والرسل لاسيما رسول الله محمد خاتم الأنبياء عليه وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه.
ثالثا: ضلال الغفلة
ولنتدبر الآيات التالية حتى نتدبر معنى ضلال الغفلة
1- قوله تعالى "واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين" الأعراف 172
2- وقوله تعالى " واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والاصال ولا تكن من الغافلين" الأعراف 205
3- وقوله تعالى " نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القران وان كنت من قبله لمن الغافلين" يوسف 3
4- وقوله تعالى " لتنذر قوما ما انذر اباؤهم فهم غافلون" يس 6
5- وقوله تعالى " ومن اضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون" الأحقاف 5
6- وقوله تعالى " اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" الأنبياء1
7- وقوله تعالى " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد" ق 22
8- وقوله تعالى " فلما راى القمر بازغا قال هذا ربي فلما افل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين" الأنعام 77
9- وقوله تعالى " قل هل من شركائكم من يهدي الى الحق قل الله يهدي للحق افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى فما لكم كيف تحكمون" يونس35
وهذا النوع من الضلال ، ضلال الغفلة ، هو عدم معرفة الحق مع محاولة الوصول له ، وليس من لوازمه إرتكاب المعاصي أو عبادة غير الله سبحانه وتعالى ، ولا تكون الغفلة نقيصة أو ذنب إلا إذا أرتبطت بإرادة الجهل والبقاء في الغفلة ، أما إذا كانت الغفلة عن عدم علم فهي ليست ذنبا ولنتدبر قوله تعالى " ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة ولهم عذاب عظيم" النور 23 ، وقوله تعالى "... ود الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة... الآية النساء 102 وقوله تعالى " ودخل المدينة على حين غفلة من اهلها... الآية القصص 15 ، وفي كل هذه الحالات نرى أن المرآة الغافلة لا ذنب عليها ولا إثم ، فلو قام أحدهم بتنبيهها عما يقال عنها ، فيكون قد هداها من ضلال ولكنه ليس ضلال ذنب بل ضلال حميد ، ، كما أن الغفلة عن السلاح للصلاة ليست ذنبا ولكن الله نبه المؤمنين لذلك ، وغفلة أهل المدينة عن دخول موسى عليه السلام ليست ذنبا ، بل غفلة الأصنام عمن يعبدونهم ليست ذنبا في حق الإصنام التي هي حجارة غير مكلفة في قوله تعالى( وهم عن دعائهم غافلون) فالأصنام غافلة عن دعاء الكفار لها.
وهو ما كان عليه خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام عندما قال (لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) فهو كان ضال يبحث عن إله يعبده بين الشمس والقمر والنجوم ثم هداه الله لعبادته وحده لا شريك له ، وهذه الحالة تتطابق مع حبيب الرحمن محمد عليه السلام الذي قال له الحق سبحانه وتعالى (ووجدك ضالا فهدى) ، كما أسلفنا الشرح ، ولذلك جاء قول الله سبحانه وتعالى " نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القران وان كنت من قبله لمن الغافلين" يوسف 3
وكما بدأ إبراهيم عليه السلام يمارس وظيفته في هداية الآخرين وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى " وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)[سورة الأنعام] ، وكذلك قول الحق في سورة مريم عندما ذكر المحادثة بين إبراهيم وأبيه (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) [سورة مريم]
كذلك ، فإن محمد عليه السلام لم يتأخر في الدعوة لله سبحانه وتعالى ، لقول رب العزة " هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" التوبة 33 ، وقوله سبحانه وتعالى " ويوم نبعث في كل امة شهيدا عليهم من انفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" النحل 89 ، فكيف سيكون شهيدا إن لم يبلغ ولم يقصر ، فقد بلغ عليه السلام ولم يقصر ونحن على ذلك من الشاهدين.
ثم نأتي لقوله تعالى"...والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم" البقرة 213 ، فإن الله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم وكذلك فقد أقر رب العزة سبحانه وتعالى أن النبي عليه السلام يدعوا الناس إلي صراط مستقيم فقال " وانك لتدعوهم الى صراط مستقيم"المؤمنون 73 ، وليس فقط يدعوا بل يهدي المؤمنين منهم فقال سبحانه " وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم" الشورى 52 ، وهذه الآية تبين نوع الضلال الذي كان عليه النبي قبل البعث ، وهو ضلال غفلة وعدم علم بالكتاب والإيمان ، وهذا النوع من الضلال (ضلال الغفلة) من مستلزمات الرسالة ، لقوله تعالى " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون" العنكبوت 48 ، بل وتبين الآية أنه بعدما هداه الله أصبح يهدي إلي صراط مستقيم
وهنا نأتي للرد على شبهات الشيخ الدكتور أحمد صبحي
يقول [(ثانيا : الخلفية الثقافية لمحمد قبل البعثة هى نفس ما كان عليه قومه ، وهذا معنى قوله تعالى له (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)] ، كانت الثقافة الدينية في مكة قبل بعث النبي متعددة وإن غلب عليها طابع عبادة الأصنام ، فلا ينكر أي باحث تاريخي وجود ديانات أخرى في الجزيرة العربية ، كما أن التواصل الثقافي لأهل مكة في رحلتي الشتاء والصيف جعلهم يتعرفون على اليهودية والمسيحية ، وكانت الحنفية لا تزال موجودة ، ولكن رسول الله عليه السلام ، لم يكن يقرأ ويكتب قبل البعث ، فلم يكن يدري ما الكتاب ولا الإيمان (الشورى 52) ، وما كان يتلوا قبل القرآن أي كتاب أو يخطه بيمينه (العنكبوت 48) وهذا معنى الضلال في قوله تعالى ووجدك ضالا فهدى ، فهو ضلال غفلة لا ضلال فعل (مبين أو بعيد) على نحو ما أسلفنا.
ويقول (يلفت النظر أن الله جل وعلا لم يذكر فى القرآن الكريم تفصيلات عن مولد محمد عليه السلام كما فعل مع موسى وعيسى) والسبب كما قلنا أن القرآن نزل كآخر كتاب بعد موت جميع الأنبياء السابقين ، وبين الله سبحانه وتعالى رضاه عمن قصهم علينا في الكتاب من رسل وأنبياء وأنهم وفوا ما عليهم ، والحالة الوحيدة (ذا النون) وقد بين الله لنا ماذا فعل به وكيف تاب في القرآن ، أما رسول الله محمد فقد نزل عليه القرآن يخبره بما لا يعرف ، فلا داعي لإخباره بتاريخه الذي يعرفه ، كما أنه لم توجد في هذا التاريخ عبرة إيمانية ، كأن يكون الرسول جاء من النقيض إلي النقيض أي من عبادة الأصنام إلي عبادة الله الواحد القهار على نحو ما أسلفنا سابقا.
ويقول [(ويتضح منهما أن المسيح عليه السلام قد ولد فى بيئة إيمانية نقية ، كانت سلالة مصطفاة من أنقى أنواع السلالة البشرية ، يكفى فى ذلك قوله جل وعلا قبيل بدء الحديث عن ميلاد المسيح عليه السلام : (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ( آل عمران 33 : 34 )] ، ونقول رسول الله أيضا حلقة من هذه السلالة المصطفاه لقوله سبحانه وتعالى (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) [سورة الأنعام] ، فقوله سبحانه وتعالى للرسول عليه السلام (فبهداهم اقتده) هو أمر له أن يكون آخر هذه السلالة النقية ، ثم بين معنى الاقتضاء بقوله (قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين)
ويقول [فلم يأت فى القرآن الكريم عن نشأته وثقافته قبل البعثة النبوية سوى لمحات ، أهمها الآية الكريمة :(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى )( الضحى 7 ) ، مع لمحات أخرى جاءت فى معرض الجدل بينه وبين قومه بعد أن (صبأ ) بتعبيرهم وخرج على دين قومه يدعو الى (لا اله إلا الله)] ، وأسأله أن يأتي بآية واحدة من كتاب الله فيها أن الكفار قالوا (صبأ محمد) ، أم يا ترى قد أخذ هذا التعبير من كتب السيرة والحديث التي يرفضها؟ مجرد سؤال.
ويقول [كانت بيئة قريش عند ولادة خاتم الأنبياء والمرسلين تعج بعبادة الأنصاب والأوثان والأصنام واتخاذها تجارة حول البيت الحرام ، ويتزعم ذلك بنو عبد مناف وهم الأمويون والهاشميون.
نشأ محمد فى هذه البيئة ، وكان جده عبد المطلب بن هاشم هو القائم على البيت الحرام ورعاية الحجاج ورعاية الأصنام التى تملأ الحرم ، بينما كان أبناء عمومته من بنى أمية يحترفون ( رحلة الشتاء و الصيف ) إعتمادا على مكانة قريش وحمايتها لأصنام العرب حول الكعبة . فى هذه البيئة ولد ونشأ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، وتعلم من هذه البيئة لغته ، شأنه شأن عمه أبى لهب الملعون فى القرآن الكريم ، كلاهما عاش نفس الثقافة ونشأ عليها ، وكلاهما جاءت مفردات لغته التى تعلمها تعكس ثقافة الشرك المحيط به ، ولكن إختلف الوضع بين محمد وعمه أبى لهب ، أصبح محمد رسولا بالقرآن وأصبح أبو لهب ملعونا فى القرآن] ، ونقول أننا مضطرين أن نعقد مقارنة بين إبراهيم عليه السلام وأبيه آذر عل نفس منوال المقارنة التي عقدها فنقول ، كلاهما نشأ وترعرع في بيئة تعبد الأصنام ، وكان أبوه آذر هو الذي يصنعها وينحتها بيديه ثم يبيعها ويسترزق منها ، فكانت الأصنام تملأ بيته ، وفي هذه البيئة نشأ إبراهيم الخليل وتعلم من هذه البيئة لغته ، شأنه شأن أبوه آذر كلاهما عاش نفس الثقافة ونشأ عليها ، وكلاهما جائت مفردات لغته التي تعلمها تعكس ثقافة الشرك المحيط به ، ولكن إختلف الوضع بين إبراهيم وأبوه آذر ، أصبح إبراهيم خليلا بالقرآن وأصبح آذر كافرا في القرآن.
فهل معنى ذلك أنه يمكننا أن نقول أو نجزم أن الخليل إبراهيم عليه السلام سجد للأصنام؟ فلو قلنا لا ، فنقول وما دخل البيئة أذا وما الفائدة من هذه المقارنة إلا الحط من شأن الرسول عليه الصلاة والسلام ، فلم تكن البيئة مقياسا وحيدا ويراجع في ذلك علماء النفس والاجتماع وعلماء علم الإجرام أيضا.
ويقول (والله تعالى يؤكد فى القرآن الكريم على أن محمدا كان رسولا من العرب أى كان مثلهم فى نفس الثقافة ، ولنتأمل قوله جل وعلا (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ ) (الجمعة 2 ) ،أى (أمى) من نفس أولئك الناس الذين لم يأتهم رسول من قبل ، فعاشوا على تزييف ملة ابراهيم قبل خاتم المرسلين . ويقول تعالى (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ ) ( يونس 2 ) أى هو رجل منهم ، ليس مختلفا أو غريبا عنهم ، هوأصلحهم وأفضلهم وأقدرهم على تحمل رسالة الهدى طبقا لاصطفاء الله جل وعلا له ، ولكنه منهم.) أقول بالله عليك هل تعني (منهم) أنه كان يعبد الأصنام مثلهم ، ألم تسمع عن منزل واحد لأب وأم وأخوة وكلهم مختلفين ثقافيا وعقائديا ، فهل لو قلنا عن أحدهم أنه من هذا البيت هل يعني أنه متفق عقائديا مع أهل البيت؟ أي منطق هذا؟
ويقول (كانت له عليه السلام نفس الخلفية الثقافية التى كانت لقومه المشركين ، من عبادة الأصنام والأنصاب والأوثان) وقد قضينا على هذه الفرضية بإعادة شرح قوله تعالى (ووجدك ضالا فهدى)
ويقول [وتعجبوا أن يبشر بالقرآن واحد منهم كان مثلهم فى عبادة الأولياء و القبورالمقدسة، فقال تعالى : (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ ) ( يونس 2 ) (وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ) ( ص 4 )] ، وأقول هل النص الذي ساقه يفهم منه النتيجة التي توصل إليها (كان مثلهم في عبادة الأولياء والقبور)؟ ، في الحقيقة أنها مقدمات لا تؤدي إلي النتيجة وهذا ما يعرفه رجال الفقه والقانون بالفساد في الاستدلال ، فلما يقول سبحانه (رجل منهم) أي من الناس (بشر) وليس معنى هذا أنه متحد معهم ثقافيا ، لأن الناس مختلفون حتى في الفهم والعقيدة ، فمع أي منهم أتحد؟ ولماذ يكون متحد عقائديا مع عباد الأولياء والقبور ، ثم أن مكة وقت بعث النبي لم يكن فيها قبور مقدسة ، ولكن كان فيها أصنام وأنصاب مقدسة هذه مجرد ملاحظة!
فمنهم هنا تعني من جنسهم ولا تعني من ثقافتهم ولنتدبر قوله تعالى: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً (94) قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً (95)[سورة الإسراء] ، وأظن النص هذا يشرح النص المستشهد به.
ويقول (ولذلك فقد طالبوه بحكم الثقافة المشتركة بينه وبينهم أن يبدل القرآن أو يأتى بقرآن غير القرآن الكريم يتفق مع أهوائهم: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ) والله تعالى أمره أن يقول لهم ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُل لَّوْ شَاء اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)( يونس 15 : 16 ). أى أنه عليه السلام يتخذ من تلك الثقافة المشتركة حجة مضادة) ، ونقول لقد وجدوا في القرآن ما يعيب آلهتهم ويسفه أحلامهم فطلبوا منه أن يأتي بقرآن غير هذا مع بقاء هذا القرآن ولكن يكون مهجورا لوجود غيره أو يبدل هذا القرآ، بالكلية ، ولو كان الرسول عليه السلام يعبد الأصنام قبل البعث ، لذكروه بعبادته لها ، ولكنهم لم يفعلوا دليل على عدم حدوث هذا البهتان بالكلية ، ثم كان رد الرسول رائعا مفحما (ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي) وهذا دليل على أنه ليس هو من ألف القرآن وكتبه ، ولكنه يتبع ما يوحى إليه ، ويخاف من العذاب إن عصى ربه ، ودليل أنه يتبع ما يوحى إليه أنه لبث فيهم عمرا من قبل القرآن لم يكن يكتب ولا يقرأ فلو كان لديهم ذرة عقل ما طالبوه بتدبيله أو الاتيان بغيره ولأيقنوا أنه (اي الرسول) ليس من كتب القرآن وألفه ، ولكنه من عند رب العزة وكيف يكون له كتابته وهو لبث فيهم من قبل لا يقرأ ولا يكتب ولا يخطه بيمينه إذا لارتاب المبطلون ، وليس كما فهما الشيخ أنه إستخدم الثقافة المشتركة حجة مضادة.
ويقول [فقد لبث فيهم عمرا من قبل نزول القرآن الكريم كان فيه مثلهم ضالا ، لا يعلم شيئا عن الهدى ، وعندما جاءه الحق اهتدى به 3 ـ وعن وضعه قبل نزول القرآن الكريم عليه يقول له جل وعلا: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ)(الشورى 52 ) أى ما كان يدرى قبل نزول القرآن الكريم عليه ماهية الايمان أو ماهية الكتاب الالهى. ] وأقول نعم العبارة صحيحة ضالا ضلال غفلة لا يعلم شيء عن الهدى ولكنه لم يعبد صنما أو يسجد لنصب ن وجائت العبارة التالية بعد الرقم (3) لتشرح نوع الضلال وهو عدم الدراية بالكتاب والإيمان ، وهذا النوع مطلوب ليكون دليلا على إعجاز الرسالة وبيان لنبوته عليه السلام على نحو ما فصلنا ، وهي دليل مما خطه بيمينه أن الضلال الذي كان عليه النبي قبل الهداية ضلال غفلة ، وليس ضلال عبادة أصنام ، كضلال مبين أو بعيد – حاشا لله – أن يكون ذلك كذلك.
ويقول [ومن مظاهر إتخاذ تلك الخلفية المشتركة مسرحا للجدال بينه وبين قومه ، نعيد التدبر فى قوله تعالى له (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ) ( الزمر 36 ). فهم إتخذوا من خلفيته السابقة ـ حين كان يستغيث بالأولياء ويطلب منهم العون والمدد ويخشى عقابهم ـ إتخذوا منها أداة تخويف له] ، وأقول الآية لا تعني من قريب أو بعيد أن الرسول كان يعبد الأصنام على خلفية مشتركة بينه وبين الكفار ، ولكن هي الحرب والجدال بينهم وكل واحد يستخدم جميع أسلحته ومن الأسلحة التوجه لمن أعتقد أنه إله لأدعوه وأستنصره ، وكان الرسول يستنصر رب العزة ويدعوه بالمدد والعون ، وكان الله يسمع دعاءه ويمده بالملائكة مردفين (الأنفال9) ، والكفار أيضا يستعينون بآلهتهم لظنهم فيها ، فمثلا لو جائني (بوذي) وسمعني أسب إلهه وأسفه حلمه ، فقال لي سأدعوا عليك بوذا لكي ينسخ قردا أو يسحرك قطا ، وهو بذلك يخوفني ببوذا ، فهل معنى ذلك أنني آمنت ببوذا وخفت منه؟ طبعا كلا وألف كلا ، وهل معنى ذلك أنني كنت مثله في عبادة بوذا؟ طبعا كلا وألف كلا ، هم لم يستخدموا الثقافة المشتركة في تخويفه بل إستخدموا عقيدتهم التي يؤمنون بها وأصنامهم التي يسجدون لها ويظنون أن لها قوة خارقة ، ويكفي محمد عليه الصلاة والسلام درأ لهذه التهمة أنه كان يتلوا عليهم قول الله في حق الخليل (وَكَيْف أَخَاف مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ ) [ الْأَنْعَام : 81 ] ، وهذا يدل على أن الكفار يستخدمون نفس الأسلحة والمفردات ، فقد خوفوا إبراهيم بالأصنام من قبل وكذلك فعلوا مع محمد وكان رد محمد هو رد إبراهيم عليهما السلام (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله).
ويقول [ولأنه كان مثلهم ومنهم ومشاركا لهم فى الاعتقاد والشعائر الشركية فقد غضبوا عليه عندما تحول عنها ، وإتهموه ـ حسب إعتقادهم ـ بانه ( ضلّ وغوى ) ، يعنى كان قبلها مهتديا يعبد ما وجد عليه الأسلاف شأن الآخرين ، فلما نزل عليه القرآن الكريم وبدأ يدعو به الى (لا اله إلا الله ) اعتبروه ضالا ، فأجاب رب العزة عنه فقال : (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) ( النجم 1 )] ، الحقيقة أنني أقول (لا إله إلا الله) يحاول الشيخ بشتى الطرق أن يثبت رأيه ، وهو يقول يجب أن ندخل على القرآن بدون رأي مسبق كمنهج حتمي لتدبر القرآن ، وهو دخل عليه برأي مسبق أن النبي عليه السلام كان يعبد الأصنام قبل البعث ، لذا نراه يستخدم كل آية في محاولة مستميته لإثبات وجهة نظره ورأيه وهذا أكبر دليل على أنه دخل على القرآن بفكرة مسبقة يريد أن يثبتها ، فحتى النص الذي ينفي فيه رب العزة سبحانه الضلال والغواية عن الرسول إستخدمه كدليل على ضلال الرسول قبل البعث وعبادته للأصنام ، فلله الأمر من قبل ومن بعد.
أما القول في تدبر قوله تعالى (ما ضل صاحبكم وما غوى) فـ (ما) هنا نافية لجنس الضلال عن الرسول الكريم ، وطالما كان النفي مطلق بـ (ما) فيكون الضلال في قوله تعالى (ووجدك ضالا فهدى) إستثناء من النفي المطلق ، فلا يجوز التوسع في فهم الاستثناء ، ويبقى نوع الضلال ليس بينا أو بعيدا ، ويقف عند حد الغفلة كما حدث مع الخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام.
ويقول [ويصل بهم الأمر الى الضغط عليه بتلك الموروثات الثقافية ليتصاعد الى درجة الاكراه فى الدين مما يجعله عليه السلام يكاد ينصاع لهم ، لولا عصمة الله جل وعلا له بالوحى ، نلمح هذا فى قوله تعالى له (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً ). فماذا لو فعل وأصبح خليلا لهم مفتريا الكذب على الله جل وعلا ، يقول جل وعلا له محذرا:(إِذَاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا)( الاسراء 73 : 75 ).] ، ونقول فهما الشيخ أنهم كادوا يفتنوه لوجود ثقافة شركية سابقة مشتركة بنهم ، ونفهمها أنهم مازالوا عليه بالحيلة وطلبوا منه إثبات القدسية لقرية أو مكان أو تخصيص وقت للعظماء وآخر للسفهاء على حد زعمهم ، ولأن الرسول همه الأول هو الدعوة لله ، فظن في نفسه فقط أنه قد لا يكون ضيرا أن يثبت القدسية لأرضهم على أن يتبعوه أو يجعل لهم مكانة أعلى من غيرهم على أن يتبعوه ، وكان ذلك حديثه مع نفسه فأطلع عليه رب العزة سبحانه وتعالى وأنزل عليه قرآنا يتلى إلي يوم الدين ، وقطعا لو أثبت لهم قدسية مكان أو خصص لهم إمتيازا دون غيرهم يكون بذلك قد أفترى على الله غير الذي أنزل عليه ، لأن ذلك سيكون من عنده وليس من عند الله ، فجاءت الآيات لتحذره ، وتنبهه ، وذلك دليل على أنه مؤيد ومثبت ومعصوم من الله سبحانه وتعالى.
ويقول [ومن ملامح الشرك أن تكون له أعياد وموالد وولائم تقوم على اساسها صحبة وصداقة ومودة فى الدنيا تنقلب الى عداء فى الاخرة ، والله جل وعلا يقول:(وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ )( العنكبوت 25 )، وبتطبيق هذا على حياته عليه السلام قبل البعثة النبوية نتصور أن كان هناك من كان صاحبا له من أيام الشرك، وظل هذا الصاحب على الشرك ، وحاول أن يستخدم الصلة السابقة فى إغرائه عليه السلام بالمداهنة والخداع،وقد كان يطيع أولئك الكافرين مما استلزم أن ينهاه الله تعالى عن طاعة المكذبين بالقرآن الكريم (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ)(القلم8: 10)] ، ونقول ، لا نحتاج أن نثبت أن الآية في سورة العنكبوت على لسان إبراهيم عليه السلام وهو يتحدث مع الكفار وعنهم ، فكيف بالله عليك تجعلها وصفا لحال النبي مع قومه من المشركين والكفار ، ثم تقول (نتصور أن كان هناك من كان صاحبا له أيام الشرك) فمتى يأخذ الدين بالتصور؟ ، وكيف يكون لمن إتخذ القرآن وكفى أن يتصور حالة ، وهي بتصوره ظنية ، فكيف يحكم بالظن على اليقين؟ ثم كيف يأخذ التصور ليجعله حقيقة لا مراء فيها؟ وكيف يأتي بآية لا تتكلم عن محمد عليه السلام ، ويجعل منها قاعدة لإثبات أن محمد عليه السلام كان يعبد الأصنام؟ ويطبقها على حياته قبل البعثة ، أما القول في قوله تعالى (فلا تطع المكذبين) الآيات مكية ومن أوائل السور نزولا ، وطبعا الكفار طلبوا منه ألا يذكر آلهتهم بسوء فيتركوه يدعوا لدينه ، هم مكذبين بما نزل عليه ، وطبعا الرسول ومازال في أوائل عهده بالرسالة ينتظر توجيه رب العزة له هل يقبل أم يرفض ، فجاءه الأمر بالرفض مع التعليل أنهم تمنوا أن يهادنهم فيهادنوه أو يعظم شعائرهم فيعظمون شعائره ، ولكن الله يأمره بعدم طاعة كل حلاف مهين ، وهنا مهين بمعنى ضعيف القلب كذاب مكثار من الشر فاجر عاجز حقير عند الله ذليل وضيع قبيح ، فلو كان هذا المهين صاحب له في الجاهلية كما تصور شيخنا فهل سيسبه بهذه الأوصاف الوضيعة؟ ، أم هو تحميل الآيات أكثر مما تحتمل.
ويقول [وتصل قوة صلته بأولئك الأصحاب المتطرفين فى الشرك الى ان ينسى النبى ذلك النهى الذى جاء له فى أوائل ما نزل من القرآن فيواصل طاعته للمتطرفين المشركين ، بل ويتجاهل من اجلهم المؤمنين الضعاف ، فيأمره ربه بأن يتلو القرآن ليتذكر ما ورد فيه من أوامر ونواهى سابقة ، فلا تبديل لكلمات الله تعالى فى القرآن ، ولا تبديل لأوامره ونواهيه ، ولا سبيل له سوى القرآن الكريم : (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا )] ، هذه الآية من سورة الكهف جائت عقب الإخبار بقصة أصحاب الكهف الفتية الذين آمنوا برهم وزادهم هدى ، وقد أخبر النبي بحالهم وبقصتهم كاملة ، فيكون الأمر بالتلاوة عائد على القصة لأنه في سياقها ، ولا مبدل لكلمات الله لأنه سبحانه إذا أراد نصر إنسان فلن يهزمه أحد وإذا أراد ضره فلن ينفعه أحد ، ولو أردت أنت يا محمد أن تبدل كلمات الله فلن تجد من دونه ملجأ (ملتحد) وهو تعليم للأمة العبرة من قصة أصحاب الكهف والرقيم ، فلا حاجة للناس أن تعرف على وجه الدقة كم عددهم وكم لبثوا ، ولكن الحاجة لنا بالعبرة من قصصهم ، والعبرة الحقيقية أنه لا مبدل لكلمات الله وحتى الرسول لو أراد أن يفعل فلن يهرب ولن يجد ملجأ منه إلا إليه ، وقد تحولت هذه الآية بقدرة قادر لتصبح دليلا على أن الرسول عليه السلام أطاع المشركين وواصل طاعته لهم وتجاهل من أجلهم المؤمنين الضعاف ، سبحان الله.
ويقول [مرحلة الغفلة وعبادة الأصنام و الأولياء والأوثان : يقول جل وعلا يخاطب خاتم المرسلين :(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ )( يوسف 3 )، أى كان قبل القرآن الكريم غافلا من الغافلين . و(الغافلون ) هو نفس الوصف للعرب فى ضلالهم ،ولقد نزل القرآن الكريم على خاتم المرسلين لينذر أولئك الغافلين:(يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ)( يس1 :6 ) ، ونقول قد سبقنا شرح معنى الغفلة من كتاب الله ، ولا علاقة لها بعبادة الأصنام والأولياء والأوثان على ما سبقنا الشرح.
ويقول [فى مرحلة الغفلة هذه كان محمد بن عبدالله مثل قومه يعبد الله على ملة ابراهيم التى تم تحريفها ، أى يصلى لله جل وعلا و يصلى للأولياء ، ويتوسل بالله تعالى و يتوسل بالأنصاب والأوثان والأصنام ، فى غفلة عن الصحيح والخطأ ، شأن كل متدين بالدين الأرضى ، يرضى به وينسجم معه دون نقاش.] ، ونحن بدورنا نسأله ما الدليل من القرآن؟ وقد سبق وشرحنا فهمنا لمعنى الغفلة مدعوما بالآيات القرآنية.
ويقول [وحتى لا تعود اليه الغفلة السابقة فان الله تعالى يأمره ـ ويأمرنا ـ بمدوامة الذكر تضرعا وخيفة وخفية :(وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ ) ( الأعراف 205 )] ، وقد سبقنا في شرح معنى الغفلة ، والشاهد أنها لن تعود بعد الهداية ، أما قوله للنبي (وأذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة) هو مماثل لقوله سبحانه وتعالى للمؤمنين (ادعوا ربكم تضرعا وخفية ... الآية) الأعراف 55 ، ولا يعدوا تعليما له هيئة الصلاة وحالة التي يجب أن يكون عليها وقت الصلاة ، وهو أمر متعديه لأمته ، وليس فيه ما يفيد إمكان العودة للغفلة والتي إنتهت نهائيا ببعثه عليه السلام.
ويقول [هذا معنى قوله جل وعلا له : ( فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (القصص 86 – 88 ). فهنا خمس من الأوامر و النواهى ، بعضها يعطى لمحات لما كان عليه محمد قبل البعثة ، فى إطار النهى عنها] ، ونقول ليس معنى النهي عن فعل شيء أن المنهي عنه قد إقترف الفعل ، ولكن قد يكون النهي قبل إقتراف الفعل ، على نحو قوله تعالى (ولا تقربا هذه الشجرة) والمعروف أن آدم وحواء لم يكونا قد إقتربا من الشجرة من قبل ، فالنهي عن إتيان فعل لا يعني سابق إتيانه ، ولذلك فإن الأوامر والنواهي لا يمكن أن تعطي لمحات كما قال لما كان عليه النبي محمدا عليه السلام قبل البعثة.
ويقول [يقول له جل وعلا : (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ) ، ويؤكد له بأنه جاءه الحق من ربه ، وينهاه عن الشك ، وينهاه عن التكذيب بآيات الله ، فإن فعل فهو من الخاسرين :(لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( يونس 94 : 95 ). ولم يأت هذا فى فراغ ، فلو لم يكن هناك داع لهذه الأوامر والنواهى ما نزلت فى القرآن الكريم] ، ونقول الخليل إبراهيم أتاه الشك ، عندما قال (رب أرني كيف تحي الموتى) ، وموسى عليه السلام عندما قال (رب أرني أنظر إليك) فهل معنى ذلك أنهما عبدا الأصنام من قبل بعثهما ، أو أنهما تشربا بثقافة الكفر قبل البعث ، أم أن الأوفق أن نقول أن الأنبياء عندما يبدأون دعوتهم النبيلة لهداية الناس يجمع الشر أولياءه ويستخدم كل أسلحته وهم في الأول وفي الآخر بشر فيطلبون مزيدا من الآيات لتثبيت قلوبهم على الحق الذي هم عليه ، والله سبحانه يثبتهم بآياته من نفس نوع المعجزات المفروضة لزمانهم، ومعجزة النبي عليه السلام هو القرآن فيكون التثبيت بآيات الأمر والنهي على النحو سالف الذكر وليس في ذلك دليل أن النبي عليه السلام كان يعبد الأصنام.
ويقول [الى ان يقول جل وعلا له فى نهاية السورة : (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) ( هود 112 : 113 ، 120 ) أى فالقصص القرآن يأتى لتثبيت فؤاد النبى وموعظة وذكرى للمؤمنين . ولو كان فؤاده ثابتا ذا خلفية مؤمنة صحيحة الايمان ما كان هناك داع لذلك] ، ونقول سبحان الله القصص القرآني يأتي لتثبيت النبي ، وموعظة وذكرى للمؤمنين ، فلو لم يكن هناك داعي لتثبيت النبي فإن الداعي موجود ليكون موعظة وذكرى للمؤمنين ، فلا يمكن القول (لو كان فؤاده ثابتا ... ما كان هناك داع لذلك) لأنه مازال قائما في حق المؤمنين (موعظة وذكرى) ، ثم أن إبراهيم عليه السلام قال (ولكن ليطمئن قلبي) ، وموسى عليه السلام قال (رب أرني أنظر إليك) فلما أفاق قال ( سبحانك تبت إليك) ، والمسيح عليه السلام عندما طلب من الله تنزيل المائدة قال (وآية منك) فهل كلهم كانوا في شك ومرية ويحتاجون للآيات ، أم أن جميع طلباتهم كانت لإرضاء تابعهم وتثبيتهم وليس تثبيت الرسول نفسه ، فنفهم من ذلك أن نصوص تثبيت النبي متعدياه إلي صحابته وحواريه وتابعيه ، والله تعالى أعلم وأجل.
ويقول [من ملامح الضلال التى عاشها محمد بن عبد الله أنه كان يعبد الله تعالى وفق التحريف الذى لحق بملة ابراهيم ، أى كان كالمحمديين الآن ، يعبد الله ، ويعبد الأولياء ، يتوسل بالله وبالأولياء مؤمنا بجاههم عند الله .] ، ونقول كلام مرسل لا دليل عليه من نقل أو عقل.
ويقول [وفى مرحلة الدعوة بعد الهداية كان لا بد من التركيز على التمسك بالدين الحنيف ، بأن تكون العبادة خالصة لله تعالى وحده ، وبهذا نزل الدرس لخاتم المرسلين بأوامر ونواهى كالعادة ، يقول له جل وعلا : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ( يونس 105 : 107 ). لم يكتف رب العزة بالأمر باخلاص العقيدة والعبادة لله وحده : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا) بل قرنه بالنهى لزيادة التأكيد ( وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ثم شرح معنى الشرك فى نهى آخر للبيان والايضاح باستعمال واو العطف : ( وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ ). فماذا يحدث إن وقع فى الشرك ؟ ( فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ) إى سيكون عندئذ ظالما لرب العالمين . فماذا عن الاعتقاد المشرك فى أن الولى ينفع ويضر ، وهى تلك العقيدة التى كان عليها محمد قبل البعثة ثم تركها ؟ ، ونقول ليس في كل الآيات دليل على أن الرسول عليه السلام عبد أصناما قبل البعث ، أو حتى أشرك بالله أو كانت لديه النية ، وفي قوله تعالى (فإن فعلت) دليل على أنه لم يفعل ، لأن علماء اللغة العربية قالوا لنا أن (إن) حرف إمتناع للامتناع ، وليس ك (إذا) الذي هو حرف إمتناع للوجوب ، ف‘ن تفيد عدم وقوعه في الشرك ، ، وذلك على نحو (إن جنحوا للسلم) لأنهم لن يجنحوا له ، فلو قال سبحانه إذا جنحوا للسلم فإن ذلك يفيد حتما أنهم سيجنحوا له ، والله تعالى أعلم.
ويقول [يقول له ربه جل وعلا : ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)(الزمر 11 : 15 ) الواضح هنا أن هذا السياق جاء ردا على جدل مع المشركين الطامعين فى إعادته الى خرافات تقديس البشر و الحجر ، فيأمره ربه أن يقول لهم إن الله تعالى أمره أن يعبد الله مخلصا له الدين ، ولأن يكون أول المسلمين ، وأنه يخاف إن عصى ربه عذاب يوم عظيم . ويكررويؤكد لهم القول بأنه مأمور أن يعبد الله مخلصا له الدين ، ويرد عليهم بأن لهم الحرية بأن يعبدوا ما شاءوا من دون الله جل وعلا، ومسئوليتهم على ذلك ستكون بالخسران الحقيقى يوم القيامة.] ، وأقول أنه بشرحه هذا حمل الآيات ما لا تحتمل من معاني أنه عليه السلام كان يقدس البشر والحجر قبل البعثة.
ويقول [فأمره ربه أن يعلن لهم أن الله نهاه عن ذلك، وأنه تعالى أمره في القرآن بعدم العودة إلى الشرك الذى كان فيه قبل الوحي :( قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) غافر 66)] ، ونقول أين في هذه الآية الكريمة نفهم قوله (بعدم العودة إلي الشرك الذي كان فيه قبل الوحي)؟ ولكن على نفس النهج لإثبات فرضية دخل بها على القرآن فوجد في كل آياته دليلا على هواه.
وأخيرا لي سؤال: ماذا سيفيد المسلمين الآن إذا عرفوا أن نبيهم كان ضالا بمعنى كافرا يعبد الأصنام ، وليس بمعنى غافلا عن عبادة الله ومعرفته حق المعرفة؟ وماذا سيضرنا لو تركنا هذه المسائل الخلافية وإنشغلنا بإصلاح حال المسلمين بالقرآن؟ وذلك بإعلاء وإبراز قيمه النبيله من حب وتسامح وعدل وعمل وتسابق في الخيرات وقبول الآخر وعدم البحث في قلوب الآخرين والتي هي لله وحده.
هذه أسئلة مشروعة أوجهها للدكتور أحمد صبحي لوحده وأنتظر إجابته عليها دون تجاهل كما فعل في مرات سابقة هداني الله وإياه والجميع إلي سواء السبيل وإلي ما فيه الخير لنا جميعا في الدنيا والآخرة
أقول قولي هذا وأستغفر الله سبحانه وتعالى لي ولكم ولجميع
شريف هادي

اجمالي القراءات 10176