البطولة عند بن نبي

محمد هيثم اسلامبولي في الجمعة ١٥ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


تتشكل الملحمة الإنسانية في أبعاد التاريخ ضمن سلسلة من حلقات تؤلف كل حلقة إقلاع حضارة ، وانحطاط أخرى، والأمة الواعية التي تدرك في عقلها من خلال المفكرين فيها موقع الإنسان من الدورة الحضارية، وعليه توجه وتختار وتحدد آلية النهضة ولوازمها بفاعليه، وهكذا تلعب الشعوب دورها في سلسلة الحضارات حينما تدق ساعة البعث معلنة قيام حضارة جديدة ومؤذنة بزوال أخرى، والتخلص من أشكال الاستعمار، من جهل وتخلف واستبداد واستعباد.
لذا يجب علينا أن نعترف أن دور البطولة في الم&Igravgrave;تمعات ، دور بدائي، يتناسب مع مستوى الوعي عند الشعوب ، في تحدي الخطر والتخلص من الصعاب ، وهو قيادة الجماهير وسوقها بالطاقة العضلية المادية، ودور البطولة ليس هدف بحد ذاته، مع أهميته في سيرورة وصيرورة الدورة الحضارية ، وله دور كبير في تعبئة الشعوب والتأثير في عاطفتها في تفعيل أحداث التغيير, وهي في المراحل الأولى من الدورة الحضارية ، فلا يجوز اتخاذه مثالا والتغني به على الدوام ، لان لكل حدث حديث من أطوار الحضارة ، فمن الضرورة المنطقية أن نعرف ماهية الشيء للتعامل معه، من ذلك اصطلاح الاستعمار، ويعني طلب الإعمار، ولكن هنا استعمالنا بمعناه السلبي، فكل من يمارس الظلم ويضلل الشعوب استبداد واستعباد هو استعمار ، وفي الاصطلاح القرآني الطاغوت ، فهو أولاً وآخراً داخلي ، لأن فيه خاصية الضلال في جلب الاستعمار الخارجي.
لذا تحرص الدول الطاغية الاستعمارية، على بقاء الشعوب المستعمرة حبيسة مرحلة البطولة، لتمتص خيراتها وتستهلك طاقاتها، وأحيانا تصنع لها الأبطال المضلين، ليكونوا قدوة في مسار تاريخها، وكلما حاول الشعب الخروج من هذه الحالة، يرى نفسه يعود من حيث بدء ، على يد خريجي مدرسة الأبطال ، والتي تعمل على الوقوف في المكان في حركة لولبية، عودة إلى البدء ، كي تستمر حالة الخضوع في الأمة ، حتى تقع أخيراً فريسة الجهل والتخلف، وتنتكس القيم ، وينتشر الفساد وتكثر مظاهر الانحطاط، وهي في طريقها إلى الانهيار، وهذا يفسر حالة سبات بعض الشعوب في الزمن الحضاري ، وعودة نشاط الاستعمار القديم .
فالاستعمار حذق فن إدارة الشعوب، ويمتلك القدرات والمعايير الدقيقة في معرفة المرحلة والمستوى التي تمر بها الشعوب والمؤثرات فيه، لذا تُسخر الفضائيات الدينية والسياسية لاستنبات وتبرير دور البطولة في الأمة كي لا تخرج مما هي فيه ، فليست كل رصاصة موجهة إلى الاستعمار هي مقاومة ضده ، فقد تكون خلبية ظاهرة صوتية، ومن المعروف أن اكبر الأخطاء في السياسة خلط الميول والمشاعر في الرؤية والخريطة السياسية.
فدور البطولة يتأثر بحالة المجتمع, فالمجتمعات التي تعيش في حالة عالم الأفكار, يتصاغر فيها دور البطولة للجهاز العضلي الى صالح الجهاز العصبي, وبالعكس يتعاظم دور البطولة في مجتمعات عالم الاشخاص وعالم الأشياء
والذي البطولة فيه على أساس من الاعتباطية والعفوية الجبرية ، تنظر فيه الشعوب للنهضة باتكالية مسلوبة الإرادة، ومستسلمة لخيوط الأقدار، فهي الدمى بيد اللاعب الذي يمسك بالخيوط ويحركها كيفما شاء، وهكذا تعمل مراحل الدورة الحضارية عملها، والتي لا تختلف عن مراحل النمو البشري ؛ فالأمة التي تنتظر القدر والأحداث التاريخية كي تغير من واقعها ، كمثل طفل حينما يسقط أرضا ينتظر من والديه أن ينهضاه ،كما هو الحال في بعض الظواهر التاريخية للأمة الإسلامية في عهد المغول والحملات الصليبية، إذ برزت سمات الجبرية من الخضوع والاستسلام والعبودية أمام القوة المادية، حتى باتت الناس والشعوب، ترنو إلى مخلص خارجي ، فكان الدور العثماني تحت شعار الخلافة ، كمبرر وغطاء شرعي لحكم المنطقة، وذلك لعدم أهلية الناس فيها لحكم أنفسهم ، فهم يعيشون حالة القابلية للاستعمار، ومن عدم نضوج الإدراك وبأن مصدر القوى والطاقة الكونية ليست بيد البشر وليست محصورة في المادة فقط ، وبان الدين ليسعد المؤمن في جنة الأرض قبل جنة السماء وليس ليشقى، وباعتبار أصل كيان الكون مكون من طاقة موجية حدثت بأمر الله عز وجل ، فهي رسالة إلهية تمثلت بكلمة من مقطع زوجي (كن) تدل فيه الكاف بعلم الصوتيات، على ضغط وممانعة متلاحمة ابتداء من (الفجر الكوني) حتى تمثل في الواقع الطاقة الكثيفة من ( المجرات) وتدل النون على حركة في الخفاء ،تمثل في الواقع نظام الحركة للذرة (الروح) في جسيم المادة ، فان جميع الاهتزازات الذرية للوجود الموضوعي تسبح بأمر موجد الوجود فلا يمكث إلا ما ينفع الناس والعاقبة لما يريد؛ وان العبد بلال الحبشي مع ضعفه حمل رسالة التحرير بكل فلاحة حتى النصر ، فالصبر والتدرج ووعي المرحلة ، من أهم عناصر المقاومة السلمية الايجابية، القائمة على الاعتراف بالآخر ونبذ العنف بأنواعه، ففي زمن قليل لم ينتظر أجيال حتى رأى عمار آل ياسر الفوز على الآخرين ، وكان شعار المرحلة السابقة صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة، لذا الذين لا يدركون علاقة الأسباب بالمسببات ، في السيرورة والصيرورة التاريخية يظنون إن الدين إشباع للغرائز، وان مسالة التطور والتغيير أمر عفوي واعتباطي لا تخضع إلى سلسلة من المقدمات السننية الاجتماعية والتاريخية والطبيعية ، وكثيرا ما يفهم الناس الآيات القرآنية ، والآثار النبوية المتعلقة بالمستقبل البشري ،بأنها خاضعة لسنن كونية عمياء ، وان الكون بمكوناته الثلاثية (الاجتماعية والتاريخية والطبيعية ) ليست منسجمة ومتناغمة مع بعضها بخطوط متوازية، وبان الله الخبير اللطيف بعباده لا يتدخل من خلالها بإنزال النصر والنعمة والنقمة ، وتغيب حقيقة أن الدين عبارة عن شيفرة تتحدث عن مراحل وأطوار سيرة الإنسان التاريخية في هذا الكون من البدء وحتى النهاية ، فان الفهم السلبي يجعل الناس منفعلة تاريخيا وليست فاعلة وصانعة للأحداث ، فالبشرية اليوم تشترك بحس بوحدة المصير أكثر من أي وقت كان، أمام الأزمات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، وكل ما يهدد مستقبل الكوكب الأرضي، من كوارث داخلية، أو غزو من سكان الفضاء، وهذا على مستوى جميع الشرائح والفاعلييات، من علماء وأصحاب فكر ودين وسياسيين ، تتطلع إلى مخلص ومنقذ وقائد عالمي، يكون طوق النجاة للبشرية جميعاً، والذي لا يخفى حالها على المهتمين بالخلاص ، ولكن كثير من الناس تختار موقف المتفرج بدل أن تكون جزء من منظومة العمل في صناعة وتجسيد دعوة المهدي والمسيح الموعود، لتحقيق ما بدأ به محمد (ص) من مقاصد الرسالة الخاتمية حتى يكون الدين كله لله ,فيجدد الاسلام ويصلح الاديان وينشر العدل ويقتل الخنزير ويكسر الصليب في نفوس الناس, فهي تنتظر هبوطه من السماء ، وتنسى أن محمد ص لم ينزل عليه الوحي وهو يسعى لإشباع حاجاته الغريزية ، ويعيش الجانب البشري في كيانه فحسب ، بل كان يجاهد في تزكية نفسه، وسمو روحه ، فيخرج معتزلاً المجتمع متأملاً آيات الله في الأفاق والأنفس ، فاختاره الله لهذا المقام لشخصه الكريمة، فاستحق نعمة النبوة ، حتى فشت بركة هذه النعمة على البشرية عموما، بفضل دعوته وتربيته للجيل الأول حامل الرسالة الخاتمية، والهدف قيام حجة الله البالغة على الناس جميعاً، وان الأمر مرهون بالإرادة الإنسانية، عن طريق تعليم الناس تغيير المجتمعات ، والمحافظة على صلاحها ، على أساس من تربية المجتمع وتزكية النفس لتصير فئة منه أنزيمات اجتماعية في وحده موحده موجه، مثل عمل الخميرة في كتلة العجين ، ومن هنا جاء أهمية دور المثل والقدوة الحسنة في القيادة الاجتماعية (الخلافة) ولكن سرعان ما تنغمس الناس في المادة وتغفل الإنذار، وتستبدل الأسوة بالهوى، فتصرف طاقتها في المتع الغريزية، من تكاثر وتفاخر وتسلية ، وتقف أمام الواجب وشروط النهضة مستسلمة للنوم ، وبالمقابل لا يلتفت التاريخ بسنن النهضة والتغير إلى الأمم المفرغة من المضمون، لا تحمل رسالة وتغط في نوم عميق ، وإنما يتركها لأحلامها غافلة بانتعاشها وهكذا كل أمة تترك سيل مياه التغيير يرسم خريطتها ، وكأن المجتمعات مادة وبلا قدرات واعية عليها القبول إلى ما يصار إليه سيل التغيير، فمن لم يصنع الحاضر لا يذكره التاريخ ولا يؤثر في المستقبل، جاهلين وجهة السير أفول أم شروق حضاري، علما أن الأمة في مثل هذه الحال، إذا كتب لها القدر البقاء فإن شمسها تشرق وهي داخلة صاغرة في سلطة جبار عنيد، يستخف فيهم ويستحي نساءهم .
فالبطولة في مجتمع عالم الأشخاص صنميه، لان أي حركة لا تقودها فكرة تسيرها أوثان فعندما تغرب الفكرة يظهر الصنم يقود الأمة لكتابة رواية حماسية محورها الأنا الوحيد المنقذ والوحيد المنجز والوحيد من يحكم وعلى الأمة المبرمجة على دور البطولة هذا العطاء بلا حدود وهدر طاقاتها وثرواتها ومواردها من أجل ضمان بقاء البطل الأوحد وفي النهاية تظل الأمة هي الوحيدة بلا حراك ولا نهضة وتستمر في سبات عميق، رغم ضرب الأمثال بنهضة شعوب اليابان واليوم بكوريا وبإيران.
ولكن لنرى كيف يتأثر هذا الدور البطولي، إذ يختلف بحسب نوع المجتمعات فمجتمع عالم الأشخاص القبلي قد يحتاج إلى شخص نفعي طموح مثل عنترة في التاريخ العربي القديم كي يخلصهم مما هم فيه من أجل إشباع طموح أو اكتساب مجد شخصي فالناس لا يقاتلون مدركين أن نصرهم قريب وأن طريقهم إلى تخليص مجتمعاتهم محدد واضح لذا قد تطول حروبهم سنين طويلة تستنزف الطاقات عبر أجيال، وكم من حروب عبر التاريخ لم توقفها إلا الأقدار والحوادث الطبيعية، وهكذا المجتمعات التي تقوده أمراء حرب وتعصف فيه ثورات تتصاغر فيه المكاسب الإنسانية في معادلة الربح والخسارة أمام التضحيات والثروات المبذولة وقد يكون ذلك من أجل تغيير أشكال استعمارية بغيرها نجتمع ونختلف عليها، مستعبدين أو مستبدين أو متخلفين ؛ جائعين عاريين لا نبالي، المهم أننا نقف على بقعة تراب ونحن أصحاب سيادة واستقلال على الأرض فقط ، وقد يكون تحتنا الطاقة والماء ونحن عطاشى جاهلون لا نقدر على إطفاء ظمأ أو رفع قمر يرصد الأرض والسماء، فما نفع السيادة والاستقلال المزيفة، إذا لم تتحرر إرادة الشعوب بالعلم والوعي أولا، من جهل وظلم وفساد ، وهل الإنسان من اجل الكون أم العكس ، أوليست نفس الإنسان أهم من الأرض ، ولهدم الكعبة أهون عند الله تعالى من قتل نفس بغير حق وعلى ضوء ذلك كيف يجب ترتيب الأولويات في أجندة قضايانا، والله تعالى ربط تغييره ، بتغيير الأنفس في قوله (ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ) وفي الواقع أحيانا يخرج علينا أبطال راديكاليين وثوار مستوردين ذوو انتماء خارجي، أغراب عن مكونات المجتمع ، يخترقون مؤسسات وأحزاب وطنية قد توظف وتستغل الدين لأهداف تخدم مصالح شخصية أوسياسات خارجية، بدوافع مختلفة، تبادر في تنظيم وتحريك الأمة خلف لافتات وشعارات براقة نهضوية ، تدير صراعا داميا بين خصوم موهومة ( كصراع دونكيشوط مع الطاحونة) ومنافسة ويكون الخاسر الوحيد في المجابهة الانتهازية ، الأمة بمركباتها الأصلية فقط ؛ و لقد كان في التاريخ القريب، دور الشعوب الإسلامية والدول النامية من اجل النهضة (الركض خلف الجزرة) وراء خدعة الخروج الاستعماري لأنه خرج من الأرض ولم يخرج من النفس وبسياسة الحرباء ( القدرة على إخفاء الذات) فقد خرج جسدا تضليلا ولم يخرج روحا ، فخلال القرن الماضي وحتى عهد قريب من هذا القرن كان دور الأمة بأحزابها بطوليا فقط ، وهو إما مصطنع أو مستوعب من المستعمر، معتقدين أن النهضة هي حكم الأبطال، ومازلنا ندور في حلقة مغلقة ، فالذين يقومون بهذا الدور هم أبطال المجتمع المصابون بمرض الشخصانية ومن طبيعة هذا الدور أنه لا يلتفت تضليلا إلى حل المشكلة التي مهدت للاستعمار بأشكاله (من جهل وتخلف وفساد واستبداد واستعباد) بل تسعى للربط بقيود المجتمع الدولي من (معاهدات ومساعدات) وكل هذا تغلغل وعشش في شخصية المجتمع ككيان اعتباري ، من الناحية الثقافية والتربوية والاجتماعية والتي مازالت تصاغ النظم والمناهج بأيدي مشبوهة ،حتى تستمر صيرورة خصائص القابلية للاستعمار كجزء لا يتجزأ من الكيان الاجتماعي، من القاعدة إلى القمة ، وبذلك يصعب التغيير الحقيقي لإرادة الأمة على أساس جدل المادة والروح في الحياة .
ولكن دور البطولة يختلف في مجتمع عالم الأفكار، الذي تكون فيه الحقيقة الموضوعية بصائر للناس (جدل المادة والروح) محور الحياة وفي مصطلح العصر البطولة (الاكتوارية) وهي التي تعي القدر(خيره وشره) وتعمل لتفادي المخاطر المستقبلية، للجنس البشري في الدنيا والآخرة ، فمثلا الدجال رغم انه يظهر في مرحلة من مراحل التاريخ ، وجيل من الأجيال البشرية فقد حذر منه محمد ص سائر الأمة إلى يوم القيامة، وهكذا يجب أن نقف من الأحداث (الحروب العالمية، وأسلحة الدمار الشامل ، والكوارث الكونية، والأمراض الوبائية والقضايا المصيرية) التي تهدد الجنس البشري في نوعه أو إنسانيته ، فإن وعي هذا يجعل المجتمع متناغماً مع سنن التاريخ مدرك لموقعه من دورة الحضارة يعرف وقت الإقلاع وهبوب التيارات وامتداد الموجات وكيف يحصن نفسه من الصواعق ويستوعب الزوابع ويحتاط من الصواعق ويتدرج في الرقي والعمران ولا يستبق الأحداث فهو يعي قضاياه المصيرية وكيف يقلق بها أعداءه ابتداءً من تأهيل الشعب في هندسة بناء العقل، ولا يغفل النفس يسدد الميول ويؤجج المشاعر ويزرق النفس في كل حين بجرعة من الطاقة الروحية لتسمو وتفيض بالمكارم صابرة من أجل أسمى الغايات (رضوان الله ) وذلك مع وضوح الرؤية وتحديد المنهج على خلفية من نضوج العقل ورشاد الفكر ووعي الواقع وقدرة على التكيف والإبداع عند حاجة بعض السبل ، من ترميم بدائل إضافية إلى خبرة في تنمية الموارد البشرية تفعيلاً وتفجيراً للطاقات ومحافظة على المنجزات وبذلك لا تنام الأمة بعدها حتى تحقق مرادها في صنع الجنة في الدارين وتكون نموذجا للعالمين كي يسعد الإنسان فلا يشقى كما أراد لها الرحمن وحينئذ فقط يقوم الإنسان بدوره الاجتماعي، لان الإنسان يصنع عالمه لايعيش عالمه ، وبذلك يترفع عن البهيمية وطابع القابلية للاستحمار، وبالتالي لن يقبل حكومته الاستعمارية تنهب ماله وتمتص دمه ولا يطمئن على عقله أو غذائه أو دوائه إلا في أيدي أمينة لها تاريخ حقيقي معروف وليس مصنوع .
إن تغيير النفس الاجتماعية (الميول والمشاعر) العدوانية والكراهية ورفض الآخر هي طوق النجاة ، وأما آلية التغيير فليست شخصية أوفردية وإنما جماعة مؤسساتية شبيهة بـ (سفينة نوح ) من خلال رؤية منفتحة ومنهج واضح ومحدد تستطيع من خلاله إحداث الانقلاب الاجتماعي عن طريق اخذ المبادرة في القيادة الفكرية للمجتمع ، في التوجيه والولاء ، ولا يتحقق ذلك إلا بالتوجيه الموحد بطاعة قيادة صالحة خبيرة بالقضايا المصيرية وحكيمة بمصالح العباد واقع ومعطيات ؛ وكأن المجتمع بتغيير نفسه قد غير وضع حاكميه تلقائياً إلى الوضع الذي يرتضيه وهكذا الظاهرة السياسية تنبثق من الأمة تسوسها وتتأثر في وقت واحد وفي هذا بيان ودلالة على ما بين التغييرين من علاقة النفس والمجتمع وبالطبع هذا غير الفرد فالتغيير للوسط الاجتماعي من المفاهيم السائدة عن الحياة الدنيا والرأي العام والعلاقات العرفية، فالحكومة ما هي إلا آلة اجتماعية تتغير تبعا للوسط الذي تعيش فيه وتتنوع معه و يظل طريق النهضة، طريق الأنبياء، وهو سلمي إيجابي سنني ينسجم مع قوانين التاريخ ووعي الواقع من خلال الإمكانيات المتاحة مع المحافظة على المنجزات السابقة إذا أردنا الخلاص و النجاة مما نحن فيه من أزمات .
والمجتمعات المغلقة التي تصاب ، بالجمود وبالمواقف المتصلبة ، تستطيع الناس أن تعيش في داخلها وهي في حالة تبوغ لتحمي نفسها كما تحمي الشرنقة نفسها، أو تهاجر في ارض الله الواسعة ، إلى مجتمعات أكثر انفتاحاً .
فأي عمل بطولي لا تتقدم الأمة بعده خطوة على مستوى القيم والحقيقة والعدل والإنسانية فان الهدف النهضوي لا يحقق إلا الخسارة وهذا معيار صحة وصواب مسار النهضة وتظل الأبطال رموز اجتماعية تحارب أسباب الاستعمار من جهل وتخلف واستبداد واستعباد في الثقافة والتربية حتى تحدث الانقلاب الفكري في داخل المجتمع ، وتغير موقف الرأي العام الخارجي بما يخدم القضية والنهضة، وليس في شراء مقعد من مجلس البرلمان أو الشعب ، والقيام بأعمال خيرية لابتياع الأصوات ، أو حمل الحطب إلى أبو لهب لإشعال نار الحرب يكون الهدف منها السيطرة والنفوذ وتسويق أفكار تُسلس قيادتهم أو مواد استهلاكية للتضليل الشعبي ، وهو من أعمال الطغاة .
(يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{31} وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {32})

اجمالي القراءات 9829