أعرف نفسك
أعرف نفسك

زهير قوطرش في السبت ٢٥ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً



أعرف نفسك.

قال الله تعالى في كتابه العزيز.

"وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ "النحل16-76

قبل الدخول إلى أعماق هذه الآية القرآنية العظيمة ,والهامة في معانيها الكبيرة .والتي أعتبرها من الآيات الفريدة التي عالجت مفهومي الكل&oe;ّ ومفهوم العدل في سياق مشترك . فكرت طويلاً ,كيف أختار العنوان المناسب لمقالتي هذه المتواضعة والذي سيكون محور تفاعلي مع مفردات الآية القرآنية.
أعرف نفسك: هي بمثابة الحكمة الكونية ,لأنها لا تنحصر في إنسان معين.بل تمثل أو تشمل الناس جميعاً.كون الإنسان في النهاية هو المخلوق الذي يمتلك القرار النهائي,بخصوص موقفه مما هو فيه, أي موقفه من نفسه ,أو بخصوص علاقته بها .لهذا انحصر تركيز القرآن الكريم في آياته المختلفة.على الإنسان من الداخل . وذلك من خلال ذكر الأمثلة المتنوعة ,والقصص القرآنية التي غايتها محاولة تحريك قوى الإنسان الواعية .لبناء أفضل ما يمكن بناؤه.
نحن نحاول (وأقصد أهل القرآن) جاهدين, أن نفهم كتاب الله عز وجل,والتمعن في مفرداته المتفاعلة مع حركة الحياة. ونبحث في معاني ألفاظه ,لكننا في الوقت نفسه نتبع منهجاً هاماً ألا وهو بعث معاني جديدة تتحملها الألفاظ ,لفهم ما هو معاصر .نص ثابت وتفسير متحرك يوازي حركة الوجود .حيث لا ثابت إلا هو... والهدف من كل هذا الجهاد المتواصل في تدبر القرآن هو ,لنؤكد ذاتنا الإنسانية من جهة ,ولنؤكد تواصلنا مع من سبقنا من جهة أخرى ,ولنعطي امتدادنا الصحيح في الأخلاف.
محاولة أهل القرآن الدائبة المستديمة.تستمد مشروعيتها كوننا نشعر بالمسؤولية والواجب الذي نلتزم به ,مسؤولية الوضع المتردي الذي يميز مجتمعاتنا ,من الشرك ,والجهل والتخلف ,والفقر ,والاستبداد . كوننا طرف في هذه المعادلة شئنا أم أبينا, فالأوطان هي أوطاننا, وأهلها هم أهالينا. وعلينا إذن واجب المساهمة في تجاوز هذا الوضع المتردي,. وكما ذكر الأخ فوزي فراج في مقالته التي تم حذفها,أنها مسؤولية كبيرة ,وواجب كبير ,نحن نساهم في معادلة التغير في كل أنحاء الأمة الإسلامية ,كوننا نساهم في التغير الثقافي للإنسان العربي والمسلم....والكردي أيضاً حتى لا يزعلوا الأكراد.لهذا أقولها صراحة الأمر يجب أن يُحمل على محمل الجد .لأن كل كلمة نكتبها على هذا الموقع يقرأها الكثير من أفراد الأمة ,وهنا تكمن مسؤولية الفرد من أهل القرآن في الابتعاد عن المقالات التي تكتب بدون هدف أو رسالة ,وحتى التعليقات على المقالات المكتوبة ,يجب أن ترتقي الى مستوى المسؤولية ,والى مستوى أخلاقية القرآن .لذلك علينا التجرد من الأنا القاتلة في تعاملنا مع الأخر .فرأي الأخر قد يحمل الصواب ,ورأي قد يحمل الخطأ .ومعرفتنا نسبية لأن المعرفة المطلقة والصحيحة هي عند الله عز وجل ,لهذا أخبرنا عز وجل بأنه سيُعلمنا في النهاية من كان على صواب أو العكس.أنها دعوة صريحة ,حتى تكون اختلافاتنا في إطار الود والمحبة.
أعود إلى معاني الآية الكريمة .فكلمة الكلّ تعني السلبية واللافعالية للإنسان ,وليس هذا وحسب ,بل تدل على أن هذا الإنسان هو عبء على من يتولاه, سواء كان فرداً أم مجتمعاً. وكلمة العدل في الآية الكريمة تدل على الفعالية ,لكن الفعالية أحياناً ,أو غالباً في مجتمعاتنا المتخلفة لا تكون دائما فيما ينفع الناس.وقد يكون الإنسان فعالاً فيما يضره في الدنيا والآخرة. أما العدل ففعاليته في الحق دائماً.
الآية الكريمة تصور لنا شخصين . لا توجد بينهما مساواة. شخص عاجز ...أو أمة عاجزة . هذا الشخص لا يصلح أن يكلف بأداء أي مهمة مهما كانت بسيطة ,أو أمة لا تستطيع أنجاز حتى ما ينفعها. وشخص أخر نشيط فعال (آمر بالعدل).أو امة فعالة تقيم العدل. إذا توجه الى أمر يؤديه على وجهه.ويحصل على أحسن النتائج. أو امة تؤدي رسالتها لصالح شعبها ,ودائماً في حالة تطور وتؤمن الرفاهية لأبنائها .والشخص العدل ....كما بينت الآية هو في النهاية على صراط مستقيم , لأن فعاليته الايجابية هي لصالح بناء هذه الأرض تحقيقا لمشيئة الخالق في خلق الإنسان.
وقد قرأت للشيخ جودت سعيد ,تعريفا جميلاً لكلمة الكل .حيث عبر عن معناها بشكل رائع قوله,أن الكل يشمل كل ما هو مؤذي للجسد والنفس .فالكل هو التعب والتعب هنا في دلالاته : الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية. أما العدل هو الاستقامة هو التوازن والانضباط الجسميان والعقليان والنفسيان والاجتماعيان.

ولو تصفحنا ما قاله السلف في تفسير هذه الآية لوجدنا .

"قَالَ مُجَاهِد وَهَذَا أَيْضًا الْمُرَاد بِهِ الْوَثَن وَالْحَقّ تَعَالَى يَعْنِي أَنَّ الْوَثَن أَبْكَم لَا يَتَكَلَّم وَلَا يَنْطِق بِخَيْرٍ وَلَا بِشَيْءٍ وَلَا يَقْدِر عَلَى شَيْء بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا مَقَال وَلَا فِعَال وَهُوَ مَعَ هَذَا " كَلّ " أَيْ عِيَال وَكُلْفَة عَلَى مَوْلَاهُ " أَيْنَمَا يُوَجِّههُ " أَيْ يَبْعَثهُ " لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ " وَلَا يَنْجَح مَسْعَاهُ " هَلْ يَسْتَوِي " مَنْ هَذِهِ صِفَاته " وَمَنْ يَأْمُر بِالْعَدْلِ " أَيْ بِالْقِسْطِ فَمَقَاله حَقّ وَفِعَاله مُسْتَقِيمَة"

ومع أنهم فسروا الكل بالوثن الجامد . فلهم الحق في ما توصلوا إليه من معاني ,لكن حركة الحياة جعلت في عصرنا هذا الذي نعيشه ,للجامد وللوثن أسقاطات أخرى فالجامد هو الإنسان السلبي .الذي لا فائدة ترجى منه لنفسه أو لغيره ,أو الأمة السالبة الضعيفة المتكلة على الغير.والعدل هو الإنسان الايجابي الذي هو على صراط مستقيم أو الأمة القوية والتي تقيم مجتمع القسط والعدل. والله أعلم.

اجمالي القراءات 13642