نظرية التخصيص البشري الديمقراطي للعقوبات القرآنية.
العقوبات القرآنية في ظل الدولة الديمقراطية الحديثة.

زهير الجوهر في السبت ١٨ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

هذا المقال

الفكرة الرئيسية هنا تتعلق بكيفية تطبيق العقوبات الجزائية الواردة في القرآن في ظل الدولة الديمقراطية الحديثة.

المقال:

ذكر القرآن بعض العقوبات الجزائية على عدد محدود من التعديات على المجتمع, وعددها خمسة:


1)عقوبة السارق والسارقة:

والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم (المائدة 38)

2)عقوبة الزانية والزاني:

الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين (النور 2)

3)عقوبة رمي المحصنات بلا عدد كافي من الشهود:

والذين يرمون المحصنات ثم لم ياتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا واولئك هم الفاسقون (النور 4)


4)عقوبة أتيان الفاحشة:
واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن اربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت او يجعل الله لهن سبيلا * واللذان ياتيانها منكم فاذوهما فان تابا واصلحا فاعرضوا عنهما ان الله كان توابا رحيما (النساء 15, 16)

5)عقوبة الحرابة:
انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم (المائدة 33)

السؤال الأساسي هو كيف ننظر الى هذه العقوبات القرآنية, وكيف نتعامل معها في ظل الدولة الحديثة والتي تتبع نظام فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. وكيف نوفق ما بينها وما بين القوانين والأعراف الدولية مثل شرعة حقوق الأنسان.

تصور نفسك عضوا في البرلمان وهي الهيئة التشريعية في البلاد, وتصور انه قد عرضت مناقشة هذه العقوبات القرآنية, فماذا يكون موقفك.
هل نقول بأن هذه العقوبات هي عقوبات مرحلية تخص زمن الرسول فقط ولاتتعداه, وبأننا يجب أن نرجع الى المباديء الأساسية في القرآن ونبني قانون الدولة على هذه المباديء الأولية وليس على أساس العقوبات المرحلية. وطبعا بهذا المنظار سوف نعرض عن كل هذه الآيات على أساس أنها جاءت لزمن الرسول فقط , وهو قول العلمانية.
هل نتبنى الطرح المعاكس والمتبنى من قبل ما يسمى بالأحزاب الأسلامية المنتشرة على الساحة العربية والأسلامية, الا وهو ان لانعير شرعة حقوق الانسان أي اعتبار بدعوى أننا نتبع الحق الألهي العليم بدقائق الأنسان والمجتمع من قبل أن يخلقة, ونذهب ونحاول تطبيق هذه العقوبات حسب الفهم السلفي التراثي لها من قطع الأيدي والجلد وربما حتى الصلب وقطع الايدي والأرجل من خلاف والحبس في البيوت حتى الموت, وبذلك ضاربين شرعة حقوق الأنسان عرض الحائط.
أم نسلك طريقا وسطا, ونحاول أن نوفق ما بين القوانين والأعراف الدولية الحديثة وعلى رأسها القانون الدولي لحقوق الأنسان ومابين هذه الآيات القرآنية!
الطرح العلماني طرح قوي, وله مايؤيده على صعيد الواقع, فالمجتمعات المتقدمة هي التي تقدمت بتبنيه, وهذه حجة قوية. لكن مشكلة الطرح العلماني هو صعوبة تبنيه قرآنيا, فالآيات أعلاة لاتبدوا مرهونة بزمن معين وليس فيها أي أشاره الى أنها آيات مرحلية اللهم ماعدا آية عقوبة أتيان الفاحشة, فقد تفسر لا بل وقد فسرت من قبل أغلبية المسلمين على أنها كانت عقوبة مرحلية ونسختها آية عقوبة الزانية والزاني.
الطرح الأسلاموي من جهة أخرى لايتناسب مع الزمن والحداثة ومفاهيم أحترام الأنسان, وهو في أغلبه طرح رجعي تعصبي لا أكثر ولا أقل.
أذا يبقى علينا أن نسلك الطريق الثالث , الا وهو طريق التوفيق ما بين القرآني والأنساني.
هذا المقال هو مجرد محاولة لسلك ما قد يكون هذا الطريق.
فكرة المقال الرئيسية تدور حول مبدأ "التخصيص الأنساني الديمقراطي للآيات القرآنية".
ماذا أعني بذلك؟
المبدا هو : بخصوص التشريعات الجزائية في القرآن: كل ما لم يحدده الله فهو متروك للهيئة التشريعية المنتخبة في الدولة الحديثة لتخصيصه حسب مبدأ التصويت بالأغلبية بما يتلائم مع طبيعة المرحلة التي يمر بها ذلك الشعب في تلك الدولة, ويكون ذلك التخصيص تخصيصا بشريا لآيات الله ومرحليا ولا يكون هناك أدعاء بأنه المقصود الألهي الدائم , وأنما يبقى رأي بشري قانوني مرحلي قابل للتغير حسب المرحلة التي يمر بها الشعب.
دعنى أحاول تطبيق هذا المبدأ على العقوبات واحدة بعد الأخرى.

نبدأ من عقوبة السارق والسارقة:

والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم (المائدة 38)

ماهو تعريف السارق والسارقة؟

بالطبع لايمكن ان نأخذ بعموم الآية, حيث يمتنع عقليا ذلك, فهناك من يسرق مضطرا لأطعام نفسه, وهناك المريض النفسي, وهناك المريض العقلي, وهناك المجبور وغيرها من الأستثناءات كثير.
لكن الأهم من ذلك هو السؤال التالي.

هل نص الآية يعتبر نص قانوني أم يعتبر نص دستوري؟

جوابي البسيط هو أن النص ليس دستوريا, حيث أن النصوص الدستورية نصوص ذات طبيعة عمومية أو كما يقال كلية, وليست نصوص مختصة بعقوبة لقضية معينة.
قد يكون الجواب أن هذا النص هو نص قانوني. لكن المشكلة هو ان النص ليس من الوضوح لدرجة أعتباره نص قانوني!
النص القانوني يذكر تعريف كل كلمة فية, ونص الآية أعلاه لايذكر تعريف "السارق" و"السارقة" , كما لايذكر تعريف اليد ولا تعريف القطع.
وبالتالي فبما أن النص لم يذكر تلك التفاصيل, فهذا يعني ان هذا النص هو نص مرن, أي قد يقبل أكثر من تفسير واحد.
رأيي الشخصي هو ان هذه المرونة مقصودة, والقصد من هذه المرونه, هو كي تتيح لنا حمل الآية حسب أحتياج الأمة.
فالقرآن هو الكتاب الأخير للبشر, لذلك لابد من تلك المرونة كي يمكن تخصيص النص من قبل الهيئة التشريعية الشرعية (المنتخبة من قبل الأمة أنتخابا حرا) في ذلك البلد حسب المرحلة التي يمر بها البلد.
أي أنا أقول بأن أنعدام وجود تعريف للسارق والسارقة واليد والقطع في هذه الآية هو مقصود والقصد هو ترك ذلك التعريف للهيئة التشريعية الشرعية في ذلك البلد لصياغته حسب متطلبات المرحلة والظرف الذي يمر به الشعب في تلك الدولة.
فعلى سبيل المثال يعرف السارق والسارقة على أنه من أرتكب سرقة صغيرة ثلاث مرات, أو من أرتكب سرقة كبيرة واحدة اذا تجاوز المبلغ المسروق كذا وكذا. وهذا التعريف طبعا قابل للتغيير فمثلا اذا مرت الأمة بظرف كان يستدعي التشدد في عقوبة السرقة, يغير التعريف من قبل الهيئة التشريعية في البلد الى مثلا من أرتكب سرقة صغيرة مرتين, ويقلل حد المبلغ المسروق الذي يعين تعريف السارق, وهكذا.
ويجب أن لاننسى شيء مهم, الا وهو واقعنا الحالي, فنحن الآن نعيش القرن الحادي والعشرين, وثورة المعلوماتية, ووسائل المواصلات السريعة, بحث أضحت الارض قرية كونية, فلسنا كما كنا من قبل متشتتين لايعلم سكان بلد مايصيب البلد الآخر. كل هذا يجعلنا أما مسؤولية أحترام العهود والمواثيق الدولية, وقوانين وشرعة حقوق الأنسان, وكل هذا يجعلنا أما مسؤولية كبيرة في تطبيق الآيتين الكريمتين التاليتين:

يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير (الحجرات 13)
خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين (الأعراف 199)

وقد يعتقد البعض ان الاستشهاد بهذه الآيات هو ليس في محله. لكني أعتقد بأنه في محله, فالتعارف هنا في هذا العصر ليس معناه التبادل الثقافي او الأقتصادي فحسب, بل يمتد لاحترام القوانين والأعراف الدولية, وبخلافه سوف لن نقدم الا أسلاما يشجع على التفرقة ما بين الأنسانية, وعدم احترام شرعة حقوق الأنسان سوف تجعلنا نقدم وجها قبيحا للأسلام, وبذلك نضر الدين.

ومن هذا المنطلق أقول بأن فهم قطع اليدين على أنه بترهما سوف لن يشجع على هذا التعارف الدولي المنشود.
وبالتالي فيجب تخصيص معنى القطع على النحو الذي قال به الأستاذ علي عبد الجواد في مقالتيه الألمعيتين: 

 تدبر مطلوب في معنى قطع اليد

 كلاكيت قطع الأيدي والأرجل من خلاف

حيث بأختصار شديد عرف الأستاذ على عبد الجواد القطع بأنه وقف أمكانية السرقة بأي عقوبة مناسبة تؤدي ذلك الغرض, وتختلف طبيعة العقوبة حسب مرحلة المجتمع.

وطبعا مسألة فيما أذا كان هذا الطرح مقنعا أم لا هو متروك في النهاية للمجلس التشريعي في أن يبت فيه.
بالنسبة لي شخصيا, فأنا من الذين يتبنون طرح الأستاذ علي عبد الجواد, ولوكنت عضوا في المجلس التشريعي لصوت لأقراره. وأقول بأن هذا التفسير المعمق والمتحضر لمعنى "القطع" في الآية هو الذي يتناسب مع حركة المجتمع المعاصر والقانون الدولي لحقوق الأنسان.
ربما في مرحلة قادمة يحصل تراجع في التحضر وينتقل المجتمع الى مرحلة همجية القرون الوسطى, وعندها اذا بقى هناك مجلس تشريعي منفصل عن السلطتان التنفيذية والقضائية, فعندها يستطيع ان يتخذ تعريفا أقسى للقطع وذلك بمعنى البتر.
أي ببساطة أنا أؤمن بمرونة آية عقوبة السارق والسارقة لتشمل كل العصور, وذلك بأمكانية التخصيص البشري لمعنى السارق والسارقة والقطع والأيدي, من قبل هيئة تشريعية شرعية حسب ظروف البلد.
نأتي الآن لمناقشة عقوبة الزانية والزاني

الآيات:


الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين (النور 2)

واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن اربعة منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت او يجعل الله لهن سبيلا * واللذان ياتيانها منكم فاذوهما فان تابا واصلحا فاعرضوا عنهما ان الله كان توابا رحيما (النساء 15, 16)

في رأيي الخاص الآية أثنان من سورة النور لايمكن العمل بها في الوقت الحاضر, كون الجلد يتعارض مع رغبة المجتمع الدولي والقانون الدولي لحقوق الأنسان.
وبالتالي فنحن مخيرون في ان نلجأ للآيتان 15 و16 من سورة النساء.
أنا شخصيا أميل الى تفسير الآيتين على النحو الآتي:
الفاحشة في بداية الآية تخصص على "الدعارة" أي الأتجار بالجنس, او بعبارة أخرى "الجنس اللاشرعي المنظم", وطبعا الرائد والمحور في هذا المجال سيكون من الجنس الأنثوي. وهذا الجنس اللاشرعي المنظم المدار والمنفذ من قبل مجموعة من النساء هو الذي يؤدي الى أستحقاق عقوبة الحبس في البيوت حتى يتوفاهن الموت, ومعناها فرض رقابة المجتمع على هؤلاء النسوة, اي يوضعن تحت المراقبة القانونية, فلا يخرجن الا ومعهن موظف معين من قبل السلطات التنفيذية حسب أمر قضائي طبعا مسبق, أو يترك ذلك لأهل المرأة أذا كانوا محل ثقة المجتمع والقضاء.
والسبيل في الآية ممكن تخصيصه على انه التوبة او الزواج, او ربما تغير القوانين في البلد واللجوء للجلد حسب الآية 2 من سورة النور في حالة عدم تعارضها مع القوانين الدولية والمجتمع الدولي.
وطبعا التوبة تنظم بصورة قانونية, ونفض التوبة يترتب عليه عقوبات قانونية يقوم بسنها المجلس التشريعي في البلد, حسب طبيعة المجتمع والأعراف الدولية.
أما بالنسبة للآية التالية التي تتكلم عن "الذان" فهنا يمكن أن تخصص الفاحشة في تلك الآية على انها العلاقة الجنسية اللاشرعية مابين شخصين: أي ذكر مع أنثى, أو ذكر مع ذكر, أو أنثى مع أنثى. وهنا هذه الفاحشة تختلف عن الجنس المنظم (وهي جريمة منظمة) أعلاه في كونها حالة فردية ولاينطبق عليها تعريف الجريمة المنظمة, ولذلك كانت العقوبة أهون الا وهي الأيذاء, وهنا يمكن تخصيص الأيذاء على أنه توبيخ او أنذار من المحكمة, والأستتابة من هذا الفعل, وتنظم عقوبة قانونية في حالة نقض ذلك, أما في حالة التوبة فلا حكم عليهم.
وأقول بالنسبة لآية الزاني والزانية وعقوبة الجلد , لو فرضنا بأن المجلس التشريعي أقرها, فأيضا عندها نقول بأن تعريف الزاني والزانية يمكن تخصيصه من قبل المجلس التشريعي حسب حالة البلد والأعراف الدولية والمحلية, وكذلك مقدار قوة الجلدة تعرف من قبل ذلك المجلس, والأفضل برأيي ان تكون اقل قوة ممكن وذلك أحتياطا, حيث ان الله لم يعرف قوة الجلدة, بل فقط عين عددها. وعبارة لاتأخذنكم رافة ولاشفقة في دين الله, معناها أن لا تكون الشفقة والرأفة اي الأسترحام سبيل لمنع تنفيذ تلك العقوبة وليس لها علاقة بقوة الجلد, لذلك أحتياطا نقول بأن الجلد هنا هو عقوبة اعتبارية وليست تعذيبا جسديا, أي أنها تعذيب نفسي.
ومن الجدير بالذكر ان المتناقل من الأثر عن الرسول بأنه خصص الزاني والزانية في هذه الآية على الزني مابين غير المتزوجين من الأحرار طبعا ( يرجى ملاحظة ان الآية أصلا مخصصة أي بتخصيص قرآني حيث ان ملكات اليمين عليهن نصف ما تعينه هذه الآية من الجلد, وهذا دليل قرآني على عدم عمومية الزاني والزانية في هذه الآية, وبالتالي فهي عبارة مخصصة, اي المقصود منها فئة معينه من الزناة ذكورا كانوا أم أناثا, وليس كل الزناة)
وأذا صحت هذه الاخبار فأن الرسول هنا قد عمل تخصيص بشري للآية حسب ظروف زمانه, حيث أن الزنى مابين المتزوجين آنذاك كان قليلا ودوافعه قليلة قياسا بزماننا الحالي( والكل يعرف قصدي). لذا كان الزنى مابين المتزوجين شيء غريب يستحق الرجم اي التقتيل وهو احد عقوبات الحرابة, والتي كما يبدوا خصصها الرسول آنذاك لتشمل الزنى مابين المتزوجين كأحد حالاتها, وعلى هذا الاساس قام بالأعدام رجما بالحجارة والذي يقابله الأعدام بالرصاص في العصر الحديث في حالة تبني التقتيل.
الا اننا نقول بأن هذا التخصيص الرسولي هو تخصيص مرحلي لزمان الرسول, ولاينطبق الآن في هذا الزمن, وعلية فأن للهيئة التشريعية الشرعية في البلد ان تخصص وتعرف الزاني والزانية وقوة الجلد وغيرها حسب ظروف البلد والمجتمع والأعراف الدولية.
لذلك أقترحت أن نعتمد على آيات سورة النساء حيث انها ممكن ان تفسر وتخصص بطريقة أنسب الى عصرنا الحالي, فمن الواضح ان هذه الآيات في سورة النساء كانت تخص مرحلة معينه كما يبدوا سبقت سورة النور, ولربما كان من المتعذر آنذاك تطبيق حدود مثل الجلد , ولذلك جاءت هذه الآية, وعبارة "أو يجعل الله لهن سبيلا" تشير الى ذلك, وكما يبدوا فأن الآية 2 من سورة النور قد نسختها.
أقول بأنه مادامت الآيات من سورة النساء موجودة فلا بد من مجال للعمل بها, وتصوري الخاص هو انه يمكن العمل بها وليس بالآية 2 من سورة النور بخصوص موضوع الزنى والمثلية الجنسية, وذلك لأنه ممكن تخصيصها بصورة تتناسب أكثر مع مفاهيم الدولة الحديثة والقانون الدولي لحقوق الأنسان.

والآن نأتي لعقوبة رمي المحصنات:
والذين يرمون المحصنات ثم لم ياتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة ابدا واولئك هم الفاسقون (النور 4)
, هنا نقول بأن العمل بهذه العقوبة يبطل في حالة أيقاف العمل بعقوبة الجلد للزانية والزانية على ألاساس أعلاه, وذلك لأن الأخيرة هي سبب هذه العقوبة, فلو لم يكن هناك جلد للزاني والزانية لما كان هناك جلد في حالة الشهود الزور على الزنى, ونلاحظ ان هذه الآية جاءت مباشرة بعد حكم الجلد على الزناة, ولم تأتي بعد الآيات في سورة النساء التي لاتحتوي على الجلد, مما يشير الى أرتباط علة بمعلول, لذلك عند ابطال العلة ينتفي المعلول.

العقوبة الأخيرة هي عقوبة الحرابة:
انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم (المائدة 33)


وهنا يمكن للمجلس التشريعي الشرعي في البلد ان يخصص عبارة
" الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا" , حسب متطلبات المجتمع.
وكذلك على المجلس التشريعي تحديد القوانين التي تحدد متى يؤخذ بالتقتيل والصلب وقطع الأيدي والأرجل من خلاف والنفي من الأرض, وعلى نفس المجلس تعريف كل هذه العقوبات بصورة واضحة وبيان أستحقاقها.
بالنسبة لي فأنا شخصيا أرى تخصيص الحرابة بجريمة القتل حصرا او لربما قد تشمل التعديات الكبرى على أمان المجتمع , وبأختيار عقوبة واحدة عليها جميعا تلائم العصر الحالي الا وهي السجن المؤبد (كتعريف للنفي من الأرض).

أعتقد ان الفكرة الرئيسية من هذا المقال واضحة, وأتمنى ان أكون قد وفقت لشرحها.
بالطبع سوف يخالفني الكثير في هذه الآراء, وهذا هو الغرض من كتابة هذا المقال , كي نثير النقاش حولة لنصل الى نتيجة معينه.

والله أعلم

ملاحظة: المقال يتكلم في أجواء الدولة الديمقراطية التي تفصل بين السلطات الثلاث, وكذلك تفصل مابين التشريع للمسلمين ومابين التشريع لغير المسلمين. فالمقال أعلاه هو حول التشريع الذي يخص المسلمين في الدولة ولايشمل بالضرورة المنتسبين لديانات أخرى.

أن مبدأ "القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع في الدولة" هو مبدأ ينقضه القرآن بوضوح, أقرأ الآيات التالية من سورة المائدة:

 وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)

حسب الآيات أعلاه أهل التوراة يحكموا بينهم بما أتى فيها لهم , وكذلك أهل الأنجيل, أما المسلمين اهل القرآن فيحكمون بالقرآن والقرآن عندهم مهيمن على ما قبله لكن طبعا فقط في نطاق التشريع المختص بالمسلمين, وهذه الهيمنه لاتتعدى لتشمل شمل الأديان الأخرى بتشريعات القرآن.

أنا من المؤيدين لأختلاف التشريع حتى في مجال قانون العقوبات مابين المنتسبين لمعتقدات مختلفه في نفس الدولة, بشرط ان تتفق كل الفصائل على شرعة حقوق الأنسان والأساسيات الأخلاقية والمعنوية المشتركة في كل الأديان. طبعا هذا ربما يكون ضد مبدأ المواطنة لحد ما, لكن هذه قناعتي الشخصية.

حتى دستور الرسول في المدينة المنورة كان أتباعا لهذه الآيات, اليهود يحكمون بالتوراة, والمسلمين بالقرآن.

وكما نرى فأن الأدعاء بأن القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع ليس له مايؤيده في القرآن ولا في التأريخ النبوي, لا بل الآيات اعلاه والدستور أيام الرسول ينقضه بوضوح, بل حتى ملك مصر آيام النبي يوسف كان يتبع الشرعات المتعددة حسب الأديان!

والله أعلم


مع أطيب التحيات

اجمالي القراءات 38778