ثلاثون عاما على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية

مجدي خليل في الإثنين ٠٦ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

ثلاثون عاما على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية
فى 26 مارس 2009 مرت ثلاثون عاما على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى وقعت فى 26 مارس1979، وهى المعاهدة التى تعد فى تصورى أهم حدث فى تاريخ مصر المعاصر خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

لم يقدم أحد دراسة علمية عن رأى الشارع المصرى فى المعاهدة عبر استطلاعات واسعة للرأى تعكس النظرة الحقيقية للتيار الرئيسى فى الشارع المصرى ، ولكن يمكن قياس رأى الصحافة والإعلام المصرى للمعاهدة منذ توقيعها من خلا&edil;ل الكم الهائل من الكتابات التى دارت حولها. ورأى الإعلام المصرى فى مجمله سلبيا تجاه المعاهدة ولكنه لا يعكس الرأى الحقيقى للشارع.الإعلام المصرى ،مثله مثل الإعلام العربى، تسيطر عليه كتل الإسلاميين والقوميين العروبيين والإشتراكيين، بالإضافة إلى صحفيى الحكومة وإعلامييها الذين لا يجيدون الدفاع سوى عن مصالحهم الخاصة.منتقدوا المعاهدة ينطلقون من موقف ايدولوجى متخشب لا علاقة له لا بالشارع المصرى ولا بالتقييم الحقيقى للمعاهدة بناء على الفوائد والخسائر.

أهم نقد يوجه للمعاهدة هو تحييد مصر عن الصراع العربى الإسرائيلى، فهل هذا عيب أم ميزة؟. إن تحييد مصر عن هذا الصراع هو ميزة لا تقدر بثمن، فما معنى أن تحارب مصر للعرب بدون عائد حقيقى على التنمية والتقدم والرفاهة؟، وما معنى أن يربط الكثيرون الدور المصرى فى المنطقة بمواصلة دفع أثمان بلا مقابل ذو قيمة وتعادل التضحية؟،وما معنى ان تظل مصر تخسر فى حسابات التكلفة والعائد لمجرد الحديث عن الشقيقة الكبرى وخلافه؟.
الدور المصرى الذى يتحدثون عنه له شقان، شق خشن قاده عبد الناصر وانتهى بهزيمة 1967، وهذا الدور كان كارثة على مصر المعاصرة وعلى المنطقة، اما الدور الآخر فهو الدور الحضارى الناعم من خلال الإبداع والتعليم والفنون بمختلف انواعها وكل أدوات القوة الناعمة الأخرى، وتراجع هذا الدور ليس له علاقة بمعاهدة السلام وأنما بغياب الحريات الحقيقية مما أدى إلى مطاردة هذا الدور وخنقه، وكذا هذا التراجع له علاقة بالفشل فى تبنى اجندة حقيقية للتنمية والتقدم.
يحمل آخرون المعاهدة كل ما اصاب مصر من إنتكاسات فى العقود الأخيرة، وهذا كلام لا معنى له ولا صحة له على الاطلاق، فهل المعاهدة هى المسئولة عن الفساد الذى ضرب المجتمع المصرى من رأسه إلى اخمصه؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن غياب الديموقراطية والحريات والحكم الرشيد؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن التعصب والهوس الدينى الذى أصاب المجتمع المصرى ومؤسسات الحكم؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن التفاوت الطبقى والتوزيع غير العادل للدخل والثروة؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن إنفجار التكاثر السكانى بهذا الشكل المرعب؟،وهل المعاهدة هى المسئولة عن تحول مصر إلى دولة بوليسية مخيفة؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن غياب رؤية حقيقية للتنمية والتقدم؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن تجذر الإستبداد فى نظام الحكم والمؤسسات الدينية؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن غياب حياة حزبية حقيقية فى مصر؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن تردى مستوى التعليم من المدارس إلى الجامعات؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن تحالف السلطة والثروة وثالثهما الفساد؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن تزوير الانتخابات؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن غياب معايير العدالة وضمانات إستقلال القضاء؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن هذا التردى فى مستوى ممثلى السلطة التشريعية وفى مستوى الجهاز الإعلامى؟،وهل المعاهدة هى المسئولة عن تنامى الفكر الوهابى الحنبلى البدوى الصحراوى؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن خنق المجتمع المدنى وترويضه وفساده؟.
يجب التفرقة إذن بين فشل الحكم وبين معاهدة السلام.معاهدة السلام كانت ولا زالت من افضل الخطوات الصحيحة التى حدثت فى مصر منذ عام 1952.
أما على مستوى التضامن العربى، فهل المعاهدة هى المسئولة عن حرب العراق وإيران؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن احتلال صدام للكويت؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن العربدة السورية فى لبنان لما يقرب من الثلاثة عقود وما صاحب ذلك من إغتيالات طالت الرموز الوطنية الكبيرة ؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن الحرب الاهلية فى الجزائر؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن مشكلة البوليساريو؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن مقتل 2 مليون فى جنوب السودان و300 الف فى دارفور؟،وهل المعاهدة هى المسئولة عن تفكك الصومال؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن الحرب بين فتح وحماس؟، وهل المعاهدة هى المسئولة عن الخلافات الشخصية بين الحكام العرب؟.
هناك من ينتقد المعاهدة ويقول انها تركت معظم سيناء خاوية من الأسلحة الثقيلة ومن ثم حدث خواء فى الأمن القومى المصرى من جهته الشرقية. والسؤال أيهما افضل ان تبقى سيناء محتلة ام تتحرر بشروط لا تشكل قيدا على التنمية وأنما قيدا على الحروب؟، والسؤال الآخر لماذا تفترضون ان إسرائيل هى العدو رغم عودة كافة الأراضى المصرية ووقف التحرشات المتبادلة؟،ألا يعد ذلك اعتداء على السلام ذاته؟، أم عودة لربط القضايا المصرية بالاجندة العربية؟. والسؤال الأهم قاله مبارك فى حديث لجريدة السياسة الكويتية فى 16 فبراير 1981 ،"ما هو البديل الذى يطرحه العرب للمعاهدة؟..لا يمكن لنا أن نحقق شيئا بالحرب مع إسرائيل فهذا مستحيل...هل استطاعت أى قوة أن تأخذ من إسرائيل التزاما بالانسحاب قبل كامب ديفيد... الفلسطينيون باعوا أنفسهم لكذا بلد،باعوا أنفسهم لليبيا..للعراق...لسوريا".
مازال سؤال مبارك الذى طرحه منذ ما يقرب من ثلاثة عقود موجه للعرب ولمحترفى الشعارات الفارغة،ما البديل للمعاهدة؟، وماذا فعل العرب فى العقود الثلاثة الماضية لتحرير اراضيهم؟، وهل خرجت سوريا من وضع الجمود والشعارات؟، وهل تحسن وضع الفلسطينيين ام زاد سوء وانقساما؟،ألم تحذو الاردن حذو مصر فى وادى عربة وانتزعت اراضيها قبل فوات الاوان؟،الم يذهب العرب إلى مدريد والفلسطينيون إلى اوسلوا وهم فى وضع اضعف بكثير من كامب ديفيد؟.
أما فوائد المعاهدة فهى كثيرة جدا بالفعل. بفضل المعاهدة عادت سيناء محررة بالكامل حتى اخر شبر فى طابا، وعاد بترول سيناء وثرواتها، وانتعشت السياحة المصرية بشكل غير مسبوق، واصبحت شرم الشيخ اهم منتجع سياحى فى مصر بل ومركزا للحكم وللمؤتمرات الدولية الكبرى.بتوقف الحروب انتهى الاستنزاف البشرى والمالى،فالحروب المتواصلة هى اسوأ شئ ممكن أن تتعرض له أمة أودولة.
حصلت مصر بعد توقيع المعاهدة على 2.1 مليار دولار سنويا منذ عام 1979 من الولايات المتحدة ليصل حجم ما حصلت عليه مصر من هذه المعونات إلى 63 مليار دولار، وحصلت على معونات أخرى وإسقاط للديون وقروض بتسهيلات واسعة... ليصل حجم ما حصلت عليه مصر بفضل المعاهدة إلى حوالى 200 مليار دولار من امريكا والغرب والمؤسسات الإقتصادية الدولية.
بفضل المعاهدة استعادت مصر مكانتها على المستوى الدولى كصانع سلام وشريك مهم فى المحادثات من آجل السلام فى المنطقة، ولا تخلو زيارة لمبارك إلى الدول الكبرى من الحديث عن دور مصر فى الاستقرار وصنع السلام، فكيف نقارن توتر علاقات مصر بسوريا والعراق وياسر عرفات وقتها فى مقابل تقوية علاقتها بامريكا واوروبا والمجتمع الدولى؟، وماذا كان يشكل نظام صدام والاسد وعرفات سوى الشعارات والمزايدات التى لا تنتهى والتى كانت محصلتها كارثية عليهم وعلى شعوبهم؟. لقد كتب السادات فى 5 اكتوبر 1981 ،أى قبل رحيله ب 24 ساعة فى مجلة اكتوبر " أوكد هنا للاخوة العرب أننى كنت مثلهم تماما وربما أكثر.. أعتقد أن موقف أمريكا ميؤوس منه، وانها تقف مع إسرائيل ظالمة ومظلومة، ولكن ثبت أن هذا كله وهم. إنك لو فهمت الشعب الأمريكى وفهمك هذا الشعب تستطيع أن تحل مشاكلك كلها، لأنهم أناس عادلون بشرط أن تكون أنت عادلا مع نفسك، لا تناور ولا تقل كلاما ثم تفعل شيئا مخالفا".
أننى اعتقد أن الفشل الحقيقى الذى منيت به مصر هو عدم الاستفادة من مناخ الاستقرار المصاحب للسلام، ومن هذا الكم الهائل من التدفقات المالية بوضع خطة حقيقية لتنمية مصر ونهضتها. واعتقد أن ترك الإعلام المصرى والمؤسسات والقوى السياسية المختلفة تهجو السلام كان مخططا له لكى يظهر الحكم نفسه ضمانة لاستمرار المعاهدة ومن ثم تثبيت اركان حكمه بدلا من تنمية بلده، ولهذا تم تبريد عملية السلام لتختزل إلى مجرد عدم إعتداء .
عادت معاهدة السلام بالكثير من المزايا لكل من مصر وإسرائيل، وهذه هى طبيعة المعاهدات التوافقية الناجحة بتقديم بعض التنازلات فى مقابل الحصول على الكثير من المزايا.
معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية كانت خطوة عظيمة لكل من مصر وإسرائيل،أما الفشل فى النهضة والتقدم فهذا ذنب الحكم فى مصر وليس المعاهدة.. فلا يعقل أن يكون السلام ووقف الحروب سببا للفشل، وأنما سوء الحكم هو السبب ..بدليل التقدم المتواصل لإسرائيل منذ توقيع المعاهدة.
الفشل فى مصر صناعة محلية.. فلا تلومون إلا انفسكم.

Magdi.khalil@yahoo.com

اجمالي القراءات 9426