ولا تثريب في تعدد وجهات النظر
التعدد في الزوجات ؟ فيه نظر

يحي فوزي نشاشبي في الأحد ٠٥ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 



إنّ الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن ظهور الأستاذ حواش عبد الرحمن ذا المنبر الحديث العهد في منتدى المتدبرين في القرآن العظيم يعتبر حدثا هاما جدا ، من حيث درجة الجدية والغوص والتعمق في البحث والتدبر والاستنتاج . فهنيئا للموقع ، ولعل هذا يدرج في معنى وروح الذين يجاهدون في الله سبحانه وتعالى ، وهو الذي وعد بأنه سيهدي الفاعلين إلى سبله : (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )) سورة العنكبوت رقم 69. &

نعم من المتوقع أن أغلبية القراء سيتفقون في أن المواضيع التي يعرضها ويناقشها الأستاذ عبد الرحمن حواش هي جريئة وجديرة بالإهتمام وبتقديرها حق قدرها ، وهي نموذجية من حيث الشجاعة ومن حيث التحديق مليا في الموضوع ومن حيث محاولة الإحاطة به .

ولعل أهم ما في الأمر هو أن مواضيعه تثير كثيرا من التساؤل وتأتي بشتى المفاهيم ووجهات النظر ، المتطابقة منها والمتقاطعة والمتناقضة ، نعم ولعل الخير كل الخير في هذا الثراء وهذا الإختلاف بعيدا كل البعد عن أي خلاف . ومن جملة المواضيع أو التساؤلات التي صالت وجالت في الذهن ما يأتي بكل اختصار :


01) الموضوع الأول : (( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون )) سورة المؤمنون 5+6+7 .

عندمــا يتأمل المتأمل في هذه الآيات ألا يكون مصيبا عندما يفهم أن العادين هم أولئك الذين لم يحافظوا على فروجهم ؟ أي هم أولئك الذين تخطوا أزواجهم وتخطوا كذلك ما ملكت أيمانهم ؟

ألا يفهم كذلك أن الذين لا يلامون هم أولئك الذين يمارسون الجنس مع أزواجهم ويمارسونه كذلك مع ما ملكت أيمانهم ؟ وأنه إذا توفر لهم كل ذلك ، ثم مع ذلك أداروا له ظهرهم فمارسوه مع غير أزواجهم ومع غير ما ملكت أيمانهم يكونون في تلك الحالة حقا عادين ومعتدين وعاصين ؟

هذا على أساس أن الحقيقة الواقعة بل الحقيقة التي كانت واقعة في العصر الأول من نزول الوحي هي ما تقلها لنا كتب التاريخ من رواج ظاهرة العبيد والجواري بصفة خاصة وجواز اتصال المالك بمملوكته الجارية جنسيا متى شاء . بل إن ما يتبادر إلى ذهن المتأمل في الآيات القرآنية المذكورة أعلاه لا محالة سيفهم ذلك - على الأقل من الوهلة الأولى- اللهم إلا إذا كانت هناك آية أو أكثر تشرح الموضوع وتزيح عنه أي غموض .

وأما إذا كان الرد على هذه التساؤلات بأن المقصود من الآية هو أن يفهم منها أن ممارسة الجنس مسموح به مع الزوجات ، وأنه لا يصبح مسموحا به مع ما ملكت اليمين إلا بعد أن يتحولن إلى زوجات أي بعد التزوج بهن . وفي هذه الحالة يتساءل المرء لماذا لم يقل الله إلا على أزواجهم – بالجمع – فقط ؟ ما دام الجماع لا يكون مسموحا به إلا مع الزوجات دون غيرهن ؟

وعندما يلتفت إلى الآية رقم 03 في سورة النساء ، حيث يقول فيها الخالق سبحانه وتعالى : (( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ) سورة النساء رقم 03. ألا يتولد عندنا ارتباك وتساؤل عندما نقابل هذه الآيات بتلك التي وردت في سورة المؤمنون (5+6+7) المذكورة أعلاه ؟

إذا فهم من الآية القرآنية أن الاحتياط هو في أن تنكح امرأة واحدة ثم تنكح كذلك ما ملكت أو من ملكت كجوار( بدون عدد مقيد حسب الظاهر) (( فواحدة أو ما ملكت إيمانكم )) فالنتيجة تكون حتما أن الرجل يمكن أن تكـــون له زوجة واحــــدة (( فواحدة )) ثم تكون له عدة زوجات من الجواري (( أو ما ملكت أيمانكم )) وبالتالي فإن مثل هذا الرجل يكون زوجا لزوجته الأولى زائد ذلك العدد المفتوح من الجواري . والحاصل هو يجوز لهذا الرجل أن يكون زوجا لعدد غير مسمى من النساء.

ولنلتفت مرة أخرى إلى ما ملكت اليمين من الجواري ، فما هو محلهن من الإعراب لرجل مثلا هو زوج لزوجة واحدة وفي مسكنه أو تحت مسؤوليته أو تحت قبضة يمينه سبعة عشر جارية ؟ ما هي صفتهن بالنسبة له وما هي صفته هو بالنسبة لهن ؟

وعندما نرتب الآيات أرقام 5 + 6 + 7 من سورة (المؤمنون ) ، عندما نرتبها بجانب الآية رقم 03 المذكورة أعلاه في سورة النساء ، وعندما نحدق فيها ونتأملها ونتدبرها ألا يتولد من كل ذلك سيل آخر من تساؤلات ؟ وهل يجوز أن يكون هذا الفهم مصيبا ؟

ثم في رد الأستاذ حواش عبد الرحمن ، على الأستاذ دادي – حيث جاء فيه ما يلي جعل الله المودة والرحمة – حقا – وهذه المودة ( وهو الحب الجنسي) إذا انقسمت تنعدم أولا ثم تؤول إلى البهيمية والشبق والغلمة والشذوذ –

وهل يفهم من هذا الرد أن ذلك الذي يتزوج مثنى وثلاث ورباع عملا بذلك المفهوم المقتصر الأمر على الأرامل أي على أمهات الأيتام فقط ، هل يفهم أن هذا الرجل الذي تكون له 04 أربع زوجات – مثلا – وهن أمهات أيتام ، هل يعني أن حبه يتلاشى ( أي حبه الجنسي) ؟ وهل يوصف هذا الرجل بوصف اليهيمية والشبق والشذوذ والغلمة ؟ على الرغم من أنه تصرف في إطار ذلك الفهم الذي يقتصر تعدد الزوجات مع اللائي هن أمهات يتامى لا غير ؟

وهل الواجب عليه ، وحتى لا يوصف بتلك الأوصاف الشاذة ، هل عليه أن يتزوج أمهات الأيتام لكن بشرط أن يكون زواجه صوريا فقط ؟ يعني أن يقتصر واجبه كزوج بالاهتمام بأيتامهن فقط بل وحتى تلك الأم عليه أن يعتبرها هي الأخرى يتيمة أو كأنها يتيمة مع أولادها ، وأن لا يلتفت أبدا إلى جانب ممارسة الجنس معها حتى بكون حقا مستجيبا لأمر الله ؟ ما دام حبه الجنسي يكون حتما تلاشى وانعدم ؟


02) الموضوع الثاني : من الملاحظ أن الأستاذ حواش عبد الرحمن في رده لاسيما في رده على الأستاذ إبراهيم دادي ، وبالضبط في قضية عدد أجنحة الملائكة ، حيث قال الأستاذ عبارته التي كررها أكثر من مرة ( فلنتق الله ) .

ومع الاحترام كل الاحترام لرأي الأستاذ في رده وإظهار وجهة نظره واقتناعه الراسخ لديه فإن جملة ( فلنتق الله ) - حسب رأيي بكل تواضع - يمكن أن تفسر تفــسيرا -غير مقصود طبعا من قائلها- تفسيرا باطنه فيه نقد أو انتقاد بل وحتى تحذير الطرف المقابل بأنه قاب قوسين أو أدنى من الوقوع في الضلال ، لأن الحقيقة هي أن أي عارض لوجهة نظره وأي راد عليه بوجهة نظر أخرى ، كلاهما متقيان الله ، وكل ما هناك أن كل واحد تدبر بما تيسر له وخرج بتلك النتيجة . وبالتالي لا يكون هنا أي مجال لأي تقدير أو ظن أو إصدار أي تحذير فضلا عن أي حكم .


03) الموضوع الثالث : الذي فرض نفسه هو أن الأستاذ حواش عبد الرحمان يبدو أنه مقتنع بأن استجابته لأمر الله العلي القدير في الآية رقم 56 من سورة الأحزاب ، هو بقوله أي قول الأستاذ :- الصلاة والسلام عليه- وهذا ما ورد في كل مواضيعه عندما يذكر النبئ صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي صلى عليه الله هو وملائكته وأمر الذين آمنوا بأن يصلوا عليه ويسلموا تسليما .

والسؤال : هل هناك فرق بين سلموا تسليما وسلموا سلاما ؟

ويا ترى ما هو الفهم أو الإستنتاج الذي سيرفع رأسه عندما تقابل كلمة – تسليما - مع هذه الآية في سورة النساء رقم 164 وهي : (( وكلم الله موسى تكليمـا )) . والتساؤل ما زال واردا مع ما يلي : ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكوك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )) – النساء 65.

و (( إن الله وملائكته يصلون على النبئ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما))الأحزاب رقم 56.

ثم لماذا يجمع الناس المؤمنون – تقريبا – ويتفقون في أنهم فهموا ما يقصده الله عندما يأمرهم بأي أمر إن فعلا أو تركا ... ما عدا الأمر الذي جاء في سورة الأحزاب رقم 56 المذكور وهو : (( صلوا عليه وسلموا تسليما )) ؟ وأما عن الدليل القاطع في عدم الفهم أو في عدم تطابق الأفهام أن المؤمنين يعتقدون أنهم مستجيبون لأمر الله عندما يقولون :

* صلى الله عليه وسلم : وحسب الظاهر إن الله وملائكته لم يسلموا على النبئ بل صلوا عليه . ونحن نقول صلى الله عليه وسلّــم ، ويمكن أن يتضح الأمر أكثر إذا أجرينا عملية إعراب الكلمات التي وردت في الجملة ومنها بالخصوص فعل ( صلى) وفعل ( سلم ) .

* اللهم صل وسلم عليه : وهذه العبارة ، ألا تفيــد أن المؤمنين عندما يقولونها لا يفهم منها ظاهريا أنهم ينفذون أمر الله ، بل المفهوم منها هو أنهم هم الذين يوجهون ( الأمر) أو ( الطلب ) - إن جاز هذا التعبير- إلى الله قائلين له أو طالبين أو راجين منه : اللهم صل أنت عليه وسلم . ثم نحن لا ندري هل نحن في طلبنا نرجو منه أن يسلم عليه سلاما أم تسليما ؟

* وهذه العبارة : اللهم إني أصلي عليه وأسلم تسليما : ألا يكون فيها – على الأقل – جزء من الصواب ؟ وجزء من الإستجابة لأمر الله ؟ ألا يكون الأهم في الأم كله هو التسليم بما جاء به الرسول من الحديث الموحى ؟ وليس مجرد تحية ؟

وقد يتساءل متسائل آخر : لماذا كل هذا النقاش في هذه المقولة ؟ وبأننا سواء قلنا صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك فلا حرج ولا إشكال ولا مخالفة ولا غفلة ، تعم قد يكون هذا التساؤل أو حتى هذا الإنتقاد وجيها .

فليس هناك أي رد مقنع بكل صراحة ، اللهم إلا تساؤل مرة أخرى وهو :

ألا يكون عدم فهمنا مقصد الله سبحانه وتعالى أمره عندما أمرنا : صلوا عليه وسلموا تسليما ؟

وأما عن الإشارات التي تكون لها دلالات على عدم الفهم هو ما جنح إليه معظم المؤمنين من إسراف في مدح محمد رسول الله وفي إحاطته بكل الخوارق والآيات وتجريده من إنسانيته ، والطامة الكبري أن يحدث كل ذلك الإسراف على حساب الأهم وهو مضمون وفحوى الرسالة الربانية ، التي كاد القول أن يكون إننا اتخذنا القرآن مهجورا بسبب التفاتنا كليا إلى مدح ما أنزل الله به من سلطان .


04) الموضوع الرابع : في رد الأستاذ حواش عبد الرحمن على الأستاذ دادي قال :

مهما كانت المرأة راسخة في العلم – كما قلتم – أو جاهلة تماما فهي أنثى وامرأة، وليس الذكر كالأنثى ، وحتى امرأة عمران أقرت بذلك – آل عمران رقم 36.

والتساؤل الذي يفتقر إلى شئ قليل أو كثير من الوضوح عندما نقول ليس الذكر كالأنثى أو ليس الأنثى كالذكر أو عندما نقرأ الآية رقم (34) من سورة النساء (( الرجال قوامون على النساء )) من الملاحظ أن هناك نسبة من الناس قد تكون نسبة عالية يميل بهم الفهم إلى واجب التقليل من شأن المرأة ، وحتى اعتبارها – عند البعض الآخر- متهمة إلى أن تثبت براءتها. ولعل ما يلمح إلى ذلك هو وأدها في شتى المجالات بعد ذلك الوأد الذي أخبرنا به الخالق في سورة التكوير رقم 7+8. بل وحتى بالنسبة لعلاقتها مع خالقها فإن هذا الفهم تدخل واعتدى عليها وقلص من إرادتها وحرمها وأقنعها – على سبيل المثال لا الحصر- أن صلاتها وصلتها بربها لا تكون موفقة ومأجورة إلا عندما تكون هذه المرأة قابعة في داخل منزلها ، والمستحب أن تكون صلاتها داخل غرفة مظلمة وأن صلاتها بالمسجد من المنكرات والمكروهات وأن الآية رقم 09 من سورة الجمعة لا تعنيها لا من قريب ولا من بعيد .

والله عندما يقرر بأن الرجل هو قوام على المرأة ، ألا يكون هذا تكليفا له هو وتشريفا لها هي ؟ ما دامت هي المستخدمة للرجل ؟ وما دام الرجل هو خادمها ؟


وهنا أصرح بأني أتوقع أن القراء يشاطرونني الرأي في أن الحقيقة التي تهم في الوقت الراهن وفي كل وقت هي : تعدد الآراء قبل وبعد تأييد أو عدم تأييد تعدد الزوجات .وأن القرآنيين المخلصين هم أولئك الذين يبذلون قصارى الجهود ليتحلوا بذلك الخلق أو ليربوا تلك (العضلة) التي مفادها أنني بقدر ما أنا أميل إلى وجهة نظري وأطمئن إليها ، بذلك القدر وأكثر سأستميت من أجل أن يدافع صاحب الرأي الآخر على وجهة نظره ويميل ويطمئن إليها .

ولعل من شروط التدبر أن ينمي كل متدبر هذه العضلة ؟


05) الموضوع الخامس : (( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )) رقم 24 سورة محمد – وهناك آيات عديدة في القرآن -

ألا يلاحظ أن الله عندما يحث المؤمنين بأن يتدبروا حديثه المنزل بواسطة عبده ورسوله , كان أي الخالق سبحانه وتعالى واثقا وهو العليم الخبير أن التدبر في القرآن لا يمكن أن يخرج إلا بما هو خير ؟ ومهما ظهر لنا من اختلاف المتدبرين نتيجة ما يتفاوتون فيه من قدرات ذهنية ؟ .

ومرة أخرى أشكر الأستاذ حواش عبد الرحمان جزيل الشكر على بحثه الذي جاء عبارة عن بحر تنهل منه المواضيع والتساؤلات .


يحي فوزي

اجمالي القراءات 10993