عبدالله عبداللطيف المحامي
جريمة الإفطار في رمضان

عبدالله عبداللطيف في الجمعة ٠٣ - نوفمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

جريمة الإفطار في رمضان
بقلم : عبدالله عبداللطيف المحامي

في إحدي ليالي شهر رمضان كنت أحضر تحقيقا قضائيا بالنيابة العامة بالفترة المسائية ، وفجأة وجدت ضباط المباحث حضروا إلي سراي النيابة وبصحبتهم نحو ثلاثين شخصا – مواطنين – مقبوض عليهم ومكبلين بالكلبشات مع حراسهم من أمناء الشرطة والمخبرين ، وإنزعجنا جميعا من هذا عدد المتهمين ، وكان سؤالا يدور في أذهاننا جميعا ، ما هي تهمتهم ؟ وببرود شديد أجاب ضابط المباحث ، التهمة هي الإفطار في نهار رمضان !!!
وقد قام ضابط المباحث ورجاله بحملة مكثفة بالمدينة وإقتحم أبواب المقاهي والكافتيريات والكافي شوب المغلقة وألقي القبض علي هؤلاء الناس الذين كانوا داخل هذه الأمكنة – بعيدا عن أعين الناس – يتناولون طعاما أو مشروبات ، وبالفعل هناك نصا في القانون المصري يؤثم ويجرم ( الجهر ) بالإفطار في نهار رمضان ، .
وقضيتنا هنا ليس فقط الثلاثين مواطنا – المتهمين – الذين وقع في قلوبهم الرعب من تلك الحملة المباحثية ، وألقي القبض عليهم وما يصاحبه من الطقوس المعروفة والتي يؤديها بشكل تلقائي ويستقبلها المواطن بصورة أكثر تلقائية من إهانات وحط من كرامة الإنسان فضلا عن إحتجاز مع المجرمين وأصحاب السوابق ووضعهم بالقيد الحديدي ، وجعلهم فرجة للكافة يتفرج عليهم القاصي والداني ، وعرضهم علي النيابة وإعادتهم إلي قسم الشرطة لإخلاء السبيل وقبل ذلك عرضهم علي الشعبة الجنائية بالمديرية ، يعني من الآخر مرمطة ، ليست هذه القضية فقط ، ففي هذا الشأن تجاوز ضابط المباحث أحكام نص القانون ففي مثل حالة هؤلاء لم يكن هناك جهرا بالفطر لكنهم كانوا مستترين وكأنهم يتعاطون المخدرات ويرتكبون جريمة بالفعل .
ولكن الضابط وجد سندا لتجاوزه القانوني من نص في القانون .
تلك هي القضية .
المجتمع المصري مجتمع به علي الأقل ديانتين ففيه المسلم والمسيحي ، وقد تكون هناك ديانات أخري ، فضلا عن وجود فئة لا تؤمن بدين ، وقد نص الدستور المصري علي مبدأ حرية العقيدة ، وصادقت الحكومة المصرية علي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي ينص ويؤكد علي حرية الرأي والإعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية .
فهل يقبل في ضوء ذلك القول بتجريم الإفطار في نهار رمضان ؟
غير المسلم أساسا غير ملزم بصيام رمضان .. هل نصادر حقه في الفطر ؟
وهناك من المسلمين – غير المتدينيين – الذين لا يصوموا الشهر .
وهناك من المسلمين المتوفر لديهم رخصة للفطر كالمرض والسفر
هل نصادر حقوق هؤلاء ؟
ذكرني هذا المشهد بسلوك جماعة بالمملكة العربية السعودية تسمي ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ، يمشي رجالها في الشوارع وقت الصلاة ويضربون الناس بعصا ليدخلوهم كرها إلي المساجد لتأدية الصلاة ، وتجد من بين المكرهين – غير مسلمين – دخلوا كرها – في الزحمة – بين جموع المصلين ، لم يعطوا حتي فرصة توضيح موقفهم أنهم يدينون بديانة غير دين الإسلام وغير ملزمين بأداء الصلاة !!!
هل هذا الحال يعطي مؤشرا ولو بسيطا أننا في مجتمع يسعي إلي التقدم ؟
هل هذا جهادا يرضي الله ورسوله ؟
قلنا ونقول وسنظل نعلنها أن إعتماد مبدأ المواطنة كأساس للتعامل في المجتمع في ظل دولة علمانية تضمن مناخا من الحرية في إبداء الرأي والمشاركة والعبادة والإعتقاد وممارسة الشعائر والقبول بالآخر والتسامح وإبعاد الدين وعدم حشره في كل كبيرة وصغيرة بل أن الدين علاقة روحية بين الإنسان وخالقه ، يظل هو الحل والمخرج لهذه الأمة من كبوتها .
هل نعبد الله بالإكراه ؟ هل نصلي لله كرها ؟ هل نصوم رمضان إجبارا ؟
وهل تؤدون بذلك خدمة جليلة للدين الإسلامي ؟
لا ننكر إن مجتمعنا تسيطر عليه جماعات الهوس الديني ، ولا ننكر أيضا أن المثقفين الذين ينبغي أن يقوموا بدور تنويري وتوعوي ينحسرون وليسوا إلا أفرادا يقدمون إجتهادات أو أدوار فردية هنا وهناك ولا يؤثرون في الشارع كثيرا ، إذ أن وعي المواطن لازال مملوءا بخرافات هؤلاء المهاويس أصحاب تيارات الإسلام السياسي وهم الأكثر تنظيما وتمويلا ويملؤون الشوارع والمساجد والجامعات والنقابات ضجيجا وصراخا ويحسبون أنفسهم شهداء وضحايا للمجتمع الكافر !!!
نعرف أن الدين محورا مهما في حياة الناس لكن الضرب علي هذا الوتر ينبغي أن يكون في صالح تقدم هذه الأمة ، نفهم أن الدين قوة دافعة للتقدم وليس ظلاميا كما يقدمونه .
والموضوع يبدأ بتربية الطفل تربية صحيحة تجعله يفكر تفكيرا نقديا ولي مجرد وعاء تملؤه بكراهية الآخر وتنمي فيه بذرة التعصب الديني وتبني فكرة الإرهاب الفكري الذي يؤدي لا محالة إلي الإرهاب الدموي .
الأطفال يزفون المفطرون وهم يغنون ( يا فاطر رمضان يا خاسر دينك .. قطتتنا السودا تشد مصارينك " أمعاءك " .. يا صايم رمضان يا عابد ربك .. قطتتنا البيضا تبوسك من خدك ) ، وهكذا نزرع بداخلهم بذور الفتن بدلا من زرع قيم الحرية والديمقراطية والحوار .
وهكذا يتم تغذية المجتمع في الإتجاه الخاطيء حتي يصل الأمر أن تسن الدولة قانونا تعتبر الإفطار في نهار رمضان جهرا جريمة يعاقب عليها القانون .. هذا ما يجب أن نقف عنده ونناقشه ونتخذ معه موقفا إيجابيا .
---
للتواصل :
Mohamoon20@yahoo.com
Elmohamy20@hotmail.com

اجمالي القراءات 15835