ولا تجعلوا مع الله آلهة أُخرى.

آية محمد في الخميس ١٢ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

ولا تجعلوا مع الله آلهة أخرى .
كل عام وانتم بخير بمناسبة المولد النبوي الشريف. وفي هذه الأيام المباركة علينا أن نتذكر ونحيي اسباب بعثة النبي محمد. لقد بعث الله في الأميين رسولا ليتلو عليهم آيات الله ويزكي نفوسهم ويطهرها وليعلمهم سنة الله المفصلة في كتابه المحكم. لقد كان الأميين من قبل البعثة في ضلال مبين؛ فقد كانوا يشركون مع الله بشر آخرين يحبونهم كحبهم لله ويتخذونهم وسيطا بينهم وبين الله السميع العليم. بل وزادوا في ضلالهم ان بنوا لهم اصناما يتقربون إلي&ar;ها اصبحت تسمى مجازا آلهة من شدة احترامهم لها وطاعتهم لكهنة تلك الأصنام المصنوعة بأيدي بشرية. وبذلك حق عليهم القول بأنهم مشركين لأنهم اشركوا بجهالة مع الله ما لا ينفعهم بل ويضرهم ويدفعم إلى بئس المصير.

في يوم ميلاد النبي –صلوات الله عليه وسلامه – علينا ان نحيي بعثة النبي في دعوة الناس إلى التسليم لله وحده عز وجل. لقد بعث محمد رسولا من الله ليدعونا إلى عبادة الله الواحد الأحد وألا نجعل مع الله آلهة اخرى واندادا نحبهم ونطيعهم كطاعتنا لله. وقد ايده الله عز وجل بكتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يتفكرون: سورة الأنعام: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ(19).

لقد هدانا الله إلى التسليم له وحده عز وجل وعدم طاعة احد غير رسوله (رسالته) وبالتالي عدم اخذ ديننا إلا من رسالته المحكمة المفصلة: الجاثية: التِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ(6). الأنعام: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا (114). وبالرغم من إيماننا الكامل ببعثة محمد وبتوحيدنا بالله العلي العظيم والإيمان الكامل بكتابه، إلا إن غالبية امة الإسلام عادت ادراجها إلى عادات الجاهلية التي سبقت البعثة. فقد آمن العرب يوما ما بالله تعالى من بعد ان هداهم النبي إسماعيل إلى الدين الإبراهيمي الحنيف إلا إنهم سرعان ما بنوا اصناما لبشر يبجلونهم ويحبونهم ويقدرون كلامهم و سرعان ما تحولت تلك الأصنام إلى شركاء مع الله في المحبة والطاعة وسرعان ما تحولت تلك الأصنام إلى آلهة نقدرها ونطيعها وننفذ كلامها وكأنه كلاما منزل من سماء رب العالمين.

إن ما حدث بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ، هو عودة تدريجية إلى ما قبل عهده الكريم – نفس سيناريو قوم إسماعيل مع إختلاف الإخراج. فما كادت روح النبي تختفي من بين اصحابه وتابعينه إلى ان بدأ الصراع يتأجج حول من احق بالخلافة. وفي صراعهم على الخلافة اعطت كل فئة هالة القدسية لزعيمهم، وبدأت عملية خلق صنما صغيرا معنويا والتي تجعل من الزعيم المرغوب فيه قديس يعلو إلى مقام الرسل والملائكة. وخلقت لنا تلك الصراعات أول صنم بعد الإسلام وهو صنم التشيع. فبسبب تلك الصراعات حول من احق بخلافة النبي انقسم المسلمين إلى شيع مختلفة وكل فئة علت قيمة شيعتها فوق حقيقة الإسلام. بل وإن كل واحد على حدا جعل من شيعته إسلاما صحيحا معاديه ومخالفه في النار. ومن ابرز واهم الشيع التي لا زالت ظاهرة إلى يومنا هذا: أهل السنة والجماعة من جهة واهل شيعة آل البيت من جهة اخرى. وكان التشيع اول صنما ينطح في جدار الدين الإسلامي الحنيف وفي وحدانية الله تعالى. نعم كان صنما حتى وإن لم يبني له اتباعه حجارة يتوددون إليها، لأنهم بنوا تلك الحجارة في عقولهم ودافعوا عنها كدفاعهم عن الله وكتابه العزيز. بل وان الله تعالى حذر من التشيع لأنه شرك بالله أي انه صنما شريرا امام الهداية والتوحيد بالله: سورة الروم: وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32). وها نحن الآن امام شيعتين كلاهما فرح بما لديه بل ويفخر بأن شيعته هو حقيقة الإسلام وبدلا من نقول أنا مسلم، نفخر بقولنا انا مسلم سني او انا مسلم شيعي. هذا وقد ظهرت مؤخرا فرق اخرى كثيرة إما جديدة من نوعها أو مجرد امتداد لفرق قديمة مندثرة.

وبخلق الصنم الأول فتحنا الطريق لأصنام اخرى؛ فلتأيد الصنم الأول وتثبيث كل من يؤمن به كان علينا خلق اصنام تابعه يعني مزيدا من الآلهة مع الله الواحد. فخلقنا كلاما للنبي لتأييد الأحزاب والشيع المختلفة واضفنا تلك الأكاذيب إلى تعاليم النبي النبيلة بل وذهب شركنا بالله إلى أن ادعينا أن كلامه – صلى الله عليه وسلم – كلام يضاهي كلام القرآن بل وادعى رجال الدين "الحنيف" أن القرآن احوج إلى كلام النبي اكثر من احتياج كلام النبي للقرآن. أكدنا أن كلام النبي يفسر القرآن ويبينه وسبحانه تعالى يقول عن كتابه في سورة مريم: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا. ويقول تعالى في سورة الأنعام: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا. يعني كتاب الله ميسر بلسان عربي ومفصل في غير حاجة لزيادة توضيح كما يدعي غالبية المسلمين وشيوخهم.

هذا إلى جانب خلق شريعة جانب شريعة القرآن سميناها بالسنة المطهرة؛ فأصبحنا نشهد بإننا مؤمنين بالله وبسنة رسوله وكأن الله شيئا وسنة الرسول شيئا آخر كلاهما مجتمعين مع بعضهما البعض (عقيدة التثنية على غرار عقيدة التثليث) مع أن السنة هي سنة الله وحده لا شريك له: الأحزاب: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا. بل وزدنا في الشرك بأن جعلنا النبي (ص) شفيعا مع الله يوم الحساب فلم يصبح عليه – صلوات الله عليه وسلامه – البلاغ المبين فقط بل اصبح عليه القضاء يوم الحساب واصبح شريكا مع الله – والعياذ بالله - في عميلة الحساب ليشفع لمن يشاء فتنتفي صفة العدل عن الله والعياذ بالله.

وطبعا كان علينا تشكيل سدنة تحمي ما اصبحنا عليه بعد بعثة النبي ووفاته، كان علينا تكوين صنم جديد هو صنم "الرجال" اصحاب الهالة المقدسة الذين رضي الله عنهم، فبعد ان رضي الله عنهم ماذا تبقى لنا ان نقول عنهم! وضعنا هالة مقدسة على رأس كل صحابي لتأييد كل شيعة ولإخراس الألسنة التي تشكك في صحة بل وقدسية الكثير من الأحاديث التي نسبت للنبي بعد موته. اصبحت كلمة "رضي الله عنه" جاهزة للإلحاق بعد اسم كل رجل "ثقة". ولا أعلم من اتي بتلك الثقة وعلى اي اساس بنيت، وما الذي يجعلني ادعي أن الله رضي عن إنسان وأنا لم يوظفني الله لأتكلم بالنيابه عنه سبحانه وتعالى.

ذلك الصنم العظيم المسمى بالصحابة هو من اعظم الأصنام التي شيدت في عقولنا منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. أنه الصنم الذي حمى الكثير من البدع التي دخلت في الدين بإسم الحديث الشريف، أنه الصنم الذي حما الكثير من الأفكار المعوجة التي نسبت إلى الدين الإسلامي ومنها رجم الزاني وقتل المرتد ووضع الحجاب على رؤوس النساء وإطلاق اللحى وغيرهم من الشرائع التي لا علاقة لها بالإسلام الحنيف. إن مجرد وجود مثل هذا الصنم "الرجال" يجعل إتباعه فريضه على كل مسلم وهو ما يخالف تماما اساس الإسلام الذي يحثنا على عدم الشرك بالله. وجود شيئا نهابه يجعلنا نضع صنما آخر في درجة قدسية الله تعالى فلا هيبة إلا لله وحده عزل وجل.

وجدير بالذكر هنا ان من يقرأ كتب التاريخ الإسلامية التي كتبها جهابذة السلف امثال الطبري وابن كثير لن يجد ذكر لكلمات مثل "سيدنا" و"رضي الله عنه" ملحقة مع اسم اي "صحابي". فهل لم يعي الصحابه والتابعين ان هؤلاء "الرجال" مرضي عنهم. ولأعطي مثالا عن اهم صحابه نذكر جميعا اسماءهم: فهذا علي بن ابي طالب "رضي الله عنه" يقول عن معاوية بن ابي سفيان وعمرو بن العاص "رضي الله عنهما ": ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم، وقد صحبتهم أطفالا، وصحبتهم رجالا، فكانوا شر أطفال وشر رجال". فإما ان الإمام علي يخالف ما قاله النبي الكريم عن صحابته وتلك مصيبة! أما إنه لا يعي أن الله رضي عن معاوية وعمر وتلك مصيبة اعظم! أما إن العلامة ابن كثير الذي نقل هذا الكلام في كتابه "البداية والنهاية" كذاب ومدلس وتلك كارثة! إما إننا نحن من نعيش خدعة وحالة شرك عظيمة بالله وأن علي بن ابي طالب وابن كثير لم يعوا بعد الأصنام التي بنيناها نحن لاحقا وهذا ما ارجح.

طبعا انتقلنا من صنم التشيع وتقديس الصحابة إلى صنم آخر، وهو صنم الأئمة ومذاهبهم التي تحمي كل الأصنام السابق ذكرها. بالرغم من أن النبي (ص) في حديث شهير قال: سيأتي على رأس كل مائة عام من يجدد لأمتي دينها، إلا إن المسلمين الذين يدعون إتباع سنة النبي لا يدعون الفرصة لأي مجدد إلا ونبذوه واحتقروه ولفظوه ورفعوا عليه كل شيخ مثبت لهم ولفكرهم ومذاهبهم على كافة مللهم وشيعتهم. فمنذ ظهور مثلا الأئمة الخمسة (وكان هؤلاء أول وآخر مجددين في الإسلام) عند كل من الشيعة والسنه (أربعة لأهل السنه) فلا يصح ولا يجوز أن يخرج أحدا على تلك المذاهب او يعارضها ومن يعارضها فهو مارق زنديق، ولنا في ما حدث للإمام الفيلسوف المجدد ابن رشد اسوة وحديثا ما حدث مع الشيخ المجدد محمد عبده والشيخ المجدد الدكتور صبحي منصور والدكتور الفيلسوف محمد شحرور والمفكر الرائع المجدد دائما جمال البنا واسماء اخرى كثيره لا حصر لها، جميعهم بدأَ من ابن رشد منبوذين لا لسبب إلا إنهم اتبعوا سنة النبي في التجديد وعملوا بأمر الله في الخروج على ما ألفينا عليه اباءنا فكانت النتيجة أن لفظهم المجتمع الإسلامي القائم على عبادة الأصنام البشرية والثوابت السلفية الفرحين بشيوخ امثال الجندي وحسان والقرضاوي وغيرهم ممن يعيشون في جلباب القرن الثامن الميلادي.

وجدير بالذكر هنا أن الكثير من علماء السلف الذين صنعنا لهم اصناما في عقولنا نقدس كلامها كتقديسنا لكلام الله قد نهوا عن تقليدهم او اتباعهم. فهذا ابو حنيفة يقول: لا يحل لاحد ان يقول بقولنا حتى يعلم من اين قلناه. هذا إلى جانب مقوله الشافعى الشهيرة: رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب. كما أن تلميذه احمد بن حنبل قال: لا تقلدنى ولا تقلد مالكا ولا الشافعى و تعلم كما تعلمنا. وانا اقول قوله تعالى: أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوبا اقفالها. إن كل مسلم مطالب بتدبر القرآن والخروج بشريعة تناسب العصر الذي نعيش فيه وهذا يؤيد قوله الكريم (ص) أن على رأس كل مائة عام سيأتي من يجدد للأمه دينها. كيف يجدد من يأخذ من علوم القرن الثامن الميلادي؟! كيف يجدد من يقدس الرجال والمحدثين والإئمة؟! إن الإنسان الجبان لا يجدد ومن يقدس شيئا يهابه، والمفروض ألا نهاب إلا الله تعالى وحده لا شريك له. كيف نهاب من لم تظهر عليهم علامات النبوه أو الإعجاز ولم يأمرنا الله عز وجل بطاعتهم!

في عيد ميلاد النبي علينا ان نجدد منهاج النبي بعدم الشرك بالله ونبذ الأصنام البشرية التي دفعتنا لزهق روح التجديد الإسلامي، علينا بفتح الأبواب للمجددين وعدم اتباع اقوالهم وافكارهم إلا بعد تدبر عميق للقرآن واتباع للضمير الإنساني الذي يحكم عصرنا وزماننا. واختم كلامي بأن روح التبعية تقود إلى التخلف وهو تشخيص للحالة المذرية التي تعيشها الأمة الإسلامية الآن، وروح التجديد تقود إلى التقدم والإزدهار وهو تشخيص لحالة النضوج التي عاشتها الأمة الإسلامية في أول عصورها وكذلك تعيشها دول العالم الأول الآن و التي تتبنى التجديد دينا لحياتها، فإياكم والتبعية وعليكم بإعمال العقل.

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا

وكل عام وانتم بخير

اجمالي القراءات 9270