لا ولاية للرجل على المرأة

محمود دويكات في الإثنين ٠٩ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

في مقالات و مواضع متفرقة في هذا الموقع (وغيره) أصر البعض على إطلاق و استخدام مصطلح "ولاية الرجل على المراة" ، و قد يكون الدافع وراء ذلك من أجل حماية المرأة و لكن بالاضافة الى أن الله لم يستخدم و لم يذكر هذا المصطلح بتاتا فإن الواقع يشير الى أن معظم بل جميع حالات التعسير و التضييق على المرأة و على تقدمها في المجتمع سببه وجود هذا المصطلح حيّاً في عقلية معظم المسلمين.
1. لماذا وجدت "ولاية الرجل على المراة" ؟
قبل مجيء رسالة محمد عليه السلام، كان المجتمع قبلياً صحراوياً يعتاش على الرعي و الصيد و الغزوات و قطع الطرق على قوافل الاثرياء ، و كانت المرأة في معظم الاحيان تؤخذ أسيرةً و يتم معاملتها كعبدة و استخدامها كبضاعة من اجل رفاهية و خدمة الرجل ، فلذا ، ساد الاسترقاق بشكل فظيع في تلك الفترة الى أن غدا جزءاً أصيلا من الحياة اليومية. في تلك البيئة كانت نظرة الرجل للمرأة على أنها سلعة و أنها يمكن الاستيلاء عليها و إلغاء معظم حقوقها بسهولة بمجرد سبيها و أخذها أسيرة، لهذا السبب ترسخت نظرة الرجل الى المراة على أنها مخلوق ضعيف يباع و يشترى و لا حول له و لاقوة و أنه هو الرجل صاحب القوة و الآمر الناهي فأصبح من المنطق و المعقول لدى تلك البيئات الصحراوية أن المرأة الحرة (حتى تبقى حرةً) بحاجة الى حماية الرجل (و القبيلة) و أنها لا تستطيع العيش بتاتا دون عهدة و ولاية الرجل عليها.
في تلك البيئة ، جاء الرسول الكريم محمد برسالة الله تعالى التي تدعو الى العدل و الحرية و تحقيق التكافؤ في الفرص ما بين البشر ، فكان معظم من اتبع محمد في تلك الفترة هم من العبيد و الضعفاء لأنهم رأوا في تلك الرسالة ما هو إلهيّ النزعة من تخليصهم و تحريرهم من التبعية الفكرية و الاجتماعية لمن هم أعلى منهم. فكما سنرى ، فإن الخطاب الالهي دائما يدعو الى التحرر الفكري و الانعتاق الاجتماعي (خاصة تبعية المراة للرجل) ، و مع ذلك ، و بوفاة النبي الكريم ، سرعان ما عاد الناس الى سابق عهدهم من تسلط و تركيع للضعفاء لأجل رفاهية و خدمة الاقوياء و أصحاب النفوذ ، فساد الاسترقاق بشكل أكثر مما كان عليه قبل محمد، و عاد الرجل يضع اغلاله و قيوده على المراة و تحركاتها و أصبح يتدخل في شؤونها (حتى الخاصة منها) بشكل لايقبله عقل (كما هو الحاصل هذه الايام في السعودية و غيرها) .
2. لماذا "سورة النساء" ؟

 من الملفت للانتباه أن القرءان (و الذي يعتبره المسلمون كلام الله المباشر للبشرية جمعاء) يحتوى على سورة كاملة من الطوال تحمل عنوان "النساء" و كأن هذه السورة قد تخصصت في الحديث عن النساء ، و لكن قراءة السورة تبين أن الحديث كان يتغاير على مواضيع مختلفة منها له علاقة مباشرة بالنساء و علاقة الرجل بالمرأة و آخرى ليس ذات علاقة مباشرة. إن الفهم العام للسورة يشير الى أن الله دوما يذكـّر الطرفين بحتمية تبادل الحقوق و الواجبات ،و أنه متى توقف طرف عن أداء واجباته فإنه يكون قد تسبب بظلم و تعسير على الطرف الآخر. فالعلاقة ما بين الرجل و المراة علاقة تكاملية في المجتمع و لا نجاح فيه طالما أهمل طرفٌ طرفاً آخر فيه.
إن البيئة (كما هو موضح سابقا) والتي نزل فيها القرءان ، أدت الى ان يكون الخطاب الالهي فيما يتعلق بعلاقة الرجل و المرأة خطابا قاسيا على الرجل بتذكيره دوما على أن "لا" يتعدى ما أمر الله به تجاه النساء. فجاءت معظم الايات التي تتحدث عن النساء محتوية لأوامر و نواهيَ مباشرةً للرجل بالتزام التقوى و عدم تنصيب نفسه متحكما في المرأة بل جاءت الايات تطلب و بقسوة من الرجل أن "لا" يقحم نفسه في أمور النساء ، فليس لأحد أن يشرعن و أن يقنن قوانين تحد من حرية و حركة النساء الفكرية و الاجتماعية سوى الله و الله فقط (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) (4:176) أي أن الفتاوى الخاصة بالنساء هي فقط من الله و من الله فقط ـ فلا يجوز لأحد أن يقعد مكان الله و يبدأ بإصدار فتاوى تخص النساء في حياتهن الشخصية. و إنما ، يتوجب علينا ان نسعى للمحافظة على أمر الله به في كتابه ، فما جاء به نص صريح و واضح نقوم فقط بتكراره و توضيحه للسائل ،أما ما لم يرد فيه نص واضح فليس لنا الحق أن نبتدع إجابات و تحليلات و كأننا أعلم بكتاب الله من الله نفسه سبحانه. فما لم يرد فيه نص يجب تركه للشخص السائل يتعامل معه كما يشاء و كما يمليه عليه الواقع ، و لا حرج عليه أو عليها فيما يفعل على أن لا يضر بغيره في المجتمع.
3. الولاية و القوامة

يخلط الكثيرون ما بين القوامة و الولاية ، فالقوامة مذكورة في القرءان و أما الولاية (من الرجل على المراة) فليس لها ذكر مطلقا في القرءان. إن المطلوب في القوامة هو أن يقوم الرجل على رعاية المرأة و حمايتها بشكل مباشر ،و ليس أن ينصّب نفسه حاكما إداريا لها. فهناك فرق فادح ما بين الامرين: فالمرأة في المتوسط أضعف جسديا من الرجل ، و هي أقل جرأة منه في المطالبة بحقوقها ، لهذا فمن السائد في المجتمعات أن تكون حقوق المرأة مضيعة و مهملة ، و لهذا السبب أمر الله الرجال أن يتكفلوا بتوفير الدعم للمرأة متى احتاجت ذلك. اما ما يحدث هذه الايام فهو ليس توفير الدعم للمرأة و لكن هو التسلط على حياتها و توجيهها بحسب ما يرتأي الرجل.
4. ليس هناك ولاية للرجل على المرأة:
إن الاوامر التي أطلقها الله في القرءان للرجال تدل و بشكل مباشر على أن الرجل لايجب عليه ان يتدخل في حياة المرأة الخاصة (إلا إن تسببت في إيذاء آخرين) و بالتالي لا يجب عليه ان ينصّب نفسه حاكما إداريا عليها. إنظر في هذه الايات كيف تصر و تركز على حرية المرأة في أن تدير حياتها كما تراه هي مناسباً،و ليس كما يود الرجل أن تكون:
-( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (2:234)
-( فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (2:240)
-( وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا)(2:231)
-( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ)(2:232)
-
( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى)(65:12)

إن هذه الايات و غيرها تشير أن للمرأة حريتها الخاصة (طالما لا تتسبب في آي أذى) تماما مثلما أن للرجل حريته الخاصة (طالما لا يتسبب في أذى). و سبب كثرة "اللاءات" في الخطاب الالهي للرجل بخصوص المرأة هو أن رجال ذلك المجتمع قد اعتادوا على دسّ أنوفهم في حياة النساء بحجة ضعفها و عدم قدرتها على حماية نفسها. وقد استمرت عقلية ذلك المجتمع الى هذه الايام في جعل المرأة تابعةً للرجل ، و لكن تم إلباس هذه العقلية بمصطلحات مثل "ولاية الرجل على المرأة" و كأن المرأة مخلوق ضعيف مستكين لا يكاد يبين طريقه في الحياة . و رغم كل المبررات التي يسوقها المنظرون لهذه العقلية ، من حماية للمرأة و دعمها ، فإن النتائج المترتبة على هذه العقلية في العالم الاسلامي وخيمة و سيئة للغاية. فانظر مثلا في السعودية كيف يمنع الرجل النساء من مجرد المسير حرةً في الاسواق العامة ،و كيف يعاملونها على انها مجرد سفيه لا يفقه و لا يعقل و لا يحسن التصرف. و انظر كيف يقوم الآخ بحبس اخته لفترات طوال بحجة أنه الوليّ عليها و أنه يفعل ذلك لمصلحتها. كل هذه الافرازات النتنة إنما هي نتيجة مباشرة لتغذية عقول الرجال بتلك الافكار الباطلة بأن لهم اليد و السلطة و الولاية على المرأة و انهم باستطاعتهم التحكم في حياتها و مصيرها.

اجمالي القراءات 27265