كيف تكون مجتمع السادة والعبيد ..
التسيد والاستعباد !!

محمد عبدالرحمن محمد في الأحد ٠١ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

التسيد والاستعباد!!

كيف تكون مجتمع السادة والعبيد؟

    عندما خاطر الإنسان بحياته لأول مرة في معركة من أجل المنزلة الخاصة "الاعتراف والتقدير" أو التسيد" من أجل أن يكون سيداً ، وبسبب حالة الحرب التي سادت إنسان الطبيعة( البدائي) عند هيجل والتي لم تؤد مباشرة إلى قيام  مجتمع مدني قائم على عقد اجتماعي ، وإنما أدت إلى قيام علاقة بين السادة والعبيد ، وذلك  حين "اعترف" أحد المتحاربين البدائيين بالمتحارب الآخر " كسيد" له لخوفه على حياته ولأنه الأضعف، وبذلك قنع بأن يصبح له عبداً .

 ومع ذلك لم تكن علاقة السيد بالعبد مستقرة على المدى الطويل وعلى طول الخط ، وذلك لأن كلا منهما  لم ير فيها إشباعا لرغبته في  الاعتراف ، ويمثل هذا الافتقار إلى الرضا (تناقضا)  في المجتمعات التي تعرف الرق . فإذا كان أول ما أقدم عليه الإنسان هو المخاطرة بحياته  في خوض معركة دموية فإن تلك المخاطرة لم تحرره تماما ولا هي أشبعته .!!.

  

أسباب عدم الرضا لدى السيد والعبد :

ويرجع عدم الرضا عند كل من السادة والعبيد إلى الآتي ...

  1-السيد يكون أكثر إنسانية من العبد لأنه مستعد للتغلب على طبيعته من أجل هدف غير بيولوجي ـ  معنوي وهو نيل "الاعتراف والتقدير" فهو ( إذ يخاطر بحياته إنما يثبت أنه حر). أما العبد فيستسلم لخوفه من القتل في حلبة الصراع ، ويظل خائفا  محروما غير قادر على التغلب على خوفه الطبيعي  من الموت . ولذلك نصل للنتيجة التالية وهي أن عبودية العبد وعدم نضجه هما  مصدر المأزق الذي يعيشه السيد ، فالسيد يحتاج إلى إنسان له كرامة وقيمة يعترف بسيادته، فالاعتراف  الذي  حصل عليه السيد من العبد اعتراف منقوص وذلك بسبب أنه من عبد لم تكتمل إنسانيته  لأنه استسلم للخوف  الطبيعي من الموت .

   

   ومن المعروف أن الشخص  يقدر المديح أو الاعتراف تقديرا أعلى إن هو صدر عن شخص نحترمه ونثق في حكمه ، وبالأخص  حين يأتي المديح طواعية لا عن قهر. وكقول فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ" ( فإن كلبنا المدلل "يعترف" بهز ذيله محييا عندما نعود للبيت ، إلا أنه يعترف وبنفس الصورة بــ (ساعي البريد أو اللص) .ولو أردنا مثلا سياسيا يؤكد ما قاله فوكوياما نقول مثلا  إن رضاء ستالين أو صدام حسين أو غيرهم من المستبدين الأحياء عن هتاف الجماهير له ، وهو يعلم أنه قد جئ بهم إلى الساحة في سيارات عامة ، وأجبروا على الهتاف وإلا عوقبوا بالموت أو التضييق عليهم في أرزاقهم ، هذا التقدير والاعتراف لهم هو بالضرورة أقل شأنا لو كان  من كون الزعيم  جاء للحكم بطريق ديمقراطي  مثل واشنطن أو لينكولن  حين يقابله شعبه الحر باحترام حقيقي ، وليس نفاق حقيقي  .

ومن زاوية أخرى قد يُقتل السيد " المستبد " غير أنه  لن يتعلم أبدا من هذا الدرس المتكرر ، وتراه يخاطر بحياته مرة تلو الأخرى في صراعات حتى الموت مع سادة آخرين  من أجل السيطرة على إقليم أو وراثة عرش ، غير أن المخاطرة بالحياة رغم جوهرها الإنساني هى ذاتها،  مهما تكررت ( لا جديد فيها )إذ أنها لا تساهم في دفع مسار التقدم الحضاري  . ومن هنا فإن الغزو المستمر ( الاستيلاء على الحكم ) وإعادة فتح الأقاليم ليس بالمحركين لمسار التقدم الحضاري ( التاريخي) .

 أما عدم رضا العبد وسخطه لا يؤدي إلى جمود قاتل  كما هو في حالة السيد، وإنما  يؤدي إلى تغير خلاق مثمر، إذ أنه بخضوعه لن ينال الاعتراف ،  فالاعتراف من جانب واحد  من العبد للسيد ، وعدم الاعتراف من جانب السيد بالعبد  كإنسان ذو كرامة  يخلق لدى العبد الرغبة والحافز في التغيير.

   وليس للعبد طريقا إلا العمل لكي يستعيد إنسانيته  وكرامته التي فقدها  نتيجة خوفه من القتل ، ويزعم  الكسندر كوجيف  أن الخوف من الموت ضرورة ميتافيزيقية  للنمو اللاحق لدى العبد ، لا لأنه يهرب منه ، وإنما لأنه يكشف له عن افتقاره الجوهري إلى أية قيمة ، وعن أنه كعبد لا هوية دائمة له ، أو أن هويته هى الرفض عبر الزمن أو الرفض المستمر .

   وفي بادئ الأمر كان العبد مجبرا  على العمل من أجل إشباع حاجات السيد بسبب خوفه من الموت ، غير أن الحافز على العمل عنده يتغير بمرور الوقت  إلى العمل من قبيل الواجب وترويض النفس . فيتعلم العبد خلال ذلك قمع الرغبات الحيوانية في سبيل العمل  أو ما يعرف بــ " أخلاقيات العمل " . ويدرك من خلال العمل أنه ككائن بشري يغير الطبيعة .  فيأخذ من الطبيعة مواردها ويحولها كما يهوى إلى  أشياء أخرى  وفق فكرة مسبقة أو مفهوم مسبق .

   العبد يستخدم الأدوات وبوسعه استخدام الأدوات  في صنع أدوات أخرى ، وبذلك يخترع التكنولوجيا .( ومن الممكن أن نقول أن الطبقة المتحولة داخل طبقة العبيد  والتي هي قاطرة المجتمع تنشأ داخل الطبقة الوسطى في مفهومنا الدارج والمعاصر )

   العلم الطبيعي الحديث ليس من اختراع السادة  الذين يتوفر لديهم كل ما يشتهون ، فمن المعروف كما يقال من يولد وفي فمه ملعقة من ذهب فإنه لا حافز لديه للعمل ولا للترقي . ولذلك فإن العلم الطبيعي الحديث إنما هو من اختراع العبيد المضطرين إلى العمل  والساخطين على وضعهم الراهن  ويكتشف العبد بفضل التكنولوجيا أنه يستطيع تغيير الطبيعة لا البيئة الطبيعية التي ولد  فيها فحسب  وإنما طبيعته هو أيضا.

    إن السيد يثبت حريته حين يغامر بحياته في معركة دامية فيثبت من خلال ذلك تفوقه وتغلبه على مقتضيات الطبيعة، أما العبد فعلى العكس إذ يدرك فكرة الحرية من خلال عمله في خدمة سيده ، وحين يدرك أنه كبشر قادر على العمل الحر الخلاق ، وسيطرته على الطبيعة هي المفتاح لفهمه لفكرة السيادة أو التسيد .أي أن العبد يدرك قيمة الحرية من خلال العمل .

   وبذلك تكون الحرية المحتملة للعبد هي أهم تاريخا ( حضاريا) بكثير من الحرية الفعلية التي يتمتع بها السيد، فالسيد حر ويستمتع بحريته ، أما العبد فبإمكانه فقط أن يدرك فكرة الحرية وهي فكرة تخطر بباله نتيجة لعمله  ، فالعبد ليس حرا في حياته  وهناك تفاوت بين فكرة العبد عن الحرية  وحالته الواقعية  فهو إذن أكثر تفلسفا ، وعليه أن يفكر في الحرية بمعناها النظري قبل أن يستمتع بها عمليا . وبذلك فإنه لا يساهم فقط بل ويؤسس النظم الليبرالية الحديثة والتي تنظم العلاقة بين السادة والعبيد .

  وعلى العبد أن يخترع بنفسه مبادئ المجتمع الحر قبل أن يعيش فيه  ولذا فإن وعي العبد  أسمى وأرقى من وعي السيد  لأنه أكثر إحساسا بنفسه وأكثر تفكيرا فيها  وإدراكا لوضعه .

  العبد لا يبدأ بتحدي سيده ، وإنما يمر بعملية طويلة عسيرة من تعليم الذات ، فيتعلم التغلب على خوفه من الموت  والمطالبة بالحرية هي من حقه  ( وهي درس لجميع المثقفين في العالم المستبد ) والتي يطرح فيها صورا عديدة مبدئية عن الحرية قبل أن يتبنى ويصل إلى الصورة الحقيقية .

ومن هنا يمكن وضع تصور لما يعنيه مصطلح الإيديولوجيا : فهى ( الصور الذهنية غير السليمة في حد ذاتها والمعبرة مع ذلك  عن البنية الأساسية للحقيقة – حقيقة السيادة والعبودية -.

 الإيديولوجيا : تحوي بذور فكرة الحرية ورغم ذلك فهى تحقق مصالحة بين  العبد وواقع افتقاره للحرية. 

   وقد ذكر هيجيل في كتابه "فينومينولوجيا العقل" " علم ظاهرة العقل " مشيراً إلى عدد من إيديولوجيات العبيد بما في ذلك  من فلسفات كالرواقية ومدرسة الشك .

 

   أهم إيديولوجيات العبيد  " "عند هيجيل"  هي  ( المسيحية ) : لأن عنده

المسيحية هي الدين المطلق وليس ذلك تعصبا منه ، وإنما مراعاة للعلاقة التاريخية الموضوعية القائمة بين العقيدة المسيحية وظهور المجتمعات الليبرالية في أوروبا الغربية ، وهى علاقة أقر بها عدد لا يحصى من المفكرين التاليين لهيجيل أمثال فيبر ونيتشه ، فقد حددت المسيحية الصورة النهائية لفكرة الحرية ، لأن هذا الدين في رأي هيجيل هو أول ما أرسى دعائم مبدأ المساواة بين كافة البشر في عين الله على أساس عقيدتهم واختيارهم الأخلاقي ، وبعبارة أخرى فالمسيحية ترى الإنسان حر معنويا في اختياره بين الحق والباطل . والحرية المسيحية هي حالة داخلية  من أحوال النفس يجدد الإنسان روحه بقدرته على الاختيار والاعتقاد ، فالمؤمن المسيحي لديه الكرامة الداخلية ، والمفهوم المسيحي عن الحرية يعني المساواة العامة بين البشر.، هذا ملخص ما قاله هيجل

 

  أما  جون لوك المفكر السياسي البريطاني  وكذلك هوبز  يريان أن :  المساواة بين البشر على أساس فكرة تساوي الملكات الطبيعية . والمساواة المسيحية : أساسها أن الناس جميعا متساوون في تمتعهم بملكة واحدة معينة  هي ملكة الاختيار الأخلاقي . فالجميع قادرون على قبول أو رفض فكرة الله وصنع الخير أو الشر .كما ذكر الدكتور مارتن لوثر كينج  وهو القس المسيحي في خطبته عام 1964  أمام النصب التذكاري لــ ( لينكولن ) ورد في خطابه الذي كان بعنوان " أحلامي" جملة شهيرة يقول فيها : أنه ( يحلم بأن يعيش أطفاله الأربعة  لا يحكم الناس فيه عليهم وفق لون بشرتهم وإنما على أساس مضمون شخصياتهم ) .

   فالكرامة الإنسانية عند لوثر كينج  ليست في عقل الإنسان أو ذكائه بل في شخصيته أي شخصيته الأخلاقية وقدرته على التمييز بين الحق والباطل .فإن اختلف الناس في مضمار الجمال أو الموهبة أو الذكاء أو المهارة فهم متساوون في كونهم كائنات أخلاقية ، فمساهمة المسيحية إذن في المسار الحضاري (التاريخي) تتمثل في توضيحها للعبد هذه الصورة للحرية الإنسانية وتعريفه بمعنى الكرامة لدى كافة البشر .

 ويرى هيجل  أن المسيحية هي مجرد (إيديولوجيا) أخرى للعبيد , أي أنها تخالف الصواب في جوانب معينة فهي ترى أن تحقيق الحرية الإنسانية لن يتم هنا على الأرض ، وإنما في ملكوت السماء، وبعبارة أخرى فإن المسيحية قد فهمت الحرية فهما صحيحا ، غير أنها انتهت بدعوة العبيد في عالمنا إلى قبول عبوديتهم بأن أخبرتهم المسيحية  ألا يتوقعوا تحريرهم في  هذه الحياة الدنيا ، وذهب هيجيل إلى أن الفرد المسيحي جعل من نفسه عبدا للإله الذي خلقه وتقبل حياة العبودية على الأرض  معتقدا أن الله سيعتقه فيما بعد،  في حين أن بمقدوره أن يحرر نفسه بنفسه ، فالمسيحية إذن هي صورة من صور الاغتراب أي صورة جديدة للعبودية .

 ويقول هيجيل أيضا أن المسيحية قدمت للعبد مثالا لما ينبغي أن تكون عليه الحرية الإنسانية ، ورغم أنها لم توضح طريقا عمليا للخروج من عبوديته ، فقد أتاحت له أن يرى هدفه رؤية أوضح ، وهو أن يكون فردا حرا قائما بذاته معترفا بحريته وكيانه من جانب العالم كله وكافة البشر.

 وإتمام   المسار الحضاري التاريخي لا يتطلب عند هيجيل أكثر من تحويل المسيحية إلى مذهب دنيوي . أو ترجمة المفهوم المسيحي عن الحرية إلى معنى " هنا والآن" وليس في ملكوت السماء وهو  يتطلب معركة دامية أخرى يحرر فيها العبد نفسه من هيمنة السيد .

خاتمـــــة :

لو أن فلاسفة الغرب ومفكريها السياسيين أمثال جون لوك وهوبز وماركس وجان جاك روسو والكسندر كوجيف وكانط وعلى رأسهم هيجيل قرءوا القرآن الكريم قراءة ثاقبة  ( وإن كان ذلك من الصعب بسبب حاجز اللغة وأشياء أخرى) لوجدوا في القرآن ما لم يجدوه في  تعاليم  المسيحية المستقرة لديهم  ، فالفرد في القرآن وكذلك المجتمع مطالبون  بالأمر بالمعروف  والنهي عن المنكر والدعوة إلى الحرية في الدنيا والعمل على تحقيق هذه الحرية التامة في الاختيار في العقيدة و النظام الاجتماعى الذي يحكم به المجتمع نفسه وكذا طرق اختيار  من يمثله ويلي أمره وجعل القرآن الحرية المطلقة  ركنا من أركان الإيمان به !! وتحقيقها والعمل على اكتسابها في الدنيا وعلى الأرض وليس في ملكوت السماء أي " هنا والآن" كما فهموا هم من تعاليم المسيحية كذلك جعل القرآن الوقوف  بجانب الفرد العبد أو المجتمع العبد  حتى يسترد حريته وكرامته فرضا على المؤمنين به حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة السيد – الحاكم المستبد أو الطائفة المستبدة –  فهذا أمر دنيوي يجب تحقيقه على الأرض هنا والآن  وليس في ملكوت السماء : يقول تعالى في سورة الحجرات { {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الحجرات9 }. .. 

اجمالي القراءات 15141