أحضان الرئيس
أحضان الرئيس

ابراهيم عيسى في الأربعاء ١٤ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 لا أعرف كيف سيستقبل الرئيس مبارك رئيس وزراء إسرائيل أولمرت أو غيره خلال الأسابيع المقبلة بالأحضان، كما يفعل دائمًا مع رؤساء ومسئولي إسرائيل؟! لا أعرف كيف سيبتسم ويتبادل القبلات والمصافحات أمام الكاميرات والضحكات التي تظهر في الصور الملتقطة قبيل اللقاء المغلق؟!

سيقول البعض إنها لوازم السياسة وبروتوكول الدبلوماسية، لكن الحقيقة أن أحدًا لم يلتق هتلر بعد ما فعله من حروب وتدمير بهذه الابتسامات والأحضان، ولم يستقبل أحد سلوبودان مليسوفيتش &Egc; بعد مجازر الصرب ضد المسلمين بالأحضان والقبلات، ثم إن السياسة والدبلوماسية لا تقولان لنا: «احضنوا القتلة وابتسموا للمجرمين وعانقوا السفاحين»، بل السياسة واللياقة والعدالة تقول: «عاقبوهم وقاطعوهم وامنعوهم من دخول أرض مصر لأنهم مجرمو حرب وقتلة أطفال ومرتكبو جرائم ضد الإنسانية».. أتذكر في مباحثات الكيلو 101بين مصر وإسرائيل ـ وهي المفاوضات التي جرت عقب انتهاء حرب أكتوبر ووقف إطلاق النار من أجل الاتفاق علي ترتيبات ما بعد الحرب، فيما يخص تبادل الأسري واعتبارات أخري ـ أن وجه الفريق عبدالغني الجمسي ورفاقه من أبطال أكتوبر الذين يتفاوضون مع الصهاينة كان جادًا وقسماتهم حادة ومعبرة عن حوار مع عدو وليس صديقا نأخذه بالأحضان، لكن التعامل العادي والطبيعي والدبلوماسي مع القتلة أمر غريب ومذهل في إسقاطه لكرامة وكبرياء ودم العرب وشهداء العدوان الإسرئيلي الذي استخدم أسلحة محرَّمة دولياً ومجرَّمة إنسانيًا ضد أطفال ونساء بترن أطرافهم وأحرقت عيونهم وجلودهم.. كيف يسمح لنفسه الرئيس مبارك أن يصافح باسم شعب مصر وباعتباره رئيس هذا البلد (أيا ما كان رأينا في تزوير انتخابات الرئاسة) أن هؤلاء المجرمين؟!
لكن الرئيس فعلها بعد حرب إسرائيل الهمجية والمجرمة علي لبنان وبعد مجزرة قانا في 2006 .. ابتسم مبارك وصافح مرتكب هذه المذبحة مجرم الحرب إيهود أولمرت وعانقه في ابتسام الرضا، ولف مجرم الحرب ذراعه حول كتف رئيسنا، والأغلب أن مبارك لن يلتفت ولا مستشاروه لمشاعر ومواقف العرب والمصريين ولن يمانع في مقابلة ومعانقة مجرمي الحرب، كأن مصر تكافئهم بقبلات رئيسها وحرارة الأحضان علي قتل الأطفال والشيوخ وهدم المساجد، سيحدث ذلك وأكثر، خصوصا أن الحكومة التي رفعت المشانق الإعلامية لحركة حماس بسبب استشهاد ضابط مصري في تبادل إطلاق نار عشوائي أثناء محاولة دخول فلسطينيين إلي رفح المصرية (طبقا للرواية الرسمية الأولي قبل اللعب أو التلاعب الأمني فيها ) هي التي سكتت بإعلامها وطنينه وزنه عن إصابة جنود مصريين علي الحدود مع رفح بإطلاق الصواريخ والمدافع الإسرائيلية، بل وتقرأ نص بيان وزارة أبو الغيط (المعروفة إعلاميا باسم الخارجية المصرية) الذي يقول لا فض فوه إن سفير إسرائيل في القاهرة شالوم كوهين قدم اعتذار بلاده يوم الإثنين لإصابة خمسة مصريين في القصف للمنطقة الحدودية مع غزة يوم الأحد. وقد جاء الاعتذار الإسرائيلي وكان مصدر أمني مصري قد أعلن أن صاروخًا إسرائيليًا آخر سقط يوم الإثنين علي الجانب المصري من الحدود لكنه لم ينفجر.

وكان ثلاثة من رجال الشرطة المصريين وطفلان في الثانية والخامسة من عمريهما قد أصيبوا يوم الأحد بشظايا صواريخ بالقرب من الحدود بين مصر وغزة إثر قصف إسرائيلي استهدف أنفاق التهريب.وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية حسام زكي(مش بس حسام لا وكمان زكي !): إن السفير الإسرائيلي بادر بهذا التحرك بتعليمات من حكومته، حيث أعرب للجانب المصري عن اعتذار الحكومة الإسرائيلية عن ذلك موضحًا أن هذا القصف كان المقصود به بعض أهداف عسكرية علي الجانب الفلسطيني(كأن ضرب أهداف فلسطينية أمر مشروع وعادي وفيها إيه يعني الراجل كان بيضرب في فلسطين جت النار في مصريين، نيران صديقة يعني ماتقدش ). وأضاف أن السفير الإسرائيلي قدم كذلك اعتذار حكومته عما حدث من تداعيات علي الجانب المصري! والسؤال: إذا كان السفير الإسرائيلي قد اعتذر فهل قبلت مصر اعتذاره؟.. يا نهار أسود ما هذا الهوان وما هذه الإهانة (كأنك تحصل علي عبوة الهوان فتأخذ عبوة الإهانة مجانا) أهذا ما قدرت عليه مصر، طبعاً سيصرخ صارخ فوراً ويقول يعني عايزنا نحاربهم عشان غلطة مش الحمدلله إنها جاءت علي قد الإصابات والعيلين لم يموتا، والإجابة: لا يا سيدي لا نريد حرباً ولا ضرباً ولا نطلب ولا نطالب هذه الحكومة، إلا بأن تتوقف عن وضع رأسنا في الطين السياسي كما تفعل!.. حيث إن هناك حدوداً دنيا للإهانة والمذلة، لم يقل لكم أحد حاربوا ولا ناضلوا ولا قاوموا ولكن كونوا محترمين.

أليست هناك أي فرصة في أن تتشددوا ويتشدد الحكام العرب معكم قليلا، وأن يفتح الله عليكم وعليهم بكلمتين فيهما بعض الحرارة وسمت الرجولة و رائحة كبرياء، كي يتوقف شلال الضرب والشلاليت والركل في مؤخرة الأمة العربية التي نتلقاها يوميا من قادة إسرائيل وأمريكا، ألا يمكن أن يغامر وزير لا راح ولا جاء من مصر (وما أكثرهم) أو من السعودية أو الأردن ويقول كلاما قويا فيه موقف واضح يرفض التذلل الذي تعيشه التصريحات العربية ويندد بحالة الغرام بالخيار الإستراتيجي الذي تأكله الأمة كل ليلة قبل أن تنام؟! لماذا لا يخرج سياسي رسمي (نظمي) عربي ويصرح بأن الحكومات العربية لم تعد تتحمل الوعود الفارغة التي تطلقها أمريكا لهم ولم تعد تستطيع السكوت عن الهوان أمام إسرائيل وحكامها الذين يتبارون أمام الناخب الإسرائيلي في ارتكاب المذابح ضد الفلسطينيين والعرب لا يهمهم كلام ولا تحذير ولا رجاء من رئيس مصر أو ملك الأردن أو السعودية أو أمير قطر ولا يعيرون تهديدات رئيس سوريا ولا شخط القذافي أي اهتمام ولا أهمية ولا يفرق معهم أي حاكم من حكامنا من أكبر كبير إلي أكبر وريث؟.. كل ما نسمعه من حكامنا وتابعيهم ومنافقيهم هو هذا الكلام السقيم المريض عن السلام والخيار، هذا الإصرار المدمن علي التذلل، وهم أحرار في أنفسهم لكن الذي يدفع الثمن هو الشعب الذي بدأت السجون في أوطانهم تفتح أبوابها لمن يقود المظاهرات ضد إسرائيل وبدأت الشرطة تجرجر زعماء المظاهرات إلي مديريات الأمن والتخشيبة، والنيابات تستدعي رموزهم وصحف عسس الدولة تستعدي الأمن والحاكم عليهم وتتهمهم بالعمالة والخيانة بل وتطلب من إسرائيل أن تلقنهم درساً. الشعوب الآن تري حكامها يهانون من إسرائيل التي تشخط فيهم وتأمرهم وتهددهم، ورغم ذلك فهؤلاء الحكام يتذللون من أجل أن يرضي عنهم أولمرت أو ليفني أو باراك ليجلسوا علي مائدة تفاوض تحت رعاية ودعم ومباركة ومشاركة من الولايات المتحدة الأمريكية التي تحب أن تري حكام العرب في حظائر الطاعة وتحت السيطرة ويعملون محافظين أمريكيين للأقاليم العربية، وتحب أن تري خصوم وأعداء إسرائيل من القوي العربية الوطنية مضروبين و ممزقين ومحبوسين ومنتهين تماما.. و يبدو أنها سوف تري ما تحبه، لكن المشكلة أن الحاكم «حمامة» سلام أمام إسرائيل و«أسد غضنفر» علي شعبه،فالحاكم العربي مقبول أمريكيا ومسنود صهيونيا طالما أنه يطبِّع ويسلِّم ويستسلم لإسرائيل، أما لو كان الحاكم ديمقراطيا ومحترما لحقوق الإنسان ولكنه ضد إسرائيل واحتلالها وعنصريتها فهو حاكم مكروه ومطلوب انكساره ودمه لدي أمريكا، من هنا فما يريده الأمريكان من حكامنا ليس إصلاحا ولا ديمقراطية ولا حرية انتخابات ولا حقوق إنسان، وإنما المطلوب الاستسلام أمام إسرائيل،.. تأمل برقية الشكر والإشادة التي أرسلها جورج بوش إلي مبارك يحييه فيها علي موقفه الحكيم في العدوان الإسرائيلي علي غزة!! كم أن بوش راضٍ عن مبارك وسياسته، فهل مازلت تصدق أنه كان يطالبه بالإصلاح السياسي والديمقراطية؟!.. لتذهب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان العربي أمام مصالح إسرائيل إلي أقرب مقلب زبالة !!

العالم العربي يدور في دوائر من الكذب السياسي المقيت والسقيم، فهناك منافقون يطبلون ويزمرون لكل حاكم (من يوالي أمريكا ومن يساند إسرائيل ومن يعادي أمريكا ومن يعاند إسرائيل) ويسبحون بحمده ويقدسونه كأنه الولي الصالح أو الإله العادل ويبيعون ضمائرهم وأوطانهم مقابل البقاء في المقاعد والحصول علي الفوائد واكتناز الذهب والفضة، وهناك حكام بلغ بهم الإحساس بالعظمة ومرض السلطة وشهوة الحكم وشراهة الفساد فتخيلوا أنفسهم آلهة وأنبياء ووضعوا لحذاء أولادهم مكانا علي رقبة الوطن يرثون العواصم والخزائن والفساد والاستبداد من بعدهم، والمضحك المبكي أنهم (هم وأبناؤهم) يتحدثون طول الوقت عن ديمقراطيتهم وحريتهم وحرية مواطنيهم في كذب مريع وفصام شخصية ونفاق سياسي مذهل، الأمثلة كثيرة وأكتر من الهم علي القلب في الوطن العربي طولا وعرضا، لكن دعنا نعود إلي مصر ونتأمل ما يردده أصحاب السيادة من السادة المسئولين بالأسطوانة اليومية بتاعة مصلحة مصر وأن تصرفات الحكومة والحكم تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة قال إيه تنبع من مصلحة مصر ( لا أعرف لماذا تتداعي إلي ذهني جملة مصلحة السجون كلما سمعت جملة مصلحة مصر علي لسان مسئول لا يسائله أحد كالعادة !!) ولا نعرف هل هي مصلحة مصر أم مصلحة الحكم والحكومة في طول البقاء والجلوس علي الكراسي أبد الدهر وحتي الموت (موتهم هم وموت الشعب أيهما أقرب !!)؟ هل مثلا يعني مصلحة مصر أن تصبح دولة مرتشية من أجل قروض معونات ( تبددها الدولة كالعادة وتفلسنا كالمعتاد وتسرق منها طبعا وتفسد من خلالها وشييء لزوم الشيء وأبجني تجدني.. وما إلي ذلك ثم ذلك نفسه !!)؟!.. نرتشي بالقروض مقابل أن نبيع رأينا ونتخلي عن شعب لا تملي علينا فقط أوامر الإسلام والمسيحية مناصرته ودعمه والقتال معه بل تملي ذلك أيضاً الإنسانية والقيم الأخلاقية، فلو أن ما يجري في غزة من مذابح ومجازر ليس موجها ضد بشر بل ضد حيوانات لكان واجبا علينا أن نواجه عدوان إسرائيل ضد هذه الحيوانات، آه والله العظيم لو هذه المجازر الإسرائيلية تتم ضد مجموعات وقطعان ماشية لكان واجبا علينا أن نواجه العدوان بكل قوة وصلابة ورجولة فما بالك وهؤلاء ليسوا حيوانات يا قساة ياغلاظ القلب يا عديمي الرحمة والمروءة بل هم بني آدمين من دمنا ومن ديننا، مسلمين ومسيحيين وإخوتنا وبني جلدتنا ولغتنا وثقافتنا وعشرتنا وعشيرتنا. الضمير والواجب بل والمصلحة المصرية المباشرة تحتم علينا مواجهة إسرائيل والتصدي لها حتي لو كانت غزة حديقة حيوان مفتوحة وليست إقليما غاليا وعزيزاً وعظيما يحتشد فيه أعرق الشعوب وأكثرها حضارة، شعب المسجد الأقصي وكنيسة القيامة ومهد المسيح ومسري الرسول محمد صلي الله عليه وعلي آله وسلم، فهل مصلحة مصر أن نبيع أمنها القومي وواجبها العربي والإنساني من أجل رضا أمريكي ومعونات وحتي لا نفقد قرابة اتنين مليار دولار منحا وقروضا سنوية من الولايات المتحدة الأمريكية؟!.. بلا ستين خيبة، رجال الأعمال «السوداء» هربوا وضيعوا أكثر من المعونة الأمريكية سنويا تحت بصركم وربما من خلالكم شخصيا، ثم لو كان مال قارون هل هذا يجعلنا دولة ساكتة ساكنة خائبة كل ما تفعله هو الاتصال التليفوني بكوندوليزا رايس وتسيبي ليفني لنطالبهما بسرعة الانتهاء من ضرب وتدمير غزة واحتلالها لأن هناك عواقب وخيمة علي المنطقة لو قاومت حماس وطالت الحرب؟! طيب بالذمة تسمي هذا الرأي وذلك التصرف إيه في عالم السياسة؟ بلاش السياسة في عالم الأخلاق والكرامة، ثم مصلحة مصر يا حبايب مصر حبايبنا، ليست مصلحة حكام مصر ، ألم تر ماذا فعلت تركيا فهي دولة ديمقراطية حقا، يحدد الشعب التركي مصلحته ومصلحتها بنفسه وليس عبر مجموعة من المستبدين والوارثين الذين يسيطرون علي بلد منذ أكثر من ربع قرن وظنوا أن مصلحة تركيا هي مصلحتهم الشخصية في البقاء علي الحكم أبديا وسرمديا، تركيا رفضت يا حكامنا ستة مليارات دولار منحة كاملة من أمريكا (وليس اتنين مليار قرض بفائدة بنكية زي جماعة) في فترة ضرب العراق ورفضت مرور طيران أمريكي في سمائها، مجرد مرور وعبور طائرات أمريكية سماء تركيا لضرب العراق كان ممنوعا ومرفوضا من تركيا، ثم في الحرب الإسرائيلية القذرة علي غزة كانت تركيا بلدا عظيما شامخا وبكل كبرياء إسلامي يستعيد عظمة ومجد الدولة العثمانية أدانت تل أبيب ولقنتها درسا وهددتها وخرج الشعب التركي في مظاهرات بالملايين وحافظت تركيا علي مكانتها واحترامها وقيمها وإسلامها واستقلالها عن القرار الإسرائيلي والأمريكي، ليه ؟ لأنها بلد ديمقراطي حر ولم تذعن للترغيب ولا للترهيب، فأردوجان لا يريد توريث ابنه ولا ابن أخيه مقعد الحكم، والشعب الذي اختار هناك حكامه اختارهم كي ينفذوا إرادته، وليس ليكونوا أوصياء عليه ويتصرفوا من وحي مصلحتهم الشخصية الضيقة التي يدعون أنها مصلحة بلدهم !! ثم هي بلدهم وليست عزبتهم!!
اجمالي القراءات 10601