الفتن والمؤامرات كأساس للسياسة المملوكية وتولي السلطة
من مساوىء توارث الحكم فى تاريخ المسلمين

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٦ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

استبداد الخلفاءالمسلمين أوصل المسلمين فى النهاية الى أن يحكمهم المماليك الرقيق فى العصر المملوكى !!
مفتاح الشخصيه المملوكيه –كنظام سياسي- هو المساواة بينهم جميعا في الاصل و النشأة والتفاضل بينهم يكون بالمقدرة القتالية والدهاء السياسي …. فكلهم جئ به من بلاده الاصليه رقيقا لينخرط في سلك المماليك ثم ليتدرج بكفاءته السياسية و الحربية حتى يصل الي السلطنة، و لا عبرة إلا بملكات المملوك و قدراته ،لذا نجد بعض الغرائب ،فالظاهر بيبرس كان في الأصل مملوكا لاحد الامراء وهوالامير البندقدار، ونسب اليه فقيل بيبرس البندقدارى، واعتقه سيده، ثم وصل بيبرس بدهائه وقدراته الي ان اصبح سلطانا وسيده السابق مجرد تابع صغير له في دولته، ومهارة بيبرس تتجلى في قدراتة الفائقة على المؤامرات والدهاء مع نشاطه الحربى.
وحين يصل مملوك ما بدهائه وحذقه في المؤامرات الى السلطنة فإنة يواجه مؤامرت الآخرين الي ان يموت، وربما يموت نتيجة المؤامرة .وهكذا تدور السياسة المملوكيه في حلقة لا تنتهى من الدسائس والمؤامرات …..
وقبل ان نعرض للتفاصيل نضع بعض الملاحظات التى تقعد سياسة المؤامرات المملوكيه :
-1- بدأ ظهور المماليك على المسرح السياسى والعسكرى كقوة حربية اعتاد السلاطين الأيوبيون تكوينها عن طريق شراء الأطفال وتربيتهم جنودا يخدمون الدولة الأيوبية عسكريا وسياسيا. ُم استطاع المماليك اقتناص الحكم من أسيادهم الأيوبيين فتكونت الدولة المملوكية البحرية- نسبة الى تربية المماليك فى الجزيرة النيلية التى تطل على (بحر النيل) وكالعادة استكثر المماليك البحرية أنفسهم من شراء الأطفال وتربيتهم فى أبراج القلعة – مركز الحكم فى القاهرة – وتمكن المماليك الجدد من اقامة دولة المماليك البرجية.
معرفة المماليك بفن المؤامرات بدأ قبل قيام الدولة المملوكية رسميا ؛اى ان المماليك تعلموا فن المؤامرات في المدرسة الايوبية ،حيث برع الايوبيون في حياكة المؤامرات ضد بعضهم البعض ،وهذا ما فعله المماليك - مماليك السلاطين الايوبيين اذ كانوا عنصرا في تدبير المؤامرات ،والمماليك البحرية شاركوا في مؤامرات الصالح ايوب،ثم ضد ابنه توران شاه .وقامت دولة المماليك الأولى أو المماليك البحرية واستكثر احد اعلامهاالسلطان قلاوون في شراء المماليك وأسكنهم برج القلعة وهم (المماليك البرجيه) وكثر المماليك البرجية ومارسوا لعبة المؤامرات في سلطنة ابناء واحفاد سيدهم قلاوون ،الي ان قامت دولتهم وقد تمرسوا _أي البرجية _بفن المؤامرات خلال الدولة المملوكيه البحريه الي ان اقاموا دولتهم البرجية تماما كما فعل البحرية اثناء دولة أسيادهم الأيوبيين . .
2- قد تنتهي المؤامرة بقتل السلطان وقد يتولي القاتل السلطنة طالما كان كفئا ،وبذلك يصبح قتل السلطان مسوغا شرعيا لصلاحية القاتل للسلطنة شأن شريعة الغاب ،وذلك هو الغالب في السلطات العسكرية فالاقوى هو الاغلب ،ومعني ذلك ان الامراء لا يخضعون للسلطان الا لانه اقواهم ،وهو قرين لهم وند، فاذا ما مات فحظ ابنه ان يكون فترة انتقالية ليظهر فيها الاكفاء من بينهم ليتغلب علي السلطنة ويمسك بزمام الامور ويعزل السلطان الصغير او يقتله ،ومن عجب ان اغلب السلاطين كان يخدع نفسه ويصدق نفاق اتباعه فيخيل له انهم سيرعون حقه عليهم بعد موته في رعايتهم لأبنه، فيأخذ عليهم العهود والمواثيق ويمكّن لأبنه في حياته ما استطاع ،ومع ذلك فان اخلص أعوانه الذى يقوم بأمر ابنه في حياته هو اول من يعزله بعد فترة انتقالية معقولة ويتسلطن ،وينشئ اتباعا جددا من المماليك الذين يشتريهم ،ويبعد عنه رفاقه السابقين في المؤامرات ،واعدائه طبعا ،وبعد ان تقترب منيته يظن ان الامور استتبت له فيأخذ العهد لأبنه ويأتمن عليه اقرب اتباعه الا ان القصة تتكرر بحذافيرها ،ويعزل التابع ابن سيده السلطان السابق وتتكرر القصة وهكذا ،وتستمر المؤامرات ،وبهذا قامت الدولة المملوكية البحرية ،وبهذا استمرت، وبهذا نشأت الدولة المملوكية البرجية ،وبهذا استمرت الي ان سقطت ،وبعد ان سقطت استمر المماليك في الحكم في اطار الدولة العثمانية فاستمرت مؤامراتهم ،حتي قضي عليهم (محمد علي )في مذبحة القلعة فأراح واستراح.
ونعود الي استعراض سريع للدولة المملوكية من خلال مؤمرات امرائها وحكامها:
1-اثناء الدولة الايوبية :وقبل ان تقوم دولة المماليك شارك المماليك في حوادث الخلافات المستمرة بين ابناء البيت الايوبي ،فالمماليك (الصلاحية )-الذين اشتراهم صلاح الدين الأيوبى –علا شأنهم علي حساب المماليك (الاسدية )- الذين اشتراهم اسد الدين شيركوه – عم صلاح الدين وصاحب الأمر فى مصر قبل صلاح الدين،وقد تذمر المماليك الاسدية ابان حكم صلاح الدين الا ان قوة شخصيته لم تسمح بتطور الامر ،وبعد موته استغل الملك العادل استياء الاسدية من علو نفوذ الصلاحية فتحالف معهم حتي ضم مصر ،وبه علا شأن المماليك الاسدية، وضعفت المماليك الصلاحية ،وكون العادل مماليك جددا له عرفوا بالعادلية ،واولئك كان لهم دور بعد موت العادل حيث كرهوا سلطنة ابنه الكامل فاضطهدهم ،وكون السلطان الكامل مماليك له جددا عرفوا بالكاملية وبدورهم فانهم كرهوا تولية ابن سلطانهم الكامل واسمه العادل الثاني ،فاعتقلوه وبعثوا لأخيه الاكبر الصالح ايوب فجاء الي مصر وتسلطن ،وعمل الصالح ايوب علي الاكثار من شراء المماليك واسكنهم في الجزيرة فعرفوا بالبحرية ،واولئك البحرية كرهوا ابن سلطانهم الصالح ايوب –وهو توران شاه اذ كان علي شيمة اسلافه يضطهد مماليك ابيه ويعول علي انشاء عصبة مملوكية جديدة تدين بالولاء له ،وعلي ذلك فهو لم يكافئهم علي جميلهم فهم الذين أبادوا حملة لويس التاسع وأسروه حين مات سلطانهم الصالح أيوب وقت المعركة. وحفظت شجرة الدر الملك لابن السلطان الغائب واسمه توران شاه ، وساعدها فى حفظ حق توران شاه فى السلطنة أقطاىكبير الأمراء المماليك – البحرية – ومعه بيبرس والمماليك السلطانية وكبيرهم أيبك ومعه قطز .الا أن توران شاه قابل جميلهم بالنكران فقتلوه بمؤامرة محكمة ،وانفردوا بالحكم من دونه ودون الايوبيين جميعا .فالمماليك ومنذ بداية الدولة الايوبية وهم الاعرف بفنون المؤامرات وبها تم وصولهم للسلطة ،وعلي ذلك الدرب سارت دولتهم .
2-وبتولي المماليك السلطنة اتخذت مؤامراتهم طابعا محليا داخليا فيما بين المماليك انفسهم للوصول الي الحكم او الاحتفاظ به من انياب الطامعين من بينهم .فبعد قتل توران شاه بتدبير شجرة الدر وتنفيذ المماليك البحرية بزعامة اقطاي وبيبرس اتفق علي تولية شجرة الدر ارملة الملك الصالح (ام ولده خليل )،واحتج الخليفة العباسي ان تتولي امرأة حكم المسلمين في مصر ،فكان لابد لشجرة الدر ان تتزوج، وكان علي رأس المماليك اقطاي زعيم المماليك البحرية وايبك زعيم المماليك السلطانية .ورأت شجرة الدر ان نفوذها من الممكن ان يستمر مع ايبك زعيم البحرية دون اقطاي القاتل الخشن فتزوجت ايبك ،وبذلك اصبح المماليك قسمين يتآمر كل منهما ضد الآخر ،فأقطاي اتبع اسلوب البدء بالهجوم فظل جنوده ينشرون الفساد حتي يتهم السلطان الجديد بعدم قدرته علي حفظ الأمن ،وفي نفس الوقت خطب الي نفسه اميرة ايوبية وطلب من شجرة الدر ان تخلي لها مكانا في القلعة ،وتآمرت شجرة الدر وزوجهاايبك علي قتل اقطاي وشارك في المؤآمرة قطز الساعد الايمن لأيبك .وكان قطز صديقا لبيبرس –وهو الساعد الايمن لأقطاي -وخدع قطز بيبرس واقنعه بسلامة نية شجرة الدر في دعوة اقطاي لمقابلة شجرة الدر ،وحين دخل اقطاي الي القصر السلطاني حيل بينه وبين جنوده وقتل .والقيت رأسه الي اتباعه ففروا وهربوا من مصر وكان من بينهم بيبرس .
وصفا الجو لأيبك وشجرة الدر ،الا ان الخلاف ما لبث ان شب بينهما اذ كانت شجرة الدر امرأة طموحا تنشد الاستقلال بالسلطة وتري في زوجها – الذي كان تابعا سابقا لها –مجرد اداة لتنفيذ مآربها ،وايبك من ناحيته عزم علي التحرر من قبضتها والاستئثار بالنفوذ واستوحش كل منهما من الاخر واعلن ايبك انه سيخطب الي نفسه نفس الاميرة التي كان اقطاي سيخطبها لنفسه سابقا، وليزيد من اغاظة شجرة الدر رجع الي زوجته السابقة (ام علي )،واستعملت شجرة الدر كل دهائها حتي اقنعت ايبك بالصلح معها ،وحين جاء يقضي معها الليل كانت ليلته الاخيرة قتله أتباعها ،وثارت المماليك علي شجرة الدر ونصبوا ابنه عليا الطفل سلطانا ،وشفت ام علي غليلها من غريمتها شجرة الدر فأمرت الجواري ان يقتلنها ضربا بالقباقيب ،وتولي قطز الوصاية علي السلطان الصغير علي بن ايبك ،واقبل الزحف المغولى فعقدقطز مجلسا اعلن فيه ان البلاد في خطر وان السلطان الصبى لا يستطيع ان يقوم بالامر وعزله وتولى مكانه ،ولتوحيدالجهود ضد المغول فقد بعث السلطان قطز لصديقه السابق بيبرس وأمراء البحريه الفارين ليتعاونوا معه ضد الخطر المغولى،فأتوا إليه من الشام ،وبعد إنتصار قطز على المغول تآمر عليه المماليك البحرية بقيادة بيبرس إنتقاما من مقتل سيدهم اقطاىوقتلوا قطز في طريق العودة ،وتم تنصيب القاتل بيبرس سلطانا ،وقام السلطان بيبرس بتوطيد الدولة المملوكية ورفعة شانها في الشام والعراق والحجاز وأوقع بالصليبيين وغيرهم ،وحاول في اخريات حياته ان يوطد الامرلابنه سعيدفولاه العهد من بعده .وحتى يضمن ولاء المماليك له من بعده فقد زوجه من ابنة كبير المماليك قلاوون الالفى وجعل قلاوون نائبا له ،واخذ العهد لابنه في إحتفال كبير اقسم فيه المماليك علي الاخلاص (لسعيد بركه بن الظاهر بيبرس ) وكان أول من أقسم كبير الأمراء قلاوون صهر سعيد بركة ، ومات بيبرس مطمئنا أن ابنه سيتولى العرش بعده .
ولكن ذلك كله لم يجد نفعا ،إذتآمر على (سعيد بركه)من قام بأمره بعد ابيه، ولم تعن المصاهره او الايمان المغلظه شيئا عند قلاوون الذى ارغم سعيد بركه للتنازل سنة 678وتولى مكانه :وظلت اسرة قلاوون في حكم مصر نحو قرن او يزيد 678-784 ..الا ان متاعب قلاوون لم تنته بإعتقال المماليك الظاهريه –اتباع الظاهر بيبرس – وإحلال انصاره محلهم ،وانما ثار عليه أقرانة من الامراء كما فعل الامير سنقر نائب الشام ،مما جعل قلاوون ينشىء لنفسه عصبه خاصه به من المماليك الذين اكثر من شرائهم واقام لهم ابراجا خاصه بالقلعه فعرفوا (بالمماليك البرجيه ) واولئك هم الذين تآمروا على إغتصاب السلطه من ابناء واحفاد السلطان قلاوون ثم استطاع احدهم فى النهايه وهو برقوق إقامة الدولة المملوكيه.
3-واسهم المماليك البرجيه في الفتن في دولة ابناء قلاوون –او في نهاية الدولة المملوكية البحرية وشاركوا في ذلك بقايا المماليك البحريه ،وقد تآمربعض المماليك البحريه على قتل الاشرف(خليل بن قلاوون )الذى فتح عكا وازال الوجود الصليبى نهائيا ، فقتل بيدرا الاشرف خليل واعلن نفسه سلطانا إلا ان امره لم يتم فقد تمكن المماليك البرجيه –اتباع البيت القلاوونى –من قتل الامير بيدرا، وبدأ الصراع بين المماليك البرجيه حول تولية السلطان ، وكالعادة اتفق على تولية الصبى (محمد بن قلاوون) السلطه بإسم الناصر محمد . وتحكم النائب كتبغا في الناصر محمد ، ثم عزله ونفاه الى الكرك واعلن نقسه سلطانا سنة 694 ثم تآمر على كتبغا حليفه الامير لاجين (وهو احد قتلة الاشرف خليل بن قلاوون) وقد اختفى ثم ظهر وتحالف مع كتبغا وبتأييده تولى كتبغا السلطنه، وتمكن لاجين من الانتصار على كتبغا فآثر الاخير السلامه وهرب، فتولى لاجين السلطنه ،حتى قتله اثنان من صغارالمماليك،ولم يتمتعا بتأييد الامراء الكبار فأعدم القاتلان،واتفق على ان يعود السلطان محمد بن قلاوون للسلطنه للمرة الثانيه (689-708).
الا ان الناصر محمد بن قلاوون وقع للمرة الثانيه في ايدى الاميرين المتحكمين فيه (بيبرس وسلار) ولما لم يستطع ممارسة نفوذة اضطر للفراربنفسه للكرك – الأردن ،فتسلطن بيبرس الجاشنكير ، إلا ان امره لم يتم فقد ثارت عليه العامة والجند ،وتمكن الناصر من الرجوع واسترد عرشه وقتل بيبرس الجاشنكير وسلار وحكم مستبدا بالامر حتى وفاته. وهكذا ،بدأ المماليك البرجية في التآمر اثناء الدولة البحريه القلاوونية، وقد اتخذ تدخلهم في بداية الامر مظهر الدفاع عن آل قلاوون بقتلهم بيدرا قاتل الاشرف خليل ثم ما لبثوا ان تحكموا في اخيه الناصر محمد، وتمتعوا بالامتيازات على حساب بقايا الامراء المماليك البحرية ،ثم تطور نفوذهم اخيرا حتى تولى احدهم وهو الظاهر بيبرس الجاشنكير الحكم كأول سلطان برجى فى الدوله البحريه، ومع تهاوى عرشه سريعا إلا ان ذلك كان ارهاصا بقيام الدولة البرجية على يد برقوق.
ولقد انعكس نفوذ المماليك البرجيه على مصير السلاطين من ابناء واحفاد الناصرمحمد بن قلاوون بعد وفاته ،فكثر توليهم وعزلهم تبعا لمؤامرات كبار الامراء البرجية ، حتى انه في العشرين سنة الاولىبعد موت محمد بن قلاوون تسلطن ثمانية من اولاده (741-762)وفى العشرين سنة التالية تسلطن اربعة من احفاده ،وبعضهم تسلطن وعمره عام واحدكالسلطان الكامل شعبان بن الناصر محمد ،وبعضهم لم يبق في الحكم إلاشهرين مثل الناصر احمد بن الناصر محمد ،وفي ظل الاضطراب وعدم الاستقرار أتيح لكبار المماليك البرجية الوصول للسلطنة بعد ان جربوا التحكم في صغار السلاطين من ابناء الناصر محمد ابن قلاوون وتلاعبوا بهم، وفي النهايه تولوا الحكم وساروا بنفس اسلوب المؤامرات.
4- وقد عمرت دولة الممماليك البرجية اكثر من مائة واربعة وثلاثين سنة (784-922) حكم فيها ثلاثة وعشرين سلطانا ،ومنهم تسعة حكموا مائة وثلاث سنوات ،وارتبط بهم تاريخ الدولة البرجية ،وهم برقوق مؤسس الدولة وابنه فرج،و شيخ وبرسباي وجقمق واينال ،وخشقدم وقايتباي وقنصوه الغولي .
وقد تمكن برقوق بسلسلة من الدسائس والمؤامرات ان يقيم الدولة البرجية وتغلب علي مصاعب عديدة وصلت الي درجة عزله من السلطنة الا انه عاد وانتصر .
فلقد غدا ابناء الناصر محمد بن قلاوون لعبة في ايدي الامراء البرجية الذين تنافسوا علي الوصول الي درجة الاتابك أي نائب السلطنة للسلطان القلاووني الصغير ليصبح الأتابك هو الحاكم الفعلى والمرشح للسلطنة مكانه ،وتبلور النزاع اخيرا بين اميرين كبيرين هما بركة وبرقوق ،وانتهي الصراع بينهما بانتصار برقوق علي منافسه ومن يتبعه ،والتزم بركة امام القضاة الاربعة بألا يتحدث في شئ من امور الدولة وان يترك ذلك لبرقوق وحده ،واصبح برقوق هو المرشح عن البرجية او الجراكسة للتحكم في السلطان القلاووني الصغير ،الا ان برقوق طمع في المزيد، فقد كان يريد ان يخلع السلطان المغلوب علي امره ويحكم هو رسميا ،ولذلك خشي منافسه القديم بركة فاعتقله في الاسكندرية واوعز الي واليها فقتل بركة في السجن .وثار اتباع بركة فأعلن لهم برقوق ان قتل بركة تم بدون علمه، وسلم لهم والي الاسكندرية فقتلوه واسترضاهم بذلك .
وتفرغ برقوق بعد ذلك لخلع السلطان علي ،وكان الرأي العام يعطف علي ابناء البيت القلاووني ولا يميل الي خلعهم من السلطة الرسمية ،وقد سبق ان الجنود العامة ثاروا علي بيبرس الجاشنكير حين خلع الناصر محمد بن قلاوون وتعاطف معه حين هرب الي الكرك حتي رجع وانتصر علي غريمه .وبرقوق يدرك ذلك جيدا، لذا عمد الي تخدير الرأي العام فاستضاف شيخا صوفيا معتقدا –أي يعتقد الناس في ولايته وهو الشيخ علي الروبي، وقد اعلن الروبي ان برقوق سيلي السلطنة يوم الاربعاء التاسع عشر من رمضان سنة 785 ،وان الطاعون –وكان وقتها ساريا – سيرتفع عن القاهرة ،ثم يموت الطفل علي ،والمعلوم ان الصوفي يحظى باعتقاد العامة في علمه للغيب ،واذ هيأ برقوق الاذهان لما سيحدث فقد قتل السلطان الصغير واشيع موته ودفن في يومه، ثم عين بعده اخاه امير حاج، ثم عقد مجلسا بالخليفة العباسي والقضاة الاربعة والامراء ،فعزلوا امير حاج وبايعوا برقوق في التاسع عشر من رمضان سنة 785 هـ أي في نفس الوقت الذي اعلنه الشيخ الروبي سابقا .
ثم عمد برقوق للتخلص من الامراء الذين ساعدوه وقضي عليهم بالقتل والنفي واعتقل الخليفة العباسي، وفي هذه الظروف مات الشيخ الروبي، مما يعزز الشك في ان للسلطان برقوق يداً في مقتله، وبذلك ضمن برقوق لنفسه ان ينفرد بالامر ولا يكون لأحد عليه فضل او نفوذ باعتباره شريكا في المؤامرة .
الا ان برقوق اخذ من مأمنه كما يقال فقد ثار الامير يلبغا في الشام فوجه اليه برقوق مملوكه المخلص منطاش علي رأس جيش لإخضاعه ،الا ان يلبغا اتفق مع منطاش علي عزل برقوق ،وبذلك استدار منطاش بجيشه ويلبغا بجيشه الي القاهرة لحرب برقوق ،ولما لم يكن لبرقوق جيش يقابل به الاميرين فقد هرب الي الكرك ،ودخل منطاش ويلبغا الي القاهرة واعيد السلطان امير حاج للعرش،وكما كان متوقعا دب الخلاف بين منطاش ويلبغا وانتصر منطاش ،وفي هذه الاثناء هرب برقوق من الكرك واعد جيشا وانضم اليه انصاره ،والتقي مع مملوكه السابق منطاش في موقعة شقحب وانتصر عليه وعاد الي السلطنة للمرة الثانية سنه 797 .
5-ومات برقوق سنة 801 وتولي ابنه الناصر فرج ،وقد اضطر فرج للاختفاء بسبب مؤامرة حتي اعاده الامير يشبك ،ثم ثار عليه الاميران شيخ ونوروز فتنازل لهما،وثار النزاع بين شيخ ونوروز وانتهي بمصرع نوروز وسلطنة شيخ ،بعد موت السلطان شيخ تولي ابنه احمد تحت وصاية الامير ططر الا ان ططر سلبه السلطنة وتولي بعده .ومات ططر واخذ العهد لأبنه محمد بن ططر تحت وصاية برسباي الا ان برسباي ما لبث ان عزل ابن السلطان ططر وتولي مكانه ،وتوفي الاشرف برسباي وعهد الي ابنه يوسف ابن برسباي تحت وصاية الامير جقمق وبالطبع تسلطن جقمق وحين مات جقمق عهد الي ابنه عثمان بن جقمق بوصاية اينال فعزله اينال وتسلطن مكانه.
وسادت فترة من الضعف في الدولة البرجية وتولي فيهم سلاطين ضعاف، وكثر فيهم العزل والتولية، حتي ان بعضهم كالسلطان خير بك لم يمكث سلطانا الا ليلة واحدة سنة 872 ،ثم انتعشت الدولة مؤقتا بتولي السلطان قايتباي الذي حكم تسعة وعشرين عاما،و تنازل في السنة الاخيرة لأبنه محمد بن قايتباي الذي دفع حياته ثمنا لمغامرات الكبار .
وتعاقب جملة من السلاطين الضعاف حتي تولي قنصوة الغولي سنة 906 فأعاد الاستقرار الي حين ،وانتهي امره وامر الدولة المملوكية في مرج دابق سنة 922 .
وتحولت مصر الى ولاية عثمانية تخضع رسميا للدولة العثمانية الا أن أمورها الداخلية كان يديرها المماليك بنفس الطريقة المعهودة من التآمر والسلب والنهب الى أن ظهرت حقيقتهم وتخاذلهم أمام الحملة الفرنسية ، وبعد رحيلها وعودة مصر للخلافة العثمانية ودخولها تحت سيطرة الوالى الطموح محمد على كان لا بد من القضاء على مخلفات العهد البائد فقام محمد على بابادة المماليك فى مذبحة القلعة الشهيرة، ودخل بمصر عهد التقدم والتمدن.
6- بقيام الثورة المصرية فى 23 يولية 1952أتيح لمصر أن تتخلص من حكم اسرة محمد على ومن النفوذ البريطانى وان تقيم جمهورية مصرية لحما ودما ولكن تحت حكم عسكرى مستبد ، أثبت الاستبداد العسكرى المصرى فشله فى كل الميادين ، فوصلت مصر الى الحضيض بعد أكثر من خمسين عاما من الثورة . الدرس المؤلم الذى يجب أن يعلمه المصريون - بعد شقاء استمر أكثر من خمسين عاما على يد ابناء الوطن من العسكر - أن الحكم المستبد مرفوض حتى لو كان مصريا، وان تحقيق العدل والديمقراطية واجب حتى لو جاء بدبابة أمريكية . ليس مهما من يحكم ، المهم أن يحكم بالعدل وبالديمقراطية لأن الحاكم الديمقراطى هو خادم للشعب بعقد محدد ينتهى ويعود بعده شخصا عاديا يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق. أما الحكم المستبد فيتحول به الحاكم من شخص عادى الى اله يعتقد أنه يملك الوطن والمواطنين . وتاريخنا ملىء بهذه النماذج المشوهة حصيلة الاستبداد وتوارث السلطة ، ومع ذلك لا يخجل مستبدو عصرنا من ممارسة رذيلة توارث السلطة كما لو كان الوطن والمواطنين ضيعة أو مزرعة دواجن او عزبة . لا فارق هنا بين عسكر المماليك وعسكر يولية.
لا يمكن أن نكون أمة محترمة الا اذا نظرنا للخلف فى غضب وتخلصنا من بقايا الماضى البغيض ..

اجمالي القراءات 20206