جاليليو و الطاغوت (ما أشبه اليوم بالبارحة)

مصطفى فهمى في الجمعة ٠٩ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

قال الطاغوت: "لا علم إلا علمى و لا صواب إلا صوابى"

قال جاليليو "ومع كل ذلك فإن الأرض تدور حول الشمس"

و نقول "يا له من اكتشاف هائل بمنظار بسيط، أصبح بإمكانه أن يغير معالم علم الفضاء برمته"

و مع ذلك فقد تبرأ جاليليو من أرائه قائلا:
"أنا المدعو جاليليو جاليلي، إبن المدعو فنشنزو جاليلي من سكان فلورنسة، في السبعين من عمري..
أقسم أنني قد آمنت دوما، وأنني بعون الله سأؤمن في المستقبل كذلك، بكل ما تعتقد الكنيسة الكاثوليكية الرسولية في روما، وبكل ما تعل&ae;مه وتبشر به.. وبكل قلب مخلص وإيمان لا يتزعزع ابتدأ من الأفكار و الهرطقة المذكورة وألعنها وأمقتها، كما أعلن إنني آخذ الموقف نفسه تجاه أية أخطاء قد تقع أو طائفة أخري تخالف تعاليمها تعاليم الكنيسة المقدسة المذكورة، وأقسم بأنني سوف لن أصور في المستقبل شفويا أو كتابة عما قد يثير شبهة مماثلة في كما أنني أشهد أمام هذه الهيئة المقدسة علي كل هرطقي أو مشبوه إذا ما عرفت بمثل ذلك"

هذا نص ما قاله جاليليو حسب وثائق الكنيسة الكاثوليكية الرسولية في روما

و القصة معروفة للجميع، فكان اعتقاد الكنيسة وفقاً لتفسيرها للإنجيل أن الأرض هي محور الكون وأن جميع الأجرام السماوية تدور حولها وفقا لآراء "بطليموس"، كما كانت تعتقد أن عدد الكواكب هو سبعة فقط مستشهدة بعدد أيام الأسبوع السبعة وعدد فتحات رأس الإنسان السبعة مما يعطينا صورة واضحة عن ضحالة الفكر خلال هذه الفترة التي شهدت محاكم التفتيش وعقوبات صارمة مميتة لكل من يفكر في معارضة الكنيسة.

من المعروف عن "جاليليو" أنه كان معتدا بنفسه و بعلمه مع من يعارض اكتشافاته العلمية التي كان متأكدا من صحتها، وبالتالي كان الاصطدام الحتمي مع فكر الكنيسة الكاثوليكية التي بدأ دورها يشتد فيما كانت تراه من وجهة نظرها محافظةً على تعاليم الديانة المسيحية وهو الأمر الذي ترتب عليه معاقبة "كوبرنيكوس" من قبل بالحرق بسبب نظريته حول مركزية الشمس

وكما نعلم، لم ينقذ جاليليو من الموت و الهلاك المحتوم، سوى إنكاره لدوران الأرض حول الشمس و رغم ذلك قال لحراسه إثناء خروجه من المحكمة بصوت هامس "ومع كل ذلك فإن الأرض تدور حول الشمس"

ربما أضطر جاليليو لذلك لأنه لا مجال هنا للتمسك بالرأي و العلم، الذى لن يجدي نفعا مع محاكم التفتيش التي لم يسلم منها بريء أو عالم .... ربما لسنوات عمره السبعين التي جعلته غير قادر على الصمود أكثر، أو ربما ليأسه من أن يفهموا.
ربما لكم الإحباط الهائل الذي كان يعانيه "جاليليو" غير عابئ بكل ما توصل إليه من اكتشافات، حتى وصل به الأمر إلى أن قال لأحد أصدقائه قبل المحاكمة: "يا ليتني أحرقت كل ما كتبت بيدي حتى لا أشهد يوم محاكمتي هذا".

ومنذ اللحظة التي حكم فيها على "جاليليو" بالسجن المؤبد، أصبح في نظر الكنيسة مذنبا حتى عام 1992 حينما أعلنت الكنيسة اعترافها بصحة ما جاء به "جاليليو" واعتذرت عن حكمها السابق. مما يعتبر أطول محاكمة في التاريخ. وأغرب حكم بالبراءة يناله شخص بعد وفاته بـ359 عاما! ويعتبر كذلك أفظع تعنت على مر التاريخ

يقال" أن التاريخ يعيد نفسه " مع تغير الشخوص و الأدوار بطبيعة الحال، وما نراه يحدث الآن، هو إننا مازلنا نعيش فترة من فترات القرون والوسطى (المظلمة ) التي عاشتها أوروبا، فيا ترى ماذا سيقول عنا التاريخ و بماذا سيصمون هذا العصر الذي نصنعه و نعيش فيه؟
فلا وجب علينا فى أن نكون محاكم طاغوت مثل تلك المحاكم التى أرغمت و أرهبت و روعت بل و أرجفت الناس فى الماضى، و لا يجب علينا فى الحاضر أن نقبل فى تعاملنا مع بعضنا البعض أن نرغم و نرهب و نروع و نرجف أصحاب رأى أو علم مخالف لما نعلمه فنكون ظالمين أنفسنا بأنفسنا و نكون محكمة تفتيش و طاغوت و نكون فعلنا مثل ما فعلوا.

فهل نقبل أن نكون ذلك الطاغوت الذى لا علم إلا علمه؟ أم نقبل أن نكون ذلك الجاليليو؟
و إن قبلنا، فمن منا ذلك الطاغوت و من منا جاليليو؟
و هل نريد من جاليليو دائما أن يتبرأ من علمه إذا خالف علم الطاغوت؟

فيا له من اكتشاف هائل بمنظار بسيط أصبح بإمكانه أن يغير معالم علم الفضاء برمته
و ما أشبه طاغوت اليوم بطاغوت الأمس
"ومع كل ذلك الطاغوت فإن الأرض تدور حول الشمس"

مصطفى فهمى

ملحوظة: هذا المقال تصرّف من نصوص موجودة و جدتها ملائمة للفكرة، مع بعض التعديل و الإضافات.
لا نلمح فى هذا المقال بالرفض أو التأييد لما يثار من أفكار و مواضيع و لكن نتناول فيه طريقة معالجة البعض للبعض.

اجمالي القراءات 18936