الأنصار والنصارى

سامر إسلامبولي في الأربعاء ٠٧ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

                                                     الأنصار والنصارى
إن جذر الكلمتان هو كلمة ( نصر) ، ومنها خرج اسم الفاعل (ناصر)، وجمعه (أنصار) التي تدل على عطاء وقوة ودعم يُبذل من أجل الغير، ومن هذا الوجه سُمي المسلمون الأوائل من أهل المدينة (أنصارا)، لأنهم نصروا الدعوة بأموالهم وأنفسهم بعد أن آمنوا بها ، انظر قوله تعالى :
{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (التوبة 100).
وقوله{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } آل عمران 52).
أما كلمة (نصارى) فمفردها (نصران)،مثل (حيران) وجمعها (حيارى)، و تدل على صفة حال لازمة للإنسان ذاتياً،وبذلك تكون دلالة (نصران) تدل على توجيه الدعم والقوة إلى النفس؛ لنصرتها على الآخرين دون برهان أو علم ، سواء أكان ذلك على حق أم ضلال، بخلاف دلالة(ناصر) التي تدل على نصرة الآخرين بعد الإيمان بقضيتهم. وصارت كلمة (نصارى) تدل على ملة انتهجت النصرانية في حياتها تنصر معتقداتها دون علم ، أو دراسة ، أو برهان . انظر إلى قوله تعالى{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } (البقرة113)
فكلمة (النصارى) لا تدل على أتباع النبي عيسىu، لأن أتباع الأنبياء كلهم اسمهم المسلمون، وينصرون الحقيقة، كما قال الحواريون( نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) وإنما تدل على منهج في الحياة يقوم على نصرة الذات على الآخرين دون علم أو برهان ، وكلمة ( يهود) تدل على انغلاق الإنسان على نفسه، ورفض الآخر إلى درجة إزالته من الحياة ، والمنهجان مذمومان عند الله، وعند الناس ، وقد انتشر منهج التهود، والتنصر بين أتباع الأنبياء والرسل،ودخلوا في الإسلام ، وعدّوا أنفسهم أتباع النبي موسى، وعيسى، ومحمد ، وبلغ الكذب بهم أن زعموا أن النبي إبراهيم نفسه كان يهودياً أو نصرانياً في طريقة تفكيره،ومنهجه في الحياة، فَكَذَّبهم الله  بقوله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } (آل عمران67). لم يشرك النبي إبراهيم مع منهج الله وشرعه أي منهج آخر ، ولم يتخذ شرعاً سوى ما أنزل الله عليه (وهذا تنبيه للناس أن لا يشركوا مع منهج الله أو شرعه أي مصدر آخر، ولو كان حديث النبي نفسه) !. فتيار اليهود والنصارى،ومفهوم أهل الكتاب ، ومفهوم الذين أوتوا الكتاب ، ومفهوم الأعراب سم فيروسي يَسري في عروق مجموعة ممن يعدون أنفسهم أتباع الأنبياء والرسل، لذا؛ نشاهد بين المسلمين من أتباع النبي موسى ، أو عيسى ، أو محمد (صلوات الله عليهم ) من ينتهج منهج التهود، أو التنصر ، أو أهل الكتاب، أو الأعراب، في حياته الاجتماعية، وهو يظن نفسه مسلماً ، ومتبعاً للأنبياء والرسل، وفي الواقع هو متبع للشيطان والطاغوت والهوى،ووقع في الشرك، عندما أشرك مع منهج الإسلام الحنيف ، منهج التهود أو التنصر، انظر إلى قوله تعالى ( وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )،ومع ذلك فالنصارى أقل خطراً من اليهود، لوجود إمكانية التعايش معهم ، اقرأ قوله تعالى : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } (المائدة 82)
لذا؛ ينبغي على أتباع النبي عيسى u أن يُسَموا أنفسهم مسلمين أسوة بالحواريين (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) ( آل عمران 52).
أو مسيحيين ؛ نسبة لصفة المسيح.
{إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } (آل عمران 45).
والمفهوم المقابل لكل هؤلاء ( اليهود، والنصارى، وأهل الكتاب ، والذين أوتوا الكتاب ، والأعراب، والشرك، والكفر) منهج النبي إبراهيم ( حنيفاً مسلماً). وأخيراً؛ وإثباتاً للحق ، نجد أنه ليس كل يهودي؛ يهودياً ، ولا كل نصراني؛ نصرانياً، ويوجد فيهما موسويين ومسيحيين صالحين، شرعوا صدورهم لنسيم الحق، الذي عطر قلوبهم بغبطة الدين القيّم، الإسلام دين العدل، و السلام، والمحبة.

اجمالي القراءات 38743