القرآن ليس كتاب ألغاز

شريف هادي في الأحد ٠٤ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم "...قل هو للذين امنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في اذانهم وقر وهو عليهم عمى اولئك ينادون من مكان بعيد" فصلت44
(*) مقدمــــــــة:-
في مستهل عام 2007 ، كان بالموقع أخ كريم وكان له فهمه الخاص للقرآن يقول فيه أن لحم الخنزير ليس حرام ، لأن الحيوان المعروف اليوم باسم الخنزير ليس صحيحا نسبة هذا الاسم له بل أسمه حزير ، أما لحم الخنزير المحرم هو كل لحو تخنزر بالقدم أو اختلاطه بالتراب ، وكذلك كان يقول البغاء تجارة مشروعة ، وكان يعلل ذلك بمحاولة فهم القرآن ب&atiمصطلحات خاصة لاسيما مصطلحات اللغة العبرية ، فكتبت لمقالة للرد عليه أستعير منها الكثير هنا ، فيبدوا أن التاريخ يعيد نفسه ، فأنضم للموقع من يأخذ بالفكر القصدي لأقصى درجة ممكنة فأعتبر الجمع جمعا والمفرد مفردا وعليه فقد تعدد عندهم لا أقول (الآله) حاشا لله ، ولكن الفاعلين ، بل وأصحاب القرار ، فمثلا عندما نقرأ قوله تعالى "إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون" مريم40 ، فإن الورثة كثيرون وليس الله وحده ، بل نحن كبشر نرجع ليس لله وحده بالمخالفة لقوله تعالى (ويبقة وجه ربك ذو الجلال والإكرام) – والذي لابد له تأويل آخر عندهم – بل لجمع من (الملأ الأعلى) [ملائكة – أرواح – مخلوقات لا نعرفها ،،، وهكذا] ، ولما يقول الله سبحانه وتعالى "...وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" الإسراء 15، فإن من يبعث الرسل ليس الله وحده بل مجموعة من (الملأ الأعلى) بل ويستطيعون أن يفرضوا العذاب على المكذبين ، وبذلك يكونوا قد وقعوا في الشرك على مقدمات ظاهرها تنزيه كتاب الله وباطنها الشرك بالله ، مع أنهم لو أعطوا أنفسهم وقتا للتفكير وتدبر القرآن بتجرد ، وتدبروا قوله تعالى "هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين" الجمعة2 ، فقد تحدث سبحانه عن نفسه بصيغة المفرد (هو) في باب بعث (الرسول) الخاتم عليه السلام ، كما تحدث بالجمع في باب إقتران البعث بالحساب ، فيكون المفهوم وفقا لتدبر حديث رب العالمين عن نفسه بلفظ الجمع نجد أنه دائما يرتبط بالسيادة والقدرة على الجزاء التمكين أو الإهلاك وتعذيب الكافر المعاند ، وإليكم بعض الأمثلة (الم يروا كم اهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الارض ما لم نمكن لكم وارسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الانهار تجري من تحتهم فاهلكناهم بذنوبهم وانشانا من بعدهم قرنا اخرين)الأنعام6 ، (وكم من قرية اهلكناها فجاءها باسنا بياتا او هم قائلون) الأعراف4 ، (ولقد مكناكم في الارض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون) الأعراف10.
ورفضوا المترادفات والمجاز وتعدد المعاني للكلمة الواحدة فوصلوا إلي نتائج غاية في الغرابة والشذوذ ، وطالبونا أن نهتدي بهديهم ونقتضي بهم في فهم القرآن ، وكأن القرآن الذي يسره الله للذكر أصبح كتاب ألغاز علينا قراءته كما نقرأ الكلمات المتقاطعة أو كتاب في الجبر والحساب والهندسة نحمله بيد وفي اليد الأخرى آلة حاسبة ومسطرة مدرجة وبرجل ومنقلة ، أو كتاب في الفلك نقرأه ومعنا تليسكوب ، أو في الطب يحتاج لدراسات خاصة بل وتحاليل مبدأيه لمعرفة عدد الميكروبات في الميلي جرام الواحد من جسم الإنسان قبل الاطلاع عليه ، وهو في الحقيقة ليس كل هذا ولكنه كتاب هداية وشفاء ، (هو للذين آمنوا هدى وشفاء) هدى من الضلال وشفاء من الغواية ، فلا يحتاج لقراءته إلا للسمع والإنصات ثم التدبر والعقل ويفهمه الشخص العادي بأداته وهي اللغة ، فالله سبحانه وتعالى يقول (واذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) الأعراف 204 ، ويقول (افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها) محمد 24 ، ويقول (ومنهم من يستمعون اليك افانت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون)يونس42 ، والسؤال الذي يفرض نفسه وبقوة ، هل توقف تحقيق حكم كل هذه الآيات الكريمة طوال أربعة عشر قرنا أو يزيد حتى جاء (عالم سبيط النيلي) بنظريته القصدية في فهم كتاب الله ، ومات المسلمين من عهد الرسول حتى الآن على جهل وكفر ، لو أجاب أحدكم بنعم فمكانه الطبيعي مستشفى الأمراض العقلية ، ولو الإجابة بلا ، فرفقا بإنفسكم وبنا وبالمسلمين.
لذا وجدت من الأفضل إعادة الحديث عن القرآن مرة أخرى مبتغيا وجه الله سبحانه وتعالى بعد هذه المقدمة لوضع الأمور في نصابها الصحيح ، أحب أولا أن أقرر أنه سرني أن أجد الاستاذ الإسلامبولي يتفق معي فيما ذهبت إليه أن مدلول الكلمة في القرآن واحد ولكن تتعدد المعاني وفقا للسياق وهذا المستفاد من قوله في المداخلة رقم 31960 المعنونة مفهوم الكلمة ثابت والمعنى متحرك (جذر الكلمة يُعطيها مفهوم فيزيائي ثابت، واستخدام الجذر في الاشتقاق منه يكون استخدام ثقافي ، أي يتم المحافظة على المفهوم الفيزيائي وملاحظة تحقق ذلك في صور الحالات التي نريد أن نستخدم فيها الجذر) ، وإن كنت أختلف معه أيضا في كثير من أدواته ونتائجه ولكنه اختلاف لا يفسد للود قضية
(*) قال تعالى "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر"
يقول تعالى أنه يسر القرآن للذكر بمعنى جعله سهلا يسيرا في اللفظ والمعنى والحقيقة أن معيار السهولة في اللفظ والمعنى لا يقاس بمقياس رجل عالم بأسرار اللغات عربية وعبرية بل واللهجات المختلفة شامية وعامية مصرية ونجدية بل يكفيه أن يكون شخص عادي يقرأ ويكتب اللغة العربية ويعرف المعاني المشهورة المتداولة للكلمات والتي تواتر العلم بها منذ أنزل الله القرآن على قلب رسول الله حتى يومنا هذا فعندما يقول سبحانه ومن الليل فتهجد به فإن المتبادر للذهن هنا عن معنى الليل هو الليل الذي نعرفه والذي يأتي بعد غروب الشمس وزوالها حتى شروقها مرة أخرى فلوا قال أحدهم لا أنتم أغبياء لا تعرفون معنى الليل فالليل هنا معناه الاحتلال والتخلف ألم تسمع لقول الشاعر (ألا أيها الليل الطويل ألا أنجلي بصبح وما الأصباح منك بأمثل) ويقصد الشاعر هنا ليل الإحتلال وهذا ما كان يقصده النص القرآني فرسول الله كان بمكة محتلا من كفارها ضعيفا لا ناصر له إلا قليل فكان هذا هول الليل المطلوب منه التهجد به ولكن عندما ذهب للمدينه وأقام دولته فليس مطلوب منه تهجد أو يقول آخر في تفسير قوله تعالى "فأقطعوا أيديهما نكالا" يقول المقصود بالقطع كف الأيدي عن السرقة وليس قطعها بمعنى بترها أو جرحها وكأن الله لم يقل نكالا ثم يأتي آخر ويقول البغاء حلال لأن الله قال "لا تجبروا" فالحرام الإجبار أما البغاء عن تراضي فهو حلال وتجارة مشروعة وأسقط بذلك جميع الآيات التي تنهى عن الزنا والفاحشة وعدم السفاح أو إتخاذ الأخدان ، فهذا القرآن سهلا وميسرا لفظا ومعنى ، لماذا؟ للذكر ولمن؟ لمن يريد أن يتذكر وَقَالَ تَعَالَى " فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِك لِتُبَشِّر بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِر بِهِ قَوْمًا لُدًّا " ومن أهم شروط أن يكون القرآن ميسرا لمن يقرأه أن يكون القارئ من المتقين وقد كرر سبحانه الآية في سورة القمر الآيات (17 ، 22 ، 32 ، 40) فهل من مدكر وتحمل في لفظها معاني كثيرة فهل من متذكر للقرآن وبالقرآن وهل من منزجر عن المعاصي وهل من طالب علم بالقرآن فيعلمه الله ويعينه على فهم القرآن الميسر للذكر بالفظ والمعنى
(*) قرآنا عربيا
وقد ذكرب رب العزة سبحانه وتعالي في ثماني مواضع من القرآن أنه قرآنا عربيا (يوسف/2 ، الرعد/37 ، طه/113 ، الزمر/28 ،فصلت/3 ، الشورى/7 ، الزخرف/3 ، الأحقاف/12)
ففي سورة يوسف يقول سبحانه " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا" وعربيا بالفظ العربي أي باللسان العربي ، وأيضا عربيا يعرب عن نفسه كأن تقول هذا الرجل أعرب عن نفسه أي بين نفسه والقرآن يعرب عن نفسه سهل العبارة والمعنى وواضحها ولذلك أردف الحق سبحانه وتعالى بقوله " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" أَيْ لِكَيْ تَعْلَمُوا مَعَانِيه , وَتَفْهَمُوا مَا فِيهِ أي عساكم أن تفهموه وتتدبروه واللام توكيديه
وفي سورة الزمر الآية 39 يقول الحق سبحانه وتعالى" قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" غير ذي عوج غير مختلف أو متضاد أو ذي لحن أو مكذوب أو مبهم غير مفهوم وليس به كذب وليس من كلام البشر ولا يحتاج لفلسفة الفلاسفة وبراعة المتكلمين وأصحاب علم الكلام أو سفسطة السفسطائين فهل بعد ذلك يقول قائل أن لحم الخنزير هو ليس الخنزير الذي نعرفه ولكنه اللحم الذي تخنزر بالقدم وإختلاطه بالتراب وإذا قلت له أن الخنزير كلفظ عربي هو أسم علم على حيوان مشهور ومعروف يقول لا لأن لإسم بالعبرية ليس خنزير ولكن حزير فما لنا والعبرية وهذا القرآن عربيا لقوم يعقلون ، ويقول سبحانه ولعلهم يتقون ، يتقون ماذا؟ يتقون الانحراف والتحريف والكذب والكفر وفي ذلك تقوى الله سبحانه وتعالى.
وفي سورة فصلت يقول الله سبحانه وتعالى" كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" أي بينت وفسرت ببيان حلاله من حرامه ووعده ووعيده وطاعته ومعصيته وثوابه وعقابه قرآنا عربيا لقوم يعلمون اللغة العربية وليسوا في حاجة لتعلم اللغة العبرية أو اللهجات التي تداخلت بين اللغة العربية ولغات أخرى بعضها أندثر وتلاشى كاللغة الآرامية والسريانية والأشورية وغيرها ، كما أنهم ليسوا في حاجة لإختراع قواعد لفهمه تستعصى على الفرد العادي في فهمه لمفردات اللغة ، نعم هناك دراسات وتدبر ولكن لا إلزام في النتائج خاصة إذا كانت شاذه وغير معقوله كمن يقول ان الله أختار من خلقه من يدبر معه الأمر من الملأ الأعلى ويتكلمون عن أنفسهم في القرآن بأنهم فاعلون أصليون تعالى الله علوا كبيرا.
ونأتي لسورة الأحقاف الآية 12 يقول الحق سبحانه وتعالى " وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ" أي من قبل القرآن كان كتاب موسى إماما يقتضى به ويعمل بما في إحكامه ورحمة لمن إتبعه ثم جاء هذا الكتاب بلسانا عربيا وليس ككتاب موسى إذا فهو مختلف في اللغة عنه وإن كان متفق معه في الإمامة والرحمة فليس لنا أن نطبق قواعد لغة كتاب موسى عليه السلام على كتاب محمد عليه السلام وإلا كان الضلال بعينه فالقرآن مصدق لكتاب موسى ولما جاء فيه من إمامة يقتضى به ورحمة لمن تبعه ولكن بلسان غير لسان كتاب موسى إلا أن كتاب موسى الأن لا يصلح أن نتبعه لأن اليهود كتبوا فيه من عندهم وتوعدهم رب العزة والجبروت والملك والملكوت بالويل لأنهم كتبوه من عندهم ثم قالوا هذا من عند الله ليكسبوا به ثمنا قليلا وفي سورة المائدة أيضا أن القرآن بين لهم ما كانوا يخفون من الكتاب وعفى عن كثير فهم إذا كانوا يكتبون ويخفون فجاء القرآن ليفضحهم وليصدق الكتاب الحق الذي طمسوه بأعمالهم الرديئه ومن تحريفهم أنهم بحثوا عن المعاني الغريبة والشاذة وكانوا يحرفون الكلم عن مواضعه وهم يتلون الكتاب فليس لنا أن نفعل فعلهم أو نحذوا حذوهم ثم نقول هذا هو الفهم الصحيح لكتاب الله وقد تنازل رب العزة عن بعض اختصاصاته للملأ الأعلى الذي يدبر ويصرف ويبعث ويرث – حاشا لله – ونبرأ اليه من هذا التحريف والتجديف والهرطقة ، ويجدر الإشارة هنا أن الله لم يذكر الأنجيل رغم أن الإنجيل هو الذي قبل القرآن مباشرةً وليس التوارة لأن الأنجيل جاء مكملا ومصدقا للتوارة وبنفس لغتها ولم يأتي لاغيا لها وأستمرت أحكام شريعة موسى على أتباع المسيح عليهما وعلى محمد السلام
(*)"إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ"
قال تعالى " وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" يونس/61
وهنا أحذر وأقول أن القرآن ليس كتاب فلسفه ولا هو كتاب تاريخ وليس بكتاب ألغاز نحتاج لفك طلاسمها البحث في اللغات واللهجات وليس بكتاب طب ولكنه دين الله الذي إرتضاه لنفسه ولخلقه لا يحتاج أن نفيض فيه بالكذب أو بالبحث عن الغريب والشاذ والله سبحانه وتعالى شاهدا علينا وعلى كل من يتلو القرآن لشأن في نفسه وليعمل فيه ويفيض بالكذب والادعاء وما يعزب عنه سبحانه مثقال ذرة في أي مكان في ملكه في الارض ولا في السماء بل وإن كانت أصغر من الذرة فقط أحاط الله بها علما وفي كتاب مبين.
وهنا لابد أن يكون لنا وقفه مع قوله تعالى"إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ" فالله سبحانه وتعالى شاهدا علينا ومطلعا على كل من يفيض في كتابه بالكذب وبمحاولة تحميل كلمات القرآن ما ليس فيها أو كما يقال لي عنق الآيات وشهادة رب العزة سبحانه وتعالى هي شهادة رؤيه وشهادة علم وشهادة يقين وشهادة قدرة وشهادة حساب وشهادة إحاطة فلا مفر لكل مكابر " فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ" وما الفرق بين أن تكتب غير الذي أنزله الله في كتابه وبين أن تدعي في كتاب الله ما ليس فيه؟ فكل داعية إلي الضلال بالزور والكذب له الويل والتهديد والوعيد من رب العزة سبحانه وتعالى وقد يقول قائل الكتابة المقصودة هنا هي الإبداع والإنشاء وليس الشرح والاستنباط والرد أنه هذا وذاك إذا بلغ الاستنباط حد التحريف وأسمع لقوله تعالى" مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا" وفي تحريفهم للكلم عن مواضعه أي أنهم يتأولونه ويفسرونه بغير مراد الله عز وجل ولو أراد الله أن يجعل القرآن بلاغ عبري لجعله ولا يسأل عنما يفعل وهم يسألون ولكن جرت مشيئته وأقتضت حكمته أن يكون القرآن بلاغ عربي فكان ، فالبحث في تفسيره وفقا لألفاظ عبريه هو تفسيره على غير مراد قائله رب العزة والذي أنزله قرآنا عربيا ، واليهود فعلوا ذلك عمدا وقصدا وافتراءً على الله ثم أنهم سمعوا كتاب الله من رسوله عليه السلام فقالوا سمعنا وعصينا ثم تهكموا على الرسول بأن قالوا واسمع غير مسمع الظاهر غير مسمع مكروها والباطن البعيد المقصود منهم لعنهم الله لاسمعت دعاء عليه بالصم والعياذ بالله من كفرهم وغيهم وراعنا ليا بألسنتهم فهنا إستخدموا ما يعرف عند الشيعة بالتقيه فمن يسمع منهم راعنا يتصور أنهم يريدون الرعاية من الرسول ولكنهم يقصدون السب بكلمة الرعونه فلا يجب علينا لوي الكلمات ليصبح الخنزير (حزير) ولحم الخنزير هو اللحم الذي تخنزر أو يكون البغاء تجارة عن تراضي والحرام فيها الإجبار ونعوذ بالله أن نكون من الجاهلين ، ثم أن التحريف قد يكون بتغيير اللفظ كما يكون بتغير المعنى فيتأوله على غير مراد قائله ثم يلقنه للناس على المعنى المتأول تأولاً باطلاً وهنا يقول الحق سبحانه وتعالي متوعدا لهم باللعن والطرد من الرحمة بل وهناك عقوبة أرضيه بأن جعل قلوبهم قاسية وقسوة القلب في التصميم على تحريف الكلام كما تكون فيما بينهم فيكون بعضهم عذاب لبعضهم فقال الحق سبحانه وتعالى في سورة المائدة الآيه 13 " فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" فإذا عرفت أن الله شاهدا عليك بالرؤية الحقيقية وبالعلم والقدرة والإحاطة فأستحي منه سبحانه أو ليصيبك الخوف من وعيده وعذابه وهو القادر على عباده وهو القاهر فوق عباده.
َ(*) "أفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ"
وهنا نتدبر قوله تعالى "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا" نعم يا رب لو كان من عند غيرك لكان فيه إختلافاً كثيرا ولكنه من عند الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور مالك الملك ذو الجلال والإكرام فلا إختلاف فيه أما حمل الجمع في حديث رب العزة عن القدرة والفعل و مآل الأمر إليه ، على أنه جمعا حقيقيا ، وأن هذه الحقوق هي للملأ الأعلى يصل بنا إلي نتيجة أن القرآن فيه إختلاف بين آياته لأن الله الذي يدعونا إلي وحدانيته يقول جل وعلا (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (64) [سورة النمل] ، يدعوا إلي وحدانيته في القدرة والفعل والتصريف ثم يخالفها بأن يعطي إختصاصاته إلي (الملأ الأعلى) أليس ذلك إختلاف؟ وكيف يكون ذلك مقصود رب العزة سبحانه وتعالى؟ ، كما توجد ملاحظة في الآية (60) من سورة النمل أن الله سبحانه وتعالى تكلم عن نفسه بصيغة المفرد فأستخدم الأفعال (خلق) (أنزل) ثم عاد وأستخدم صيغة الجمع في تسلسل الحديث عن نفسه سبحانه وتعالى فقال (أنبتنا) ، ثم عاد في سياق الآيات وأستخدم صيغة المفرد ، أم تراهم يقولون أن الملأ الأعلى ساءه أن يتكلم الله سبحانه عن نفسه فحشروا أنفسهم في شطر من آية ثم أكمل الحق الحديث عن نفسه – حاشا لله – أم على قلوب أقفالها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
قال تعالى " كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ* الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ" أولئك المقتسمين واضح المعنى أنهم يقسمون آيات الله فسماهم الله بصفتهم ذما لهم وهم مقتسمين لأنهم جعلوا القرآن عضين فوصفهم في الآية الأولى وشرح الوصف في الثانية والمعنى في عضين أنهم أكثروا البهت على القرآن ونوعوا الكذب فيه فلا تكونوا أخواني من أولئك المقتسمين الذين ذمهم رب العزة سبحانه وتعالى وأنظر لقوله تعالى "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا " فالقرآن يهدي للطريقة التي هي أعدل وأفضل وأكمل وأدعوا الله أن تكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وهذا ظني بكم ولا تكونون ممن قال فيهم رب العزه "وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ".
يقول تعالى ( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا) إن الله سبحانه عندما قال كتاب فصلت آياته فإن السؤال المتبادر للذهن أي كتاب هذا الذي فصلت آياته بمعرفة حلاله من حرامه وطاعته من معصيته ووعده ووعيده وثوابه من عقابه هذه الآيات التي فصلت بين الحق والباطل فيكون التعريف بقوله سبحانه (قرآنً عربياً) فيكون لفظ قرآنا عربيا تعريف للكتاب الموصوف بتفصيل آياته ولذلك جاء الأسم منصوبا على المدح كما أن حاله قرآنا عربيا ولذلك فإن الحق قال لقوم يعلمون (أي يعلمون اللغة العربية ومع ذلك يعجزون عن مثله ليعلموا أنه من عند الله) فكتاب يسره الله للذكر وفصل آياته لقوم يعلمون ليس لنا أن نأتي بقواعد لغوية مخالفة لما كان عليه أهل الجزيرة العربية من قواعد وقت نزول القرآن لنحاكي بها القرآن ونحكمه أو نقول قواعده بداخلة ككلمة حق يراد بها باطل ، فنعم قواعده بداخلة ولكنها تنتمي لذلك النوع من القواعد الذي يتوافق وفهم الرجل العادي للأمور دون تحذلق أو إختراع وإلا لكان الحساب لعدم إتباع كتاب يستعصى على الفهم عبثا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
(*) سقف المعرفة وأداة المعرفة
قطعا القرآن لا يخضع بمفاهيمه للسقف المعرفي لدى العرب ولكنه نزل عليهم فتكون لغتهم العربية التي نزل بها القرآن هي من أدوات تعريفه فكل معاني القرآن من إيمان وكفر وحلال وحرام وملائكة وشياطين وسماء وأرض وغيرها تعرف وفقا لمدلول الكلمة عند العرب ولو قلنا بغير ذلك نكون قد فقدنا المنهجية ، فاللغة هي أداة المعرفة ، يقول قائل ولكن اللغة متطورة ومعاني المفردات فيها متغير بتغير الزمان والمكان ، فأي لغة عربية يمكن بها فهم القرآن الكريم؟ ، نقول له ما قاله رب العزة سبحانه وتعالى "وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم"ابراهيم4 ، فبما أن الرسول يتكلم بلسان قومه فتكون أداة معرفتنا للقرآن هي لغة الرسول عليه السلام وقومه ، ويمكن إستخلاصها من السياق ومما وصلنا من شعر ونثر خلال هذه الحقبة دون أي محاولة للتحذلق والاختراع ، ولا يعتبر ذلك إعتباطية كما يقول النيلي بل هو عين القصدية ، لأننا نقر بأن كل كلمة في القرآن مقصودة لذاتها وإلا ما قالها رب العزة ، لأن القرآن كله قول فصل وما هو بالهزل (الطارق 13،14) ، ولكن من الاعتباطية أن أجرده من أدوات فهمه وهي اللغة التي نزل بها ، وهي أكثر اللغات إستخداما للبلاغة والصور الجمالية من مجاز وجناس وتطابق وتضاد وترادف وإستعارات وذكر الجزء ويقصد الكل على نحو (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم) فهل المقصود هنا إنسان واحد فقط تم تعريفه بالألف واللام؟ أم المقصود البشر جميعا ، كما أن به ذكر الكل ويقصد الجزء على نحو (تدمر كل شيء بامر ربها فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين) فقد إستثنى المساكن من التدمير مع أنها شيء ، فقصدية النيلي التي تجرد القرآن من أدواته وتصل بنا لنتائج غاية في الشذوذ هي قمة العبث والاعتباطية شاء من شاء وأبى من أبى
ولكن سقف المعرفة شيء آخر وسأضرب لكم مثالا على ذلك بإسلام عالم ألماني وزوجته لمجرد قراءتهم لقوله تعالى " تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ " فأخضعوا القرآن لسقف معرفتهم هم ولكنهم كانوا أكثر من الكثير من المسلمين إنصافا للقرآن بأن بحثوا عن أسرع شيء عند العرب وقت نزول القرآن وبذلك أخذوا أدوات المعرفة في زمان ومكان نزول القرآن وهو المنطق والمنهج العلمي السليم ، فوجدوه الحصان 60كم/ساعة فقاموا بضربها في 24 ثم في 30 ثم في 12 ثم في 50000وقامو بعملية حسابية مفادها أن معرفتهم هم عن الروح والملائكة أنهم نور والنور ضوء وسرعة الضوء 360000كم/ثانية وقاموا بضربها في 60 ثم في 60 ثم في 24 فأقاموا معادلة ذات بسط ومقام فتوصلوا أن اليوم عند العرب وقت نزول القرآن يساوي خمسين ألف سنه بحساب سرعة الملائكة والروح ، أردت أن أثبت لكم من المثال السابق أنه ليس للقرآن سقف معرفة فالقرآن يدل على الأشياء ولا شيء يدل عليه ولكن له أدوات لو لم نستخدمها ما إستقامت النتائج ، ونشكر العلماء الألمان لما توصلوا له ولكن نعاتبهم إذا ألزمونا به ، يكفي أن عمليتهم الحسابية أدخلتهم الإسلام ، ولكن ليس معنى ذلك أن يمسك كل منا بآلة حاسبة عند قراءة القرآن كما نوهنا من قبل
(*) حمال أوجه
فأنا مثلا كنت ممن يقولون بأن القرآن ليس حمال أوجه بل له وجه واحد فقط هو الحق وباقي الأوجه عكس ذلك ، ولكن مع تدبر قوله تعالى " وما ارسلناك الا رحمة للعالمين" الأنبياء107 ، وقوله تعالى" تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا" الفرقان1 ، وقوله سبحانه وتعالى " وما ارسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن اكثر الناس لا يعلمون" سبأ28 ، وأن الله سبحانه وتعالى جعل القرآن رسالته للناس جميعا في كل زمان ومكان مع إختلاف الأسقف المعرفية والخلفيات الثقافية والعلمية للجميع ، فهذا يعني إمكانية فهم القرآن لكل منتمي للدين الإسلامي وفقا لمعطياته هو الثقافية والبيئية والعلمية ويكون بذلك فهمه صحيحا له طالما أتبع القاعدة الرئيسية واجبة الاتباع وهو إستخدام لغة القرآن ولسان النبي كأداة لفهم نصوصه ، لذلك قصر فهم القرآن على زمن معين ومكان معين دون غيره مستخدم السقف المعرفي لهذا الزمان والمكان جريمة حقيقية في حق كتاب الله العظيم لأن في ذلك تجريده من نطاق عموميته وصلاحيته عبر الزمان والمكان ، لذلك كلمات من قبيل (الأول لم يجعل للآخر مقالا) ، (الخير كل الخير في اتباع من سلف والشر كل الشر في ابتداع من خلف) وغيرها ، كلها جرائم في حق القرآن العظيم ودعوة صريحة للجمود والاقتصار على فهم الكتاب ، رغم أن الكتاب نفسه يدعوا للسياحة والنظر والتطور.
وأخيرا فإن بحثي هذا نصيحة واجبة أسديها وكلمة حق أبديها وذمة بالشهادة أخليها ونختم بقوله تعالى " وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا" وقوله تعالى " نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ" ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد
شريف هادي

اجمالي القراءات 22560