المخاطبين.. والايام
فهم جديد للقران-جزء ثان

علي الاسد في الأربعاء ٣١ - ديسمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

السلام عليكم

اولا: المخاطبين بالايات

نحاول هنا ان نستخرج شخصية المخاطبين(بفتح الطاء) في بعض الايات والتي يسلم كل من يقرأ القران بكونهم بني اسرائيل مما يقلب المفاهيم ويجعل الظالمين المذمومين يرمون غيرهم بما نص القران على انه فيهم هم . وهذا شبيه بما ورد في البحث السابق حول اية الافساد (لتفسدن في الارض مرتين) ولا بأس من ان ننقل هنا جزء البحث الخاص بهذه الايه لفهم افضل لما سوف ندرسه:
سورة الإسراء-آيه 4

{ وقضينآ إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا } وهذا ما اذكره دائما حيث انها ربما تمثل اعظم نبوءه في تاريخ المسلمين كأمة وارتباطها بوعد الاولى والاخره وتمثل خلاصة مسيرة الامة المفسده بنص القران .وهنا اود ان ابين استخلاص النتائج حسب المنهج اللفظي:
الفعل قضى ياتي بصور متعدده منها (قضى على) كما في : سورة القصص-آيه 15 فوكزه موسى فقضى عليه.. و: سورة فاطر-آيه 36 لا يقضى عليهم فيموتوا.. والتي تعطي معنى ان القضاء عليه يؤدي الى الموت. اما (القضاء الى) كما في : سورة الحجر-آيه 66
{ وقضينآ إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين } فيمكن استخلاص معنى القضاء اليه أي ابلاغه امر محتوم او ايصال تفاصيل هذا الامر المحتوم اليه.
اما البحث عن لفظة بني اسرائيل فيؤدي الى استخلاص نتيجه هي ان هذا اللفظ ذكر في مواضع ذكر النعم عليهم وليس كلفظ اليهود او الذين هادوا حيث الاول ذكر مع الذم والثاني مع احتمالية وجود كافرين او مؤمنين من ضمن الذين هادوا. ثم ناتي الى صيغة الخطاب : وهو ما يوضح المراد من المفسدين . حيث ان الاية تبدأ بالكلام بصيغة الغائب او الشخص الثالث كمى يسمى(قضينا الى بني اسرائيل) ثم ينتقل الخطاب الى المباشر (لتفسدن) , فلو كنت اخاطبك وقلت لك الجملتين التاليتين:
قلت لفلان لتفسدن.... و...قلت لفلان ليفسدن . فان الاولى تعني ان المفسد انت اما الثانيه فتعني ان المفسد فلان . فلو كان المقصود ان المفسدين بني اسرائيل لكانت هكذا: وقضينآ إلى بني إسرائيل في الكتاب ليفسدن في الأرض مرتين وليعلن علوا كبيرا .
اذن مايفهم من الاية هو: اننا قضينا الى بني اسرائيل بانكم ايها المخاطبون تفسدون في الارض , اي ان هذه الامة او جزء منها يفسد في الارض مرتين ويعلون علوا كبيرا.

---------
وهنا سنبحث في بعض الايات والتي تبدأ بعضها بالكلام عن بني اسرائيل بصيغة الغائب:
البقرة 83 :
((وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون))
نلاحظ أن الايه اعلاه تبدأ بالاتي: واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل.. فنسأل على ماذا اخذ ميثاق بني اسرائيل؟ فتأتي تكملة الايه: لاتعبدون الا الله.
وهنا تستوقفنا صيغة الخطاب.. حيث بعد ان بدأ الكلام بالحديث عن بني اسرائيل بصيغة الغائب تحول هاهنا الى صيغة المخاطب المباشر(لا تعبدون الا الله).. فلو كان الكلام لايزال يتحدث عن بني اسرائيل لكانت الصيغ كالاتي:( واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل لا يعبدون الا الله).. وهذا يفهم من منطق اللغه المتعارف ناهيك عن المنهج اللفظي وقصدية الخطاب.
ثم ان لدينا من القران مثال على ذلك:
(المائدة 70 )
((لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون)).
اذن نرى هنا ان ان الخطاب بعد (اخذنا ميثاق بني اسرائيل) استمر الكلام بصيغة الغائب حيث بقيت الافعال والضمائر بصيغة الغائب من قبيل(جاءهم..ارسلنا اليهم.. لا تهوى انفسهم..كذبوا..يقتلون) وهكذا ولم يتغير الى المخاطب المباشر مثل(جاءكم.. انفسكم.. كذبتم..تقتلون).
وهذا يدلنا على ان الايه الاولى عندما انتقلت من الغائب(ميثاق بني اسرائيل) الى المباشر( لا تعبدون الا الله) فالمعني بالخطاب هنا هم من انزلت الايات اليهم وبينهم وهم مجموع هذه الامه او جزء منها.. اذن كل ما جاء في اخر الايه خاص بهذه الأمه وهو: ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون
اذن الايه تخاطب الأمه بالقول ثم توليتم الا قليلا منكم وانتم معرضون .
ولو تنازلنا جدلا عن ان المخاطب بالايه هم هذه الأمه واشكل الفهم على البعض في كون المخاطبين من بني اسرائيل او من الأمه الاسلاميه فأن الايات التي بعدها مباشرة لا تعطي اي مجال للشك في هوية المخاطبين فلنتابعها:
(البقره 84-85)
وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ( 84 ) ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ( 85 )
حيث نلاحظ ان الايه 84 من سورة البقره تبدأ بالخطاب المباشر من غير اي مجال للتوهم حيث تقول: واذ اخذنا ميثاقكم.. فهنا خطاب مباشر الى من انزلت الايات اليهم لاتفرق عن ايات اخرى من قبيل: كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية...كتب عليكم القتال.. ولم نجد احدا اشار الى ان الخطاب في هذه الايات ليس في الأمه.
فما الذي يجعلهم يؤولون الخطاب في الايه(واذ اخذنا ميثاقكم لاتسفكون دمائكم...) في بني اسرائيل..سوى ان ما تذكره الايه وما بعدها يبين صفات هذه الأمه وما تقترفه من موبقات.فالقتل واخراج فريقا من ديارهم والتظاهر بالأثم والعدوان والأيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض هو من صفات هذه الأمه والخزي في الحياة الدنيا والرد الى اشد العذاب يوم القيامه هو لمن يفعل هذه الافعال من هذه الأمه.. ومن يرفض هذا الفهم فليبين لنا بأي منطق يشاء .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهناك التفاته صغيره الى بعض ما ذكرته الايتين: فالايه 84 تقول لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون انفسكم من دياركم. اما الايه 85 فتقول تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم.. اذن القتل وقع على (انفسكم) اما الاخراج فوقع على (فريق منكم) ومن غير المعقول انهم يقتلون انفسهم بمعنى يقتلون ذواتهم هم وبصفة الاطلاق أي ان لا يبقى منهم احد غير مقتول فلا بد وهذه الحال ان تكون(انفسكم) مجموعه محدده لا تعني الجميع والا لكان هناك استثناء للقتل كما هناك استثناء للاخراج من الديار بلفظ يقصد منه التبضيع او الأجتزاء من قبيل (فريقا منكم .. بعضكم..طائفة منكم.. الخ).

ثم لو سألنا من الذي اخذ ميثاق هذه الأمه فهل نجد اجابه.. فلنقرأ هذه الايه:
الحديد 8
((وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ))
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------------------
ولنعود الى ايات اخرى من سورة البقره هي الايات 67-71 ولنقرأها.. سنجد انها تتحدث بصورة السرد لاحداث واقعه خاصه بين موسى عليه السلام وقومه حين امرهم بذبح بقرة.. ولايوجد ملاحظه حول اسلوب الخطاب حيث كل الايات من 67 الى 71 هي صيغة سرديه وتتكلم عن موسى وقومه بصيغة الغائب:
البقرة 67 - 71 :
وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ( 67 ) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون ( 68 ) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ( 69 ) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون ( 70 ) قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون ( 71 )
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والى هنا نعلم ان الايات هي عن واقعه معينه واحده.. ولكن الايات التي تتبع الايه 71 يحدث فيها انتقال لاسلوب الخطاب من الغائب الى المخاطب مما لايعطي مجال للظن بكونها استمرار لسرد الواقعه بل يدل من خلال الانتقال الى صيغة المخاطب المباشر الى كون الايات حصل فيها التفات الى المجموعه المنزل عليها ايات القران( وهم الامه الاسلاميه) وبدأت الايات تتحدث معهم فلنتابعها:
(البقرة 72 ) - 11 ( البقرة 74 )
وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون ( 72 ) فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ( 73 ) ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون ( 74 )
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
اذن نلاحظ الكلام تحول الى صيغة المخاطب المباشر(واذ قتلتم نفسا...ماكنتم تكتمون..قست قلوبكم) وهنا التفاته لطيفه هي ان قتل النفس في واقعة قوم موسى عليه السلام حدث قبل الامر بذبح البقره حسب الروايات.. ولكن الايه حول قتل النفس تأتي بعد ايات ذبح البقره.

ولو تتبعنا الايات في عموم سورة البقره سنجد ان هذا الاسلوب هو الغالب على الخطاب حيث يتوهم منه ان كل الخطاب هو في بني اسرائيل بينما التدبر يظهر اما كون المخاطبين هم من هذه الأمه كما بينا في اعلاه .. أو على الأقل يظهر اشكال في عائدية الضمائر والافعال لا يعطي لأحد حق الجزم بهوية المخاطبين فيبقى في التيه والتخبط الى ان يشاء الله.
ومن الأمثله على ذلك الايات ( البقرة 40 ) - ( البقرة 48 ) والتي ارجو قرائتها بالتسلسل اكثر من مره حيث ان أعادة القراءة يكشف احيانا ما يخفى لأول وهله:
( البقرة 40 ) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون .
( البقرة 41 ) وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون .
( البقرة 42 ) › ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون .
( البقرة 43 ) › وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين .
( البقرة 44 ) › أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون .
( البقرة 45 ) › واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين .
( البقرة 46 ) › الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون .
( البقرة 47 ) › يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين .
تبدأ الايه 40 بالكلام كما يلي: يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي ..وهي خطاب مباشر!! ثم تأتي الايات التاليه لها بصيغة الخطاب المباشر فنتوهم انها استمرار بالخطاب الى بني اسرائيل كون الايه 40 وما بعدها خطاب مباشر وليس كما بحثناه في اية(واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل) حيث تحول الكلام هناك من الغائب الى المخاطب.
وهنا من حق من يسأل: اذا كان الخطاب الى بني اسرائيل في الايه 40 بصيغة المخاطب المباشر(اذكروا نعمتي),,والخطاب في الايات التاليه ايضا بصيغة المخاطب المباشر(ولا تلبسوا الحق بالباطل..وأقيموا الصلاة..أتأمرون الناس.....) فما الذي يدفعك الى القول ان الايات التاليه للايه 40 ليست في بني أسرائيل؟؟؟
فأقول ولهذا السبب ذكرت في البدايه ان نقرأ الايات اكثر من مره!! فماذا سنجد:
أقول ان ما دفعني للقول ان الايات بعد الايه 40 ليست في بني اسرايل هو نفس سبب اعتراض المعترض مع اضافه قليله.. حيث نلاحظ ان الايات كالاتي:
1- تبدأ الايه 40 بالخطاب المباشر الى بني اسرائيل بذكر اسمهم(يا بني اسرائيل اذكروا).
2- تبدأ الايات من 41 الى الايه 46 بصيغة المخطاب المباشر بدون ذكر هويته فيظن من يقرأ ان الايات لازالت تخاطب بني اسرائيل.
3- تبدأ الايه 47 بمخاطبة بني اسرائيل مباشرة مع ذكر اسمهم(يا بني اسرائيل اذكروا).
وهنا يأتي السؤال: اذا كانت كل الخطابات بعد الايه 40 التي ذكر فيها مركب(يا بني اسرائيل) هي استمرارية للخطاب اليهم فما الذي دعى ان تعيد الايه 47 مركب( يا بني اسرائيل) حيث يكفي ان تبدأ الايه هكذا: اذكروا نعمتي,, او,,واذكروا نعمتي ..كما في الايات السابقه لها لو كان الكلام لايزال يخاطب بني اسرائيل!!!!!!
اذن نستدل ان الايات السابقه للايه 47 لم تكن تخاطب بني اسرائيل حصرا وانما انتقلت للكلام مع المخاطبين في القران عموما عند عدم وجود تحديد وهم هذه الامه.. او على الأقل يكون هذا الأحتمال كبيرا جدا اذا علمنا من صيغة الكلام في الايتين 40 و47 انه كلما اراد القران توضيح ان المخاطبين بني اسرائيل فانه يذكر الاسم الصريح لهم وهو(يا بني اسرائيل)..
-------------------------------------------
ثانيا : بيان عدم الترادف في اسماء الايام المذكوره في القران:
((قال رجل ان بقاء اية واحدة من القران هو حجة على الناس ))

الايمان بالله واليوم الاخر
---------------------------------
في : سورة النساء-آيه 59
{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير وأحسن تأويلا }
فلو تنازلنا عن موضوع طاعة اولي الامر المقرونه بطاعة الرسول بأمر واحد , أي ان الأمر موجه لنا بطاعة الرسول واولي الامر في ان واحد وليس طاعة الرسول ثم طاعة اولي الامر. فالاية تضع الرسول واولي الامر في موضع واحد يصدر منه الامر المفروض الطاعة .. اي ان مايصدر من الرسول او من اولي الامر هو صادر من المجموعة كلها (مجموعة الرسول واولي الامر) وليس اوامر متفرقة بين شخوص المجموعة على الاقل في الموضوع الخاص بهذه الايه... فلو تتبعنا الالفاظ والاقترانات حسب المنهج اللفظي فسوف تنفتح ابواب لبحوث كثيرة جدا .
اقول لو تنازلنا عن موضوع طاعة اولي الامر وقصرنا بحثنا في ما اتفقوا عليه جميعا وهو الايمان بالله واليوم الاخر فسوف نصل الى نفس النتيجة وهي ان لله الحجة البالغه وان الامر لا يحتاج الى مناظرات يزبد فيها الخصم ويرعد ويهزأ ممن يطرح ايات قرانية ويحاول بيان بعض معانيها وحجتهم في كل ذلك ان ايات القران مفهومه لكل متكلم بالعربية ,للتونسي والموريتاني وغيرهم كما يقولون وكانت خلاصة حجتهم ان الله لايطلب منا الا الايمان بالله واليوم الاخر فليس هناك اي تعقيد واي تاويل.. فلنأتي معهم ونسأل هل امنا وامنوا بالله واليوم الاخر؟؟؟
فليسألوا انفسهم ما معنى الايمان باليوم الاخر ولماذا التأكيد على الايمان به وهل ان الأيمان بشيء لا يتطلب معرفه ولو بسيطه لماهيته؟ فهل عرفوا ثم امنوا؟؟ أم خيل لهم ؟؟ أم اختلفوا فمنهم من امن ومنهم من كفر!!!
اليوم الاخر:
المركب يتكون من لفظين(اليوم)و (الاخر) والاخر هو صفة اليوم.. وسوف نترك حاليا الخوض في ماهية ومعنى (اليوم) في الايات التي تأمر بالايمان بالله واليوم الاخر.. اذن نعتبر معنى اليوم هو المتبادر للذهن وهو اليوم الزماني طال ام قصر ونتوجه للبحث عن معنى الاخر:
فلفظ الاخر(بكسر الخاء) تعطي معنى الذي يأتي بعد مجيء امثاله قبله وهي تختلف عن لفظ الاخر(بفتح الخاء) حيث تعني المثيل والذي يمكن ان يكون اي واحد من المجموع كما في:
( البقرة 282 )
فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى

( النجم 19 ) أفرأيتم اللات والعزى ( 19 ) ومناة الثالثة الأخرى ( 20 )
حيث نرى ان الاخر (بفتح الخاء) ومؤنثه(الأخرى) يمكن ان يكون ثالث كما في(مناة الثالثة الأخرى)
أما الاخر(بكسر الخاء) وحسب المنهج اللفظي فيتبين لنا انه من يأتي بعد مجيء الأول ومجيء واحد اخر غير الاول على الأقل .. اي ان الاخر هو من يأتي ثالثا واخيرا او رابعا واخيرا وهكذا.. اما اذا كان العدد اثنان فقط فيكون هناك أول وثاني كما في: ثاني أثنين أذ هما في الغار.
وهذا الاستنتاج يمثله خير تمثيل البحث في ايات (النشأة) حيث نجد ان هناك نشأة اولى ونشأة أخرى ونشأة اخرة فيكون المجموع ثلاثة كما في الايات:
الواقعة 62 : ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون
النجم 47 : وأن عليه النشأة الأخرى
العنكبوت 20 :
قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير ( 20 )
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
اذن التأكيد على مسألة الأيمان باليوم الاخر يشتمل ضمنيا على وجوب الايمان بما قبله من الايام.. فانت لا تؤمن باليوم الثالث الا بعد ايمانك بوجود الاول والثاني وهكذا بالنسبه للرابع لا تؤمن به الا بعد الايمان بالاول والثاني والثالث.وتسأل : هل هناك دليل على ايام كثيره يجب الايمان بها فيجيب القران نعم هناك ايام خاصه يجب الايمان بها حيث يخاطب موسى عليه السلام((ان اخرج قومك من الظلمات الى النور وذكرهم بايام الله)) فنفهم ان لله ايام عددها اكثر من اثنين بدليل صيغة الجمع(ايام).. فياتي السؤال هل هي ايام ماضيه ام مستقبليه فيجيب القران بالايه ((قل للذين امنوا يغفروا للذين لا يرجون ايام الله)) فنفهم انها ايام مستقبليه بدليل لفظ (يرجون) فما يرجى لم ياتي بعد . ولمن اراد ان يتوغل في البحث اقول انظر الى مواصفات الايام والفوارق بينها لتميزها عن بعضها ومن القران حصرا وستجد ان جمعكم يكون في يوم خاص وابحث في مواصفات اليوم الذي تقول عنه الايه(جمعناكم والاولين) وستجد له اسم معين ومواصفات معينه اما يوم القيامه فستجده يذكر مع القول(ليجمعنكم الى يوم القيامه) اي ان الجمع يكون قبله بدليل الحرف(الى) والى تبقى الى وان كره الكارهون ولن تصبح (في) ابدا ....
فما هو اليوم الاخر؟؟
..........
ولو بحثنا في القران عن مواصفات الايام فسوف نجد ان الايام الزمانيه تعرف عن طريق مايجري فيها من احداث من قبيل: يوم يحشرهم جميعا .. يوم يبعثون..
اما اليوم الاخر فلا نجد مواصفه زمانيه لما يحدث فيه والمواصفه الوحيده هي الايمان به كونه اليوم الاخر وهذا يتطلب معرفة الايام السابقه له ثم معرفته والايمان به.
---------------------------------
ولو عدنا الى الايه 282 من سورة البقرة التي تذكر لفظة الاخرى المعرفه ب ال التعريف فسوف نجد ان معناها لا يتناسب مع المتبادر الى الذهن من ان احدى المرأتين تذكر المرأه الاخرى في مسألة الدين والتداين التجاري!!!
فلنقرأ الايه : سورة البقرة-آيه 282
{ يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهدآء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخرى ولا يأب الشهدآء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضآر كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم }
فنلاحظ ان الايه تقول واستشهدوا شهيدين وليس شاهدين .. ثم تقول ولا يأب الشهداء اذا ما دعوا وهو تأكيد ان المستشهدين هم شهداء ومفردها شهيد وليس شاهدين ومفردها شاهد .. ولا شهود(بضم الشين)
ومفردها(شهود)بفتح الشين بل ان صيغة الفعل لدعوة الشهيد والشاهد مختلفة وفي نفس الايه حيث للأول تقول(واستشهدوا) اما للثاني فتقول(واشهدوا).. وهذا يقودنا الى وجوب البحث عن صيغ الجمع لكل مفرد لنفهم بعض الايات.. مثل: لا يفلح الساحر حيث اتى.. ولكنا نجد ان السحره امنوا واصبحوا من اوائل المؤمنين كيف؟ ذلك لانهم ليسوا ساحرين ومفردها ساحر بل سحره(بفتح السين) ومفردها(سحره) بضم السين ونجد الدليل عليه في لفظي: همزه و لمزه. وبنفس طريقة الاستدلال نجد ان مفرد الشعراء ليس شاعر والتي تجمع شاعرين.

نعود الى الايه ونجد انها تقول(ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى) اذن ليس المعنى ان تذكر اولى المرأتين ثانيتهما والا لكانت الصيغة كالتالي(ان تضل احداهما فتذكرها اخراهما) .. فانا افهم من صيغة الايه(ان تضل احداهما) اثبتت ان احداهما تضل.. ثم (فتذكر احداهما الاخرى) اي ان التي لم تضل تذكر الاخرى والتي هي هنا معرفة ولعلها هي نفس الاخرى المذكوره في(ومناة الثالثة الاخرى).
وارجوا ممن يقرأ الموضوع ان لا يذكر لي الاخرى في(فان بغت احداهما على الاخرى) فهي في منهجي مختلفه عن اعلاه لاختلاف الصيغه الاعرابيه موقعيا(وعدم ظهور الاختلاف راجع الى وجود الالف المقصوره)

فما وجدنا عليه ابائنا يوقع الجميع في الخطأ حين لايكون هناك تدبر منهجي للقران, فمن لم يفكر بالذهاب الى الكتاب المقدس للبحث في زبور داوود عن توريث الارض للصالحين فهل مؤدى الايه هو ما فهمناه فلنقرأ:
في : سورة الأنبياء-آيه 105
{ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون }
فهاهو المتكلم يتحدث بصيغة الجمع(كتبنا) ثم يقول(يرثها عبادي) , ثم انه يتحدث عن(الزبور) المعرف وليس عن زبور داوود حيث تقول الايه( واتينا داود زبورا) وهو نكره ثم هناك الايات التي تتحدث عن الزبر بالجمع بل ان الايه التي تتكلم عن ارشادنا الى اهل الذكر لنسألهم تذكر ان علينا سؤال اهل الذكر ان كنا لا نعلم بالبينات والزبر:
في : سورة النحل-آيه 43
{ ومآ أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }{ بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون }
اذن : الزبور من بعد الذكر
: وجود اهل الذكر الدائم منذ نزول الايه ووجوب سؤالنا لهم كوننا لانعلم بالبينات والزبر بصيغة الجمع
اذن : الزبور المعرف خاص باهل الذكر وليس زبور داود عليه السلام
وهناك ملاحظة مهمه هي ان الذكر في(من بعد الذكر)يختلف عن الذكر في(وأنزلنا اليك الذكر) لأختلاف الصيغه الاعرابيه للفظين.
ومما يتبادر الى الذهن اول وهله وهو خلاف الواقع موضوع (من اوتي كتابه بيمينه). فلو تدبرنا الايات ذات الصله لوجدنا امر جديد:
في : سورة الإسراء-آيه 71
{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلا }
نلاحظ الايه تقول : فمن اوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم... اذن المؤتى كتابه هو واحد ثم تقول الايه فأولئك يقرؤون كتابهم.. اي ان هناك اتباع لمن يؤتى كتابه بيمينه وكتابهم كتاب واحد للجميع.. وهناك ايه اخرى تذكر ان من يؤتى كتابه بيمينه يحاسب حسابا يسيرا..ثم ماذا.. ثم ينقلب الى اهله مسرورا وكأن اهله من ضمن اتباعه.
ومما يؤيد هذا الاستنتاج هو مقولة من اوتي كتابه بشماله حيث يدعوا ثبورا ويقول :هلك عني سلطانيه , ومن غير المعقول ان يكون الجميع ذوي سلطان , بل هو صاحب سلطان ولديه اتباع.
-----------
{ وإن من شيعته لإبراهيم } سورة الصافات-آيه 83
يقول ابراهيم عليه السلام في : سورة الأنبياء-آيه 56
{ قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين }
وانا اسأل على ماذا يكون ابراهيم عليه السلام من الشاهدين؟ اليس على فطر السماوات والارض؟ كما طلب الحواريين من عيسى مائدة من السماء ليكونوا عليها من الشاهدين في سورة المائدة-آيه 113
{ قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين }
وهل من الممكن ان يشهد احد على خلق السماوات والارض وليس فقط على فطرهن؟.. نجد ان الايه في : سورة الكهف-آيه 51 وفي سياق الكلام عن الظالمين تقول: { مآ أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا } .. اي انها تنفي هذا الامر عن الظالمين فقط كما تنفي اتخاذه المضلين عضدا فقط وليس غيرهم.
النتيجة :
اذن النتيجة هو سؤال لمن قال ان القران يفهمه كل متكلم بالعربيه!! نسأل وهل فهم متكلمي العربيه اول لفظة في القران؟؟؟ نعم لا تستغربوا فهم لم يفهوا ويفهمونا اول لفظ: فما معنى (بسم)في(بسم الله الرحمن الرحيم) فهم يقولون اما المعنى الاستعانه وهذا باطل بلا بحث او يقولون معناها ابدأ بأسم الله ,وهنا نسأل لماذا ذكرت لفظة أسم في القران بالهمزه في ايات كثيرة عدا البسمله فهي بسم بدون همزه!!.. بل ان من حقنا ان نسألهم عن الالفاظ قبل البسمله!! فمن هذا الشيطان الرجيم الذي نستعيذ منه وهو معرف ب ال التعريف وبالاضافه.. اليس على الامه ان تعلن عجزها ليظهر الله سبحانه لهم من اخذوا مكانه فتاهوا ولا يزالون.. ولمن يسال من هذا الذي تقصده اقول هو من اشار اليه شعيب عليه السلام حين قال لقومه (وارجوا اليوم الاخر) ثم قال لهم في الايه التاليه(بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين) اذن رجاءهم لليوم الاخر يؤدي الى وصولهم الى بقية الله.. فقد كفى بني اسرائيل 40 سنة من التيه افلا يكفي هذه الامه اربعة عشر قرن من التيه؟؟؟؟ افلا يرون ان من جاؤوهم بالكتاب هم من يكلمهم فيه .. في : سورة الأعراف-آيه 52
{ ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون } فمن الذين جاؤوهم بكتاب وهم مجموعة هذا ايضا من اسئلتنا الى متكلمي العربيه؟؟؟؟.. وليبحث من شاء عن الفعل(جاء)بكل صوره الصرفيه فلن تجده مرتبطا الا بالرسل والانبياء وغيرهم من الخلق فقط.. وحاش لله ان تجدوا لفظة جاء مرتبطه به في القران.
في : سورة يونس-آيه 46
{ وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون }

تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج 7 - ص 223
وقال عمر لابن عباس : وهل كانت الجاهلية إلا واحدة ؟ فقال ابن عباس : وهل كانت الأولى إلا ولها آخرة ؟ فقال عمر : لله درك يا ابن عباس

** ملاحظه : من اراد المزيد من البحث حول ايام الله ومواصفات كل يوم منها سيجدها مفصله في كتب الاستاذ النيلي رحمه الله .

اجمالي القراءات 21827