إتسعت الأبحاث الروحية وكثر أنصارها
من الرُّوحِيــــَّة الحديثة إلى كرامات الأولياء

محمد صادق في الخميس ٢٥ - ديسمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 &l14pt;" dir="rtl"> 

من الرُّوحِيــــَّة الحديثة إلى كرامات الأولياء

 

و القرءآن الكريم

 

مقدمة: قبل الدخول على المقالة، أود ان أشكر كل من قام بالسؤال عن الحالة الطبية التى تعرضت لها فى الآونة الأخيرة وقد جائت نتيجة الفحوصات بالنسبة لإحتمال وجود ما يشير إلى سرطان اليد اليمنى، فالحمد للــه كانت النتيجة سلبية. ولكن أظهرت التحاليل على إلتهاب فى أعصاب اليد اليمنى مما تؤثر على تحريك الأصابع بسهولة وأقوم حاليا بعلاج طبيعى وتمرينات لتقوية العضلات  مع بعض العلاجات الطبية لإزالة الإلتهاب فى الأعصاب وإنشاء اللــه ستعود اليد اليمنى إلى حالتها الطبيعية قريبا وفى نفس الوقت سوف أتابع الكتابة والتعليق بقدر ما أستطيع فى الوقت الحاضر. أشكر مرة ثانية لكل من قام بالسؤال وأخص بالذكر د. ـأحمد منصور، الأخ الحبيب إبراهيم دادى والأخ الفاضل عثمان على.  إنتهى والآن نعود إلى المقال....

 

 

إتسعت الأبحاث الروحية وكثر أنصارها المؤمنون بها والمدافعون عنها، والناس فى شأنها بين مصدق ومكذب وبين مأخوذ بها وساخر منها. فبينما ترى أحد المؤمنين، من رجال الدين يؤكد أن العلم الروحى قد أصبح علما تجريبيا لا لبس فيه ولا غموض، ونرى آخر، من علماء أوروبا، يقرر بكل ما فى وسعه من قوة أن التواصل بين ألأحياء والموتى لا شك فيه، وأنه هو فى حالات كثيرة تحدث وناقش الموتى، وإستمع إلى أحاديثهم ونقاشهم مع من كانوا يحضرون معه. وهؤلاء الموتى بالذات هم الذين طلبوا للحديث، ونرى أيضا أحد أعضاء الجمعية الملكية البريطانية يُعلن: أنى اقول لكم بكل تأكيد، أنى أعرف أن بعض أصدقائى المتوفين ما زالوا موجودين لأنى قد تكلمت معهم.

 

بينما نقرأ ذلك، نقرأ لآخرين وهم كثير، من كبار المفكرين، أنهم يعدون كل هذه الأمور بما يسمى بالمغناطيسية، وتحريك الموائد وتحضير الأرواح و التنويم المغناطيسى والتخاطب بالدقات والنقرات الروحانية وما إلى ذلك، يعدونه من الخرافات والأوهام الخادعة، وكلها ليست إلا نتيجة خطأ فى الملاحظة يمتزج بالتزوير المتعمد على عقل بسيط للتصديق.

 

ونرى فريقا ثالثا من الباحثين أيضا لا يصدق ولا يكذب. ومن هؤلاء المرحوم الأستاذ عباس العقاد الذى يرى أن حق الفكر الإنسانى فى قبول هذه الظواهر أرجح جدا من حقه فى إنكارها، فلا استحالة فى ظاهرة من هذه الظواهر، غير مستثنى منها النادر المستغرب بالغا ما بلغ من الندرة والغرابة فى جميع الأوقات. ويؤكد ذلك فى موضع آخر فيقول: وما من حقيقة علمية إلا وهى تطوى فى سجلها تاريخا طويلا من تواريخ الإحتمال ولرجاء الأمل فى الثبوت، وإن تكررت دواعى الشك بل دواعى القنوط.

ويقول أيضا: ولا يشعر العالم اليوم أنه يعطى حقه من الوقار حين يبتدئ بالإنكار فى هذا المجال أو يرجح الإنكار بغير دليل قاطع يقاوم أدلة التصديق فمن لم يقبلها من العلماء لم يأنف من إعتبارها صالحة للقبول، مع توافر الأدلة وتمحيص التجربة من الوهم وخطأ الملاحظة.    إنتهى

 

هذا هو أوسط الكلام وأعدله فى مثل هذا الموضوع، فالمسألة ترجع فى كل شئ إلى قدرة الأدلة وضعفها. غير أن الأساس الذى بَنى عليه الروحانيون أبحاثهم لم يقم عليه، إلى الآن، أى دليل إلا الإدعاء فهم يقولون: أن للانسان جسمين، أحدهما مادى هو الذى نراه، والآخر أثيرى لا يمكن لمسه ولا رؤيته وإن كان ماديا ملموسا بالنسبة للعوالم الروحية التى يعيش فيها.

والموت عندهم هو إنفصال الجسم الأثيرى عن الجسم المادى، ثم يزيدون فيؤكدون أن الأجسام الأثيرية تعيش فى عالم كعالمنا تماما، وفيه كل ما فى عالمنا من مدارس وكليات وأن أصحاب الأعمال العظيمة فى هذه الحياة لا يزالون يواصلون البحث لإتمام أعمالهم هنا ...إلى آخرهذه الأقوال.

 

وليس المقصود هنا البحث فى مدى صِدق هذه الإدعاءات وبُعدها أو قُربها من الحقيقة، ولكن نبحث فى محاولة بعض المشتغلين بالأبحاث الروحية من المسلمين أن يربطوا بين هذه الأبحاث وبين القرءآن الكريم.

وإذا كانت إستنباطاتهم تستقيم فى بعض الأحيان فإنها تنحرف فى أحايين أخرى، ونحن لا نريد لأحد أن يعتسف فى تأويل آيات القرآن بما يظن أنه المراد بهذا الرأى أو ذاك.

 

فالقرءآن عربى مبين، هكذا أنزله اللــه تعالى على العرب - فى أول الأمر - بلغتهم ليفهموه وليعملوا بما فيه، وعمل منهم من عمل وما كلفهم اللــه إلا بما فهموه من معانى القرءآن. فمحاولة التمحل فى تفسير آية من آياته لتدل على شئ خاص مما أظهرته هذه الأبحاث الروحية غير مأمونة العواقب وربما أدت إلى أن يوصف الباحث بأنه يقول على اللــه ما لم يقله سبحانه.

 

هذه لمحة من لمحات المفسر فخر الدين الرازى فيما نحن بصدده:

جاء فى تفسيره لقوله تعالى: " ن * والقلم وما يسطرون " : أن ( نون ) هنا آخر حروف ( الرحمــن) فإنه يجتمع من الرحمن (ن) اسم الرحمــن. هكذا فذكر اللــه هذا الحرف الأخير من هذا الإسم، والمقصود القسم بتمام هذا الإسم، وهذا أيضا ضعيف، لأن تجويزه يفتح باب ترهات الباطنية.  إنتهى

فالإمام الرازى يرد مثل هذا التفسير المتعسف خشية أن يفتح للناس ضروبا من الآشياء الغريبة فى تفسير القرءآن الكريم، كما كان يفعل الباطنية، فقد كانت لهم تأويلات ليس فى باب الغرابة والتكذيب أبعد منها فكانوا يفسرون القرءآن، على ما يؤيد معتقداتهم الفاسدة. وقد كان الرازى دقيقا ومحقا حين سمى تفسيراتهم ( تراهات ).

 

ولكن الحق أن هذه التفسيرات التى لجأ إليها بعض من كتب من الباحثين فى الروحية لم تكن ، فيما اعتقد، عن قصد سيئ وإن كانت بعيدة عن الحق، وأخطر ما فيها أنها تدل على إتجاه غير محمود فى فهم كتابنا العزيز.

فينبغى أن يعلم أن الزج بالقرءآن فى كل معترك إختصم فيها العلماء حول ابحاث لم تثبت بالدليل القاطع صحتها ليس مما يؤمن معه العثرات التى تجعل المؤول على خطر ، فهذه القوانين عرضة للتطور والتغيير وما لم يكن المراد واضحا فان التمحل خطأ بَيِّن، وانحراف لا ينبغى أن يقر لإتصاله بكتاب اللــه الكريم.

 

جاء فى بعض هذه الكتب أن العلم الحديث أثبت أن لكل إنسان هالة أى جوا أو طيفا يحيط بجسمه، ويتحرك معه ولا يراه. هذه الهالة تمتد حول الجسم بمقدار نصف المتر أو المتر فى الشخص العادى  وتزيد عن ذلك كثيرا فى الشخص الموهوب. وتقول الأرواح كما يزعم من يتكلم فى هذا الموضوع، أن موضع العقل الروحى يرتفع حوالى عشرين سنتيمترا فوق الرأس.  

 

هذا الكلام لا نصدقه ولا نكذبه، ولا إعتراض على من يقوله أو يعتقده ولكن الخطأ بعد ذلك فى ربط هذا الكلام بآيات القرءآن الكريم.

أحد مؤلفى هذه الكتب يقول: أنه يعتقد إعتقادا جازما أن هذه الهالة ما هى إلا جلد نورانى للإنسان هى الجلد الذى يشهد على صاحبه فى الحياة الدنيا وفى الآخرة، والذى جاء ذكره فى الكتب السماوية:

 "  وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" فصلت 21

 

وليس يشفع له فى ذلك أن يؤكد وجود هذه الهالة وإنها يمكن تصويرها بأجهزة خاصة. والجلود كلمة معروفة فى لغة العرب واللــه خاطب العرب بهذه اللغة المعروفة لهم، فكيف تدعى للجلود معنى ليس فى هذه اللغة التى خوطبوا وتحدوا بها. وأشد خطرا من ذلك أن هذا الكاتب يقول: انه يعتقد إعتقادا جازما أن هذا هو المراد أى أنه يجزم بمراد اللــه تعالى.

ثم يستطرد فيرى أنه رأى الثقل الروحى أى مركز الهالة قريبا من الرأس وعلى هذا وجد تفسير الآيات القرءآنية التى نزلت فى هذا المقام، مثلا قوله تعالى: "  وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ

وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا *  اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا " الإسراء 13،14

 

ونظرة واحدة من ملاك، يقول الكاتب، تكشف له عن طبيعة الشخص الذى يتولاه ويستند إلى الاية الكريمة التى تقول:

"  وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ " الأعراف 46

وأيضا "  يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ " الرحمــن 41

وكذلك يستشهد بهذه الآية "  وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " المؤمنون 62

فالسيمـاء ( بِسِيمَاهُمْ ) والكتاب (وَلَدَيْنَا كِتَابٌ )  إنما هى الهالة التى قالت بها الأرواح.

ويقول أيضا، أن سكان العالم الروحى الذين أفاقوا وأدركوا الحياة الروحية الصحية فى نشاط دائم، وأنهم مسَخًّرون، مع أهل السماء، لمعاونة أهل الأرض وأن اللــه سبحانه قررعودة سكان السماء أى العوالم الروحية لأهل الأرض ومساعدتهم يقول تعالى: "  وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ " الطارق 11

 

هذا فهمه وهذا تفسيره، فهو يريد أن يثبت النظريات الروحية بالإعتماد على قول اللــه تعالى، ولهم أن يروا ان الأرواح تعاون أهل الآرض فى ميادين مختلفة، ولكن ليس لهم أن يوهموا أن هذا الذى رآه ( علمهم الحديث ) هو مراد اللــه تعالى.

وكلمة الرجع لها ثلاث تفسيرات: ذات الرجع أى ذات المطر، ورجع السماء إعطاء الخير الذى يكون من جهتها حالا بعد حال على مرور الأزمان ترجعه رجعا أى تعطيه مرة بعد مرة، والرجع هو رجعتها شمسها وقمرها بعد مضيهما، وأكثر المفسرين على الرأى الأول. واللــه أعلم

ولكل إنسان أن يفهم آيات القرءآن فى حدود المعانى اللغوية على ما يستطيع ذهنه أن يدركه، ولكن الخطأ أن يتخذ القرءآن وسيلة لإثبات نظريات عملية ليست فى مدلولات ألفاظه. وإذا كان لهذه النظريات أن تروج بين المتدينين بإتخاذ القرءآن وسيلة من وسائل الترويج فهذا خطأ بيِّن، وإنحراف لا يقره مسلم.

 

ونرى أن نفس الكاتب يردد ما قاله أحد زملائه عن ( الهالة ) ويزيد عليه أنه ورد فى القرءآن الكريم ذكر لهذه الهالة ووصفها اللــه سبحانه وتعالى بأنها نور ينبعث من المتقين: " يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " الحديد 12

والأرواح تقول لهم : ان الهالة مقياس دقيق للصحة الروحية وأن فيها الألوان المختلفة من اسود إلى أحمر إلى قرموزى إلى ازرق، فهى تدل رائيها على جميع صفات صاحبها من أخلاق وصحة وتاريخ أى منها ( صحيفة الأعمال ).

ولا يمنع أن تكون الأعمال نورا، وان يخلق اللــه نورا كهذا النور المعروف يسعى بين ايدى المؤمنين وبأيمانهم، ولكن لا يمكن أن نقول : أن هذا النورهو هذه ( الهالة ) التى أخبرت عنها الأرواح، وخبر الأرواح لا يزال موضع شـــك.

 ويتشدد هذا الكاتب فيمنع أن يكون المراد ( برحمة اللــه) تخفيف الجزاء، أو تكفير الخطايا، ولكنها عنده ما أرسله اللــه إلينا من رسالات سماوية توضح لنا الخير والشر، وهى ( كما يقول ) ما حقق لنا من إتصال بعوالم الروح لنسترشد بها فيما ينفعنا فى مستقبل حياتنا الروحية.

 

فالأرواح أخبرتهم بأن الطفل الذى يُغادر الأرض صغيرا ينمو حتى يستكمل رجولته أو أنوثته، فإذا ما بلغ هذا الطور ظل كما هو رجلا كاملا تام النمو أو إمرأة كاملة النمو وأن له هناك مدارس وكليات ويبحثون عما يؤيد ذلك فيجدونه فى قول النبى عليه السلام عند موت ولده إبراهيم، وقد بلغ ثمانية عشر شهرا : " ان له لمرضعا فى الجنة " .

 

أخيرا، لا نريد أن ندخل فى بحث تفصيلى عن تفسير القرءآن بالرأى أو إستخدام القرءآن فى إثبات النظريات العلمية أو فى الإشارة إليها، وإنما نريد أن نقول: أنه لا ينبغى مطلقا ان نحاول إعتساف التأويل ظانين ان ذلك يخدم قضايانا أو يخدم القرءآن الكريم.  واللــه سبحانه وتعالى هو الهادى إلى صراطه المستقيم.

 

أما كرامات الأولياء والأقوال التى تحكى عنهم يجب النظر فيها قبل تسجيلها فى الكتب و إذاعتها على الناس ولا ينبغى أن تكلف القارئ أن يتلمس لها التأويلات، فليس كل قارئ بقادر على أن يعرف مرامى الأقوال البعيدة، بل أن القارئ المثقف ليحار حيرة شديدة حين يحسن الظن بهذه الأقوال، وأصحابها الذين صدرت عنهم حين يكلف نفسه التماس التأويلات لها. والمغالاة فى رفع هؤلاء عن درجاتهم، والغلو فى وصفهم بما لا يقبله مسلم صحيح العقيدة ليس من التفكير الدينى السليم.

وماذا ينقصنا فى ديننا أن نحن جهلنا حديث هؤلاء عن أنفسهم أو حديث أتباعهم عنهم؟

هذه الأحاديث التى تحمل الإنسان المنصف المتمسك بدينه على أن يتنكر لها ويظن بها الظنون.

حين أخذت فى قراءة كتاب ألفه أحد العلماء فى الثناء على شيخه، وعلى أصحاب شيخه، فرأيت فيه من الأقوال ما لا ينبغى أن يصدر عن عالم مثله.

 

والمؤلف – كما يقول عنه ناشر الكتاب – ( حامل السر المحمدى، ووارث النور الأحمدى، ومرجع التحقيق، وقد كان عضو المحكمة العليا بإحدى المدن العربية ) وقد أُخذ عنه – كما يقول الناشر – كثيرون فى مشارق الأرض ومغاربها من كبار العلماء والأدباء وذوى الرأى، وله تأليف فى جميع الفنون معقولها ومنقولها.

ويكفى أنه نظم كتاب (الشفا ) للقاضى عياض فى نحو ثمانية آلاف بيت، مما يدل على سعة إطلاعه وفهمه.

ولنعرض بعض ما ورد فى كتاب من كتبه مما نعده مغالاة فى أمور كان ينبغى أن يتحرج منها عالم مثله.

وفى المقدمة يقول ناشر الكتاب عن بعض الشيوخ: " وهو الذى كان الغاسل يغسله وهو يقرأ معه صلاة الفاتح" ، ويقول عن آخر: " وكان مشهورا بالفتح، وهو ممن يجتمع بالمصطفى صلى اللــه عليه وسلم فى اليقظة."

ومعنى العبارة الأولى أن ذاك الشيخ بعد أن فارق الحياة كان لسانه يردد صلاة الفاتح من غاسله، ومعنى العبارة الثانية أن النبى عليه السلام لا يزال يجتمع ببعض الشيوخ فى يقظتهم، وكلا الأمرين مما لا يقبله إلا المغالون. وصلاة الفاتح ورد مشهور فى الطريقة التيجانية.

 

نقل مؤلف الكتاب عن – شيخه – فقال: وأما سيدنا رضى اللــه عنه فقال: أخبرنى سيد الوجود صلى اللــه عليه وسلم بأنى أنا القطب المكتوم، منه الى مشافهة لا مناما. والقطب المكتوم فى رأى هذا الشيخ هو الذى حاز ما عند أولياء من الكمالات الألهية والأسرار الربانية، واحتوى على جميعها.

ثم يقول المؤلف : - وقد قال لى سيدنا رضى اللــه عنهما كشف اللــه لأحد من الأنبياء عن بواطنها وأسرارها وخباياها وعلومها إلا لسيد الوجود صلى اللــه عليه وسلم وأنا معه، وأما غيرنا فيعلم ظواهرها فقط - . وهو الذى قال - ان الفيوض التى تفيض من ذات سيد الوجود صلى اللــه عليه وسلم تتلقاها ذوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكل ما فاض وبرز من ذاتهم تتلقاه ذاتى، ومتى يتفرق على جميع الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ فى الصور، ولى علوم خُصِّصْت بها بينى وبينه بلا واسطة لم يكن لأحد بها علم ولاشعور إلا اللــه عز وجل -.

 

وأيسر ما يقال فى هذا الكلام أن صاحبه يفضل نفسه على جميع صحابة رسول اللــه عليه السلام. وإذا كان الشيخ يشطح فى بعض أحواله بما لا يليق أن يصدر عنه (يقظان) أفما كان الواجب على (تلميذه) وهو عالم جليل أن يستر هذا القول على شيخه؟

وأبعد من هذا فى (الشطح) ما نقله المؤلف عن شيخه من إدعائه ( أن أصحابه لا يدخلون المحشر مع الناس فيما لها من عظمة ). بل أنه- أعنى شيخه – يتجسر فيقول: ( ان صاحبى لا تأكله النار ولو قتل سبعين روحا إذا تاب بعدها ).

ويزيد فيقول: ( ليس لأحد من الأولياء أن يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب إلا أنا وحدى، ولو بلغوا ما بلغوا من الذنوب، وعملوا ما عملوا من المعاصى ).

 

ويتطوع ناشر الكتاب فيطلعنا على السر عز وجل فيقول معلقا على هذه العبارة الأخيرة: ( فقد سأل اللــه عز وجل أن لا يموتوا إلا على التوبة والولاية ) فناشر الكتاب يؤكد مقال شيخه، ويجزم بأن دعوته أجيبت، وأن جميع الأتباع يموتون على الولاية، فهم يدخلون الجنة بغير حساب مهما بلغوا من الذنوب، وعملوا من المعاصى.

ولا يكتفى الشيخ بأن يشفع فى أتباعه، بل هو يزعم أن اللــه أعطاه الشفاعة فى عصره، يشفع فى أهله إلا من أبغضه فإنه لا يموت إلا كافرا، ولو حج وجاهد. ويدعى الشيخ أن كل هذا من سيد الوجود بوعد صادق.

ويستطرد الشيخ فيقول: قال لى سيد الوجود صلى اللــه عليه وسلم: كل من نظر فى وجهك يوم الجمعة ويوم الإثنين دخل الجنة بغير حساب.

وعبارة الشيخ مطلقة، فيدخل فيمن رأوه فى هذين اليومين المسلم، الكافر، الوثنى، النصرانى، واليهودى، فكل هؤلاء لا يحتاجون فى دخول الجنة إلا إلى النظر فى وجه الشيخ يوم الجمعة ويوم الإثنين. ويعود الشيخ إلى تفضيل نفسه على جميع العلماء والأولياء والعباد فيقول: ( أعطانى اللــه السبع المثانى ما لم يعطه إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام).

 

فلعل القارئ قد أدرك مدى الإنحراف فى إدعاء هذه المزاعم التى تضلل العامة وأشباه العامة، ولا تتفق مع الأصول الصافية القويمة للدين الإسلامى الواضح المستقيم.

 

هذه بعض لمحات من كتاب وصل عدد صفحاته إلى خمسمائة وخمسين صفحة، وقد طبع فى القاهرة بلد ( الأزهر الشريف ) وفى هذه الأيام التى تعمل كل أجهزة الدولة فيها على تصفية من ينادى بالحق والعدل وإعلاء كلمة اللــه وإتباع ما أنزل اللــه على الرسول الأمين. ومع ذلك فلا يستحى أحد من نشر مثل هذا الكتاب: " كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التيجانى من الأصحاب ".

وندعو اللــه السميع العليم أن يهدينا إلى صراطه المستقيم ويجعل كتابه الكريم دستور أيامنا ويشملنا برحمته وعفوه ورضاه .

اجمالي القراءات 16986