ثلاثة من أربعمائة!
ثلاثة من أربعمائة!

ابراهيم عيسى في الأربعاء ٢٤ - ديسمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أجرت مؤسسة أمريكية دراسة عن الخبراء الذين ظهروا في برامج شبكات الأخبار الأمريكية الرئيسية قبل أسبوع من ضرب أمريكا للعراق فوجدت الدراسة، والعهدة علي العالم المفكر نعوم تشومسكي (أحد أهم ناقدي السياسة الأمريكية في العالم ومعارض صلب لإسرائيل رغم يهوديته) أن ثلاثة فقط كانوا ضد الحرب علي العراق من بين ثلاثمائة وثلاثة وتسعين خبيرًا استضافتهم المحطات، تقريبًا ثلاثة يرفضون من حوالي أربعمائة يوافقون، إذن كان الاختيار منذ اللحظة الأولي متحيزًا لمن يوافق، وكاdil;ن الاختيار ساعيًا كي يظهر الجميع في درجة الإجماع علي الحرب ومن ثم استبعد من يقول كلامًا مغايرًا ومخالفًا، هكذا بالضبط يتم غسل الدماغ من أول ضرب العراق بالصواريخ والقنابل إلي ضرب بوش بالجزمة، وفي أي موضوع تافه أو جاد، محلي أو عالمي، ضع علي التليفزيون وفي الصحف خبراء يكتبون ويقولون ويكررون نفس الكلام، ودع الناس تشاهد وتقرأ وستصدق أي كلام فارغ مادام يتكرر ومادام وحده علي الساحة!!

لذلك عندما أجد الجميع تقريبًا يكتبون في موضوع واحد بطريقة واحدة وبرأي واحد أشعر أن ثمة خطرًا، وبمجرد ما ألاحظ أن ثمة «كورس» يغني لحنًا واحدًا في برامج التليفزيون المسائية أدرك أن ثمة مصيبة.

أسوأ ما يجري في حياتنا عندما نقول كلامًا متشابهًا في موضوع واحد وتكرره ست سبع برامج مع تمن تسع ضيوف أو ست سبع أعمدة رأي علي عشرة مقالات في يومين، قل فيها أي أكاذيب فقط بإلحاح وبتكرار وبنفس الأفكار وسوف يعتقد الناس أنها الحقيقة!!
هذا ما يجب أن يفهمه القارئ أو المشاهد، أن وراءه ربما خطة مرسومة (أو عشوائية) وأوامر موجهة ينفذها البعض بالتزام مدفوع والبعض الآخر يتورط بحسن نية والإعلام عمومًا ينتحر حين يمشي مع الرائج وحين لا يشغل دماغه وحين ينفذ التعليمات، والجمهور يتم تشويش عقله وتشويه رأيه حين يستسلم لما يتردد ويصدقه لأن معظم من يراهم في التليفزيون يقولونه، القاعدة في الإعلام أن الإلحاح هو طريق التأثير في الناس والكذبة عندما تكبر وتتكرر فإنها تتحول عند الأغلب الأعم من جمهور التليفزيون والصحف إلي حقيقة.

المشكلة عندما يصدق الناس كذب الإعلام وعندما ينساق الإعلام لغوغائية وغرائز الناس، هذا التضليل لا يختلف في الدول الكبري أو الصغري ولا في الصحافة المملوكة للدولة أو الصحف الخاصة، فيمكن للدول الكبري أن تستخدم الإعلام في لحظات الاحتياج الكبري إليه، ومُلاّك هذه المحطات بشكل أو بآخر وبدرجة أو بأخري يخدمون نفوذهم ومصالحهم قبل أن يخدموا وطنهم، ثم هناك من يتصور أنه وطني وصاحب رسالة لكنه يحول بلده إلي جحيم لمجرد حماقة جاهلة يؤمن بها.

الأمر أنيل في مصر فوسائل الإعلام مملوكة مباشرة للدولة ومن يعمل بها موظف في خدمتها وتحت أمرها، ولا تُبرأ الصحف الخاصة والفضائيات ومواقع الإنترنت من اختلاط أهواء وأغراض (وأمراض) أصحابها أو القائمين عليها مع المادة التي يقدمونها للقراء أو المشاهدين فينتهي الأمر بتزييف وعي وإضعاف مناعة النقد والتفنيد والتحليل للعقلية المتفرجة والقارئة خاصة.

ولعل أكثر تعبير تسمعه في الوطن العربي منذ ولدتك أمك هو وحدة الصف أو صف واحد، أو نقف صفًا في مواجهة التحديات، أو إنهم يحاولون شق الصف، الصف يعني الطابور، يعني ناس واقفة تسمع الأوامر وتنفذ، يعني عسكرة الدماغ والمشي بالتعليمات، ولهذا الناس عندنا لا تريد أن تفكر ولا تشغل عقلها ولا تبحث عن الحقيقة ولا حتي تبادر وتجتهد، الناس عايزة تشوف الصف وتقف فيه.. فأرجوك تزحزح قليلاً واترك مساحة لزميلك القادم نحوك لتقولوا نفس الكلام وتكرروا نفس الأفكار في نفس الصف!!
اجمالي القراءات 10041