لا للحرية

شريف هادي في السبت ٠٨ - نوفمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

نحن شعوب لا نستحق الحرية ، لقد كان إهتمامنا بل وهمنا في الفترة الأخيرة من سيفوز بالانتخابات الأمريكية ، أوباما (حسين) أو ماكين ، وكأن القيامة ستقوم غدا لو تمكن ماكين من الفوز ، وكأن الرخاء والديمقراطية ستعمان العالم لو فاز أوباما ، ولو كنت أمريكيا ما أنتخبت من وضع العرب على أجندته ، وطالب بمنحهم الحرية ومعاملتهم وفقا لميثاق حقوق الإنسان وبحقهم في الديمقراطية ، والمرشح للرئاسة الأمريكية الذي يطالب بذلك حري أن يسقط ويفشل ، لماذا تمنح شعوب الحرية وهي لا تريده&ng;ا؟ ولماذا نمنحهم الديمقراطية؟ وهم يلعنونها ليل نهار ، ولماذ نطالب بمنحهم حقوق الانسان؟ وهم سعداء بحقوق الحيوان بل أقل
أعرف أن الدنيا ستقوم ولن تقعد لهذه الكلمات ، ولكن لن يرهبني ذلك عن قول الحق ، أنظروا إلي شعوب تمكن حكاما أفرادا من رقابها عشرات السنين مهما اختلف المسمى – الأخ القائد أو الرئيس المؤمن أو بطل الحرب والسلام أو الملك الخادم أو الشيخ الـ..... – إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ، ثم إنكم تلعنونه سرا وتلهث ألسنتكم بالدعاء له جهرا ، تدعون عليه في سرائركم وترفعون أكف الضراعة لله أن يبقيه لكم زخرا خلف أئمتكم ، وحتى عندما أجبره المجتمع الدولي على قبول ترشيح غيره أمامه انتخبتموه أو إثاقلتم إلي الأرض فلم تنتخبوا غيره ، من وثق فيكم وراهن عليكم فخذلتموه ثم رحتم تمصمصون شفاهكم حسرة عليه وهو يواجه مصيره المحتوم لأنه تجرأ وراهن عليكم وأنتم الرهان الخاسر ، وتفلت الفرصة من أيديكم للتغيير الديمقراطي والتي منحها لكم المجتمع الدولي الذي تلعنون كفره ، وتؤمنون أنه شرا لا خير فيه ، ثم تطالبون بفرصة أخرى بل بفرص أخرى ، وأنتم في الحقيقة لا تريدون فرصة بل تريدون تغييرا ، تيريدون قائد مكان قائد ، وزعيما بدل زعيم ، وديكتاتورا مكان ديكتاتور
لقد سمعكم قائدكم وزعيمكم وطاغيتكم تصيحون نموت نموت ويحيا الزعيم ، فلم يؤخر لكم طلبا ففتح لكم السجون والمعتقلات وأستضاف أكثركم في رحلته الأخيرة قبل الموت في زنازين تأنف منها الكلاب والحشرات ، وأعد لكم وجبات شهية من الضرب والركل ، مستخدما أحدث ما تفتق عنه الزهن البشري المريض من أدوات تعذيب وأجهزة سحل ، حتى يمنحكم الموت الذي ترغبون ، فيا له من كرم
كيف تنتظرون أن يمنحكم الرئيس الأمريكي الحرية ، وقد أطلق رئيسكم المفدى هامان وجنوده عليكم فراحوا يستنزفون أموالكم رشوة وكرامتكم عاليها بتصفيق أيديهم الغليظة على أقفيتكم ، وسافلها بركل نعالهم الوسخة مؤخراتكم ، ويهتكون أعراضكم بوضع عصيانهم في أشراجكم ، ثم يستبيحون دماء الضعفاء منكم
أما عن الاقتصاد فحدث ولا حرج ، وعدكم بالرخاء ، وأنتم لا تعرفون كيف تسيطرون على الغلاء الذي أنكويتم بناره ، ويا ليتها وقفت على باب الغلاء ولكنها الندرة أيضا التي أوقفتكم في طوابير الخبز لا تجدوه ، تعملون ليل نهار لتحصلوا على لقيمات لا تكفي لكي تقوم أصلابكم ، تعملون ليل نهار لحل المعادلة المستحيلة بين الأجور الزهيدة التي تفضل عليكم بها زعيمكم وبين نار الأسعار التي تنكون بها في معاشكم
والثقافة أصبحت وافدة ، ولكل من فكر وباح لسانه أو قلمه بما شغل فكره فله زنزانة جاهزة لإستقباله ، وعصا مستعدة لمؤخرته وكهرباء لتنير له ظلام الجهل بداخلة للمرة الأولى والأخيرة ثم قبر يلملم أشلاءه وإذا كان سعيد الحظ فيبقى هيكل عظمي وبقايا أدمي ليحكم عليه قاض من المحاسيب بالسجن بعد الاعتقال .
حسمت جميع الشعوب قضية الحرية ثم راحت تنتج وتضيف ، حتى الصين وجدنا على المنصة الرئيسية في حفلات الألمبياد رئيس حالي ورئيس سابق جنبا إلي جنب ، ولكنكم حتى الآن لم تحسموا قضية التوريث ، وأصبحتم محكومين بحكم الرئاسة الوراثية يذهب العجوز ليأتي الشاب ، وكلاهما ملهم ، لديكم نوعان من الرؤساء ، الرئيس الحالي والرئيس الذي انتقل إلي رحمة الله ، لا يوجد في قاموس حياتكم الرئيس السابق ، وكأن بلادكم قد عدمت الرجال
وماذا عن طعامكم المسرطن والمرشوش بالمبيدات الحشرية والتي إستوردوها خصيصا ولها قوة قتل ثلاثية أنتم وبهائمكم والحشرات ، فراحت تعمل مفعولها فيكم من سرطان لفشل كبدي لكل أنواع الأمراض وفي بهائمكم من جنون للبقر لأنفلونزا للفراخ والطيور ، وبقيت الحشرات ترعى في حقولكم ، والماء الذي تشربون أنزله الله من المزن صافيا فأصابته يد العبث فحال أسودا قذرا كدرا ، ينتظركم الفشل الكلوي مع كل شربة ماء وأصبح لديكم مصطلح الغسيل لا يعني غسيل الملابس القذرة أو الأيدي المتسخه ولكن يعني غسيل الكلى المريضة الملتهبة ، بل والأدهى والأمر في بلد النيل توجد قرى كثيرة بل ومدن لا يصلها الماء أبدا ، فأين الماء؟ ، والسحابة السوداء التي لا يعرفون مصدرها ، ولا ولم ولن تنتهي أو تزول ، مرض على مرض ، فأمراض الصدر والحساسية والسل والإلتهاب الرئوي والشعبي في أنتظار القلة القليلة التي نجت من السرطان بسبب الأكل والفشل الكلوي بسبب الشرب وجدت نفسها مع السل وجها لوجه بسبب التنفس
فماذا إذا عن حياتكم اليومية ، يخرج الرجل منكم إلي عمله صباحا لا يعرف إلا الله وحده إن كان سيعود لبيته سالما أم سيحترق داخل قطار مكتظ يفتقر لأبسط قواعد السلامة أو سيغرق في عبارة صنعوها خصيصا للحجاج حتى يعودوا إلي الله كيوم ولدتهم أمهاتهم ، أوينال الشرف والشهرة بالموت تحت عجلات سيارة مسرعة لأبن مسئول من المحاسيب ، أو خنقا في ميكروباس علبة السردين أفضل منه ، أو يواجه لجنة من الشرطة فيسومونه سوء العذاب يستبيحون منه العرض والبدن والمال ، ولو عاد فلا ضمان أن يموت تحت أنقاض بيته المتهالك والذي سمحوا بتعليته بالمخالفة لقواعد الأمان أو تحت أحجار الجبال التي تحركت ضجرا وزهقا وتمردا على ما تراه يحدث أمام ناظريها فألقت بأحجارها التي لم تقع إلا على رؤسكم وأنتم تستحقونها أيما إستحقاق ، لخضوعكم وخنوعكم وتثاقلكم الذي أصبح أشد وطئة من تثاقل الجبال الأوتاد ، فكرتم في المستحيل وهو الهروب من هذا الجحيم في مركب صيد تلقيكم قبالة السواحل الأوربية على بعد عشرة أميال أو يزيد لتسبحوا حتى تصلوا لبلادهم ، فينجوا من كل مائة واحد فقط أو اثنين والباقي يروح طعاما للأسماك ، ولم تفكروا في الواقع وهو التغير السلمي ، وهو أن تقولوا لا لكل ما يحدث لكم وفيكم أين صراخكم بـ (لا) بدلا من نباحكم بـ (نموت نموت ويحيا الزعيم)
فماذا لو سافرتم للخارج ، طبعا البلاد لا تريدكم والعباد يلفظونكم ، ولو منحتكم بلد تأشيرتها فحملتم جوزات سفركم وذهبتم ففي كل مطار أو ميناء أنتم مشبوهون ، وفي كل بلد أنتم ملفوظون ، جوازات سفركم أصبحت سبة في جبين من يحملها ، وإذا تعرض أحدكم لمشكلة فأولى به ألا يلجأ لسفارته لأنها ستكون عاملا مساعدا على تعذيبه وإهانته ، وإذا عاد لبلده فإن تقريرها الأمني يسبقه فيحتفلون به في المطار عند عودته ، لو أنك في بلدك ووقعت مشكلة بينك وبين أجنبي من بلاد الواق الواق فسينصرونه عليك لأنه أجنبي ونحن بلد سياحي والأجنبي عندنا قديس لا يكذب ، ولو ذهبت لبلده الواق الواق ووقعت نفس المشكلة بينك وبينه فأيضا سينصرونه لأنه ابن البلد ، فأنت في جميع الحالات مذلول منبوذ ، ولو عيشت كما يقولون (جنب الحيط) فسيصيبك إستهانة سلطات البلد الأجنبي ببلدك في قوانينها وقراراتها ، والسفارة لا حياة لمن تنادي ، عندما تذهب لمطاراتهم وموانيهم تجد ابن البلد لديهم له معاملة خاصة في إنهاء الإجراءات بسرعة وبإحترام بالغ ، والأجنبي مثلك لاسيما من يحمل جواز سفرك ، له أيضا إجراءات خاصة قد تستغرق عدة ساعات أو أيام وأنت متهالك على كرسي بالترانزيت لشكهم فيك وعدم إحترامهم لك ، فإذا عدت إلي بلدك الأصلي يبقى الأجنبي صاحب المعاملة الخاصة في الدخول والسرعة في إنهاء الإجراءات ، وتبقى أنت ذليل المعاملة الخاصة أيضا ، فأين المفر؟
قولوا لي بالله عليكم من أنتم؟ ، هوائكم ملوث بالسحابة ومائكم ملوث بالفيروسات وطعامكم ملوث بالسرطان والأمراض فهل أنتم غير ملوثين؟؟؟ ، وبعد كل ذلك تنتظرون التغيير القادم من أقصى الغرب ، على يد الرئيس الجديد أوباما ، وكأن لديه العصا السحرية والتي ستقلب حياتكم نعيما وستنظف لكم الهواء والماء والطعام ، وكأنه سيغير لكم حكامكم ، وسيرقق عليكم قلوبهم ، وكأن هامان سيموت رعبا منه وأذنابه وسياطهم ستتبدد في الهواء بغير رجعة ، والنار التي أتت عليكم ستنطفئ والجبال التي تمردت فقتلتكم تحت صخورها ستستكن ، والبحار التي غرق فيها فلذات أكبادكم ستعيدهم إليكم .
مشكلتكم ليست من سيكون رئيس أمريكا ، بل مشكلتكم من سيكون رئيسكم ، لا يا أوباما لا تتخذ الخطوات لمنحهم الحرية فهم لا يستحقونها إلا أن يطلبوها ممن سلبها ، لا تمنحهم الديمقراطية فهم لا يعرفونها إلا أن يسبحون بحمد الله الذي خلقها ، فلو أعطيتهم ألف حرية فسيخسروها الواحدة تلوا الأخرى فهم أفذاذ في صناعة الطواغيت ثم عبادتهم ، ولو منحتهم ألف ديمقراطية سيلعنوها ويتلذذون بالديكتاتورية ، فداخل كل منهم ديكتاتور صغير قابع في نفسه ، فأصبحوا جميعا (حضانات للديكتاتورية) ، ولو أخذوا الفرصة فستظهر ديكتاتورياتهم للعلن ، في بيوتهم وبين أبنائهم ومع أزواجهم أو في أعمالهم ومصالحهم الحكومية ، أو حتى في عباداتهم في مساجدهم وكنائسهم وبيعهم بداخل كل منهم ديكتاتور حتى في صلاتهم ، لو وقف مصلي بجوار آخر منهم أحدهم مسبل يديه والأخر يضمها إلي صدره فالنهر بالأكواع سيبدأ أثناء الصلاة والنقاش بعدها والنهاية في أقسام الشرطة أو المشرحة ، من لا يعبد الله بطريقتي فهو كافر زنديق وكله مباح ، أفبعد ذلك يطلبون الديمقراطية؟ وهي عندهم كفر .
الألم يعتصرني ويكاد عقلي يجن ويصيبني الهم والمرض كلما فكرت في أحوالكم ، فالمصيبة أني أحبكم والبلوى أني منكم ولا يصح أن أكون من غيركم ، لا تنتظروا أوباما لينقذكم ، ولكن يجب أن تنقذوا أنفسكم بأنفسكم فهل من مجيب.

اجمالي القراءات 14460