الدين والطائفية
لاعلاقة للدين بالطائفية

زهير قوطرش في السبت ٢٥ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

لاعلاقة للدين بالطائفية.

كثرت في الاونة الأخيرة لقاءات حوار الاديان أو بالأصح حوار الديانات ،لأن الله لم يرسل أدياناً ،ومن أطلق هذا المصطلح كان يعني من ورائه مصلحة سياسية لادينية. وحوار الديانات استغلته بعض الابواق الاعلامية الغربية والاسلامية ،وكأن هذا الحوار سيحل مشكلة الارهاب العالمي ومشكلة الطائفية ،وسيحل مشاكل الشعوب الاقتصادية والاجتماعية .
هنا لابد لنا من التفريق مابين الديانة، والطائفة التي تمثل هذه الديانة أو التي تزعم أنها تمثلها  .
&l
الدين هو الفطرة الانسانية ، هو حالة تراث ووعي إنساني تعود الى القرون الوسطى وما قبلها منذ خلق الانسان، هو أيضاُ تسليم وإيمان ،لدى الناس الذين لديهم رؤوية كونية للأسئلة الغيبية .هو شعائر وعبادات تمارس باشكال مختلفة ،هو قيّم أخلاقية ، هو العلاقة بين الله والانسان والطبيعة وما عليها.كل هذه المعاني لاعلاقة لها بالارهاب ولا بالسياسة التي هي علم ادارة الصراع حسب المصالح.ولا علاقة لها بالطائفية التي أستطيع أن أعرفها بأنها "تسيس للدين"

. فحوار الاديان هنا يقصد به حوار الديانات السماوية الثلاث . ولا أعتقد أن هذه الديانات بقيمها المشتركة بحاجة الى حوار لكي تتعايش مع بعضها. فالتاريخ أثبت لنا أن هذه الديانات يمكنها أن تعيش وتتعايش معاً ،وقد تأثرت فيما بينها ،وجمعتها عقيدة التوحيد ،وجمعتها الوصايا العشرة التي تمت توسعتها بخاتم الكتب في سورة الانعام من الآية 151"-153 " ،تشترك هذه الديانات حتى ببعض الامور الفرعية . لكنها تختلف في التفسير البشري للكتب السماوية . تسيس هذه الديانات فرض الصراع مابين افراد الديانة الواحدة ،والنتيجة تشكيل طوائف دينية متناحرة ،لا بسبب الدين ولكن بسبب السياسية والمصالح السياسية ، و كل طائفة كانت ومازالت تحاول استقصاء الطائفة الأخرى لتكون لها السيادة الدنيوية ، باسم الدين الطائفي ،وباسم الفرقة الناجية حدثت المجازر الانسانية ،واستعبد الانسان أخيه الانسان بل وقتل الإنسان أخيه الإنسان..

التاريخ دائما هوالارشيف المعبر عن التفاعلات البشرية خلال المسيرة الانسانية ،ونستطيع من خلال الاحداث التاريخية الحكم على الحاضر ورؤية المستقبل . فالأمبراطورية الرومانية المسيحية مثلاً انقسمت فيما بينها وقضى الصراع الطائفي والمذهبي على أرواح العديد من الابرياء ،كل ذلك تم باسم الدين والدين من ذلك براء،والامة الاسلامية حدث ولا حرج فقد عانت الامة منذ وفاة النبي عليه السلام والى يومنا هذا من انقسامات خطيرة وكبيرة وحروب لاتعد ولا تحصى ،هل كان الدين هو السبب؟ ابداً أنه الصراع الطائفي والمذهبي .

الاسلام بحقيقته الساطعة جاء بتعاليم وقيّم ،لفائدة الانسان ولصالح تطوره ،جاء بالحرية الدينية ،التي لم تعرفها البشرية. جاء الاسلام بتعاليم جديدة "إنك لاتهدي من أحببت ،إن الله يهدي من يشاء" أي من يشاء الهداية وكان قلبه وعقله مفتوحاً لها "ولا أكراه في الدين" . ورفض الرهبانية ،التي فرضها على أنفسهم أصحاب الديانات السابقة ،وجاء يحث على العلم "أقرأ وربك الأكرم" .لأنه في القراءة والمعرفة والعلم تحقق إنسانية الانسان ويتطور نحو المعرفة المطلقة. وليس المقصود بالعلم العلم الشرعي أو الفقه كما يدعي أصحاب النقل. بل العلم العام الذي تستفيد منه البشرية.

وهنا أحب أن اشير الى أن القرآن الكريم عندما تحدث عن اهل الكتاب .لم يقصد بالحرفية المتعارف عليها أنهم أي الذين نزل عليهم الكتاب و عندهم التوراة والانجيل فقط ،بل المفهوم يتعدى هذا التصور الى كون اهل الكتاب هم اهل العلم والمعرفة ،أي مايتضمنه كتابهم من علم ومعرفة ،وهم بذلك اصحاب العلم والمعرفة والثقافة ،ودعوة القرآن بالانفتاح على اهل الكتاب هي دعوة للانفتاح على ما لديهم من علم وثقافة.وأهل القرآن واتباعه ،ليس وصفاً لإناس يملكون القرآن في بيوتهم كأيقونة ،بل المعنى أن لديهم العلم والمعرفة القرآنية .هذه المعارف والعلوم التي حوتها الكتب السماوية ،هي الأساس والمرجعية التي أخرجت الناس من الظلمات الى النور .الى جانب المعارف والتجارب البشرية ، وكما ذكرت في مقالتي السابقة هذا القرآن الذي هو أخر الكتب السماوية لدين الله الواحد ،وحد القبائل العربية ،وحرر المرأة ،وحرم بيع الاطفال ،وحرر الرق ،واعطى للمرأة نصيباً في الارث كحق شرعي لها .وضمن حقها المدني في ابداء الرأي بالحاكم والشهادة
وضمن حقها حتى في الطلاق .الخ.

لكن من الذي حرف الدين عن مقاصده القرآنية ،من الذي أعاد المسلمين الى جاهلية القبيلة ،أليست الطائفية والمذهبية.التي تمخضت عنها كل المصائب السياسية والاجتماعية التي تمر فيها أمتنا .هل الدين هو الذي فعل بأفغانستان ما فُعل فيها. هل الدين هو الذي يدفع العراقين الى ارتكاب أكثر المجازر دموية . انها الطائفية البغيضة .الجندي اليهودي لايقتل الفلسطيني لأنه يهودي ،بل يقتله لأنه صهيوني ،وثقافته ثقافة الكتب الطائفية اليهودية الموضوعة لهذه الغاية.والمسلم لايقتل أخيه الانسان لأنه مسلم ،بل لأنه متأثر بقافة وتراث الجاهلية الاسلامية،ثقافة النقل بدون العقل ،ثقافة كونه أُمر بقتل من لايؤمن بتعاليم ديانته. . أنها الطائفية التي فرقت دين الله فجعلت أصحاب الدين ينسون حظاً مما ذكروا به ،وجعلته دين طوائف ومذاهب .

الدين ليس مسؤلاً عن الارهاب .الدين ليس مسؤلاً عن الجهل والتخلف. الدين ليس مسؤلاً عن الاستعمار ،الدين ليس مسؤلاً عن الاستبداد .لا علاقة للدين بكل هذه الامور .المسؤول الاول والأخير هي الطائفية المحلية والعالمية ، الاستعمار في العصر الحديث هو الذي يولد الطائفية ويغذيها في بلاده وفي العالم ونحن مُأهلون وعندنا القابلية نتيجة الجهل للرقص على انغامه . المخابرات الدولية هي التي تساعد على صنع المجازر الانسانية من أجل المصالح.السياسية والاقتصادية ....

الله عز وجل وصف النصارى الذين تفرقوا و أصابتهم الطائفية بقوله عز من قائل ."ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به .فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون".
هؤلاء النصارى الذين سموا أنفسهم بذلك ادعياء لنصرة الله .وقالوا لعيسى عليه السلام نحن انصار الله.انصار دين الله أنصار كتب الله أنصار انبياء ورسل الله .لكنهم  نسوا أو تناسوا ما أنزل عليهم من أجل تحقيق مصالح دنيوية فااختلفوا وفرقوا دينهم الى طوائف : نسطورية ،يعقوبية وملكانية ن،ثم كاثوليك ،أرثوذكس ،بروتستانت ...ومازالت عملية التقسيم جارية ...شهود يهوه ،الموحدين ..انصار التوراة ....الخ.
بعد أن قسموا دين الله ،وصاروا طوائف ومذاهب.... فأغرينا بينهم العداوة ،والبغضاء ....أليس هذا ماحصل معهم .وما يحصل حتى هذا اليوم .الكاثوليكي ..لايصلي في كنيسة البروتستانت ،الشرقي لايتحد مع الكاثلوليكي ...وصارت البغضاء والعداوة ترافق مسيرتهم كالغراء اللاصق ..وستبقى الى يوم الدين .

تعالوا نقيس ،على مبدأ القياس .... كيف قسم المسلمون دينهم ...لا أريد ذكر الطوائف والمذاهب لأنها أكثر مما تعد.... لكن ألسنا نعاقب على طائفيتنا التي أخترناها بأنفسنا . ولأنفسنا ...سنة ،شيعة ، صوفية و التفرعات المذهبية لكل طائفة الآ يحق علينا القول ،بأن الله أغرى بيننا العداوة والبغضاء الى يوم الدين .انظروا اليوم الى حرب الانترنيت مابين مواقع السنة ،ومواقع الشيعة .هل هذه الاتهامات الممتبادلة ،والألفاظ النابية والمخجلة التي تستخدم من قبل الطائفتين ....هل  نستطيع أن نقول أنه هذا هو الدين .هل هذا هو دين الله الواحد .دين التوحيد .

من كل ما تقدم ،وكوني أضم صوتي الى صوت الأخوة الذين حذروا اهل القرآن من أن يتحول موقعهم الى فرق ومذاهب قرآنية ،بحيث تعتبر كل فرقة أنها الفرقة الناجية ،وتتهم الأخرين بالكفر ...وهذا الخوف مصدره كون بعض الأخوة الذين تصيبهم حمية الجاهلية في نقاشهم وتعليقاتهم ،واعتبارهم أنهم هم الذين يملكون الحقيقة المطلقة دون الأخرين ،مع العلم أن اخوانهم الذين يخالفونهم الراي هم مثلهم من الموحدين والمسلمين والقرآنين أيضاً،لكنهم يختلفون عنهم في الرؤية والتفسير،كم كنت اتمنى على هؤلاء الأخوة أن يردوا على من يحب النقاش و الجدال الذي لاطائل منه ...بقولهم.... هذا رأيكم وهذا رأينا والله أعلم " وهذا المبدأ أقره الأخ الدكتور أحمد منصور امام كل الذين خالفوه في اجتهاده ورؤيته القرآنية التي خالفت أرائهم وتصوراتهم وقال لهم : الله يحكم بيننا يوم الحساب وبذلك نتجنب التحزب والعصبية ..التي ستولد طائفية المواقع الانترنيتية القرآنية مستقبلاَ
.

اجمالي القراءات 12865