مختارات من كتاباتى لدعم حرية الرأى والفكر والمعتقد

Inactive User في الجمعة ٢٤ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

مختارات من كتاباتى لدعم حرية الرأى والفكر والمعتقد (1) تهميش الآخر .. لماذا ؟

من أخطر الآثام التى يقع فيه الإنسان ويظنها سهلة ويسيرة ومقبولة تهميش الآخر المخالف لى فى الرأى أو الفكر أو المذهب أو العرق او الدين لأننى بهذا التهميش أسلبه حقأ إنسانيأ فى أن يدلى بدلوه فى قضايا عصره وأفكار زمانه , بل وأعتدى على كرامته وانتقص من إنسانيته فيغدو عدوأ لى يتجنب مجلسى ويبتعد عنى كلما استطاع إلى ذلك سبيلأ حيث اصبحت أمثل له مصدرأ للضيق والقلق وكأننى زنزانة يوضع Ý فيها او سجان يحرمه من حقوقه الإنسانية , فكيف ارضى لنفسى أن اتحول إلى شخص منفر ذى أسلوب مرفوض فى تحقير المخالف وتهميشه والتضييق عليه فى آرائه ؟؟
فألمختلفون معى فكريأ أحترمهم كنفسى وأؤمن بهم وبحريتهم الفكرية ورأيهم المخالف لرأييى طالما طرحوه باحترام وشرحوه بأدب وبينوه باستنارة وألقوا عليه اضواء علمهم وأنوار فكرهم وسناء عقلهم ولم يتناولونى بالتجريح والإهانة والتحقير والإستهانة والزج بى فى متاهات من تهم التكفير والتغريب والعمالة وغيرها من تهم العصر الجاهزة والتفصيل التى يعدها ويخرجها ويستخدمها حديثو العهد ---باستخدام العقل ---كسلاح ضد كل من يخالفهم الرأى أو الفكر أو المذهب , بل ومستعد للدفاع بكل ما أملك من قوة –ولله القوة جميعأ--- فى سبيل الدفاع عن ندّى—بكسر النون وتشديد الدال -- الذى يختلف معى فى الرأى طالما تميز بما أنف ذكره من نعمة النور الفكرى والأدب الحوارى فى توصيل رأيه وطالما خاصم الديكتاتورية الفكرية التى تريد أن تفرض فكرأ معينأ إما بالذوق فإن لم يفلح الذوق فبالقوة والجبروت والسلطان والعدوان وهذا ما أربأ بكل كاتب محترم عنه 0
لماذا أحترم من يخالفنى الرأى وأبحث عنه بالإبرة ---تعبير مصرى جميل يدل على عناء البحث عن الشىء--- حتى أجده وكأننى لقيت كنزأ ؟؟ لأن من يخالفنى الرأى يجعلنى أغوص فى أعماق نفسى وأخرج منها لآلىء الفكر الجميل وأحصل على آراء كانت نائمة بداخلى تنتظر من يوقظها ولن يييقظها غير من يخالفنى الرأى لأنه ينتقد كلامى ويفند آرائى ويحاول إقناعى أننى على خطأ وهو على صواب فهى معركة شريفة رائعة أجمل كثيرأ من سباقات الرياضة التى يسعى كل بطل فيها لكى ينال الدرجات العلى , فالذى يخالفنى الرأى يرى نفسه على صواب ويرانى على خطأ وانا أراه على خطأ وأرانى على صواب ويقدم كل منا براهينه ومبرراته التى بالطبع تكون ادق وأعمق ما يصل إليه كلانا من عمق تفكير وسعة خيال , وهذا هو سرجمال النقاش الشريف الذى يؤدى حتمأ إلى نتائج مرموقة ويصل بالمتحاورين إلى ما يصبو إليه كلاهما كمخلصين للمادة العلمية ولموضوع الحوار , فيتنازل المخطىء للمصيب ويعترف بسابق إخفاقه فى ذلك الموضوع وتتوطد العلاقة بينهما أكثر , وحتى لو لم يحدث ذلك الإتفاق فى الرآى والفكر أو ذاك التنازل من أحدهما للآخر بناءا عن إقتتناع , وظلا مختلفين ورحلا وهما لا زالا متمسكين بفكريهما , فإن ذلك لا يفسد للود قضية ويظل يربطهما حبل من نور المحبة وجمال الأدب ورقة الذوق حتى يجمعهما لقاء آخر فيعاودا نقاشأ جديدا ويستأنفا حوارا مفيدأ فقد جمعهما أدب الكلام ولذة الإستفادة وتفرقا على ذلك فلم تنشأ بينهما عداوة ولم يكره أحدهما الآخر على فكره اورأيه أو مذهبه0
ألمتفقون معى فى آرائى طبعأ لهم كل الحب والإحترام والتقدير ولكنهم لا يستطيعون عمل نفس الأثر وإحداث نفس الدافع نحو مزيد من البحث عن براهين ومبررات لما أراه كما يقوم بذلك المختلفون معى , فالمتفق معى كأنه أنا شخص واحد وهو أمر لا أميل له بطبعى بل أحب الإختلاف وابحث عنه حتى يكون للحياة لذة وللنقاش معنى واثر ونتيجة , بيد أنى لا أذكى نفسى أبدا بل الله تعالى يزكى من يشاء وهو وحده يعلم ما تخفى الصدور كما وأننى لا أعتبر نفسى مصيبأ على طول الخط بل إن راييى فى نظرى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطا يحتمل الصواب واعتقد ان هذه اروع أمثلة الديمقراطية الفكرية وأجمل توضيح لإحترام الآخر المختلف معى فكريأ فكلنا فى النهاية بشر يجاهد ليعرف الحق من الباطل والصواب من الخطا والنور من الظلام والهدى من الضلال , وليس بيننا معصوم ولا من يوحى إليه بخبر السماء فلا مجال إذأ لتزكية النفس او تحميلها ما هو فوق طاقتها ولا مجال لأن يجعل مفكر أو مجتهد من فكره ورأيه كتابأ مقدسأ يجب ان ياتى إليه الناس مذعنين خاضعين ومصدقين كأنه وحى السماء الذى لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه0
ألإختلاف بين البشر دينيأ وفكريأ وعقائديأ هى حقيقة لا ينكرها غير غائب عن الوجود وقد قال أهل اللغة والشعر والأدب ( وبضدها تتميز الأشياء) ولقد أكد القرآن الكريم على حقيقة الإختلاف حين قال تعالى :

((وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {119}))هود
مجرد شعورى أن من يناقشنى فى مسألة ما ويريد ان يتنكر لرأييى أو يهمش وجهة نظرى أو لا يأخذ فكرتى بمحمل الجد والإحترام والتثمين فإننى أنسحب من حلبة النقاش ولا أستمر أبدا لان أدب الحوار والغض من صوت المتحاورين وإحترام الآخر المختلف فى أن يدلى بدلوه ويبين وجهة نظره فى الموضوع المتحاور عليه وإعطاءه وقته الكافى للتعبير عن وجهته تلك , إن لم يتحقق ذلك فلا نقاش ولا حوار بل هو صورة أخرى للديكتاتورية الفكرية ومحاولة جديدة لإنكار الآخر وتهميشه وإقصائه وهى أمور لا يرتضيها عقل حر يقدر معنى الفكر والإجتهاد والتدبر ويزن الأمور ويضعها فى نصابها0
كيف أعرف عيوبى فاصلحها لو لم يكن هناك نقد بناء ؟ وبدون هذا النقد هل ينصلح الحال المائل ؟ وهل يستقيم المعوج ؟ وهل يتم إصلاح العيوب وتلافيها والوصول لافضل النتائج وأكمل الأعمال بدون هذا الآخر الذى ينقد بعين فاهمة وعقل واع ولسان مهذب ؟ إن المرء—من المروءة--- مرآة اخيه حين تصدق النوايا وتخلص القلوب لله تعالى وللناس أما أصحاب النقد الهدام والشتائم والتجريح والتكفير وتوجيه التهم الجزافية والصفات العشوائية لكل مخالف لهم فى الرأى أو المذهب , اصحاب القلوب الغلاظ والعقول المقفلة والالسنة الحداد , فهؤلاء مرايا مشروخة بها ألف شرخ وألف كسر ولا تصلح لإظهار عيوب الإنسان بل تصلح لأن تتحول إلى آلة حادة تقتله وتدمره وتدفنه حيأ لانه مختلف معهم 0
فعلينا فى مجتمعاتنا أن ندرّس ثقافة الإختلاف فى الرأى والفكر والدين والمعتقد ونجعلها مادة ذات أولوية فى كل مراحل التعليم ويقوم على وضعها أناس يحترمون الإنسان أيا كان لأنه إنسان ولا يتعاملون معه بشروط مسبقة , وأن ندرّس كيف نحترم الآخر المختلف ونقدره ولا نحقره ونثمنه ولا ندفنه , ولا نجعل من أنفسنا آلهة تسعى بين البشر فكلنا بشر يصيب ويخطىء وليس بيننا من يملك الحقيقة المطلقة التى هى ملك قيوم السماوات والارض سبحانه وتعالى عما يصفون0
(2) كلام من فضة :


كثيرون من الناس هم من يحشرون أنوفهم فيما لا يعنيهم وفيما لا يهمهم ولا يخصهم فتراهم يتدخلون فى مواضيع لم يدرسوها ولم يفقهوها ولم يحضروا لها تحضيرأ جيدا ويبدون آراءأ فجة غير ناضجة تحتاج إلى المراجعة والتنقيح والتريث والمشورة قبل خروجها إلى حيز الوجود وقبل أن تصطدم بالواقع الأليم الذى لا يقبل الإعوجاج فتنهال عليهم الآراء النقدية والإتجاهات المعاكسة عن اليمين والشمال ومن أعلاهم ومن اسفل منهم حتى ينبطح صاحب الرأى ارضأ معلنأ خيبة أمله واستسلامه امام الضربات المتتالية والموجعة من المعارضين الذين هم بالتأكيد ستكون فرصتهم أكبر كلما كان صاحب الرأى قليل العلم محدود الثقافة وذا براهين ضعيفة لا ترقى إلى مستوى فقههم أو علمهم فى الأمر المقصود من ذلك المتدخل بأنفه فارضأ نفسه فى كل موقف ومحفل من أجل شهرة زائفة أو سيط زائل , مثل هذا الرأى يقول عنه الناس أنه كلام من فضة 00لماذا ؟
لأن السكون والسكوت والصمت أفضل مئات المرات من إبداء رأى خائب يضر ولا ينفع ويؤخر ولا يقدم ويفسد ولا يصلح ويهدم ولا يبنى وقديمأ قالوا إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب وذلك دعمأ لان يحكم الإنسان غريزته ويكبح جماح شهوته الكلامية فلا يتحدث فى شىء يجهله ولا يبدى رأيأ فى موضوع لا يعقله ولقد جاء فى الذكر الحكيم قول الله تعالى :
( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولأ)
وهذه دعوة ربانية حكيمة لكل ذى لبّ ألا يتكلم فى موضوع قبل ان يدرسه جيدأ ويراجعه ويتاكد من معلوماته فيه فإذا كان علمأ بحتأ به تجارب وابحاث ومعادلات وجب عليه مراجعة ذلك بدقة بالغة حتى يتسنى له عرض فكرته وشرح رأيه وتبيان وجهة نظره دون ان يتعرض للنقد والتقريع والإبطال والدحض من ذوى العلم والبحث والتجربة
ليس معنى ذلك حصر الرأى والكلام فى فئة معينة من الناس ولكن الباب –باب العلم والبحث والتدبر --- مفتوح على مصراعيه لكل راغب ولكل محب للإطلاع والمعرفة أن يؤسس لنفسه بناءأ شامخا من العلوم والبيانات الفكرية والمعلومات التجريبية حتى يصبح جديرأ بعرض رأيه فى مسألة ما دون أن يعانى نقصأ فى معلوماته أو يوضع فى مأزق محرج بسبب عدم قدرته على توصيل فكرة ما أو شرح مسألة معينة بسبب قلة خبرته أو سوء فهمه للأمر من الأساس
وفى هذا المعنى كتب الشاعر هذه الأبيات الجميلة
يا ايها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذى السقام وذى الضنا
كيما يصح به وأنت سقيم
لا تنه عن خلق وتأتى مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
وشخصية (أبو العريف) من الشخصيات الشهيرة فى مجتمعنا العربى وهو الشخص الذى يفهم فى كل الأمور ويفتى فى كل المسائل ويتحدث فى الطب كانه جراح بريطانى وفى الفلك كانه عالم همام وفى التاريخ كأنه الجبرتى وفى الرياضيات كانه الخوارزمى وفى الشعوذة كأكذب دجال وفى الهرطقة عمال على بطال ويتحدث فى أمور النساء والعادة الشهرية وفى أمور الرجال والمسائل الشخصية ويتكلم فى هندسة الراديو والتلفزيزن ويقوم بإصلاح الغسالة والتليفون ويدعبس فى الكمبيوتر ويزرع الأرض ويفتى فى أجود انواع البذور ويتكلم فى البقالة وأسرارها والجزارة ومعجزاتها كما يعمل فى النجارة ويجرب حظه فى الحدادة ويحاول التكلم بلغات أجنبية فيطعم كلامه بألفاظ إنجليزية حتى يوضح للسامع مدى ثقافته التوسعية وأحلامه العلمية وأطماعه الفنية وتوجهاته الأدبية فهو غير محدد المعالم وغير واضح الملامح ولا تفهم له وجهأ من قفا فمعلوماته فى جميع المواضيع ناقصة غير حقيقية وكلامه فى معظم المسائل ليس له اهمية فمن المستحيل أن يكون هناك إنسان يفقه فى كل الأمور ويفتى فى الكبير والصغير ويتكلم فى الشعر كأنه أديب كلامأ عجيبأ مريبأ غريبأ فتراه فى الصباح مدرسأ وفى الظهيرة مهندسأ وفى الأصيل موسوسأ وفى الليل طبيبأ وفى اليوم التالى يتقمص أدوارأ أخرى ويقوم بتشخيصات جديدة وقصص عديدة فهو الذكى الألمعى الشديد الذكاء وهو الوقور الطيب الصابر على البلاء يسير فى كل مأتم ويأكل فى كل عرس ويحضر كل زفاف ويصفق لكل عروسين ويبكى فى كل جنازة ويزغرد فى كل حفل ويرقص فى كل مولد وله ملابس لكل مناسبة فكأنه ألف إنسان بألف وجه بألف جسم بألف رأى بألف فكر بألف دين بألف إتجاه بألف سليقة بألف هدف بألف حلم بالأف امل
أنا شخصيأ تنتابنى نوبات حادة من الصداع عندما ألتقى بهذا النوع المسمى ابو العريف ولا أعرف يمينى من شمالى وكل همى يتركز على كيف أغادر المكان الذى حل فيه وكيف أهرب منه قبل ان افقد صوابى فهو راديو مفتوح على كل الإذاعات وتلفزيون مثبت على كل القنوات وموسوعة جرائد ولكن أوراقها ملخبطة ومتداخلة وقهوة كاملة بكل طاقتها من بشر وكراسى وتربيزات ومشروبات وشارع متحرك ملىء ببشر لا يتعبهم الكلام فىاى شىء وفى كل شىء دون أن يسألهم أحد او يستفسر منهم مخلوق , ليته يتوقف عن الكلام والإفتاء والرغى واللت والعجن , متى يتحقق لى هذاالأمل ؟ وما الحل لو فوجئت به يركب جوارى فى القطار أو السيارة الأجرة او الباص ؟ وماذا لو حكم علىّ الزمان وكان ابو العريف هو جارى فى المنزل أو زميلى فى العمل أو رئيسى فى العمل ومطلوب منى أن انافقه وابارك كل ارائه واشيد بكل كلماته؟؟
هل هو مريض نفسيأ ام معيب خلقيأ أم فاشل إجتماعيأ أم هارب من الأيام ام قليل المقام أم طافش من المدام ؟؟
أرجو الا اكون قد أزعجتكم بهذا الكلام
(3) تفتيش القلوب والبحث عن ذنوب :

فى جميع دول العالم المؤمنة بحقوق الإنسان فى العدل والمساواة والحرية بكافة مشتقاتها ينظر المجتمع للإنسان نظرة حب وتكريم مفادها أنه شريف وكريم وحر ومحترم طالما لم يأت بفعل يخرق به القانون المطبق والمعروف فى تلك الدول التى تؤمن بأحقية الإنسان فى حياة كريمة تتميز بالحرية فى كل صورها شاملة حرية الدين والمعتقد والفكر والرأى والتوجه والجنسية والحركة والتعبير والتمثيل السياسى والعمل الشريف وإصدار الصحف وتأليف الكتب وإقامة المنشآت الإعلامية التثقيفية منها والإخبارية وحرية التنقل والتجارة من تصدير إلى توريد وحرية التعامل مع باقى أفراد المجتمع المحيط به والمجتمع الدولى عمومأ كما تسخر هذه الدول كل قواها الشرعية لحماية هذه الحريات وتأمين المواطن ضد اخطار الإرهاب والسرقات والأمراض وأخطار التجهيل والتغييب بما تنشره من عوامل توعية بين مواطنيها لأن هذه الدول آمنت أن المواطن الحر الكريم الآمن القوى الصحيح البدن والعقل والمتعلم والباحث والمثقف هو عماد البلد وهو كيانها الذى تقوم عليه وبغير هذا المواطن يفقد الوطن معناه ولا تصبح للحياة قيمة تذكر0
على النقيض تمامأ فى عالمنا العربى الميمون والذى من المفترض أصلأ انه مهد الرسالات السماوية ومنبع الخير والحب والسلام لكل الإنسانية على ربوع أرض الله وتحت سمائه ولكن –للأسف--- فإن المواطن فى بلادنا العربية متهم دائمأ حتى لو لم يفعل ما يخالف به القوانين والأعراف وذلك بسبب الأنظمة الإستبدادية التى تنمو وتترعرع وتتغذى على مقدرات هذا المواطن الذى يعانى الأمرين فى كل مؤسساتها من مؤسسات التعليم إلى مؤسسات الصحة إلى مؤسسات الشرطة والأمن وغيرهم يعامل المواطن كمتهم وينتظر منه أن يثبت لمن حوله أنه طيب ومسالم وشريف ويحب الناس ولا ينوى الإضرار بالآخرين وأن قصده شريف وأنه يسعى فقط للحصول على لقمة العيش المرة ولا يطمع فى أكثر منها وليس من مخططاته أن يطمح لمنصب معين أو يضع عينه على شىء معين ويسعى للحصول عليه فكل هذه محظورات يقف الإستبداد وأعوانه حاجزأ بين أى مواطن وبين تحقيقها بما شرعوه من قوانبن تعجيزية وبما وضعوه من نصوص وبنود تجعل المشروعات ضربأ من ضروب الخيال والأحلام فى مستقبل أفضل شكلأ من اشكال الأساطير والخرافات
لماذا يتعمد الإنسان العربى التفتيش الدائم والمستمر فى قلوب من حوله والمحاولة المستميتة للوقوف على ما يفكر فيه الآخر وما ينوى عليه ؟ بل لماذا يتهم كل منا الآخر فى دينه وعقيدته وفكره ورأيه بمجرد الشعور أنه يخالفنا وأن له إتجاهأ مغايرأ وأنه يستعمل عقله ولا يرضى أن تملى عليه الأفكار لكى يبتلعها إبتلاعأ كما يبتلع السمك طعم الصياد فيصطاده ويأكله ؟ لماذا نعادى كل صاحب فكر متحرر عن طبيعة تفكيرنا التى ورثناها ونكيل له التهم ونصفه بأقذع الصفات وأبشع الألفاظ ؟
ما السر فى أن معظم العرب قد ألهوا أنفسهم وجعل كل منهم من نفسه قيمأ على غيره يحاسبه ويؤدبه فى أى وقت ويتهمه ويطلب منه الدفاع عن نفسه وتبرير موقفه وتقديم الأدلة التى تثبت براءته –لماذا ومن أنت ؟ ومن كلفك بذلك ؟ وما هذا التفكير العجيب الجاسم على العقول والقلوب؟ ألم يحن الوقت بعد فى القرن الواحد والعشرين أن نتحرر ويعيش كل منا فى حاله يبحث عن رزقه وأعماله تاركأ شأن القلوب وما بها والعقول وتفكيرها لله خالق القلوب والعقول والمطلع على كل ما فيها من أسرار ؟
كل إنسان فى عالمنا العربى تحديدأ يريد من أخيه الإنسان أن يقدم له كشف حساب بأعماله وأفكاره وآرائه يومأ بيوم أو حتى ساعة بساعة والعجيب أنه ينسى أنه هو أيضأ مطلوب منه تقديم نفس هذا الكشف لآخرين ينتظرونه هو أيضأ لتفتيش قلبه والوقوف على أعماله وأفكاره وماذا قال وماذا فعل وما هو معتقده فى كذا ولماذا فعل ذلك ولم يفعل ذلك ؟
محمكة تفتيش منصوبة داخل قلب كل منا ويا للعجب تفرغ كل منا لرصد أعمال الآخرين ونسى هو ما قدمت يداه وما ارتكبت من معاصى وآثام وتفرغ لمحاسبة أخيه الإنسان بأسلوب مقزز يجعل الحياة تمر صعبة ركيكة وخالية من الحكمة والإبداع لما أصاب العقل من قيود وراثية ونظرات شخصية وسلوكيات طائفية تجعلنا نتأخر عن ركب الحضارة ولا نجارى أقل الأمم شأنأ فيما وصلوا إليه من علم وتكنولوجيا وفكر وفلسفة وثقافة0
إن الله تعالى قد خلق العقل لكى يفكر ويبدع ويخترع وينعم بلذة الحياة التى حباها الله له وخلق القلب لكى يحب ويجيش بالعواطف ويحس ويبكى عند اللزوم وخلق العينين لكى ترى إبداع الله فى كونه وعظمة الله فى خلقه وخلق اللسان لكى يعبر وينطق ويتكلم ويوضح ويظهر ما خفى عن الآخرين ويتفلسف ويقول ويبدع القول , وخلق اليدين للعمل والعلم والكتابة والتأليف والتعبير وتوصيل الحقائق للناس بغير بخل أو حقد وخلق القدمين للسعى على الأرزاق والحركة من أجل صالح الإنسان وصالح البشرىة كلها .
لم يخلق الله تعالى هذا الملكوت العظيم فى كل جسد بشرى لكى يقهر ويذل ويمنع من التفكير والتعبير والقول والرأى والحركة لا فما قيمة الحياة إذا حرم الإنسان من حريته بمختلف أنواعها وإذا حرم من كرامته وإحساسه بكينونته التى منحها له علام الغيوب سبحانه0
إننى أنادى من هذا المنبر برفع الإيدى والرعب والإرهاب عن الناس حتى يستطيع كل منهم التعبير عن نفسه وفكره ورأيه ومعتقده غير مكره على شىء ولا خائف من أحد ولا عامل أى حساب لشخص سيسجنه أو يقهره أو يذله لمجرد أنه يعبر عن رأيه وفكره ومعتقده فى كل مكان وعلى كل الصفحات وهو حق طبيعى كفله الله للإنسان الذى جعله الله خليفة فى الأارض فكيف يكون خليفة وهو مقهور أو مسجون ظلمأ او مجبور على شكل معين من الرأى والفكر والأإتجاه أو حتى الدين0
فليرفع كل منا يده عن أخيه ولنترك الحساب لرب السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى فليس من حق المخلوق محاسبة أخيه المخلوق ولا التفتيش عن محتويات قلبه ومكنونات عقله وطبيعة فكره , ولن ننهض ولن نرتقى إلا إذا حذونا هذا الحذو
فليخرج كل منا أنفه من قلب وعقل وعمل أخيه الإنسان

(
4) مجتهدون نعم .. مالكون للحقيقة لا ..

مسكين جدأ ذلك الإنسان الذى يظن أنه يملك الحقيقة فى يديه , واستحوذ عليها , وصارت تحت إمرته , يتصرف فيها , ويحركها ويثبتها , ويظهرها ويخفيها , عندما يريد وحيثما تسمح نفسه بذلك , وبعد ان يتشاور مع عقله الأوحد , وفكره الأعظم , الذى لا يدانيه فكر , ولا يصل إلى مكانته عقل إنسان مهما كان 00فقد صارت الحقيقة جزءأ من ممتلكاته , ولا يحق لمخلوق أن ينافسه فى ملكيتها , وإلا كان النقد القاتل , والترويع والتخويف , والوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور نصيب ذلك المتهور الذى يريد ان يتنافس معه فى معرفة الحقيقة وأقول هنا معرفة وليست ملكية لأن السيد الفاضل مالك الحقيقة هو وحده مالكها 0

ولست أعرف ولست أدرى ولست افهم لأى سبب ولأى هدف يعيش هذا الإنسان المسكين – مالك الحقيقة — فى هذا الوهم القاتل والكابوس المفزع الذى لن يستيقظ منه إلا فى قبره مضيعأ بذلك حصاد وشقاء عمره فى الإختباء وراء وهم مزعج إسمه ( ملكية الحقيقة ) ويعلم الله تعالى أن الحق والحقيقة ملك لقيوم السماوات والأرض وحده بلا شريك , فأى بئر سحيقة سقط فيها هذا الجانى على نفسه , المناقض لكل كتاب سماوى , المحارب للعقل والفكر والكرامة الإنسانية , الداعى لعبادته بدلأ من عبادة الحى القيوم , والذائد عن نفسه لدرجة التورم العقلى , والحارق لغيره بأبشع انواع التهميش والتصغير والتحقير فكأنه وحده الذى يعرف وغيره يجهل , وهو وحده الذى يفكر وغيره يتخبط , وهو وحده الذى يتدبر وغيره يتعثر , وهو وحده الذى يرى وسواه اعمى , وهو وحده الذى يسمع وسواه أكمه , وهو وحده الذى يفقه وغيره أبله , وهو وحده القوى وغيره ضعيف , وهو وحده الثقيل وغيره خفيف , وهو وحده الفاهم وغيره ناقم , وهو وحده الذكى وغيره غبى , وهو وحده الجدع وغيره يضرب الودع , وهو وحده الوسيم وغيره دميم 00

إنه شخص متفرد بذاته , يعيش فى ملكوت ملذاته , وجبروت شهواته هذا الذى ينفى كل النعم الربانية عن بقية العباد , ويثبتها فقط لذاته ويسخرها لمتعه ولذاته , ويجود ببعضها على أقاربه وذواته ومجامع أشتاته , فهو شقى بكبره , ميت كأنه بقبره , سخيف يخيلائه , وضيع حتى فى أبهى ردائه , هذا الذى يريد سرقة الحقيقة وجعلها حكرأ له من دون العباد , وكأن الناس خلقوا لكى يلتفوا حوله ويستجدوا عطفه فيتنازل من علياء سمائه , وينسى جزءأ يسيرأ من حقده وكبريائه فينظر إليهم ويتكلم معهم وكأنه واحد منهم والحق أنه كذاب أشر , وأشر نفر والبعد عنه غنيمة , والقرب منه جريمة0

طبعأ لا يوجد شخص بعينه أقصده بمقالى , ولكن توجد صفات ممقوتة فى بعض المسوخ البشرية التى غواها الشيطان الرجيم , وطغى عليها الحقد ولفها الكبر على العباد , فظنوا كما ظن إبليس من ذى قبل أنهم خلقوا من طينة أغلى وقماشة أعلى وصنعة خصوصية خصصها رب الكون لخلقهم فتعالوا على الناس , والناس عند الله أعظم منهم , وإليه اقرب والله أعلم وأعظم

لو أردت نقاشه فى مسألة , تحول الموقف إلى مهزلة , فهو لا يطيق الحوار , ولكنه يقدس الموافقة على ما يقول وكأنه يتكلم مع عجول , ولا يطيق رفض وجهة نظره فهو فوق وغيره تحت فكيف يتطاول التحتيون على الفوقيين , وكيف يتجرأ الاراذل على ألأكابر , وكيف تناقشه وهو أصلأ لا يراك , فقد عميت عيناه ليس من مرض ولكن من حقد , وقد صمت أذناه ليس من صمم ولكن عن عمد , وقد تدرب لسانه على القذف والسب والشتم لكل من خالفه , والمدح والتبجيل لكل من وافقه فهى صفات عربيد عتيد , وعتل زنيم , لا يرقى للفكر الإنسانى المستنير ولا يتأتى له أن يحسب بشرأ , بل هو ذئب يفترس حق الناس فى الكلام والفهم والرفض والثورة على الباطل , ويفترس حقهم فى الحرية بكل ما تحمل كلمة حرية من معان , ويفترس حقهم فى أن يكونوا رأيأ ما فى مسألة ما وأن يكون لهم فكرهم الخاص ووجهة نظرهم التى يجب أن تحترم مهما كانت مخالفة لمعتقداته وافكاره وآرائه
0
الإنسان مخلوق مميز بالعقل والفكر والإدراك والفهم وتكوين وجهات نظر فى كل منحى من مناحى الحياة , بل لقد كرم الله الإنسان لدرجة أنه حر طليق يفعل ما يشاء – دون إضرار الآخر طبعأ – لدرجة إطلاق الحرية الدينية لمن شاء أن يؤمن بالله الذى خلقه أو يكفر به والعياذ بالله تعالى فقد حكى القرآن الكريم عن نبى الله إبراهيم الخليل عندما دعا ربه ان يرزق أهل مكة ( بلد الكعبة الشريفة) من آمن منهم بالله واليوم الآخر وخصص الدعاء للمؤمن فقط ولكن الله الغنى القوى العزيز الكريم قال ومن كفر فأمتعه قليلأ – أى فترة حياته الدنيا—ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير وقرر المولى سبحانه أن يرزق الكفرة كما يرزق المؤمنين فى الدنيا ولكن فى الآخرة شأن آخر فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثأ

فيا ايها الواهم ظلمأ انك تملك الحقيقة0000 رويدك
ويا ايها الناظر للناس من فوق وهم – فى رأيك – تحت
ويا ايها المعتقد زورأ وجورأ أنك على الحق وغيرك باطل
ويا كل إنسان متكبر على خلق الله لأى سبب من الأسباب
أفيقوا قبل فوات الأوان وقبل ان يأتى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم 0

(5) عزيزى القارىء هل حاولت أن تكتب ؟

نت تقرأ منذ زمن طول حتى صرت مثقفأ بدرجة ممتازة فهل حاولت أن تكتب وتعبر عن القضايا التى آمنت بها من خلا ل ثقافتك العريقة وقراءاتك الكثيرة والقديمة فى جميع المجالات والتخصصات والتوجهات ؟ هل حاولت ذلك ؟ من حقك أن تحاول وأن تكتب تجاربك ووجهات نظرك فى كل شىء ولا تجعل الخوف من الخطأ يمنعك حتى لو كان لغويأ أو تاريخيأ أو سرديأ فستجد مئات المخلصين الذين يتلقون كتابتك بصدر رحب ويحترمون فكرتك ويقدرون رغبتك فى الكتابة والإنتقال نحو حياة جديدة متقدمة حيث أنك قررت ألا تظل قارئأ ومتلقيأ فقط بل أمسكت بقلمك وبدأت تخط مقالات تعبر بها عن رأيك فى كل قضية آمنت بها أو لم تؤمن بها .. ألمهم أن تكتب وتعبر عن رأيك وتقول , وتجهز الحقائق والمبررات والمستندات التى تعتمد عليها فى رؤيتك وأن تحضر براهينك التى يسعد بها مؤيدوك ويرتدع بها معادوك.
قراءاتك السابقة بكل فحواها ومحتواها هى بذور حقيقية تم زرعها فى تربة عقلك ورويتها بالخبرة والصبر والبحث عن مزيد من الثقافة والإطلاع وقد حان الوقت لهذه البذور أن تخرج من تحت الأرض وتنبت فى أرض الواقع لتصبح شجرة حقيقية متكاملة ذات جذر قوى وساق متين وفروع متناسقة وأوراق بضة خضراء وأزهار تفرح القلوب وثمار لذيذة فيصبح فكرك جنة من العلم فيها ما تشتهيه الأعين وتلذ الأنفس , فلماذا تعيش قارئأ والفرصة أصبحت سانحة أمامك لكى تكون كاتبأ مدربأ مع مرور الوقت , قد تخطىء فى البداية وقد تتعرض لنقد لاذع وقد يتهكم من كتابتك البعض ولكن المتهكمين من فكر غيرهم ليسوا عوامل بناء بقدر ما هم معاول هدم وليسوا أسباب تقدم ورقى للبلاد بقدر ما هم أساب فشل وتأخر , فلو كانوا حريصين على تقدم الوطن لحرصوا على تقدمك أنت أولاً وبدلأ من محاولات إفشالك سيأخذون بيديك نحو الحق والحقيقة والمنهج السوى فى الكتابة والتعبير بدلأ من الشتم والإهانة والسباب والتقريع .
لا تجعل شخصأ معينأ يملى عليك فكره أو يقنعك أنه الكاتب الملهم والفيلسوف الذى يخضع الجميع لآرائه وينزوى الكل حين يمر موكبه , تعلم من البداية أن تكون حرأ طليقأ لأن الحرية هى منة الله تعالى الذى خلقك , لك ولكل إنسان , فلا تزاحم مخلوقأ فى حريته بقدر حرصك على أن يحترم الآخرون كامل حريتك فى الكتابة والتعبير وقول رأيك ونشر فكرك فى كل مكان وفى كل اتجاه , فهذا حقك وحقه عليك فأنت وأنا وهو مخلوقات فلم يقم أينا بخلق الآخر أو برزقه أو بوهبه الحياة والشكل والمظهر والمال والجمال والزوجة والعيال , بل هذه الأشياء منح وعطايا الرب سبحانه وتعالى لكل عبد من عباده , وهذا أول سبب يجعلك لا تخشى الآخرين فعمرك ورزقك وقضاؤك وقدرك حدده ربك سبحانه وتعالى فلماذا تخشى الكتابة والتعبير ونشر رأيك وإبداعاتك فى كل مكان غير عابىء إلا برب العباد طالما أنك عندما كتبت وعبرت لم تعتد على غيرك , ولم تحقر الآخرين أو تقلل من شأنهم , أو تعتدى على حرياتهم الكاملة فى الدين والرأى والقول والفكر والمعتقد والتوجه , لأن عدوانك على غيرك فى كتاباتك هو أشد ضررأ وشرأ من عدوانك عليه بيدك فأنت بيدك قد تضرب شخصأ فى مكان واحد فلا يعلم بذلك غير أقل القليل ولكنك عندما تهزأ من فكر شخص آخر أو رأيه أو لونه أو عرقه أو دينه ومعتقده , وتنشر ذلك الرأى فى الصحف الإلكترونية أو المكتوبة فإنك تدمره وتقضى عليه فى كل مكان , ولذلك كانت ولا تزال ضربة الكلمة أقوى من ضربة اليد آلاف المرات وخصوصأ الكلمة المنتشرة بفعل وجود تكنولوجيا الكمبيوتر والأنترنت الذى ينقل وجهة نظرك للملايين فى العالم أجمع فى دقائق معدودة فكن حريصأ أشد الحرص على عدم القذف فى حق الغير أو التجريح أو التقليل أو التحقير من شأن الآخر , حتى لو كان يخالفك فكرا أو رأيأ أو حتى دينأ , وحتى لو اعتدى عليك فادفعه بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم , كذلك علمنا مالك الملك الذى لا تغفل له عين ولا تأخذه سنة ولا نوم .
نعم من حقك أن تكتب وأن تغامر وأن تبحث فى كل مكان عن صحف تنشر فكرك بدون تكاسل منك , لا تتردد ولا تجعل أهل الأنانية يثبطون همتك أو يدحضون رغبتك فى التعبير عن رأيك فقد قابلناهم كثيرأ وجعلونا نشعر أن الكتابة والتأليف هو حق مكتسب لهم ووحى خاص بهم وكانوا يتمنون منا أن نظل متفرجين نقرأ لهم ونصفق لهم ونبكى عندما يبكون ونرقص عندما يرقصون وكأننا أعضاء إضافية داخل أجسامهم خلقت لتدعيم أنانيتهم وحسب , وجلب الكثير من المصفقين لهم , ولكن هيهات فقد لفظناهم من حياتنا وكرهنا أسلوبهم وقررنا أن نعيش , وقد ذقنا لذة الحياة وطعم الوجود منذ بدأنا رحلة الكتابة اللذيذة رغم ما فيها من مرارات النقد والشتم والتقريع ولكن كل ذلك لم يثننا عن عزيمتنا ولم يخفض من همتنا أو يقلل من رغبتنا فى الكتابة والتعبير والنشر والتعليق والنقد محافظين على أدبنا محترمين الغير أجلّ الإحترام وأكثر من إحترامنا لأنفسنا مهما كان الفكر مختلفأ أو حتى الدين والمعتقد أو التوجه السياسى أو غيره.
كنا نقرأ فنتذوق لذة الثقافة ولكننا لما كتبنا عشنا بعد موت وبعثنا من برزخنا وارتشفنا عبير الوجود الجميل , بكينا كثيرأ عندما استهزأ البعض منا ولكننا فرحنا وضحكنا فى النهاية حين انتصر الحق والعدل والحرية وحين إنتصر الإنسان فى مسيرة الحياة الشاقة المليئة بالتعب والكبد , كنا صغارأ محبوسين بين جدران أربعة , فعشنا وتنفسنا الصعداء بحرية الكتابة والتفكير والتعبير , كانت الكلمات مكبوتة فى جوانب العقل , والعواطف مسجونة فى حجرات القلب فآن لها الأوان أن تخرج وتغرد فى كل مكان , نعم عشنا بعد موت الكلام فينا وذقنا لذة الوجود بعد أن ذقنا حرية الكلمة والتعبير عن ذواتنا بالكتابة والتعبير والنشر على صفحات الإنترنت المختلفة , ذلك المخترع الذى هيأه الله تعالى لمخلوقه الإنسان حتى يصير العالم قرية صغيرة واحدة كلنا يعرف أخبارها أولأ بأول فى نفس اللحظة .
فاكتب أخى القارىء وعبر عن خلجات نفسك وضربات قلبك وقل رأيك بكل حرية دون عبث فى حرية الآخرين , لا تتردد فى الكتابة والنشر فقد طلع فجر يومك الذى طال ليله وهلت شمس سمائك الذى طال ظلامها واستاحل الليل نهارأ والظلام أنوارأ , فاكتب واكتب وعبر وعش وانهض من سباتك وقم واستيقظ من نومك فقد آن أوان الرأى الحر وطلعت شمس الحريات رغم كل السواد الذى يغطى الآفاق ولكن النصر دائمأ فى النهاية للحق والحقيقة وهما فى رأيى يكمنان فى تحرر الإنسان من قيود الإذلال والإستعباد .
(6) هل لا بد أن نكتب؟

سؤال مهم جدا وإجابته سهلة ويسيرة : نعم لا بد ان نكتب , ولكن المهم ماذا نكتب ؟ هل يحب الكاتب أن يظهر إسمه على صفحات الجرائد المطبوعة والإلكترونية وحسب ؟ بغض النظر عن أهمية الموضوع الذى يتناوله وحساسيته وملائمته للظروف الراهنة فى بلده خصوصا وفى العالم عموما ؟ هل يعقل ان يقرر الكاتب ان يكتب فيكتب دون سابق إنذار من فكرة معينة تراوده فيتقرب منها ويتودد إليها حتى تصير حقيقة كائنة فى عقله وفكره ووجدانه فيؤمن بها أولا بينه وبين نفسه ثم يقرر بعد ذلك صياغتها فى شكل مقال أو قصة أو قصيدة؟
أحب المواضيع الدسمة التى تشدنى وتهز وجدانى وتبكينى , تأخذنى فى أعماقها فأغيب فيها كأننى تركت الوجود وذهبت هناك فى عالم من الفكر العميق والخيال الخصب والصور المبهرة المعبرة الجذابة , يبهرنى صدق الكلمة وروعة التعبير وجمال المعنى وصفاء الفكرة لدرجة تجعلنى أؤجل طعامى وشرابى وأعيد قراءة ذلك الإبداع عدة مرات حتى أختلط به ويختلط بى فنصبح كيانأ واحدأ وبعد ان كنا حروفا مبعثرة نتجمع لنكون كلمة جميلة يحبها قلبى هى حب وسلام وعدل وأمان وطمأنينة وكرامة 0
ألمكافحون بالكلمة الحرة لدحض الظلم أحبهم , والساهرون يكتبون بدموعهم كلمات من نور من أجل كرامة الإنسان وحريته وسلامته وسعادته هم هؤلاء الملائكة المتخفون فى صور بشرية وهم من يهزون وجدانى بما يكتبون ويسقطون دموعى بما يبدعون وهم أنوار فى الأرض تطيح بظلمات الفساد والقهر والجبروت البشرى الذى يطغى فلا يرده غير القبر ويبغى الفساد فى الأرض فلا يوقفه غير الموت , حيث خمدت امام ظلمه كل الأصوات الحرة وقتل بكفره وفجوره كل دعاة المحبة والسلام والحرية والكرامة الإنسانية0
ألمناضلون من أجل قضايا تحرير أوطانهم من الطغاة المغتصبين لصوص الأوطان , سعيأ وراء العدل وجلب الحرية لوطنهم المغصوب المنهوب , هؤلاء هم شموع الكون ويجب أن تجلهم البشرية وتساعدهم وتحترمهم وتقدم لهم كل نفيس من أجل استعادة الحق المنهوب وتعديل الوضع المقلوب , فمن يلوم مظلومأ يكافح لإستعادة حقه ؟ ومن يلوم مقهورأ من أجل دفاعه عن كرامته وإنسانيته وعزته وعودة وطنه المسروق وخيراته المغصوبة0
ألكلمة الطيبة تطفىء نار الحقد وتحيل بقدرة الله تعالى العدو إلى حبيب والغريم إلى صديق
( إدفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم)
ثم علمنا القرآن العظيم ( وقولوا للناس حسنأ ) حتى الذين ينعمون برضوان الله فى جنات الخلد يصفهم الرحمن قائلأ ( وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد) , والشاعر القديم زهير بن ابى سلمى كتب معلقته الرائعة التى جاء فيها
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم تبقى إلا صورة اللحم والدم
والغريب ان هناك حالة واحدة قد يحق لصاحبها ان ينطق بقول السوء وتلك هى حالة وقوع الظلم على إنسان معين لدرجة أنه لم يعد يستطيع التحكم فى لسانه من هول ما وقع عليه من ظلم وقهر وإجرام فيقول عنه القرآن العظيم :
( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)
وهو استثناء ذكره الله تعالى ليؤكد لنا قبح الظلم وقبح الظالم وأن للمظلوم حقأ لا بد أنه آخذه إن عاجلأ وإن آجلأ0
فلا يجب ان تذهب نفوسنا حسرات على الشتامين اللعانين بغير سلطان ولا هدى ولا كتاب منير ولنعرف أن مالك الملك يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار0
ألكتابة رسالة الإنسان لإشعاع النور ودحض الظلام والظلم الذين طغا فلم يعد احد يسمع للحق صوتأ اللهم إلا اقل القليل , والكتاب هم حملة مشاعل النور فى سبيل الحرية والمساواة بين البشر على إختلاف مشاربهم وفى سبيل سعادة الإنسان—كل إنسان وأى إنسان بأى مكان وبأى زمان--- وكرامته وسلامه وحقه فى التعبير والإفصاع عن رأيه ومعتقده بوسائل سلمية راقية تعبر عن إنسانيته وحقوقه 0
وإن من دواعى الحزن والقلق وما يندى له جبين البشر هو كاتب لا يكتب إلا إذا شتم هذا وسب ذاك وحقر من شأن فلان وقلل من قيمة علان , فكأن الكتابة اصبحت متلازمة مع الهجاء والذم والقدح والتوبيخ والتجريح والتقريع والإمتهان والإذلال وتوجيه التهم بشتى ألوانها ومختلف أنواعها دون التأكد من شىء ودون التثبت ودون الوقوف على أى حقيقة ودون الوثوق بأى مصدر ودون تدعيم شتائمه وإهاناته واتهاماته بما يقوى من مركزها فتصبح شتائم مسنودة وذات مصدر يعتمد عليه , اما الشتم والتجريح لأن الآخر ذو دين مغاير أو مذهب مختلف او فكر شاذ فى رأى الكاتب أو وجهة نظر لا تعجبه فهذا بحق أبشع درجات الظلم وعاقبته وخيمة حيث سيسأل كل إنسان عن كلماته التى قالها شفويأ أو كتبها تحريريأ فى يوم يفر المرء فيه من أعز الناس إليه , فى يوم يملكه الواحد القهار فهو وحده مالك يوم الدين0
أى كتابة هذه التى تكون مقدماتها شتائم ومواضيعا جرائم ونهاياتها إهانات؟ وهل يرضى قارىء يحترم عقله أن يلوث سمعه وبصره وعقله بكتابات من هذا القبيل ؟ وأى كاتب هذا الذى لا يكف عن التقريع لكاتب آخر ولا يخجل من تكرار شتمه آلاف المرات ؟ ومتى كانت الشتائم حجة ؟ ومتى كان التجريح برهانأ ؟
الشتائم دليل ضعف وبرهان عجز لدى الشاتم الذى يفشل فى الوصول لرأى مقنع فلا يجد أمامه سبيلأ غير الشتم والتجريح والإهانة لغريمه فى الرآى ظانأ أنه بذلك ينتصر وهو فى حقيقة الأمر ينزوى ويندحر وينتحر !! دون ان يدرى0
المفكرون واهل الرأى واهل العلم واصحاب النظرة الثاقبة لا يوافقون ولا يعتمدون القدح والذم والهجاء اسلوبأ للنقاش إلا عند عاجز ضعيف لا يرقى لمستوى شرح فكرته وتبيان وجهة نظره فيلجا إلى ذلك الأسلوب المرفوض وهو الشتم والتقريع والهجاء0
ألغريب هو وجود باب أدبى فى كتب الأدب العربى إسمه (الذم والهجاء )لأمثال الفرزدق وجرير وغيرهما حيث كانت تعقد لهم الندوات ليشتم كل منهم الآخر باقذع الألفاظ وقد يذكر كلاهما صفات تمس أم أو أخت الآخر او أصله(عرقه) او لونه فإذا كان اسود البشرة فله شتائم معينة والأسود ايضا يهجو الأبيض بما عنده مما لذ وطاب من الشتم والتقبيح والتقريع والإذلا ل والإهانات المختلفة , وعلى الجانب الآخر يقوم نفس الشعراء الهجاؤون بمدح أسيادهم من الحكام للحصول على المنح والهدايا والعطايا مما يعنى ان الشتام أو الهجاء لديه المقدرة المزدوجة على شتم وإهانة إنسان ثم مدح وتعظيم وتوقير آخر ولكل موقف حجته الدامغة0
هل التلذذ بشتم المختلفين معنا صار ثقافة محسوبة علينا ؟ واين هى لغة الحوار الكريم الجاد الحر الشريف الذى يحتفظ للآخر المختلف باحترامه كإنسان وبحقه فى هذا الإختلاف ؟
أرجو ان نكتب لكى نبنى لا لكى نهدم ولكى نضىء لا لكى نزيد الظلام سوادا ولكى ننشىء اجيالأ تحترم الفكر والفكرة وتوقر كرامة الإنسان وتؤكد عليها لا نريد أجيالا تسحق المختلف وتحرقه وتقتله , فتعسأ للدنيا لو تحولت لغابة وتعسأ للبشر لو تحولوا لوحوش ضارية يأكل كل منهم لحم أخيه الإنسان :
( أيحب أحدكم أن يأكل لحم اخيه ميتأ فكرهتموه )؟؟؟
(7) نعم لا بد أن نكتب

قلم الكاتب كريشة الفنان يرسم بها ما يحلو له من مناظر وصور وأشكال وقد يرسم من الطبيعة ايضا واقعأ معينأ لا يحلو له ولا يعجبه ولكنه مضطر لرسمه وتصويره لأنه واقع وحقيقة موجودة لا بد من إظهارها وتبيانها وتوضيحها لكل البشر فلا يصح ان يكون فنانا بلا مصداقية ولا يصح ان يكون هناك كاتب يتخلى عن واقعه ويشطح بعيدا , فمثل هؤلاء هاربون وجبناء عن مواجهة الواقع وتصويره وفضحه دون المساس بحريات البشر وثوابتهم ومعتقداتهم وعاداتهم التى يعيشون عليها إلا بقدر ما ترسم ريشة الفنان0
فأس الفلاح فى ارضه وهو يخططها للزراعة هى ريشة فنان ترسم وتخطط وترفع وتخفض وتعلو وتهبط وتنقر وتحفر حتى تخرج منظومة رائعة متكاملة معجزة فى رسمها وتخطيطها وبذرها ثم ريها ثم رعايتها ثم تطهيرها من الديدان والحشرات ثم السهر هلى سلامتها ثم الإهتمام بكل دقائقها حتى يوم الحصاد الذى يصاحبه الغناء والزغاريد والأفراح والسعادة وقبض ثمن عرق عام أو نصف عام مضى تبعأ لزمن المحصول المنزرع, لوحة رائعة بديعة لا يمكن ان ينكر جمالها وقوة تعبيرها إلا غافل 0
ألمهندس الذى يسهر فى المصنع ليخرج لنا التلفزيون والراديو والموبايل والكمبيوتر والسيارة والقطار والباخرة والطائرة , فنان من الطراز الأول يتقن عمله ويحقق أمله فى الوصول لأعلى جودة فى إنتاج مصنعه , مفكه ومفتاحه وآلته هى قلم معجز فى تعبيراته يكتب كلماته بشكل واقعى ويعبر عن كيانه بطريقته الخاصة وبريشته التى تتحرك بين أنامله ليهدى البشرية حاسبأ آليا وتليفونأ محمولأ وسيارة وطائرة , كلها تسهم فى الإرتقاء بالإنسان وقيمته وقيمه وكرامته وتعمل جاهدة لتصل به لدرجة معينة من درجات التكريم التى اختص الله تعالى بها بنى الإنسان ( ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلأ)0
ألطبيب الذى يجرى جراحاته الخطيرة فى المخ او العمود الفقرى أو الكبد أو زراعة الأعضاء أو جراحات التجميل المتناهية الدقة او جراحات العيون والأنف والأذن , أليس مشرطه قلم مفكر وريشة فنان متخصص فى أدق وألذ وأشيق اللوحات الفنية المذهلة التى تقف لها كل البشرية إجلالا وتقديرأ وإكبارأ واحترامأ فكم تنقذ هذه الريشات—المشارط—ارواح بشر وكم تعيد آمالأ مفقودة لذويها رغم ما تسيله من دماء وما تسببه من جراح وآلام لصاحب الأمل المفقود والذى قرر التضحية بكل شىء من أجل تحقيق امله وتفعيل حلمه , اليست هذه لوحة رائعة وقصيدة مبدعة ومقالة مقنعة؟؟
الكاتب المبدع هو الذى ينقل صورة حية للحياة من حوله غير خائف ولا جبان ولا هارب من قدره وظروفه , بل هو مقاتل بالكلمة , محارب وسلاحه القلم والحروف والأفكار والواقع الذى يتراقص حوله ومطلوب منه تصويره بدقة وحنكة وصفاء بلا تزوير أو تلفيق أو تهويل او تهوين او توسيع او تضييق , فالقلم كان وسيظل سلاح المخلصين الطيبين على مر الزمان , ولم تكن مصادفة ابدا ان يقسم رب العزة بهذا السلاح الأبدى الشريف وبما يكتب من مقالات وقصص واشعار فرب العزة فى كتابه العزيز يقسم قائلأ ( ن والقلم وما يسطرون@ ما أنت بنعمة ربك بمجنون @)
بل سورة كاملة فى القرآن العظيم إسمها سورة القلم فأى تكريم وأى تعظيم لهذا السلاح القوى ولما يسطره ويكتبه فهو مذل الجبابرة وقاهر الطغاة وهادم عروش المجرمين على مر التاريخ , يبدا أثره ضعيفأ ثم ينتشر رويدا رويدأ حتى ينمو ويكبر ويعظم أثره وينتشر , قد يسقط ظالم من اثر صفحة كتبها كاتب مخلص فى يوم من الأيام وقد تتبدا أسر حاكمة بسبب قصيدة شعر فى لحظة صدق وصفاء وقد تتحرر دولة ويتحرر شعبها من نير الإستبداد وجبروته بسبب قصة كتبها مؤلف نقلت بؤس الواقع فأثارت دماء العزة فى عروق شعب بأكمله فثار بين عشية وضحاها واستعاد كرامته وحريته المسلوبة وعزته المستباحة0
إن المجرمين الذين تقولوا على الله ورسله ونسبوا لهم زورأ وبهتانأ برىء الله منه ورسله هؤلاء القوم أجرموا فى حق البشرية جرمأ لا يعلم مداه إلا الله وكان وعد الله لهم هو قوله (َوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاًفَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) , فليس هينأ ابدا ان يسطر الكاتب أكاذيب تتفق مع هواه وتختلف مع الحقيقة , ولن يكون كاتبأ شريفأ ذلك الذى يتعمد تشويه الحقائق ورمى الناس بالباطل وتلفيق التهم لهم لحاجة فى نفسه او لثأر فى قلبه فهو بذلك يكذب على الله والناس وضميره والكون جميعأ0
على اصحاب الأقلام رسم الواقع بريشتهم المذهلة الرائعة دون زيادة أو نقص ودون مجاملات او محاباة لهذا أو ذاك ودون طغيان على طرف لصالح طرف آخر من أجل حفنة مال زائل لا قيمة له بين المصلحين والمخلصين والشرفاء , هؤلاء الشرفاء الذين ينصرون المظلوم ويواجهون الظلم والظلمة غير عابئين بعقاب أو سجن أو تنكيل , وبوقع اقلامهم تنقشع غمامات الظلم وتندحر جيوش الظلمة وتستجمع الهمم وتثور الشعوب المقهورة على جلاديها فتتحرر وتحقق لنفسها وبلدها النصر والعزة والحرية والكرامة0
نعم لا بد ان نكتب ونكتب ونكتب , وليكتب كل الشرفاء والاحرار والابرار والصالحون من أجل خير ورفعة البشرية وليكتبوا كل لحظة فسلاحهم هو سلاح الله تعالى فلم ينزل الله من السماء سيوفا ولا دبابات ولا بوارج ولا قنابل ولا دمارأ شاملأ ولكن أنزل كتبأ مسطورة على رسل كرام وكانت وستظل كتب الله المسطورة الإنجيل والتوراة وآخرها القرآن ستظل سلاح الله فى الارض يقتع به أهل الإيمان والتقوى ويثور عليه ويحيك ضده المؤامرات أهل الكفر والشرك والظلم والجريمة , نعم فالكلمة الطيبة الكريمة التى تضىء للناس ظلماتهم وتهديهم إلى سبيل الرشاد والهداية والكمال هى سلاح الله فى الارض وإلى يوم القيامة وهى سلاح البشر الأسوياء الشرفاء الأبرار فى كل مكان وزمان0
(8) لقد كتبنا فأين القراء ؟؟

سؤال وجيه ومهم ويجب على كل كاتب محترف عاشق للكتابة أن يسأله لنفسه وأستثنى من ذلك من يكتب مأجورا لنصرة باطل على حق او مأزوما حاقدأ لحاجة فى نفسه تجاه شخص بعينه أو شعب بعينه أو دين بعينه أو عرق بعينه أو لون بعينه أو أيدلوجية بعينها , حيث لا أعتبره كاتبأ بقدر ما أعتبره جنديأ مرتزقأ بلا هدف وبلا هوية غير الحصول على أكبر قدر من مال وذهب ومتع رخيصة وحصانات زائفة ولكننى أخص بكلمة ( كاتب) أصحاب المبادىء والقيم والمثل , حيث يتمسكون بها ويمسّكون بها , ويدعون لها ويدافعون عنها , ويضعون برامجهم لإقناع العقلاء والشرفاء بها , ويكون هدفهم عامأ وليس خاصأ , وأقصد به عموم النفع والفائدة من مشروعه الإصلاحى للبشرية كلها , وليس لطائفة بعينها دون الأخرين أو شعبأ دون باقى الشعوب , غاضأ نظره عن مكانهم ومكانتهم , ودينهم وعقائدهم , ولونهم وبشرتهم , وأصلهم ومحتدهم0
الكاتب الذى يهتف له الجميع لا بد ان يكون منافقأ , إذ كيف يتسنى له إرضاء جميع الأهواء والإستحواذ على إعجاب الكل على إختلاف آرائهم ومعتقداتهم وأهدافهم وتوجهاتهم , اللهم إلا إذا كان يلعب دور البلياتشو أو الأراجوز الذى يصفق له كل الحاضرين من عقلاء وسفهاء وأدباء وحمقى ولصوص وشرفاء لأنه اضحكهم جميعأ , فكيف لكاتب ذى مبدأ يعيش له وليس عليه ويدافع عنه عن قناعة ورضا وليس بسبب قبض معلوم مادى أو ذهبى أو منصبى , كيف لهذا الكاتب المغلف بمثله العليا والمبطن بها أيضأ , أن يرضى كل الأطراف المتنافرة والأضداد المتحاربة المتناحرة فيصفقون له جميعأ إلا إذا كان قد رقص على كل الموائد ولعب على جميع الحبال وهو أمر لا شك محال , إلا على مزيف دجال و نصاب محتال يرتزق من قلمه بغض النظر عن تضارب ما يكتبه مع ما يؤمن به فقد همش قضية الإيمان ولم يعد لها ترتيب فى أرقام أولوياته0
فليكتب كل كاتب ما يؤمن به وما يعتقد انه صحيح وليحترم كل الردود ويقدرها خير التقدير ويرد عليها بأدب جم ولا يحقرها ولا يتعالى عليها ولا يجعل من نفسه كوكبأ فى أعالى السماء يلقى بنوره ولا يمسه أحد ولا يدرك كنهه ولا يصل إليه , بل عليه أن يرد وأن يدافع عن مبدئه الذى أرساه فى مقاله وإلا لو هرب من الرد فإن أقل قول يقال هو أنه يكتب ما لا يؤمن به ولا يستطيع الدفاع عنه ولا يكلف نفسه مشقة الرد على القارىء الذى بدونه لا يخرج مقاله لعالم النور والمعرفة , فليدافع كل كاتب عن مقالاته بروح طيبة ولا يرد على الإساءة بمثلها بل يدفع بالتى هى أحسن فكم من كلمة طيبة صنعت صديقأ من عدو , وصنعت حليفأ من ضد0
لا تظن أنك سترضى كل الأذواق والتوجهات والعقول والافكار والأحلام إلا إذا كنت أراجوزأ كما أسلفنا , ولكنك فى معرض كتاباتك لا تقلل من شأن إنسان ولا تعتدى على دين من الأديان ولا تهاجم فارسأ من فرسان الزمان فلكل دين أتباعه , ولكل إنسان اشياعه , ولكل فارس أوضاعه , فلو تعرضت لدين بنقد لنا تنال غير الكراهية والحقد , ولو تعرضت لفارس بهمز لن تنال غير اللمز والغمز , ولو تعرضت لإنسان بسوء لن تحصد غير ما يسوء0
لا تظن – عزيزى الكاتب الشريف الذى أخاطبه--- أننى أخيفك او أحدّ من قدراتك الإبداعية أو أقلل من جهد قلمك المتحمس المتحفز ليل نهار , لا والله , ولكن الكتابة عن المبادىء أعظم وأجمل وأجدى من الكتابة عن الأشخاص , أما فى موضوع الأديان فإن نقد السلوك البشرى أنفع وأجدى واقوم واقوى من التوجه لنقد نص سماوى كل المؤمنين بالله تعالى ورسله يعلمون انه من عند الله , فهل ينقد العبد ربه وخالقه تعالى الله علوأ كبيرأ , ولكنه ينقد إنسانأ ما أخفق فى فهم أو تطبيق مبدأ ما واراد فرض إخفاقه كأنه دين , أوفرض فشله فى فهم مراد الله كأنه مراد الله تعالى0
يجب ألا يعتمد الكاتب الشريف الثقافة السمعية مصدرا من مصادر العلم فيكتب موضوعأ طويلأ عريضأ بناءأ على إشاعة أو خبر عابر دون التحقق من سلامته وصدقه فيقع الكاتب فى زلل عظيم ويصبح موقفه فى غاية الحرج والمرج , وتبدا الاقلام المضادة فى الهجوم عليه وتقع المعارك االكتاباتية التى قد تمتد وقتأ طويلأ وقد تنتهى بكوارث وقد توقع شعوبأ فى بعضها وقد تسبب قتلى والسبب خبر كاذب أو إشاعة عابرة لم يتم التأكد منها وكان الهدف سبقأ صحفيأ وشهرة زائفة تعود بالشقاء على طالبها الذى لن يحصل عليها ولن يكون صاحبها 0
لا تتوقع ان يقرأ لك الناس جميعأ , ولا تنتظر أن يصفق لك كل من يقرؤن كتاباتك , ولا تحلم بالهدايا والحفلات والرحلات فكل هذه مقاصد لا تتحقق اللهم إلا للاراجوز كما أسلفنا , اما اصحاب القيم والمبادىء والمثل التى يعيشون لها وليس عليها فإنهم يعلمون ان فى كل متر لهم أحباب ولهم أعداء , لهم مشجعون وضدهم مثبطون , لهم مناهضون ومعهم مناصرون , وسيظل الناس كلهم مختلفين إلى يوم الدين ولن يتفقوا على رأى واحد أو فكر واحد أو مذهب واحد أو دين واحد او حتى إله واحد ولو شاء الله تعالى خالق الكون لجعلهم امة واحدة ولا يزالون مختلفين , فالإختلاف سنة الله فى خلقه وفى كونه ولن يوجد كاتب واحد يصفق له الجميع وإلا إذا كان اراجوزأ!!!!

(
9) التعليق من حق القارىء
هذه السلسلة التى اكتبها عن الكتاب وأقلامهم وأنواع الكتاب وأنواع القراء لا اقصد بها طبعأ كاتبأ معينأ او قارئأ معينأ وإنما كتاباتى عامة أرجو منها النفع لى وللجميع فى إلقاء بعض الشعاع الضوئى على هذا الموضوع العسير وأرجو ان يؤتى ثماره وأن ينبه كل كاتب ويعلم ان كتابته إجتهاد بشرى ورأى إنسانى يحت ومن حق الآخرين رفضه أو قبوله حسب ثقافة كل منهم وليس من حق أى كاتب أن يظن نفسه فوق النقد ولكن المؤكد أن التجريح والإهانة والتعرض لشخص الكاتب وخصوصياته هى من أقبح الأمور التى قد يقع فيها معلق متهور أو حتى كاتب آخر يعلق على نفس المقال بتعليق او بمقال0
ايها الكاتب الهمام المتعدد المقالات والكتب والمتنوع الكلام , يا من تكتب فى كل مكان وتريد أن تسيطر على العقول وتأسر الافهام , وتحب ان تطوى القلوب وتستميل الأقلام , أو لست بشرأ يشرب الماء ويأكل الطعام ويستيقظ وينام ويعمل جاهدأ لكى يشتهر بين الأنام ؟؟ أم أنك من شىء آخر غير الطين الصلصال والماء الزلال ؟ هل ظننت نفسك نبيأ يأتيه وحى السماء ؟ ام أنك متأله على الناس تتعالى فى سماء أحلامك وفضاء أوهامك ؟
قلنا وسنكرر أن كلامك كلام بشر يمكن لكل إنسان أن يرفضه بأدب فإذا صممت على فرض وجهة نظرك بالقوة فمن حق الآخر أن يتركك ويتركها فأى مخلوق أنت ؟ وكيف تعتقد أن وجهة نظرك قد وصلت لدرجة الوحى الإلهى وغير قابلة للمناقشة والرفض والدحض والإلقاء أحيانأ فى سلة المهملات , نعم يا هذا , يا كل من يكتب ويظن نفسه نبيأ أو رسولأ يأتيه خبر السماء , يا من تؤله نفسك دون أن تدرى , لا تتحمس بكل هذه القوة لما كتبت ولا تدافع باستماتة عن ما سطرت بل عد بهدوء إلى نفسك وقلمك واقرأ تعليقات الذين فندوا رأيك وأبطلوا زعمك , راجعها بحب وسمو وكرامة لو كنت تؤمن بأنك تسعى لخير الإنسان فى كل مكان , لا لأنانياتك الخاصة وطموحاتك فى شهرة مريضة تفرضها على الناس فرضأ , والناس بصراحة تعبت من كل شىء فإذا كتبت وأحب الناس كتاباتك فحبأ وكرامة وإذا إكتشفت شذوذ فكرك وانحراف رأيك ورأيت قلمك مرفوضأ فما المانع من الإنسحاب بشرف ؟ , لأن القائد الذكى هو الذى يستشعر قرب الهزيمة فينجو بجلده من المعركة وينجى معه مئات الألوف من جنوده المغلوبين على أمرهم , فما المانع أن ينسحب الكاتب لو شعر بهزيمة رأيه ودحض فكره وفرغ جرابه من أى سلاح حقيقى يدافع به عن رأيه , فلا يلجأ للقمع والقهرالفكرى والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور , إذ من هو حتى يفعل ذلك وماذا يمتلك حتى يصل لهذا المأرب البعيد المنال؟0
مصيبتنا الكبرى فى عالمنا العربى أن كلأ منا متفوق فى شحذ لسانه فإذا قال رايأ لم يعجب الآخر ولاحظ رفضا أو امتعاضأ من رأيه سلق الآخر بلسان حاد كحد السيف او أمضى , وإذا وافقه الرأى عانقه وتفاخر به وصعد به إلى السماء فإذا خالفه ذلك المرضى عنه فى رأى جديد حقره ونهره وهبط به من أعلى سماء إلى أسفل أرض , فأى عقول هذه وهل تمت للعلم والثقافة والأدب والتسامح بصلة ؟ وأى تحجر ذلك الذى يعشش فى تلك العقول المريضة ؟
منذ متى ورأينا قاطع لا يرد ؟ ومن أعطانا حق الكلام الذى لا يراجع ولا يستثنى ولا يرفض ولا يلغى ؟ قل ما شئت وتكلم وابحث واجتهد واعرض رأيك على الناس فإن وافقوك فمرحبأ وإن خالفوك فراجع نفسك فقد تكون متسرعأ أو معتمدأ على مصادر غير حقيقية أو نظريات ليست علمية , راجع رأيك واجتهد من جديد فلن تخسر شيئأ بل ستكسب كل شىء وأولها نفسك التى بين جنبيك لأنك لو تركت نفسك للغرور والكبر والتعالى والإيحاء الشيطانى بأنك لا يدانيك احد فى فكرك ولا يجاريك مخلوق فى وجهة نظرك فقد ضعت ضياعأ ابديأ وسقطت سقوطأ سرمديأ 0
من عادة البشر أن يتفكروا فيما يقال لهم ويبحثوه ويتدبروه ويزنوه ويثمنوه ويقدروه فلا يقع القول على آذانهم بلا اثر فإذا فقهوه وعلموا أنه حق ولا غبار عليه قبلوه وإلا رفضوه وذلك حقهم , حتى لو رفضوا الإيمان وصمموا على الكفر أو رفضوا الكفر وصمموا على الإيمان فلكل عقله ولكل فكره ولكل رأيه , ومن منا لم يدرك حقيقته وكنهه ؟ ومن منا لم ير طفلأ يولد او إنسانأ يموت ؟ ومن منا لم ير آيات الكون العظيمة فى الأرض والسماء , والماء والهواء , والجبال والصحراء , فمن كفر بعد ذلك فعليه كفره ومن آمن برب الكون فله إيمانه ولا تزر وازرة وزر اخرى , وليس من حق مخلوق فرض رأيه على الآخرين حتى لو كان نبيأ مرسلأ فقد منح الله الحرية لعباده فى رفض كل شىء أو التصديق بأى شىء ومقابل ما حصل عليه الإنسان من حرية وعقل فإنه يدان أمام الواحد الأحد الديان فى يوم لا يهرب منه إنس ولا جان , فالكل محاسب وكل إنسان سيلقى جزاء ما قدمت يداه فى دنيا النزاع واللعب واللهو الجدال0
أيها الكاتب المغتر بكتاباته , من حقك أن يكون لك رأى طبعأ وأن تكتب عنه وتدعو له بأدب وسمو وتسامح وتواضع لكن الذى ليس من حقك هو أن تفرضه فرضأ او توحى للقارىء أنك لا تنطق عن الهوى وأن ما تكتبه هو وحى يوحى فحاشا لله تعالى فقد ختم بالقرآن كتبه السماوية وبمحمد عليه السلام أنبياءه , إذا انت مثلى ومثله ومثلهم جميعأ , كلنا يفكر ويتدبر سواء فى أمر دينى او دنيوى , خلقى او خلقى ( بضم وكسر الخاء) , صناعى او زراعى , فلسفى او واقعى , جهرى أو سرى , صعب او يسير , جديد او قديم , مكرر اومبتكر , كلنا له حق التفكر والكلام والكتابة والتأليف طالما لديه المعطيات والمقومات التى تؤهله لذلك , وكلنا له حق القبول والإقتناع او الرفض الجزئى أو الرفض التام لما يقال امامه او لما يقرأه فى كتاب أو مقال او قصة أو قصيدة 0
جميل جدأ ان نفكر فبغير التفكير لا كرامة لنا ولا كينونة , لكن الأجمل ان نعرض فكرنا عرض التلميذ على الأستاذ وليس عرض الأستاذ على التلميذ لان المؤلف او الكاتب الذى يجعل من نفسه استاذأ للناس هو كاتب فاشل فاشل فاشل , أكررها ثلاثا , لأنه لن ينصلح له حال ولن يتقدم نحو الأمام ونهايته هو وكتاباته صناديق المهملات طبعا أما الكاتب الذى يعرض رايه وكتابته كانه تلميذ وعموم العقول استاذ له فهو فى طريق التقدم والرقى والعلو لا محالة , فسوف يستفيد من كل رأى ويستثمر كل فكر , ويدخر آراء الذين نقدوه كأنها ذهب خالص فعن طريقها سيعرف رأسه من قدميه ويصلح من نفسه ويهذب وجهة نظره , وبالطبع لن يكون الكاتب منافقا مرائيأ يكتب ما يرضى الناس حتى يكسب تصفيقهم ولكنه سيكتب ما يقتنع به ويستفيد من خبرات القراء والكتاب الآخرين فى الترقى بكلماته والإرتفاع بكتاباته إلى أعلى عليين 0
(10) أبطال خلف لوحة المفاتيح

من رحمة الله سبحانه بنا أن منحنا العقل والعلم والحرية , فقد ترقى العقل البشرى (( الحر)) ووصل بالبشرية إلى رقى حضارى منقطع النظير فى شتى مجالات الحياة , فقد غطت التكنولوجيا كل مناحى الحياة حتى تحولت الدنيا على سعتها إلى قرية واحدة , فإذا هرش مخلوق رأسه فى طوكيو تحدثت عنه وكالات الأنباء قبل أن تنزل يده التى يهرش بها لكى يعلمها أهل الصين والهند والسند وكوالالامبور وبوركينا فاسو , فيا لفرحة العالم ويا لسعده بهذا التقدم المبهر المذهل الذى جعل من جهاز الكمبيوترأو اللاب توب مرصدا لإرسال ما تريد واستقبال ما تشاء من أحداث وكتابات وقصص ومقالات وصور وأغانى وأفلام وتحقيق أحلام وبيزنس وكسب وخسارة وسوق وسويقة وشارع رهيب مدهش يعج بالملايين من كل شكل ولون وكل واحد يبيع بضاعته بالسعر الذى يروق له ولم يحرم اللصوص والحرامية من مكانهم ومكانتهم على شبكة النت المتناهية الدقة واللامتناهية المساحة , فانتشر اللصوص يسرقون الأموال والفلوس ويخربون المواقع كالتيوس , ويدمرون الأحلام ويعوقون الأقلام , ويسرقون الآمال والذكريات , ويشيعون فسادهم على شكل فيروسات , تسلب الحقوق ,وتنشر الفسوق , وتعيث فسادا فى كل شارع ومحفل وسوق0
أصبح النت متنفسأ عظيما للكاتب والقارىء العربى معا بعد زمن من القهر والإضطهاد والذل والإستعباد إمتد على مر تاريخ العرب الكرام لقرون طويلة , عانى منها الإنسان العربى معاناة وصلت إلى عنان السماء , حيث قتل واغتيل , وجلد ورجم وأعدم وصلب , وحورب فى رزقه ومصدر عيشه , وحقر وسفه وحرم من حقوقه , وحرم من مجرد النطق برأيه , وذل وكبت وقهر وأرغم على عمل ما يكره , ورؤية ما يأبى وممارسة ما يرفض , كل ذلك ذاقه الإنسان العربى على مدى قرون طويلة حرصأ من الملوك على كراسى الملك ومن حواشيهم على مناصبهم ومكاسبهم ومتعهم الخاصة وسرقاتهم اللانهائية وطموحاتهم المجنونة الغير محدودة , فكان المواطن المسكين قليل الحيلة هو الضحية دائمأ , ودفع كرامته وحريته وإنسانيته ثمنأ غاليأ لمهاترات المجرمين , ولأطماع الخونة والظلمة والطغاة على مر تاريخ أسود طويل , وليل حالك لا ينتهى , فكان هذا سببأ فى كبت رهيب أصاب العقل والقلب العربى معأ فى مقتل وأدى بهما أن ينفجرا فى الإنترنت كل هذا الإنفجار الرهيب المذهل والذى أخرج لنا عواطف جياشة , خرجت على هيئة قصص وشعر ومسرحيات وصور وأفلام وأغانى , و فكرا متنوعأ خرج على هيئة كتب ومقالات ومؤلفات واجنهادات , ما بين المستنير والمتحجر وما يدعو للتمسك بالماضى لدرجة الجمود وما يدعو للحداثة لدرجة الإنحلال الأخلاقى , ومنهم الوسطيون الذين يريدون الإستفادة من الحداثة مع الإحتفاظ بعبق الماضى وتراثه نأخذ منه ما ينفعنا ونترك ما لا يلزمنا كما يقولون0
راح كل كاتب محروم من النشر أو شاعر منزوى من فداحة القهر , راحوا يكتبون على شبكة النت ما يحلو لهم فمنهم مقتصد , ومنهم سابق بالخيرات , وكثير منهم ساء ما يكتبون وما يكسبون , فكتبوا باسماء كثيرة مستعارة , مما يؤكد أن الشخصية العربية ما زالت مهزوزة و منهارة , ولو أنهم صدقوا مع الله ومع أنفسهم ومع الناس لما أخفوا أسماءهم وأماكنهم وتخفوا خلف أسوار الخوف والرعب وراحوا يكتبون ما يرونه حقأ ويسطرون ما يرونه واجبأ وجهادأ وصدقأ من وجهة نظرهم طبعأ , فغيروا أسماءهم وانتحلوا أسماءأ اخرى حتى يتسنى لهم مهاجمة الحكام والحكومات والأشخاص والجماعات والجمعيات ويعرضون ما يكتبون غير خائفين و غير عابئين فهيهات أن تصل إليهم يد أو يعرفهم أحد أو يسجنهم أو يعذبهم كما حدث فى الماضى مما تسبب فى بتر الفكر وقتل العقل العربى الذى لم يعد يعيش إلا للتقليد والتكرار الممل فتعسأ لهم هؤلاء الذين فعلوا ذلك بالعقل والفكر العربى –أقصد طبعأ الذين قهروه وعذبوه واغتالوه--- تحت أى مسمى فحرموه من أهم معطيات التقدم والتحضر العلمى والفكرى وجعلوه فى آخر الأمم بل جعلوه متهمأ بالعجز والتواكل والتطفل على حضارة الأمم الراقية0
الغريب أنك تجد الشخصية العربية بنفس صفاتها فى أرض الواقع تجدها هى هى على النت , فالصراخ فى المؤتمرات وفرض الرأى وتوبيخ الآخر وتحقيره والإقلال من شأنه وعبادة الذات , وتأليه البشر , وتعميم الأحكام واستعماء المستمع والإستهزاء به وبفكره وبرأيه , والخروج من كل جلسة أو أجتماع أو مؤتمر بالنتيجة المعروفة وهى صفر , كل هذا تقرأه على النت فتصاب بالذهول لو دخلت منتدى عربيأ وقرأت كم الشتائم والتحقير والتكفير والتأكيد على دخول النار للمخالف والجنة للموافق وكأن الجنة والنار قد خصصت للعرب , وليس للأمم الأخرى فيهما نصيب , بل كأن الامم الأخرى ليس لهم علم بثقافة الجنة والنار والعذاب والثواب والخلود , حيث لا تجد أحدا فى العالم يتوعد الآخرين بالنار ويهدى الجنة لمن أحب إلا فى الفكر والثقافة العربية , ولا يقتصر ذلك على المنتديات بل يمتد طبعا ليشمل الصحف النتية بما فيها من مقالات هجومية تتهم الآخرين بالضلال والعمالة والجريمة والتآمر على الوطن دون سند أو دليل , و بعض الكتاب صنع من نفسه حاكمأ وقاضيأ وجلادأ , يصدر الأحكام وينتظر تنفيذها بأى شكل وصورة فسبحان الله الذى له الحكم وإليه يرجعون0
لم نتعود على عرض آرائنا بشفافية وحرية وشرف وتسامح وتقبل للآخر المخالف , بل تعودنا على ثقافة الإتهام والتكفير والتحقير والتصغير والإقصاء لكل من قال لنا 00 لا ء , ولكل من نهج غير نهجنا ودان غير ديننا , وهكذا انتقلت ثقافة المؤتمرات والمؤامرات العربية بكل ما فيها إلى النت , ولكن عزاءنا أن الشبكة العنكبوتية تقنية جديدة فى عالمنا وانها سوف تخلص وتصفو وتتطهر من الرجس مع مرور الزمن , فيتذوق كتابها لذة الحوار الهادف البناء المحترم الذى لا يرجو غير خير البشرية جمعاء بلا استثناء , والذى يعلم أن الله تعالى لو اراد أن يجعل الناس امة واحدة من قديم الزمان لفعل ولكنه سبحانه قال لهم فى بداية نزولهم للأرض الدنيا :-
(اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )
* وأخيرأ أختم هذه السلسلة التى كتبتها عن الكاتب والقارىء وأصول الكتابة والقراءة والتعليق ( من وجهة نظرى) ولقد

اجمالي القراءات 21754