قراءة في فتاوى "شيطنة الإسلام"
قراءة في فتاوى "شيطنة الإسلام"

نبيل شرف الدين في الجمعة ٠٣ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

فتاوى عبثية وأخرى تحريضية وثالثة تشعل حرب "الروافض والنواصب"قراءة في تصاعد موجة فتاوى "شيطنة الإسلام" خلال رمضان

 
 
:
إلى أين يريد نجوم هذا الزمان من مشايخ الفتاوى العنترية المهووسة أن يأخذوا الإسلام والمسلمين؟ لا يحتاج الأمر إلى أكثر من رصد تلك الفتاوى وتأمل أصدائهÇde;دائها وتداعياتها، حتى نكتشف مدى ضخامة حجم الكارثة التي يقودها من يفترض بهم أنهم "علماء الأمة"، لاستكمال بقية حلقات "شيطنة الإسلام"، وترسيخ الإنطباعات والآراء السلبية عن المسلمين في شتى أنحاء العالم، فضلاً عن كون هذه الفتاوى الخرقاء تمثل تدهورًا في الفكر الديني، الذي ينبغي له أن ينير العقول ويطمئن النفوس، ويسمو بفكر المسلمين ووجدانهم، بدلاً من أن يجرهم إلى التخلف والجهل والتعصب، ومنافاة أبسط قواعد الذوق العام .

ليس في الأمر ثمة تحريض حين يطالب المفكر الكبير د. فؤاد زكريا بأن مواجهة هذا النوع من الفتاوى ومن يصدرونها لم يعد يحتمل مزيدًا من التسامح مع من وصفهم بـ "مشايخ التحريض والطائفية والسفه الفكري"، ذلك لأنهم لا يتحملون وحدهم نتائج ما يطلقونه من فتاوٍ خرقاء، بل يتحملها المسلمون عامة، لدرجة أفلح فيها هؤلاء بما يصدرونه من "هرطقات" لا يدرسون تبعاتها جيدًا، في "شيطنة الإسلام" زورًا لدى كثير من الشعوب والأمم الأخرى في العالم، كما يقول زكريا في معرض تعقيبه على هذه الفتاوى .

غير أن هذه المسألة قديمة، تظهر بين الحين والآخر على هيئة موجات شرسة من الفتاوى المثيرة للجدل والتي يصل السفه ببعضها إلى تخوم الكوميديا السوداء، وتتحول بالأمر من موضع الجد إلى قلب الهزل والمساخر أحيانًا، وأي إساءة للدين ومعتنقيه أكثر من هذا؟، يتساءل زكريا. فمثلاً أفتى أحد أساتذة كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، بما أسماه "إرضاع الكبير" وهي الفتوى التي تبيح للمرأة أن تُرضع زميلها في العمل، إذا كان عملها يقتضي أن تختلي بزميلها، حتى تكون أمه في الرضاعة، ومن ثم يجوز لهما أن يختليا خلوة شرعية .

ويزعم صاحب هذه الفتوى أنه كان يحاول المساهمة في حل ما يعرف بالخلوة الشرعية، حيث يحرم الكثير من المشايخ وجود رجل وامرأة، لا تربط بينهما قرابة من أي نوع، أن يختليا في مكان مغلق، مثل خلوة السكرتيرة مع مديرها مثلاً، أو أي وضع آخر ربما تقتضيه طبيعة العمل، وحتى تصبح خلوتهما شرعية، رأى فضيلته أن يرضع الرجل من المرأة "خمس رضعات مشبعات"، على فترات متباعدة، حتى تصبح المرأة أمه في الرضاعة، وأن ثبوت إرضاع الكبير لإباحة الخلوة بين رجل وامرأة ليس بينهما صلة قرابة النسب ولا صلة الإرضاع في حال الصغر قبل الفطام بشرط أن تكون الخلوة لضرورة دينية أو دنيوية"، كما ورد بنص تلك الفتوى التي أثارت وقت إطلاقها جدلاً واسعًا.

فتاوى عبثية

 
 وفي معرض التعقيب، فهل يحتاج الأمر إلى جهد خارق أو ذكاء يفوق العادي، ليكتشف المرء مدى سخف فتوى "رضاع الكبير" في حال طبقت بالفعل، وما قد يترتب عليها من تفاصيل تصل لحد الكوميديا السوداء، لاسيما مثلاً لو افترضنا أن المؤسسات والشركات ستخصص يومًا ومكانًا لرضاعة موظفيها، وكيف يمكن أن يتقبل زوج شرقي تجري في شرايينه دماء وليس "شوربة عدس"، أن يرضع زميل زوجته ثديها ؟.

ففي المؤسسات الضخمة التي تعج بآلاف العاملين، هل ستقوم مثلاً ـ من باب التنظيم والتوثيق ـ بإصدار "شهادات رضاعة" للموظفين، ومن سيراقب سير مثل هذا الأمر العبثي المثير للغثيان ؟، وهل ستخصص مثلاً غرف للرضاعة في الهيئات والشركات ؟، وهل ستكون هناك وظيفة "مشرف رضاعة"؟. لا تنتهي هذه الأسئلة التي لا تقل سخفاً عن الفتوى ذاتها، كما تقودنا الاحتمالات ومراعاة التفاصيل والتنظيم إلى دروب وعرة، ويبدو أن الشيخ الذي أطلق هذه الفتوى لم يفكر بهذه التفاصيل، ولم يشأ أن يجهد نفسه قليلاً ليتخيل كيفية تطبيق فتواه تلك، قبل أن ينطق بها فتثير الفتنة .

ومازلنا مع الفتاوى العبثية المثيرة للغثيان، إذ طالب الداعية السعودي الشيخ محمد الهبدان، خلال برنامج بثتة فضائية "المجد" الإسلامية، إلى ضرورة أن يضغط الرجال على محارمهم (الزوجات والبنات) بارتداء ملابس النقاب بعين واحدة وليس العينين الاثنتين، محذرًا من ارتداء الملابس الموجودة في أسواق المملكة الآن وهي من النقاب غالبًا، قائلاً إنه لا يصح ارتداؤها بحيث تظهر المرأة عينيها أو وجنتيها، والنقاب المشروع هو ما ذكره "ابن عباس" حينما قرأ آية الحجاب فغطى وجهه عينًا وأبدى عينًا واحدة صغيرة وقال هذا هو لترى الطريق، فنقول للأخوات من أرادت أن تتنقب فلتفعل هذا .

ويقترح فضيلته على النساء ما يراه نقاباً شرعياً بقوله : "إن بعض الأخوات لا ترى الطريق أو لا ترى السلعة فهناك حل، إذ هناك بعض الأنقبة يوجد به تقاطيع وعليه طرحة، فمن الممكن أن تكون منطقة العينين مثل تقاطيع الشبكة وعليها أيضًا طرحة، فإن أرادت أن تمشي فتدع الطرحة، وإن أرادت أن ترى سلعة فترفع الطرحة"، على حد قوله. وقبل أن تهدأ الساحة الإسلامية من اللغط واللغو والمعارك الساخنة حول الفتوى الدموية التي أهدرت دماء أصحاب الفضائيات، فوجئنا بدعوة الشيخ محمد المنجد إلى مقاطعة أفلام الكارتون التي يلعب بُطولتها الشخصيات الشهيرة المحببة للأطفال مثل "توم وجيري" و"ميكي ماوس"، قائلاً إنّه يجب عدم السماح للأطفال بمشاهدة مسلسلات "ميكي ماوس" لأنّ هذه البرامج تجعل الكائن النجس محبّبًا على قلوبهم، وأضاف منجّد أنّه كما تقتل الفئران الحقيقيّة في المنزل، كما يجب أن يُقتل "ميكي ماوس" وكان ذلك خلال مشاركته في برنامج تبثه فضائية "المجد" السلفية.

وتدحرجت الفتوى لتصل إلى الصحافة الدولية، فنقلت صحيفة "دايلي تلغراف" البريطانيّة أنّ الشيخ المنجّد، أحد العلماء في السعوديّة، رأى في حديث تلفزيوني أنّ الفأر هو من "جنود الشيطان".

فتاوى تحريضية

ومن الفتاوى العبثية التي تندرج تحت بند "الكوميديا السوداء"، نصل لفتاوى التحريض على القتل، ولعل أشهرها وأحدثها تلك التي أطلقها أحد كطبار مشايخ السعودية التي دعا فيه الى قتل اصحاب القنوات الفضائية التي تبث برامج "تحث على الفتنة والفساد والسحر والشعوذة"، وفي مقابلة إذاعية مع رئيس مجلس القضاء الاعلى الشيخ صالح اللحيدان في سياق حديثه عن اصحاب هذه الفضائيات إن من يدعو الى الفتن إذا لم يمتنع (بعد دعوته للامتناع) يحل قتله لان دعاة الفساد في الاعتقاد أو في العمل، إذا لم يدفع شرهم بعقوبات دون القتل جاز قتلهم قضاء"، على حد زعمه .

وبالتالي يمكن لكائن من كان ـ خاصة في أوساط المراهقين والمهووسين دينياً ـ أن يتطوع لقتل أصحاب الفضائيات التي لا تروق لهم، متخيلين أنهم ينفذون فريضة دينية، استناداً لفتوى الرجل الذي يشغل منصباً قضائياً رفيعاً، حتى لو قيل إن تطبيق القتل لا يكون لآحاد الناس، فإن هناك من يدرك وهناك أيضاً من لا يستوعب، فضلاً عن إنه إذا فعلها أحدهم فلن يكون متهماً إلا بـ "الافتئات" على السلطة العامة، أو الحاكم في أمر من صميم اختصاصه، كما قال الشيخ الإخواني الراحل محمد الغزالي، في معرض شهادته أمام محكمة مصرية كانت تنظر في قضية اغتيال المفكر الراحل فرج فودة، إذ وصف الغزالي القاتل بأنه لم يرتكب سوى "الافتئات" على الحاكم والنظام، لكنه طبق ما يراه واجباً شرعياً بحق مرتد .

لكن تجدر الإشارة هنا أن هناك من تصدى لهذه الفتوى التحريضية، ومنهم المستشار بوزارة العدل وعضو مجلس الشورى السعودي، الشيخ عبد المحسن العبيكان الذي وصف هذه الفتوى بانها "تدعم الارهاب والفئة الضالة". وبالطبع لا ننسى الفتوى التي سبق وأصدرها الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، الأستاذ السابق بقسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهي بحق كل من الكاتبين السعوديين يوسف أبا الخيل، وعبد الله بن بجاد العتيبي، وهما كاتبان معروفان ينشران مقالات رأي في صحيفة "الرياض" السعودية شبه الرسمية، وصحف خليجية أخرى .

وفي فتواه قال البراك: "إنه من هذا الأصل أخذ العلماء أن من نواقض الإسلام اعتقاد أن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد، فمن زعم أن اليهود والنصارى أو غيرهم أو طائفة منهم لا يجب عليهم الإيمان بمحمد، ولا يجب عليهم إتباعه، فهو كافر وإن شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله". وحسب الشيخ فإن "من زعم أنه لا يكفر من الخارجين عن الإسلام إلا من حاربه،أو زعم أن شهادة ألا إله إلا الله لا تقتضي الكفر بما يعبد من دون الله،يكون قد وقع في ناقضٍ من نواقض الإسلام،فيجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك،فإن تابَ ورجع،وإلا وجب قتله مرتداً عن دين الإسلام".

واختتم البراك فتواه بالقول: "إنه من المؤسف المخزي نشر مقالات تتضمن هذا النوع من الكفر، في بعض صحف هذه البلاد، المملكة العربية السعودية، بلاد الحرمين، فيجب على ولاة الأمور محاسبة هذه الصحف على نشر هذا الباطل، الذي يشوه سمعة هذه البلاد وصورتها الغالية"، على حد  قول البراك في فتواه الشهيرة، التي يهدر فيها دم الكاتبين صراحة .

والحاصل أن فتاوى التحريض على الكتّاب والصحافيين والفنانين والمفكرين لا حصر لها، وتحتاج إلى مجرد رصدها إلى مجلدات، خاصة إثر تفاقم هذا النمط من الفتاوى الدموية خلال الأعوام القليلة الماضية، لدرجة أجبرت كثيرين على مداهمة مؤسسة الفتيا ورموزها من نجوم التحريض .

القرضاوي والشيعة

ولعل جميع ما استعرضناه من فتاوى في كفة، وتصريحات الشيخ يوسف القرضاوي بشأن الشيعة في كفة أخرى، فقد فجر الرجل الذي يعتبره الكثيرون "معتدلاً ووسطياً" قنبلة من العيار الثقيل، حين تحدث عما أسماه "المدّ الشيعي في مصر"، وتساءل القرضاوي مستنكراً : "عندما تركت مصر قبل 47 عاماً لم يكن فيها شيعي واحد، أما الآن فهناك الكثير منهم فمن أدخلهم في التشيع، ومصر هي بلد الأزهر، قلعة السنة، فكيف دخلها التشيع؟"، يتساءل الرجل الذي يحمل جنسيتي مصر وقطر، وإن كان يفضل الإقامة الدائمة في الدوحة منذ عقود خلت .

ومضى القرضاوي قائلاً إن ما وصفه بإصرار إيران على نشر المذهب الشيعي في العديد من الدول العربية "هو غزو سياسي وليس دينيًا، له أهدافه ووسائله ورجاله"، وأضاف في تصريحات لفضائية "أوربيت"، قائلاً "إن إيران تحاول فرض نفوذها علي من حولها، وحذر مما أسماه محاولات الغزو الشيعي للدول السنية"، على حد قوله . ومضى القرضاوي الذي يحلو للكثيرين وصفه بالفقيه المعتدل داعيًا للجماعة التي نشأ بين صفوفها وهي جماعة "الإخوان المسلمون"، مرحباً بتوليهم مقاليد الحكم في مصر، معتبرًا أن "الجماعة تمثل الوسطية الإسلامية، وأن مشروع الإمام حسن البنا هو المشروع السني الذي يحتاج لتفعيل"، على حد زعمه .

أما اللافت في هذا السياق فهو أن تصريحات القرضاوي الأخيرة تلك شكلت مفاجئة من العيار الثقيل، لأنه سبق وتحدث من قبل عن ضرورة تجاوز الخلافات بين السنة والشيعة، وهو ما يفسره مراقبون ومحللون سياسيون بأن هذه التصريحات استخدام سياسي يرتبط بالتوتر الدولي والإقليمي الراهن مع إيران، كما يعتقدون أن تصورات القرضاوي عن زيادة التأثير الشيعي يرجع لارتباط حياته في الدوحة، حيث تشكل المسألة الشيعية والإيرانية هاجسًا أزليًا، بينما لا تعاني مصر من هذا الأمر لاعتبارات عدة أولها ضآلة أعداد الشيعة في مصر، والمسافة الكبيرة الفاصلة بين مصر وإيران .

وأكد القرضاوي في تصريحاته المثيرة للجدل أنه لا يوجد بينه وبين الشيعة أي خلاف، وأن تصريحاته فهمت خطأ.. وليس لديه اعتراض على المد الشيعي، ولكن اعتراضه على المد الشيعي في دول لا يوجد فيها شخص واحد شيعي .

من جانبها ردت إيران بشدة على القرضاوي، عبر وكالة الأنباء الرسمية "مهر"، واتهمته بأنه "يتحدث نيابة عن زعماء الماسونية العالمية وحاخامات اليهود"، وطالبته بأن يترك ما أسمته بالعصبية الجاهلية ضد شيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت إن الشباب العربي أصبح يتوجه الآن نحو المذهب الشيعي الثوري"، كما قالت الوكالة الإيرانية . ومضت الوكالة قائلة إن "هذا التوجه نحو المذهب الشيعي يأتي ضمن معجزات أهل البيت عليهم السلام التي لا يدركها إلا أولو الأبصار" ودعت القرضاوي إلى أن "يتقبل الأمر الواقع، ويترك معاداة أهل البيت ويستغفر ربه"، حسب الوكالة الإيرانية الرسمية .

ووجهت الوكالة الإيرانية في تقريرها سيلاً من العبارات القاسية للقرضاوي، قائلة "إنه يتحدث بلغة تتسم بالنفاق والدجل، وتنبع عن أفكار طائفية، وهو ما أفقده وزنه، بعد أن تفوه بمثل هذه الكلمات البذيئة ضد الشيعة، وقالت إن كلامه يصب في مصلحة الصهاينة الذين يحذرون من المد الشيعي بعد هزيمة الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان عام 2006 أمام حزب الله"، كما تقول الوكالة الإيرانية . أما تداعيات هذه المعركة عبر مواقع الإنترنت بين الشيعة والسنة، فحدث ولا حرج، ويتطلب رصدها تفصيلاً أكبر لعلنا نأتي عليه في موضع آخر قريباً ..
والله المستعان

اجمالي القراءات 12086